مارتين سيوتا في المركز الثقافي الفرنسي

دمى خشبيّة تحيّة للنساء اللواتي رافقنها في إبداعها

14/أيلول/2008


عرفنا مسرحاً للعرائس لكننا لم نشاهد بعد معرضاً للدمى الفنية يأخذ فيه الجدار إلى جانب الدمية سلطة واسعة استطاع من خلاله أن يجذب عيون المشاهدين ويدفعهم إلى التساؤل عن ماهية الأعمال التي نفذت فيها تلك المجسمات الصغيرة، والتي نطقت بصَمْتها عن حقبة تاريخية استمدت منها بعضاً من ملامحها بأسلوبها المعاصر والحديث.

فبعد عشرين عاماً من العمل في أجواء دمشق الساحرة قدمت الفنانة الفرنسية مارتين سيوتا معرضاً للدمى بتعاون وثيق مع محترفين سوريين لاسيما سامر بطبوطة، وفادي بطبوطة، وطوني كردي، وإيمان عربش، حيث كان للجدار في المعرض أهمية واسعة مثلته بمجموعة من البوسترات ذات المقاس الكبير، وقد طبع عليه صور لتلك الدمى الخشبية ومن ثم ثبتت على قماش مشغول بعناية فائقة ومطرز بزخارف ومنمنمات متعددة.

وبذلك استطاعت أن تظهر للجمهور ازدواجية في معنى كلمة الجدار أي إنها استخدمت فكرة الجدار وفقاً لمعنيين كحاجز للفصل بين مكانين وكغطاء حماية، وكذلك حاز ذلك القماش الذي مثل وظيفياً الجدار على ناحية جمالية متميزة عبر كثافة أقمشتها التي بينت الحالة الشاعرية لانفعالات الشرق الأوسط وقيمه وآلامه ولاسيما أن سورية تُعد من البلدان التي شهدت أول تفتح للأوابد الحضارية والتي عنيت كثيراً بالجداريات التاريخية والرسوم عليها، وإلى اليوم مازالت المكتشفات الأثرية الجديدة تثبت أهمية الجدار من الناحية الفنية والجمالية.

وأما الدمى الخشبية فقد عنيت بها سيوتا بشكل خاص حيث جعلت الوجوه أشبه بالأيقونات البيزنطية كما ذكرت وساعدها برسمها وتصميمها الفنان طوني كردي، فالمجسمات صغيرة والوجوه بسيطة رغم أنها تشعرك بتراث وأصالة تلك الحقبة التاريخية، وقد جعلوا الوجه دائرياً والعينين بارزتين إلى جانب الملامح الأخرى البسيطة جداً كالأنف والفم والشعر القصير إشارةً إلى الاختصار والبساطة التي كانت ترسم فيها الأشكال والمجسمات، وبذلك استطاعت أن تمزج بين العصر البيزنطي وبين التراث السوري بأسلوبها المعاصر كما أشارت، حيث جعلت تلك الملابس التي صممتها على مدى أعوام مستوحاة من الحياة الشعبية السورية كالحقيبة الصغيرة الجانبية والتنورة الفضفاضة والبلوزة العريضة إضافة إلى الطربوش لكن بشكل آخر حيث صممته من قماش مختلف وملون ومزخرف أيضاً وقد ساعدتها في الخياطة إيمان عربش، والتي بدت لمساتها واضحة على تلك التصاميم.

وترى مارتين أن هذه الملابس ليست فلكلورية وليست قديمة بل لا يزال إلى اليوم من يرتدي هذا النوع من الملابس بدليل أنها كانت ترتدي ما يشابه نسيجها وهي اليوم ترسل تصاميمها إلى فرنسا ليباع منها هناك، ولم يبق شيء في هذا المعرض إلا واعتنت به مارتين سيوتا، حيث جعلت القاعدة التي تستند إليها تلك الأشكال والمجسمات الصغيرة عبارة عن صناديق خشبية من الموزاييك السوري كما ألبستهم بعضاً من الإكسسوارات كالزجاج المنفوخ المعلق بحبال من القماش ذاته، بالإضافة إلا أنها جعلت حوامل الجداريات مصنوعة أيضاً من هذا القماش المعتق والكثيف بمهارة وعناية عالية.

و يُعد هذا المعرض كما قالت مارتين تحية لمجموعة من النساء اللواتي رافقنها في حياتها وهن نساء طفولتها في جبال البيرينيه، وإفريقيا، وباريس، وسورية، كما أنه تحية للنساء اللواتي علمنها وأحطن بها وللواتي التقت بهن واستمعت إليهن وألبستهن، أي باختصار هنّ النساء اللواتي ساهمن في تشكيلها، وأضافت «إنّ هذه الأشكال من الممكن أن تكون متيبسة دون حراك لكنها تركتها تتحرك وتسافر وبعضها لم يعد على قيد الحياة، لكنها جميعاً هنا في هدوء يقظ يختلط فيه الشرق بالغرب ويتمازجان معاً».

ودرست مارتين سيوتا في معهد فنون الديكور في باريس في السنوات الأخيرة، وعرضت أعمالها في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق عام 1996، وبيت الشرق في ليون عام 1999، وبينالي التصميم في سان إيتيان 2000، و2002، و2004، وفي متحف الأشغال اليدوية في مرسيليا 2006، وفي فندق فونفريد في كليرمونت فيران 2007، وكذلك في ملتقيات آرل للتصوير 2008.




الوطن


مواضيع ذات صلة
- الفن والجنون «لؤي كيالي نموذجاً»
محاضرة لسعد القاسم في الثقافي الفرنسي بدمشق

- فيلم «فان غوخ» في الثقافي الفرنسي بدمشق
ختام أفلام «سير الفنانين» في نادي السينما

- ما لم يعرض من حياة فاتح المدرس
فيلم وثائقي في المركز الثقافي الفرنسي

- «لؤي كيالي» في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق
- «محمد علي» في معرضه الفردي الأول بالثقافي الفرنسي
خمس سنوات من العمل المتواصل على مشروعه

- فيلمٌ وثائقي في الثقافي الفرنسي يتناول حياة فاتح المدرس
- تبو كوفان في ثلاث أمسياتٍ في سورية
كوفان هو احد عازفي الغيتار الذين أجمع النقاد والجمهور على موهبته

- خالد الساعي يُحلِّق في فضاءات الخط العربي
في معرضه بالمركز الثقافي الفرنسي

- حروف حية تنطق بالأفكار والمشاعر
معرض للفنان خالد الساعي في دمشق

- أمسية موسيقية لثلاثي زفير في الثقافي الفرنسي
عمل موسيقي يغوص في جذور الكلاسيكية الأوروبية وألحان التانغو الهادئة


تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

ضيف اكتشف سورية
أنطون مقدسي
أنطون مقدسي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر