معاوية بن أبي سفيان

معاوية بن أبي سفيان وتأسيس الدولة الأموية:


معاوية هو ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية، كان أبوه من مشاهير رجالات قريش وأحد كبار قادة قوافلها التجارية. وكان أبو سفيان قد تزعم مشركي قريش في حربهم للإسلام، وشعر بالإخفاق يوم فتح مكة؛ فأعلن اعتناقه للإسلام، واعتُبر وأمثاله من المؤتلفة قلوبهم، وعرفوا باسم الطلقاء بعد أن أصدر الرسول (ص) العفو عنه وأطلق سراحهم، وقد أسلم ابنه معاوية أيضاً يوم فتح مكة، وتقرب من الرسول (ص) وأصبح من كتبة الوحي، وتدرج في خدمة الدولة الجديدة. وكان معاوية أحد أفراد الجيش، الذي وجهه الخليفة أبو بكر لفتح الشام بقيادة يزيد بن أبي سفيان، وخلف معاوية أخاه يزيداً في ولاية الشام وبقي والياً عليها مدة عشرين عاماً وإلى أن أصبح خليفة المسلمين بعد اغتيال الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب.


أتاحت المشاكل والأزمات، التي شهدتها دولة الخلافة في عهد الخليفتين عثمان وعلي، أن ينفرد معاوية في تصريف أمور الشام كحاكم مستقل، فأعاد تشكيل الجيش وعمل على ربط ولائه، به وأحسن استغلال الوضع القبلي وتصاهر وتحالف مع قبيلة كلب، وهي من أقوى قبائل جنوبي بلاد الشام، واستغل حادثة مصرع الخليفة عثمان بن عفان لصالحه، وتصدى للخليفة الجديد علي بن أبي طالب، وتزعم جماعة المطالبين بدم عثمان، فكانت بينه وبين الخليفة علي موقعة «صفين»، ثم حادثة «التحكيم». وبقي النزاع بينهما دون حل حاسم. وشغل الخليفة علي بأمور العراق والخارجين على حكمه إلى أن اغتاله أحد رجال الخوارج، وتنازل ابنه الحسن عن حقوقه في الخلافة إلى معاوية، الذي استحوذ بذلك على مركز الزعامة في ديار الإسلام، وتهيأت له الظروف لإقامة حكم وراثي في أسرته.


كان معاوية يتميز بالحلم والدهاء وحسن السياسة والكرم، وقد أعطت مواهبه ثمارها خلال الفترة الطويلة، التي حكم فيها بلاد الشام والياً، وهي فترة امتدت عبر عهد ثلاثة من الخلفاء الراشدين، استطاع خلالها ترسيخ سلطانه. ولحسن حظه كانت بلاد الشام تنعم بمجتمعات عربية مستقرة وقبائل قوية ولم تدخلها قبيلة من قبائل الردة.


رفع معاوية مكانة الجند الشامي وضاعف أعداد جنوده، مما اقتضى مضاعفة نفقاته وأعطياته وبخاصة بعد أن أصبح معاوية خليفةً، وانتزع هذا المنصب وسط معارضة شديدة، ثم زادت المعارضة، عندما جعل الحكم وراثياً في أسرته وعين ابنه يزيد ولياً للعهد، وأخذ له البيعة بالترغيب والترهيب. كل ذلك جعل معاوية بحاجة للاعتماد على جند بلاد الشام وتفضيلهم على جند الأمصار بالأعطيات، وتسخير موارد الدولة لدعم هذه السياسة. وكانت حاجته الدائمة للمال وراء عدد من الثورات. وأثر ذلك عل عدم تشجيع الشعوب، التي فتحت بلادها على اعتناق الإسلام. وأصبحت مهمات جند الشام القضاء على الفتن والثورات الداخلية أكثر من القيام بأعمال الفتوح الخارجية. ولما كان هؤلاء الجنود من قبائل عرب بلاد الشام، فقد ازدادت قيمة هذه القبائل ونفوذ رؤسائها وأصبحوا يشكلون طبقة متميزة. وقام بينهم تناحر وصراع على السلطة والنفوذ، تجلى بصورة صراعات قبلية.


 لقد كان معاوية رجل حرب كما كان رجل سياسة وإدارة؛ فمنذ استقراره والياً، ثم خليفة في بلاد الشام نشطت الحملات العسكرية ضد البيزنطيين، كما بنى معاوية أسطولاً فتح به جزيرة قبرص وغيرها من جزر البحر المتوسط، وقد حقق المسلمون بهذا الأسطول في عهد الخليفة عثمان، نصراً عظيماً على أسطول الروم في معركة ذات الصواري عام 36هـ/657م، وكان معاوية ما يزال والياً على الشام. ونجح معاوية بمهادنة الروم البيزنطيين، أثناء صراعه مع علي بن أبي طالب إلى ان انتهت الحرب الأهلية وتفرغ معاوية، فعاد إلى نشاطه العسكري. وكانت ذروة أعماله ضد الروم إرساله لحملة كبيرة بقيادة ابنه يزيد لفتح القسطنطينية. وبرغم حصارها لعاصمة الروم براً وبحراً، إلا أنها أخفقت باختراق أسوار المدينة لشدة مناعتها ولفتك النار الإغريقية بسفن العرب. وتم انسحاب هذه الحملة دون أن تحقق أهدافها.

لما مرض معاوية مرض الموت كان ابنه يزيد غائباً عن دمشق. فاستدعى الضحاك بن قيس ومسلم بن عقبة وأدَّى إليهما وصيته إلى يزيد ثم توفي في (شهر رجب عام 60هـ/نيسان عام 680م) وكانت أشد الهواجس التي تنتابه وتؤرقه مبعثها أربعة من الزعماء هم عبد الله بن الزبير والحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر.
 


بعد موت معاوية عام 60هـ/680م، تولى الخلافة ابنه يزيد.

مواضيع ذات صلة: