وصية زوربا السوري

19 08

قضى عمره في الكتابة والرقص والعشق واقتراف سائر الموبقات الجميلة

عن موقع الجمل بما حمل
أشجاني وأبكاني حنا مينه في وصيته الأخيرة: «لا حزن، لا بكاء، لا لباس أسود، لا للتعزيات أو التأبين، يكفي أربعة أشخاص من دائرة دفن الموتى، وبعد إهالة التراب علي، في أي قبر مُتاح، ينفضون أيديهم ويعودون إلى بيوتهم، لقد انتهى الحفل وأغلقت الدائرة».
هكذا يريد حنا أن يغادرنا بلا ضجيج أو استعراض أو استثمار رسمي لموته، ففي كلِّ مرّةٍ أتصل به أو يسهر معنا يقول ساخراً بأنه قد عاش أكثر مما يجب، «وصار لازم تقوصوني»، فأقول له: «يا أبانا، حتى لو قوصناك فإنك لن تموت».
حنا الآن في الرابعة والثمانين ومازال يكتب بغزارة، ويدخن ثلاث علب غلواز مع نصف زجاجة براندي وطني ويترك لنا الكونياك الفرنسي الفاخر، لديه ذاكرة ابن عشرين ويستشهد بأبيات الشعر في كل أحاديثه، وعلى الرغم من أنه يذكر في وصيته أن كل ما فعله في حياته معروف، فإن هناك جزءاً غامضاً فيها، وكلما سألته عن سنواته الخمس التي غاب فيها بالصين، لماذا ذهب إلى هناك وماذا فعل، يبتسم ولا يجيب. وعلى أية حال لن أستغرب إذا قالوا لي أنه شارك في الثورة الماوية وترك خلفه دزينة من الأولاد الصينيين الذين يحملون كنية البحر.
في القاهرة، عندما تعرفت إلى الأديب نجيب محفوظ أواخر الثمانينات، قال لي: «سلم لي على أخويا حنا وأنا أرشحه لجائزة نوبل»، غير أن حنا حقيقة لم يفكر يوماً بنوبل لأن حياته الغنية كانت جائزته الحقيقية بينما اقتصرت حياة محفوظ المعقمة على لقاء أصدقائه العجائز في مقهى ريش، في الوقت الذي قضى مينه عمره في الكتابة، والرقص، والعشق، واقتراف سائر الموبقات الجميلة، عاش في أحضان النساء وكنف المحبين واهتمام الندامى والمريدين، كما أنه لا يشبه مثقفي المكاتب وصبيان الأكاديميات في بساطته وكرمه وإخلاصه وشجاعته في لقاء الحياة ومواجهة الموت، وما تقدّم ليس إلا تحية وتأكيداً بأن حنا لن يموت طالما أن هناك أصدقاء ونساء وحبر وخمر فاطمئنوا.

نبيل صالح

موقع الجمل

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق