نزار صابور في غاليري اكتشف سورية

المجتمع التدمري عبر منحوتات صغيرة

طبيعة المجتمع التدمري وتنوع منتجاته المهنية والفنية

06/تموز/2008

إن دراسة تطور العمارة المدفنية في سورية منذ بدايات الألف الثالث قبل الميلاد وحتى نهاية العصر البيزنطي، قد مكّنت الباحثين الآثارين من التأكيد على أن النمط السائد للمدفن الذي كان يتألف من دهليزٍ وغرفة جنائزية قد تطور، لكي يأخذ أشكالاً متعددةً ومتنوعة، ويصل في مدينة تدمر إلى النماذج الأكثر اتقاناً وتنوعاً. وخلال العصور البيزنطية أدخلت الكثير من العناصر المسيحية على هذه الأنماط. على أنه مع بداية العصر العربي الإسلامي، بدأت مرحلةٌ جديدة من التقاليد المدفنية، تعتمد بشكلٍ رئيسي على مفهوم العلاقة البسيطة بين عالمي الأحياء والموتى.

وحول التقاليد المدفنية السورية، أقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف، ضمن نشاطها الشهري «ألف تحفة وتح«المجتمع التدمري عبر منحوتات صغيرة»فة من الأرض السورية»، أقامت معرضاً بعنوان «المجتمع التدمري عبر منحوتات صغيرة–فنٌّ كلاسيكي»، في القاعة الدمشقية بالمتحف الوطني بدمشق في 4 تموز 2008، والذي يستمر لغاية نهاية الشهر الجاري.

قدَّم المعرض 5 منحوتاتٍ تدمرية جنائزية من الحجر الكلسي الطري، والتي تُمثل المجتمع التدمري في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد. رافق كلَّ منحوتةٍ نَصٌّ تدمري نُقش بشكلٍ أنيق، كي يعرّف المُشاهد بطبيعة الشخصية المنحوتة ومكانتها ووظيفتها.

تخللت المعرض محاضرةٌ للدكتور ميشيل مقدسي أشار فيها إلى تطور معارف الخبراء والباحثين في الآثار، حول أنماط التقاليد المدفنية في سورية خلال السنوات العشرين الماضية، نتيجة تزايد أعمال التنقيب الميدانية، إذ بات من المفيد الحديث عن تطور هذه العمارة عبر العصور المتتالية، التي امتدت من نهاية الألف الرابع قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي.

ميشيل مقدسي في محاضرة «المجتمع التدمري عبر منحوتات صغيرة»وفي هذا المجال يقول الدكتور ميشيل مقدسي: «مع بداية النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، شهدت حضارات وادي الفرات الأوسط العديد من النماذج المتكاملة، التي كانت تتألف من غرفةٍ دفينة كبيرة لها مسقط متطاول، يتم الدخول إليها من خلال ممرٍ صغير قد تسبقه فتحة شاقولية مثال "مواقع في تل برسيب، وتل جرابلس تحتاني، وتل الحريري-ماري، وتل أم المرة". وقد زودتنا أعمال التنقيب التي جرت مؤخراً في وسط تل أم المرة بمقبرةٍ تضمنت العديد من الأنماط المتميزة، التي مكنتنا من معرفة الكثير من التقاليد السائدة خلال فترة البرونز القديم الرابع في الشمال السوري. أما المدفن المكتشف في تل البنات، فقد اتصف بضخامة بنيانه، وتعدد غرفه الجنائزية، وعلاقته المحتملة مع القصر الملكي».

كما أضاف ميشيل « كانت تقاليد الدفن العائدة لتلك الفترة متشابهة من حيث وضع المدفون داخل غرفةٍ جنائزية، يرافقه العديد من الأثاث الجنائزي المنوّع من أوانٍ فخارية، وأدوات برونزية، بالإضافة إلى أدوات عظيمة وحجرية، ومجوهرات متنوعة، وقد اتصفت بعض هذه القبور بانتمائها إلى نُخبةٍ رفيعة من المجتمع. وخلال الألف الثاني قبل الميلاد تطورت تقاليد هذه العمارة، كما تنوعت المواد المستعملة في إشادتها من "لُبنٍ وطوب" في مناطق الجزيرة وشرقي نهر الفرات الأوسط، في حين نُفذت وحُفرت في الصخر الطبيعي عند أطراف وادي الفرات الأوسط وفي مناطق مختلفة من غربي سورية».

«المجتمع التدمري عبر منحوتات صغيرة»أما فيما يتعلق بالمدافن التدمرية فيقول ميشيل: «لقد تمّ الكشف عن العديد من المقابر في مدينة تدمر، التي كانت تحيط بها في أماكن متعددةٍ تقع في الجنوب الشرقي، والشمال الغربي، والجنوب الغربي، وقد زودتنا بالعديد من المعلومات والمعطيات حول طبيعة تنظيمها. حيث كان يتألف المدفن التدمري في أغلب الأحيان من مدخلٍ ضخم، مربوط بدهليز أقيم فيه درجٌ، يتم من خلاله الدخول إلى الحيز الجنائزي. تتوضع بوابة المدخل بشكلٍ مركزي، وكانت مُنفّذة من الحجر المنحوت بشكلٍ دقيق، وضمت في بعض الأحيان كتابةً تأسيسية نُقشت باللغة التدمرية. أما الحيز الجنائزي فقد نُظّم حول غرفةٍ رئيسية تنطلق منها عدة أجنحة، ضمت الكثير من المعازب المُنظمة ضمن صفوف، والتي كانت تُغلق بحجر ضخم نُحت على وجهه تمثيلٌ للمتوفى، مع نقشٍ تدمري مُختصر يتضمن في أغلب الأحيان اسمه ونسبه. وقد احتوى صدر الغرفة الرئيسية على منحوتةٍ أساسية هي عملياً السرير الجنائزي، الذي قُدِّم فيه مؤسس المدفن مع أفراد عائلته».

ومن الجدير قوله أن مجموعة المنحوتات الحجرية التي كانت تضمها المدافن التدمرية، قد لعبت دوراً كبيراً في تقديم الكثير من المعلومات عن المجتمع التدمري، ومجموع المهن التي كانت سائدة. كما سمح لنا أيضاً مجموع الأثاث الجنائزي المرافق للموتى، بإعطاء فكرةٍ عن التنوّع الهام للعديد من المنتجات الفنية المصنعة محلياً أو المستوردة مثل الحلي، والأدوات العظمية، والسرج الفخارية، والأواني الفخارية والمعدنية.

رافقت المعرض حفلةٌ موسيقية قدمها الثلاثي الموسيقي، فراس حسن على آلات الإيقاع، والموسيقي أري سرحان على البزق، والموسيقي عدنان فتح الله على العود. في حين قام الأستاذ حسام الدين بريمو باختيار الألحان والعمل على مقاربتها من موضوع المنحوتات المعروضة.

حسام الدين بريمو في محاضرة «المجتمع التدمري عبر منحوتات صغيرة»وعنها يقول حسام: «منمنمات منحوتة من تدمر تظهر تفاصيل الحياة التدمرية، إلا أننا ابتعدنا في موسيقانا عن هذه التفاصيل، كما ابتعدنا من كون تدمر هي أغنى مدن الإمبراطورية الرومانية، ومن كونها المدينة الأكثر حضاريةً ما بين القرن الأول ما قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي، كما ابتعدنا أيضاً عن المدينة مركز الحضارة وأخذنا الجانب البدوي من تدمر. قد يكون مفهوم البدوي اليوم هو المتراجع حضارياً، لكنه في القرون الأولى لم يكن كذلك إنما كان من يسكن البادية وليس الصحراء. وبالتالي هو المُتحضّر من الصحراء باقترابه من البادية وعلاقته مع المدينة، ونحن ركزنا على هذا الجانب من خلال إيقاعات ثقيلة وسرعات بطيئة، واعتمدنا على هذا التناوب ما بين خفيف الوزن وثقيل الوزن. كما اعتمدنا على النهاوند كمقام يوحي بالحضارة التي قامت، لكنه بنفس الوقت هو مقامٌ قديم وجميل، وأما البيات مقامٌ قديم له نكهته البدوية».

ومع أن الحضارة التدمرية لم تخلُ من الفنون ومنها الموسيقى، إلا أن الفنان حسام ابتعد عن التراث الموسيقي التدمري، ولم يحاول الاستقاء منه لأسبابٍ عنها يقول: «أن موسيقى القرون الأولى وخاصة في تدمر، كانت إمّا موسيقى جنائزية بطيئة ومديدة كثيراً، تعتمد على النُواح، وبالتالي سوف ابتعد فيها عن تقديم مادة موسيقية ممتعة لجمهور يريد أن يستمتع بالحفل، أو موسيقى راقصة ماجنة أحتاج فيها إلى عددٍ كبير من الآلات الإيقاعية، كي أستطيع أن أنجز إيقاعات مختلفة ومختلطة. وبناء على ما ذكرت، ابتعدتُ عن الوثيقة الموسيقية التدمرية وانتقلتُ للجغرافيا المحيطة بها، والتي هي البادية الجميلة. وبذلك نكون قد اشتغلنا على المكان أكثر من طبيعة الموضوع».



رياض أحمد


اكتشف سورية


مواضيع ذات صلة
- «سيراميك العالم» تحف خزفية بخان أسعد باشا
سورية بلد منتج للسيراميك منذ ما يقارب ثمانية آلاف سنة

- الدكتورة حنان قصاب حسن تتحدث لـ«اكتشف سورية»
نحضر في شهر كانون الأول لمفاجأة من العيار الثقيل

- ألف تحفة وتحفة: روعة فن النحت الأموي
روعة الفن الأموي وانفتاحه على الفنون التي كانت سائدة في تلك الفترة الزمنية

- فعالية ألف تحفة وتحفة: روعة فن النحت الأموي
منحوتات تميزت بدقتها العالية وتنوع المواضيع التي تتطرق إليها

- معرض ألف تحفة وتحفة بعنوان «مولد الإلوهية» دمية أنثوية طينية استثنائية
إحدى أكبر الدمى الطينية الأنثوية الجالسة والمكتشفة بشكل كامل

- ألف تحفة وتحفة من الفخار المطبع لإنارة الطريق في المتحف الوطني بدمشق
مجموعةً من السرج الفخارية والبرونزية تعود إلى عصر البرونز القديم والعصر البيزنطي

- ألف تحفة وتحفة تقليد متجدد كل شهر
مرافق بحفل موسيقي تُغني فيه ليندا بيطار وتعزف سفانة بقلة على الهارب

- «المجتمع التدمري عبر منحوتات صغيرة»
عدد من المنحوتات الجنائزية التدمرية تقدم معلومات عن عادات طقوس الدفن

- فعالية جديدة ضمن «ألف تحفة وتحفة»
دمشق من أولى دور الضرب السورية التي أصدرت نقوداً بين 333-323ق.م

- صناعة حلي الألف الثاني قبل الميلاد
معرفة متقدمة بالفيزياء والكيمياء وضبط واعٍ لدرجات الإحماء والصهر

ضيف اكتشف سورية
غادة السمان
ضيف اكتشف سورية
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 



هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر