من سورية

معبد بل

أطفال مدينة حلب يصبحون سفراء للتراث

08/آذار/2010

أطفال اجتمعوا على حب مدينة حلب، وتواجدوا انطلاقاً من رغبتهم في أن يتعرفوا عليها أكثر، ولكي «يغوصوا في تاريخها» على حد تعبيرهم. 30 طفلاً وطفلة تتراوح أعمارهم ما بين العاشرة وحتى الثانية عشرة من العمر تواجدوا في تجربة مميزة وفريدة من نوعها وهي تجربة «سفير التراث».

انطلقت هذه التجربة الفريدة في شهر شباط، وهي تجربة تقيمها مديرية المدينة القديمة للمرة الأولى في سابقة تهدف إلى تعليم الأطفال كيفية المحافظة على الإرث الحضاري المميز الذي تشتهر به مدينة حلب، ولا زالت نشاطات المشروع تتابع حتى هذه اللحظة.

وللوقوف على فكرة هذه التجربة وطبيعتها والغاية منها والمرحلة التي وصلت إليها، التقى «اكتشف سورية» في البداية مع السيد المهندس عمار غزال مدير المدينة القديمة والذي قال لنا: «تقوم هذه التجربة التي يقوم بها كل من مديرية المدينة القديمة ومجلس مدينة حلب مع عدد من الشركاء على انتقاء عدد من الأطفال من عدة مدارس يتم تثقيفهم وتعليمهم حول أهمية المدينة القديمة والتراث. ويتألف هذا المشروع من فعاليتين الأولى هي موضوع "سفير التراث" والتي تبدأ مع اختيار عدد من الأطفال من كل مدرسة وتنظيم ورشات عمل لهم يتم تعليمهم خلالها مفهوم المدينة القديمة، ولاحقاً اختيار طفل من هؤلاء الأطفال ليكون سفيراً للتراث لمدة عام في مدرسته حيث يقوم هذا الطفل بتقديم محاضرات لزملائه في المدرسة حول حلب القديمة وأهميتها مع عدد من الفعاليات الأخرى طوال العام الدراسي. أما الفعالية الثانية فتقوم على تنظيم محاضرات عن فن التصوير الضوئي لهؤلاء الأطفال، ومن ثم إقامة عدة جولات لهم داخل المدينة القديمة يقوم خلالها هؤلاء الأطفال بالتقاط الصور وفق نظرتهم الطفولية الخاصة، ومن ثم يتم جمع هذه الصور وانتقاء الأفضل منها ليتم عرضها في معرض في مدينة حلب في البداية ومن ثم سينتقل ضمن المحافظات السورية وبعدها إلى عدد من الدول. كما سيتم اختيار الصور الأفضل وتقديم الجوائز لملتقطيها. وسيتم خلال الحفل أيضاً إعلان سفراء التراث من الأطفال المشاركين في المشروع».

وقد تم لهذا العام اختيار ست مدراس للمشاركة في المشروع منها مدراس عامة ومنها خاصة والمدارس الست كانت: الأمل – الفرح – النجاة – جيل الغد – شمس الأصيل – أحمد درويش، وتم اختيار 5 أطفال من كل مدرسة للمشاركة في المشروع، ويتابع الأستاذ عمار قائلاً: «كانت الخطوة الأولية في المشروع هي اختيار المدارس والتنسيق مع إداراتها حول هذا المشروع، وقد تم اختيار هذه المدارس الست ضمن السنة الأولى والعدد مرشح للازدياد خلال السنوات اللاحقة، بعد ذلك جرى عقد اجتماع مع ممثلين عن هذه المدارس وتعريفهم بالمشروع والطلب منهم اختيار الأطفال المهتمين بالمشاركة في هذا المشروع ممن تنطبق عليهم الشروط التي حددناها مسبقاً مثل شرط العمر والتفوق الدراسي وعدم تأثير المشروع على الأنشطة الصفية أو اللاصفية التي يقوم بها الطفل، وموافقة الأهل على مشاركته وغير ذلك. وتم تقديم كتب خاصة تتحدث عن مدينة حلب القديمة مكتوبة بأسلوب كتابة وصياغة موجه للأطفال، كي يوزعها المشرفون على الأطفال المشاركين في المشروع، وقد عقد الاجتماع الأول مع هؤلاء الأطفال يوم الخميس 18 شباط ضمن مبنى مديرية المدينة القديمة».

ويقع مبنى مديرية المدينة القديمة ضمن مدينة حلب القديمة، هو عبارة عن دار عربية كانت في الأصل مدرسة تاريخية قديمة وجرى تحويلها إلى مبنى خدمي مع الاحتفاظ بمعالمها التاريخية المهمة وكافة التفاصيل الأثرية الصغيرة الموجودة فيها، وقد كان تواجد الأطفال ضمن هذه المدرسة أول تماس لهم مع الأماكن الأثرية القديمة في مدينة حلب.


اجتماع بين الأطفال المختارين
وإدارة المدينة القديمة في حلب مع المهندس عمار غزال

وتم خلال الاجتماع الأول التعريف من قبل السيد المهندس عمار غزال عن هذه المشروع والهدف منه أمام هؤلاء الأطفال، ومن ثم جرى توجيه عدد من الأسئلة حول المدينة القديمة والتي أجاب عنها الأطفال مستفيدين من الكتب التي وزعت عليهم مسبقا،ً بعد ذلك أقيمت محاضرة تعريفية عن فن التصوير الضوئي ألقاها السيد عيسى توما المصور الضوئي المحترف، ومن ثم تم تحديد موعد آخر وهو يوم الأربعاء 24 شباط ليقوم فيه الأطفال بجولة عبر حلب القديمة ليلتقطوا عدداً من الصور التي تعبر عن المدينة، ويقول السيد عيسى توما المصور المحترف عن المحاضرة التي قدمها للأطفال: «قدمت أنا اليوم بعض المبادئ البسيطة في فن التصوير الضوئي، وشرحت لهم كيف كان هذا الفن وكيف تطور على مدار السنين الماضية. حاولت أن أضع الأطفال أمام عدد من الصور الاحترافية لكي تعتاد أعينهم على الصور الضوئية الجيدة الأمر الذي سيفيدهم في التقاط صور مميزة مستقبلاً. أتوقع من جهتي أن نشهد صوراً مميزة تشكل مفاجأة للجميع».

من البشر إلى الحجر:
30 طفلاً تجولوا ضمن مدينة حلب القديمة برفقة عدد من المشرفين وقاموا بالتقاط الصور التي تعبر برأيهم عن المدينة القديمة. صور للقلعة وأخرى للخانات وثالثة للدور العربية ورابعة للنشاطات التجارية التي كانت تجري في المدينة القديمة وغيرها، والتي التقطتها عدسات هؤلاء الأطفال ومنهم الطفل جوزيف أشجي الذي يقول لنا: «ما تعلمته خلال المحاضرة التي قدمها لنا الأستاذ عيسى هو أن أي صورة بسيطة يمكن أن تكون صورة مميزة في حال تم التقاطها بطريقة فنية، وقد قمت بدوري بتصوير الآثار التي بناها أجدادنا والتي منها ما كنت أراه للمرة الأولى».

أما الطفل وسيم قوج فيقول بأنه التقط كثيراً من الصور لدرجة لم يعد يذكر عددها! ويضيف قائلاً: «التقطت صوراً للقلعة والأشياء الموجودة في أسواق المدينة القديمة مثل صابون الغار والزينة، كما صورت طريقة إعداد القهوة العربية وغيرها من الأمور».

ماذا تعرف عن حلب؟
بعد تلك الجولة، كان اللقاء الثالث والذي تم صباح يوم الخميس 4 آذار والذي كان عرضاً وسرداً للمناطق التي تم زيارتها من قبل الأطفال، ومن ثم استعراضاً لمعلومات الأطفال عن طريق أسئلة وجهها الأستاذ عمار لهم وأجاب الأطفال عليها. بعد ذلك، قام المصور عيسى بعرض عدد من الصور التي التقطها الأطفال مبيناً نقاط القوة والضعف فيها، يقول السيد عيسى: «قمت بعرض بعض الأخطاء التي ارتكبها الأطفال أثناء قيامهم بعملية التصوير. كان هناك بعض الصور المميزة وأخرى كانت لتكون أفضل لو جرى الاعتناء بتصويرها قليلاً. هناك العديد من الصور المميزة وأتوقع أن نرى صوراً ضوئية مميزة جداً منهم لاحقاً خصوصاً وأن استيعابهم للملاحظات التي قدمتها كان كبيراً».

بعد الاجتماع والشرح، جرى اصطحاب الأطفال في جولة جديدة داخل المدينة القديمة إنما لمناطق أخرى في المدينة حيث بدأ الأطفال بالتقاط الصور مع مراعاة الملاحظات التي ذكرها الأستاذ عيسى برفقة مشرفيهم، ومنهم السيدة ماريز رويق موجهة أطفال المرحلة الابتدائية- الحلقة الأولى والتي قالت لنا: «ما جذبنا للاهتمام بهذا المشروع هو تطرقه لآثار وتراث مدينة حلب. وقد قمنا باختيار الأطفال بناء على اهتمامهم بهذا المجال من ناحية، وقدرتهم على استيعاب هذا الموضوع من ناحية أخرى».

أما السيد محمد رشيدات معاون مديرة مدرسة شمس الأصيل الخاصة فيقول بأن المعايير الذي تم اختيار الأطفال على أساسها كانت تتضمن العمر والتفرغ ورغبة الطلاب أنفسهم مضيفاً بأن تلك الشروط انطبقت على عشرة أطفال جرى انتقاء خمسة منهم.

على صعيد الأطفال، يقول الطفل فارس مراياتي بأن ما جذبه للمشروع هو أنه يتحدث عن حلب والتي هي المدينة التي يحبها حيث يتابع قائلاً: «يجب علينا كسكان لهذه المدينة أن نكون أول من يساهم في عملية إحيائها. كلنا اعتدنا على العيش والتواجد ضمن المدينة الحديثة، ولكن لا نعرف الكثير عن المدينة القديمة. تعلمت الكثير من الأشياء والحقائق عن المدينة مثل طول أسوار القلعة وعدد الأسواق وعن الخانات وغير ذلك، كما زرت أماكن لم أكن أعرفها من قبل مثل مدرسة الشيباني».

عدسة طفلة تلتقط ملامح حلب القديمة

أما الطفلة هلا نديم الطالبة في الصف السادس وإحدى الأطفال المشاركين في المشروع فتقول بأن ما يميز المشروع هو أنه يتحدث عن التراث القديم الواجب على سكان المدينة التعرف عليه حيث تتابع قائلة: «إذا أصبحت أنا سفيرة للتراث في مدرستي، فسأقوم بالطلب من إدارة المدرسة تنظيم رحلات للمدينة القديمة لكي يطلع عليها أصدقائي ضمن المدرسة وليشاهدوا جمال الخانات والأسواق الشعبية والدور العربية وغيرها».

آراء من المدينة القديمة:
سكان وتجار المدينة القديمة اندهشوا من رؤية كل هذا العدد من الأطفال يتجولون ضمن المكان حاملين لكاميرات التصوير وملتقطين لكل ما تقع عليه أعينهم. وبعدما عرفوا السبب والتجربة، لاحت الابتسامة على شفاههم، ومنهم من تطوع بمساعدة الأطفال على رؤية الأماكن الجميلة، ومنهم من فتح باب متجره لهم عسى أن يجدوا فيها ما يستحق التصوير، ومنهم من قدم شرحاً عن المكان الذين هم فيه للأطفال، حيث يقول السيد محمد عبد الحميد عن رأيه في التجربة: «لفت نظري في البداية تجوال هؤلاء الأطفال واهتمامهم بموضوع التصوير. في البداية ظننتها رحلة مدرسية من إحدى المدارس الخاصة، ولكني عندما علمت بالتجربة أحببتها وتمنيت لو أن أولادي مشتركون فيها. من الجميل أن نرى جيلاً صغيراً وقد نشأ على حب هذه المدينة، وأرى أنها تجربة مميزة أتمنى أن تستمر».

أما السيد عبد الخالق مصطفى فيقول بأنه يتمنى لو كان عدد الأطفال أكثر من هذا العدد بكثير مضيفاً بأنها فكرة جديدة وفريدة كونها تعلم الأطفال منذ صغرهم حب المدينة وكيفية الحفاظ عليها ويتابع بالقول: «إذا اعتاد الأطفال مفهوم الحفاظ على المدينة والأماكن الأثرية فيها منذ هذا العمر، سيغدو من السهل عليهم تقبل هذا الموضوع عندما يكبرون وسيقومون هم بتعليم أولادهم هذا الأمر بالنتيجة. الكثير من سكان مدينة حلب لا يدركون جمال المدينة القديمة على اعتبار أن معظمهم لا يملكون تماساً مع مدينة حلب القديمة، ومعظمهم يأتي للمدينة القديمة بغرض الجلوس في المقاهي مثلاً. أرى أن هذه التجربة متميزة وأتمنى لها الاستمرارية».

التجربة مستمرة، وعملية إعداد «السفراء» لا تزال تجري على قدم وساق من ناحية، ومن ناحية أخرى يتم اختيار الصور التي ستتواجد في المعرض الخاص مستقبلاً، وبالنسبة لهؤلاء الأطفال فإن هذه التجربة ستكون بالنسبة لهم واحدة من الذكريات الجميلة ومن التجارب المميزة التي لن تنسى على الإطلاق.


أحمد بيطار - حلب
اكتشف سورية

طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك