فضاء فاتح المدرس

آراؤك في المفاهيم الحياتية.. الحب والصداقة... المرأة... الزمن.

فضاء فاتح المدرس

الحب: الحديث عن الحب مثل الحديث عن الشيطان تماماً، يبقى الأمل العظيم إن الخلايا الاجتماعية تنتظم ثقافياً وتمنح الجنس شرف التحكيم العقلي.

الصداقة: مفهوم مطاط جداً يكاد يكون موجوداً على هامش العقل البشري، يعني العقل البشري يتأمل وجود مفهوم الصداقة، ولكن إذا نظرنا إلى نتائج العلاقات الاجتماعية نجد أن الصداقة أيضاً مسكينة جداً ووهم، هذا الوهم يحاول أن يتبلور وأن يكون شيئاً فعالاً في العلاقات الاجتماعية، ربما كان هذا الحلم، الاحتمال تثبيت مفهوم الصداقة في حياة الفرد أرى أنه لب الخلايا الاجتماعية المنظمة لكن الوصول إليه في منتهى الصعوبة، الصداقة تعني أن يكون لك إنسان آخر بجانبك في السراء والضراء وهذا شيء صعب جداً وليس سهلاً ويعني العاطفة والنية الحسنة لا تكفي في الصداقة. مفهوم الصداقة في العربية أوسع بكثير ولكنها أقل فعالية. فالعرب يتكلمون عن الصداقة كما يتكلمون عن الحب.

الصداقة أن يكون بجانبك إنسان آخر يشعر بكل آلامك وعذابك ومستعد للعون والتضحية، هذا الكلام وأنت معي صعب التطبيق، ولكن النية حسنة يبقى الإنسان جميلاً في وضع أقانين ووضع منطلقات أخلاقية في الحب وفي الصداقة.

المرأة: أنا أعتبر المرأة أعظم قدرة اجتماعية من الرجل لأنها تتحمل كل غلاظة الطبيعة وكل غلاظة الرجل، تتحملهم لأجل عاطفة موجودة مغروزة في أعماق خلاياها والمسمى بالأصبغة D.N.A القاهرة، لذلك المرأة على نبلها العظيم واقعة تحت ضغط غلاظة الرجل الحيواني. فالولادة أيضاً ليس لها تعريف حتى الآن وكل ما يقال عنها هو عبارة عن أمنيات غير عملية.

الزمن: الزمن غير موجود، يوجد الزمن عندما يشعر الإنسان أنه يقترب من المنطقة المظلمة اللاشيء، الشرقيون كلهم تركوا في السطح فسحة صغيرة، طاقة تطل على الجنة أو الجحيم، الشعوب التي وضعت أمرها بيد قوة عليا. هل ممكن أن يتصرف الإنسان بالزمن؟؟ الإنسان برأيي لا يستطيع. الزمن قاهر، ولادة، شباب، عمل، كوارث وبعد ذلك الموت. لكن هل يمكن للإنسان الذكي أن يأخذ لحظة زمنية عمرها لنقل دقيقة وأن يجعلها شهراً، هذا خاضع للتجربة، أنا أستطيع أن أحول الدقيقة إلى شهر، ولكن الناس الذين عاشوا هذه التجارب وتجاربها العظيمة هم قلة في العالم، في الحقيقة الزمن ليس له مفهوم حتى الآن، إنه ينتهي بالموت هذا واقع لكن فترة قبل الموت هل كانت حياة؟؟. أم هي تجربة مكررة، ثم هل يمكن أن يتحرك هذا المفهوم دون «المكان».

المرأة الأم تعني لك الكثير.. وهل هذا الحب الكبير والعظيم للمرأة الأم يسمح لك بأن تغفر كل أخطاء المرأة الأنثى «الزوجة.. الابنة.. الأخت.. الحبيبة» موقفك من هذه الشخصيات المتعددة للأنثى..

لعل تقييمي الكبير للمرأة هو إدراكي أن الطبيعة ظلمت الأنثى وعرضت حياتها للأخطار أكثر من الرجل. ولعل هنالك أسباباً أخرى خفية منها لأنني لم أعرف والدي إلا في صورة واحدة وكان عمري آنذاك 22 شهراً، أي قبل مقتله بأيام، وقد قتل وهو شاب لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، فلم أتعرف على قيم الأب، الأم، أمي، كانت كل شيء، كل شيء، هي الحب العميق والأمومي، هي المطر والثلج، والأحزان وكيف عاشت شبابها تقف بصلابة وقوة أمام أهل زوجها الذي ينحدر من أسرة إقطاعية رفضوا وجودها في مجتمعهم لأنها ليست من طبقتهم إلى آخره.. وتظل المرأة هي النموذج الأمثل للإنسان الذي تجاوز درجة الحيوانية. هي التسامي دون قيد أو شرط.

من هي المرأة الجميلة.. الأنيقة.. مقياسك للجمال الأنثوي.. «تمثال فينوس» كمقياس للجمال.

فينوس ليست أجمل النساء ومقاييسها تحمل الكثير من الأخطاء التشريحية. فالنحات اليوناني عندما دق رخامها بمطرقته وإزميله تجاهل عنصر الحرارة التي يمكن أن يستعيدها المرء من جسد المرأة الحية، أية فتاة عادية هي أروع من أي فينوس منحوتة.

العطور.. الحلي.. الأحجار الكريمة.. هل لها عندك أي أثر جمالي.

إن أغلى العطور عندما تمتزج برائحة جسد المرأة الطبيعية الذكية تتحول إلى رائحة معدنية، لكن هنالك عطوراً نباتية هي في متناول الإنسان، زهر الليمون.. أوراق نبات يسمى بالعطرية.. شجر الزيزفون.. رائحة أوراق الأوكاليبتوس، وغيرها هي عطور عمرها ملايين السنين، أما الإنسان عندما بدأ يستخلص زيوت الورد وتلاعب في التعطير الكيماوي جاءت كلها دون استثناء ثقيلة وغير إنسانية.. لعل أروع عطر عرفته هو رائحة التراب الأحمر النظيف بعد الأمطار الأولى. رائحة البحر رائحة رأس الطفل، هذه العطور وغيرها هي التي تفتح حوراً سرياً مع الإنسان.

أما الأحجار الكريمة فإني أحب تقليبها بين يدي ولكن لا أريد اقتناءها.. أية حجرة في البرية هي جميلة أو أجمل من أية جوهرة. لعل الأحجار التي تسمى كريمة كانت ستكون أجمل لولا تسميتها بكريمة. هل تعرفين أن الغربان هي أول حيوان له طبيعة سرقة الأحجار كريمة.

الوطن حب وفرح، لماذا نحن في الشرق يسرقون منا الفرح ومع هذا فنحن ممتلؤون حباً، ولماذا يضحي فقراؤنا من أجل الوطن الذي يمتلكه الأغنياء؟

الله ليس كلمة وكذلك الوطن.

ماذا يعني لك.. الوطن.. الموسيقى.. اللغة.. الحلم.. الأمل.. الكمبيوتر.. الستلايت.. الأنترنيت؟

الوطن.. هو مكان لا يعرفه الفقراء... أما وطن الأغنياء هو صندوق حديدي في بناء سويسري.. فهم لا يرون الشمس، ودهاليز البنك معتمة ولهذا فهم أيضاً لا يعرفون مكان وطنهم على خريطة الكرة الأرضية، ولا أحد يعرف ما إذا كان الله سيشفق عليهم ويمنحهم وطناً آخر في الجنة.!!

الموسيقى.. هي أصوات حركة الريح بين عيدان القصب، وكل ماعدا ذلك فهو صخب لا قيمة له.

اللغة.. هي أصوات أكلة لحوم البشر على منابر الجامعات العربية.

الحلم.. حل مؤقت لمعادلة الحزن.

الأمل.. صورة لطيفة من عوالم أحلام اليقظة.

الكومبيوتر.. أعطال مبرمجة للذاكرة البشرية تمهيداً للقتل.

الساتلايت.. منظومات رائعة لتعطيل ميكانيكية الخيال الإنساني والتجسس عل الجرذان البشرية.

الانترنيت.. شبكات لصيد أسماك قرش من الفولاذ. وأسماك قرش ضوئية لاصطياد أسماك زينة عربية.

على كل لا يهمني تعريف الانترنيت فأنا أولاً لست سمكة قرش ولا صياد بشبكات. ولا أحترم كثيراً عالم الروبوتات!

ما هي المتعة الحياتية التي تمارسها برغبة «التدخين» الطعام، الشراب، السفر، الاهتمام بالطبيعة، النبات، الحيوان..

سيأتي اليوم الذي سيُقلع البشر فيه عن الطعام والشراب، والتدخين. كلها حاجات حيوانية أما السفر والاهتمام بالنبات والحيوان هي المتعة الفعلية لأنها تثير الدهشة، وعندما يفقد الإنسان قوة هذه الآثار يصاب الإنسان بالجمود، حتى الجنس تلك القوة الحيوانية القاهرة إذا لم تخضع للمحاكمة الجمالية يفقد الإنسان إنسانيته، حتى الجنس سيأتي اليوم الذي تتجاوز فيه الإنسانية هذه الرغبة ويكتفي بألوان المتع العقلية الرائعة.

الاستنساخ.. ما هو موقفك من هذا التطور العلمي الإنساني.. إلى أي مدى أنت معه..

إنه علم محطم للطف الطبيعة، وضد الأبجديات الجمالية التي تقول بأن كل جسم حي بدءاً من النبات ومروراً بالحيوان، وجاء الإنسان ثمرة تجارب ملايين السنين، هذا الإنسان عالم متميز.. فالاستنساخ يشير بكل صراحة إلى عالم بشع آت لا محالة حيث تسير زمر بشرية من D, C, B, A وراء بعضها متشابهة وقد تحدد ذكاء كل زمرة حسبما يسند إليها من عمل. عالم جديد شجاع لألدوس هكسي ولكني لا أدري أية شجاعة من هذا المصير المرعب..

علاقتك بالمدن.. روما.. تونس.. بيروت.. عمان...بيت مري.. بون، باريس، مونتريال، واشنطن.

علاقتي بالمدن الكبيرة علاقة مؤقتة في ضميري، أنا أحب الفلا.. الجبال الجرداء.. لا أحب البلاد الخضراء، قليل من الأخضر يكفيني لأستطيع رؤية تحرك الضوء على الصخور.. أنا سجين المدن الكبيرة. تسعدني الحياة في قرية. شرط أن تكون بعيدة مئات الكيلومترات.. بعيدة عن قذارة المدن.

يبدو لي أن ساكن المدينة الكبيرة يجب أن يتدرب على معايشة عدد كبير من اللصوص والقتلة، وأنا لا أستطيع تمييزهم بدقة من وجوههم وأنا أعبر الطريق إلى مرسمي ساكن المدن عليه أن يقتطع شرائح من جسده اليومي ويقدمها قرباناً لصنم مصنوع من لحم محترق في الساعة الثامنة صباحاً، والساعة الثالثة ظهراً والساعة الثامنة مساءً، وما تبقى من روحه وجسده علي أن أرميه للكلاب والهررة التي شاءت أقدارها أن تعيش ضالة في المدن الكبيرة حتى يحين أجلها بحقنة مسمومة أو طحن الجمجمة تحت عجلات سيارة. أما الحب، الرحمة، الإنسانية فهي وشم قديم رسمه الزمن على جدار المدينة.

حين نتكلم عن الموسيقى... فاتح كموسيقي، أنت تعزف وتؤلف ألحاناً، ما هي موسيقاك المفضلة.

موسيقاي المفضلة هي أصوات الريح، أنا في المرسم أسمع الموسيقى الإيرانية القديمة وبعض الموسيقى الهندية وبعض الأغاني التي حافظت على تراثها وتجديدها عند الشعب اليوناني المعاصر. أنا عبارة عن هاو للموسيقى ولست محترفاً... وهنالك موسيقى سرية في حدس كل إنسان لا يعزفها للآخرين.

قلت في أحد اللقاءات أن أقرب الشخصيات العالمية إلى شخصك «آرنست همنغواي» ما أوجه الشبه؟.
وقلت إنك تكره قصته «العجوز والبحر» لماذا؟

يطلق الإنسان أحياناً أحكاماً ليست دقيقة بدافع خفي يجهله هو نفسه.. همنغواي كقاص يحدثك كما يحدثك صديق قريب إلى نفسك دون أية تفسيرات إضافية، يترك للقارئ حرية الحكم، كما يورد الأحداث التي تبدو لأول وهلة هي بسيطة لكنها من صلب تكوين الإنسان نفسياً، أما قصة العجوز والبحر لا أدري لماذا لم تشدني لعل السبب أني قرأتها ونسيتها لأنها تعرض حادثاً عادياً لإنسان مسحوق من إحدى القرى البحرية في أميركا اللاتينية وقع بين أيدي عناصر الطبيعة، قصة إنسانية جيدة ولكنها لم تلق مني اهتماماً، وإني بصراحة أجهل السبب ولعل السبب أنني عندما شهدت «الفيلم» بعد قراءتي للقصة القصيرة بزمن أعطاني انطباعاً مغايراً لما حصلت عليه من القصة على كل لا أهمية لحكمي عليه. وأنا آسف لإطلاق هذا الحكم.

ما موقفك من التكريم والجوائز؟

التكريم والجوائز تتم في أكثر الحالات بكثير من المبالغات وتلعب بأقدارها توجيهات سياسية لا علاقة لها في صلب تكوين الإنسان المكرم. وهذا الشعور جعلني لا أهتم بهذه المبادرات لتي تبدو لأول وهلة نبيلة خذ مثلاً قضية أهم الجوائز العالمية «نوبل»، تبين لي أن التوجيهات السياسية الخفية هي التي تمثل هذه المهازل. وأستثني من ذلك تكريم الباحثين العلماء.

أما الجوائز التكريمية من الشرق العربي فهي مأساة مضحكة.

هل عملت أعمالاً نحتية بالإضافة إلى الرسم؟

أنا مارست النحت لمدة بسيطة ولكنني أفضل الرسم، نحن مع النحت نواجه مشكلة في نقل الأعمال من مكان لآخر، فحالياً معظم النحاتين يمارسون الرسم لأن نقل اللوحة، أسهل...علماً أن النحت أرقى من الرسم لأن له جوانب متعددة. وإنه المرحلة الأرقى.

كناقد فني أو صحفي ماذا تكتب عن فاتح المدرس؟ ما رأيك بفاتح المدرس؟

فاتح المدرس هو سجين في مدينة ضخمة، فيها شتى النظم الاجتماعية، تحجر الشرق، القتل السهل المجاني، الفرح، الزواج، الأعراس، الأغاني الدينية، شتى نظم الحكم، الخير والشر، ولكن لا أدرك كيف اتجهت نحو الفن، هل الفن يجعل الحياة أجمل!!!. أم أنه محض وثيقة.

المسيح والأيقونات في تكوين أو تشكيل عقل فاتح المدرس...

عالجت هذا النوع من الفن ولكن بطريقة حديثة... أنا أحب شخصية المسيح لأنه من المفكرين النبيلين... مفكر نبيل وذهب ضحية النظام الاجتماعي فعُذب وصلب ومات وانتقل إلى السماء. نادى بالرحمة وأنا أعتبر الرحمة هي أسمى مشاعر الإنسانية. وجود المسيح في أعمالي هو شاهد على سقم التصرف البشري.

هل الزمن يساعد أن يعقد الإنسان صلحاً مع محبيه وبيئته وذلك من خلال دراسته المتعمقة مما يؤدي إلى تبرير الكثير من أخطاء هذا المجتمع.

لا صلح مع المجتمع، عندما يجتمع أكثر من إنسانين تتحول هذه المجموعة بصورة أوتوماتيكية إلى حلبة للصيادين أرقى مخلوق بينها هو الكلب الذي حافظ على طهارته الأخلاقية.

قيل.. هناك رجال عندما نلتقي بهم تكون قد التقيت بقدرك.. من هم الأشخاص الذين ساهموا في صنع قدرك؟ وهل هم فقط أشخاص، أم أحداث، أم مواقف؟

أغلب الرجال العظام الذين التقيت بهم في أول سني مراهقتي ويفاعتي كانوا من بطون الكتب، محي الدين بن عربي، بيتهوفن، والشعر الرباعي الياباني، وناي الراعي في الشمال السوري، وأغاني جدتي على جدران بيتها الجبلي، وهي تغني بصوت ضعيف ابنها جمو الذي قتل، وأصوات الغربان علمتني كثيراً، وكذلك أصوات الرياح، لون الثلج والسماء الرمادية والعصافير المحتارة، تنقل أقدامها الصغيرة بين عيدان الشوك والوحل والثلوج، الضفادع الخضراء الصغيرة بين أجمات الصفصاف على شاطئ النهر في حريته الجبلية الموحشة. إذن فالأقدار كان لها وجوه وأصوات عديدة، كل فرد منها دفع حواشي عالمي الصغير إلى حدود أبعد فأبعد وعشت زمناً مع عمر أبي ريشة ثم مع سارتر في أوروبا والدكتور فالترشيل /رئيس جمهورية ألمانيا/، ونظرات طفلي نجد الذي سقط وعمره سنة من حاجز مرتفع وصار ينظر من عينيه ويتكلم بصمت ثم غادرني. يا للقدر، له ألف وجه وكلها وجوه جميلة رائعة حزينة وقوية وقاتلة.

لقد استطاعت هذه الأقدار أن تجعل عالمي أبعد من المجرات حتى حدود الظلمة الأبدية، حيث الصمت الأسود هو الوجه الثاني لأضواء النوابض الكونية «البولسرز» والحفر الكونية السوداء ووجه واحد أتوق إلى رؤيته هو الشكل السري للوجود مواده الرائعة من الغبار والنار والزهرة الصفراء على شاطئ نهر من كواكب ضائعة من هذا الفراغ الكوني الرائع. وإني أشعر الآن أنني أحظى بشرف كوني موجوداً في هذا الكون الأعجوبة، من مسارب النسغ لأشجار الصنوبر ونداء الحيتان من أعماق البحار... ثم إذا تحرك الإنسان تحركت الويلات قوافل قوافل في سيرته التي تلغي كل شيء، إنه لا يتصف بالبشاعة ولا يتصف بالجمال، ولا يعرف الرحمة ولا يلقى بالاً لمفهوم العدالة، ويعرف جيداً أسرار الموت والحياة ويحول نفسه إلى رماد يذرى على نهر الغانج.
هذا الإنسان الذي يخشى أن يدرس أسراره أحد، يد تداعب مدارات الفوتونات من الجواهر ويد أخرى ترسم بدقة رحلة المجرات من فراغ رائع، إنه يرسم السر، بحركة، ثم يحطمه ليرسم أسراراً أخرى، من ظلمات جمجمته التي هي بسعة هذا الكون كله. يصغي للموسيقى الخفية لحركة المجرات عندما يضع رأسه «هذه الجمجمة الساخرة» على مخدة تطوف فراغ لا نهائي، وتغفو مطمئنة أن هذا الكون بني بذكاء خارق يرفض الخلود والموت.

ماهو مفهوم الزمان والمكان عندك؟

علاقة الإنسان بالمكان ليس لها جذور إذا لم يكن الزمان يؤمن له الحماية. المكان والزمان عاملان يشكلان جسداً واحداً. الزمن السيء يهيئ مكاناً سيئاً. تنقلت كثيراً في رحلتي مع الحياة، وإني لا أذكر من الأمكنة إلا زمانها الطيب. ويخيل لي أن الإنسان من حبه للأسفار يعود إلى بحثه الخفي عن إمكانية عثوره على زمن أكثر ملاءمة لوجوده. في المكان.

في الخمسينات والستينات كانت دمشق أو بشكل أدق مقاهي دمشق ملتقى الأدباء والشعراء والفنانين العرب، هل كنت مشاركاً أو جليس هذه المقاهي، أم أن محترفك كان واحداً من الأماكن المعتمدة لهذه اللقاءات؟

دمشق في الستينات والسبعينات استقطبت كغيرها من العواصم العربية أعنف الأحداث المصيرية وبطبيعة هذه الأحداث الساخنة تفاعل أدباء وفنانو دمشق مع الاتجاهات السياسية وبالتالي مع الهموم القومية وأخذ الأدب والفكر عامة طابع الالتزام، فكانت المقاهي في الصالحية وشاطئ بردى مراكز لقاء كأندية مشرعة الأبواب لاستقبال كل من يريد النقاش، وكان مرسمي أحد هذه الأمكنة، فكنت ترى بمرسمي في بشارع عمر المختار فنانين من أستراليا ينامون في إحدى الغرف وفي الصالون الشاعر فايز خضور ينام على كنبة منذ يومين، والنحات القومي سعيد مخلوف في صومعة زجاجية يلعب بإزميله ومطرقته على خشب الزيتون، وحيث أرسم ترى سفير روسيا السوفييتية، ويلتقي أحياناً بالسفير الأميركي، وينسى السفير الأميركي قبعته في المرسم فأرسلها إليه، ومرة هاجم المرسم خمسة من المباحث لأنهم سمعوا ضرب رصاص من المرسم وتبين لهم أنها آلة خرز القماش على البراويز الخشبية فاعتذروا وشتموا المخبر الغبي!

ومرة أراد رسام أن ينتحر في مرسمي فأرسلته في تكسي إلى قاسيون لينتحر هناك، ويأتي غداً يكمل سكرته في المرسم. ومرة تسلط لص على المرسم لأن الباب ليس مغلقاً ليل نهار، فما كان مني إلا أن تركت له في ظرف بعض المال قرب الباب كيلا يعذب نفسه ويقلب المرسم رأساً على عقب بحثاً عنه.. والغريب أن المبلغ لم يعجبه فتركه حيث هو.

ومرة جاءني فنان شاب لطيف الكلام يشكو من انفصام الشخصية، وطلب أن أعلمه الرسم. بدأ يرسم ولكن يبدو أن الفن لم يشفه فأحرق نفسه في حمام منزله، وترك أمه وحيدة في الحياة.

فالمقاهي والمراسم في دمشق في ذلك الوقت البعيد القريب كانت مربعاً للصحافة والشعراء ولعل أهمها مقهى البرازيل، إلا أنني لم أكن جاداً في المشاركة بنقاشات غائية، أو طوباوية، إذ أن الرسم أخذ كل وقتي، وكنت أمارس الكتابة الصحفية في أوقات فراغي في جريدة الثورة أو تشرين، أبث على صفحاتها الأدبية ما نتداوله في سهراتنا في المرسم من أشجان أدبية أو فنية. إلا أن جل نشاطي الفني كان مجاله بيروت.. أو ألمانيا. فكنت كثير الترحال.

هل وجودك في دمشق خيار؟

وجودي في دمشق ليس خياراً مني. كنت أتوق دوماً إلى صنع مكان من عمل يدي حيث أهيئ زماناً يناسب هذا المكان. لم أنجح، ويمر العمر سريعاً وأنا أراقب هذا الأمل يضمحل ويصبح نقطة من منظور الذاكرة. كم كنت أحلم وأحلم بكوخ أصنعه بيدي على سفح جبل من الجبال الشمالية الغربية من سورية. أما الهجرة لم أفكر بها إطلاقاً. ـ فالوطن ليس كلمة وكذلك الله ـ.

كيف كنت تتفاعل مع الأحداث الكبيرة التي مرت على الوطن العربي ابتداءً من نكبة 48 هل كنت مشاركاً في العمل المباشر اليومي «مظاهرة، توقيع بيانات... الخ» أم كنت تكتفي بالكتابة والرسم؟

أكثر المواطنين الفعالين في المجالين الاجتماعي والسياسي يدركون بكل وضوح أن الأذى الذي أصاب البيئة الاجتماعية العربية هي حرمان الطبقة الحاكمة في البلاد العربية شعوبها من نعمة الحضارة والديمقراطية وآليتها الإنسانية.

هذا قبل استقلال هذه الشعوب وبعدها.. وحتى يومنا هذا، وإدراكي لهذه الحقيقة الرهيبة، أبعدني عن المشاركة الفعلية بالعمل السياسي. لقد استفاد الكثير من زملائي بمشاركة الطبقة الحاكمة استفادة كبيرة... وزير، محافظ، ضابط، تاجر، مهرب.. الخ.. كان مرسمي هو ملجئي. وجاءت لوحاتي منذ مطلع الستينات مشحونة بالأسى. لقد تطبعت هذه الشعوب العربية مع النكبات.

أنا لا أدين الحكومات العربية لأنها من مفرزات شعوبها هذه الطبقة لم نستوردها من المريخ.. إن هذه الشجرة الطبية الإنسان العربي قد عملت فيها فؤوس أبنائها وكان على الطبقة الحاكمة أن تكون أكثر أخلاقية.

5 حزيران 1967 أثرت وهزت المثقفين العرب وتاه الكثيرون، وحاول البعض التوازن ولو بعد حين، ما تأثيرها عليك. قلت تسربت الوحوش الأسطورية إلى لوحاتي بعد أحداث عام 1967، وازدادت حشودها وتدافعها مع الحرب الأهلية اللبنانية، وما هي علاقتك ببيروت؟

حرب 1967 كانت كشف الستارة عن المأساة التي كانت تعيشها الأمة العربية. وهكذا استدعت هذه الحرب الوحوش الدخول إلى لوحاتي. ثم الحرب الأهلية اللبنانية والمجازر الأميركية الإسرائيلية في فلسطين كشفت الستارة بشكل شديد الوضوح عن العداوة الرهيبة التي تكنها أوروبا وأميركا للحضارة العربية، أما العرب.. أقصد الإنسان العربي راح يفجر جسده بالديناميت بكل شجاعة حزينة لا مثيل لها، واكتفى أكثر الحكام العرب بالتفرج عل هدر الدم العربي أمام شاشة التلفزيون. ولكن الخطر الأفدح هو أن أكثر سكان الأرض العربية هي أيضاً راحت تكتفي بالتفرج على قتل النساء والأطفال في جنوب لبنان وفلسطين والسودان والجزائر، وهنالك ستأتي مرارات أخرى، وعندما سيطفح الكيل بالدم لا أدري ماذا سيصنع هذا العملاق الجريح إذا نفض عن جسده وروحه رمال الإعلام العربي وقاذوراته.

أما عن بيروت فهي غالية على قلبي، وأحزاني لأجلها في أكثر لوحاتي، وإني على يقين أن مذابح الأهل في لبنان من صنع أيدي عربية ورصاص أميركي إسرائيلي، ماذا باستطاعتي أن أقول لأخ عربي يطلق النار على أخيه من لحمه ودمه؟ وما حدث في الحرب الأهلية في لبنان يحدث الساعة في الجزائر.

ستنمو شجرة الحزن وستلقي بثمارها على أرض ابتلعت أبناءها.

المغرب العربي.. والمشرق العربي.. كيف تفهم الوحدة العربية وكيف كانت علاقتك مع مشرق الوطن ومغربه؟

لم يعد هناك مغرب عربي أو مشرق عربي.. بعد أن وحد الفقر بينهما. بعد أن انطفأت شمس الديمقراطية من سمائها. إننا ضيوف في عالم سرق منا ونحن نسبح بكلمات كهنوتية كيف سنحجز مكاناً في جنة الخلد! وبئس المصير.

ما سبب انفصال الفن عن المجتمع في منطقتنا؟ من المسؤول.. الفنان أم الجمهور؟ كيف يصبح الفنان في وجدان الشعب؟

لا يسرني أن أجيب على هذا السؤال.. إنه يملؤني حزناً. علماً أن جميع الشعوب جميلة وأن أكثرها محروم من هذه الأنوار السحرية.

دخول القرن 21 ماذا يعني لك هذا التعبير، وهل تقاس الحضارة بفاصل زمني هو القرن؟!

دخول القرن أو الخروج من القرن أمر لا يعني شيئاً للعرب. فعلاً كما قلت أنت هل تقاس الحضارة بفاصل زمني هو قرن مثلاً؟

كتب الكثير وقيل الكثير حول مجموعتك (عود النعنع) التي حولت إلى فيلم تلفزيوني. الآن وعلى لسانك ومن وجهة نظرك.. ماذا أردت أن تقول، والآن وبعد كل هذه السنين وفي هذا الزمن الذي اختلفت فيه كل القيم والمفاهيم هل مازلت تستطيع أن تقول ما أردت؟!!

الفنان أو الأديب الذي كرس كل قواه لاستعادة جانب من الجمال الإنساني هو شريحة مجنونة من المجتمع لا تلقى أي احترام رصين من القطعان الباحثة عن العلف اليومي يتوسلون إلى خالقهم لتزويدهم دون جهد يذكر، وعندما يطردهم الله من جنانه يلجأون إلى حكوماتهم، وأنا التقيت بواحد من هذه القطعان التائهة في برية الله، وسرت وراءه كما تسير بقرة وراء بقرة وسمعته يدمدم بأشعار رائعة اقتربت أكثر فأكثر وإذ بأذني تلتقط العبارة التالية.. «ومر هولاكو من هنا ابتسم.. وقرأ الفاتحة». باختصار عود النعنع ليس صورة بل كلمة.

إذا قرأت كتاباً عن فنان، ماذا تحب أن تقرأ فيه عنه؟

بلى قرأت كتاباً عن فان غوخ، وآخر عن بيكاسو بلسان زوجته الثانية أو الثالثة لا أدري. لقد تحدث الكتابان عن كل شيء إلا عن فنهما، كنت أتوقع أن أقرأ فيهما عن حوارات بين الفنان ونفسه، أو بين الفنان ولوحته أو بين الفنان والشيطان!

لعل كتاباً ثالثاً يجري حواراً مع الشيطان سيكون بالشكل التالي:
الفنان.. لماذا طردك خالقك المبجل من قصره الكوني؟
الشيطان.. لأني كنت مبرمجاً أن أغضب الآلهة.
الفنان.. طالما أنت بهذا القدر من الذكاء أليس بالإمكان استرضاء الخالق وطلب المغفرة.
الشيطان.. قلت لك أنا مبرمج أن لا أستغفره.
الفنان.. لابد من سبب بعيد لمشكلتك؟
الشيطان.. ليس لدي مشكلة إلا.. واحدة، ومد ذراعه ولمس وحل الجسد الإنساني.. وغمغم.. أنت أيها الخبيث مشكلتي!.
الفنان.. معك حق ولو حسب قدرتي التحكيمية. لكن قل لي ألم تحاول أن ترسم اسكتشات طالما قضيت معظم خدمتك في طاعة الخالق ومن أعالي مملكته ببدع هذه الحيوانات البشرية.
الشيطان.. الفن عبادة لها طقس مقدس.
الفنان.. طقس مقدس لم أفهم.
الشيطان.. ومن قال إنك أصلاً تفهم.
الفنان.. لن أجادلك بهذا الأمر وأنت المتهم باغتصاب زوجة آدم!!.
الشيطان.. بعد طردها من الجنة ـ قلت لك أنا مبرمج!
الفنان.. وأنت أين تقيم الآن.
الشيطان.. في مجمع الفاسنتوري.
الفنان.. وماذا تعمل.
الشيطان.. بعد أن حررني الإله من قسمي أعمل قرصاناً أتعاون أحياناً مع البنتاغون وأسرق أسراره العسكرية وأبيعها لإسرائيل.
الفنان.. ولماذا ليس للعرب إنهم يدفعون أكثر.
الشيطان.. العرب؟ أمة صالحة غبية لا تتعاون معي.
الفنان.. مع الشيطان.
الشيطان.. بالتحديد. اسمح لي أن أهمس لك سراً.. لقد تسجلت في أكاديمية الفنون في باريس. هل يعجبك هذا الاعتراف.
الفنان.. يحق لك الانتساب إلى نقابة الفنون الجميلة على كل لم تعد خطراً على العرب بعد أن تتلمذ أكثرهم على يد الملائكة من بني البشر في مدرستك.
قل لي.. ماذا وجدت في عالم الفنون الذي سبب طردك من مملكة الله.
الشيطان.. هذا سؤال ذكي. تعجبني.
الفنان.. العفو على كل بيننا معاهدة عدم اعتداء.
الشيطان.. لا أذكر شيئاً عن هذه.. المعاهدة.
الفنان.. أية إشاعة.. اعترف. هل زرت مرة إحدى حفيداتك؟
الشيطان.. النحات السوري قدمني إلى الموديل «عيشا» وتسمونها أنتم البشر عشتار.
الفنان.. وماذا وجدت فيها أقصد من جمال، من ذكاء..
الشيطان.. بكيت عندما رأيتها وكيف ينبع اللبن من صدرها.
الفنان.. وهل هذا عمل فني برأيك وله قدرة استدرار الدمع؟
الشيطان.. لم تفهمني أفتقد في العمل طيلة هذه القرون؟
الشيطان.. لا أعرف أنه حدس، إنه كارثة جمالية.
الفنان.. وهل تحكم على العمل بالحدس مستبعداً المحاكمة الفعلية.
الشيطان.. بالتأكيد. يدهشني أن أعمالك تعتمد أحياناً على الحدس. حدس خبيث في أكثر الأحوال.
الفنان.. أي عمل؟ هل تذكر؟.
الشيطان.. لوحة «قطة على جدار».
الفنان.. أنا لا أذكرها.
الشيطان.. حسناً قطتك ليس لها شبيه بين قطط دمشق أو قطط جامع العثمانية في حلب. إنها تشبهني.
الفنان.. تشبهك؟
الشيطان.. ليس لها أظافر، أعني مخالب، ووجهها يشبه كثيراً وجه صديقك حسين راجي لا تستطيع أن تفهم من مورفوليجيته شيئاً إنه.. إنه يطلق سؤالاً يتحرك ببطء بين اللوحة والمزبلة.
الفنان.. هل لك أن تذكرني بألوان الجدار أو ألوان القطة.؟ أعني تلك اللوحة.
الشيطان.. على ما أذكر الجدار من الحجر الرملي الموجود في طرطوس السورية. لون القطة.. ألوان ريش زميل قديم لي من الملائكة صلبه خالقه في الجنة.
الفنان.. أراك تحن إلى زملائك.. آسف.
الشيطان.. القطة حيوان رائع أفضل معاشرتها أكثر من الإنسان. إنها تتكلم بلا صوت.. وأنت استطعت بالغرافيك المكون لحجم القطة المذعورة المستسلمة لأقدارها على جدار الرمل الأحمر العكر... أطلقت كلمة تعلقت بين القطة وبيني.
الفنان.. كلمة؟
الشيطان.. جملة هل لديك الشجاعة لسماعها.
الفنان...؟
الشيطان.. قالت القطة.. في قلب كل ملاك قاتل محترف».
جلس الشيطان بعد أن علق برنسه الأسود والأحمر على جدار المرسم عليه بعض أعمالي وأـشار إلى لوحة تمثل قبلة يهوذا.
الشيطان.. هل تعتقد أن يهوذا مبرمج أيضاً وقبلته للسيد المسيح صادقة لها تبرير ما.
الفنان.. الإنسان؟ مبرمج.. ربما ترك الإله للإنسان قدراً كبيراً من أقداره يتصرف بها. حرية الاختيار.
الشيطان.. يبتسم ابتسامته المعهودة وقال: على حد علمي الإنسان في أطواره الأولى ترك حراً من فراغ زمني هائل دون برمجة.
الفنان.. الفنان لم يسمح له في يومنا هذا تقليد عمل الإله.
الشيطان.. جل نشاط الإنسان السلوكي نشاط حر وكل حصيلة التجارب هي التي ستقرر مصيره. أبله ومضحك! ذكاء لزج كالوحل.
الفنان.. أي مصير؟
الشيطان.. الإنسان في مسيرته من منظور البؤرة الثالثة يكون الإله في الأعلى على يمين الفنان ورؤياه من زاوية 35ْ درجة على يسار الفنان وإن أي تشابه متكامل يحطم مفهوم الفنان فان غوخ في تحريك المنظور اللوني.
الفنان.. منظور لوني.. من أين جئت بهذه الخرافة.؟
الشيطان.. الخرافة شرط أساسي في العمل الفني.. إنها عملية رفض كاملة. تقريباً. لكل الأشكال المغادرة.
الفنان.. أنت لست فناناً ولن تكون. الفن أولاً وأخيراً نشاط عقلي أخلاقي. وأنت مخلوق قمت بخيانة رسالة أوكلت إليك من جهات عليا، طرحت على هذه المجرة مشروعاً جمالياً من تراب حي متحرك ومزود بطاقة تحكيمية تسمح له بالتنقل بين النجوم بحرية وبسرعة تفوق سرعة الضوء آلاف المرات.
الشيطان.. هل تستطيع أن ترسم ما تقوله لي الآن؟.
الفنان.. بلى أستطيع عندما أغمض عيني ولا أرى سحنتك؟.

«جانب من قصة قصيرة للفنان 1998»

من خلال تجربتك كأستاذ في الكلية.. ما رأيك بتعاقب الأجيال التي عايشتها؟

بعد أن اتسع طيف المد الديني الأصولي لم يعد هنالك مكان للفنون الجميلة بمفهومها الأكاديمي وبالتالي البحث العلمي في الفنون. كانت بدايات كلية الفنون الجميلة في دمشق مطلع الستينات، بدايات جريئة تطلب من الطالب دارس الفنون أن يجد نفسه في أعماله. وفي أوائل الثمانينات كبلت المفاهيم السياسية الدينية طموح الفنان في هذا المجال الإبداعي في كل الأكاديميات في الشرق العربي.

أنا أدرس الآن مادة نظريات علم الجمال الفلسفية والنقد الفني والتحليل، لطلاب الدراسات العليا وهي إحدى المواد الأكاديمية القليلة التي تحرك عقل طلاب الدراسات. وحلقات البحث تتجول بحرية داخل عقولهم بعد التعرف على المنطلقات الجمالية من القرن السادس قبل الميلاد حتى يومنا هذا. إن الشعب السوري محب للفنون الجميلة. وقد أوفدت الدولة العديد من الطلاب إلى الأكاديميات المعروفة في العالم. عاد الطلاب فلم يجدوا من الأكاديمية التي تركوها سوى شبح جميل يبتعد في ضباب الذكرى.

هل يمكن تقسيم حياتك الاجتماعية إلى مراحل زمنية، مكانية؟!

هذا التقسيم إلى مراحل يدركها الباحث، أما صاحبها فلا يشعر بها، إنها تفرض نفسها، هذه المراحل خاضعة للإمكانات العقلية في تطورها، بالطبع المكان يفرض جانباً من التطبيع للعيش في مرحلة ما حسبما يدعمه التطابق الزمني مع المكان، هذه المراحل تصبح هامة إذا احتضنت الناتج العقلي.

هل يمكن أن تخبرنا عن مسيرتك الفنية كمحطات رئيسية توقفت عندها مثلاً كفر جنة 1952 رحلتك إلى أوروبا «الصور الفوتوغرافية التي التقطها على الباخرة»؟!

المسيرة الفنية الحقيقية هي التي تخص تطور العمل، أما المكان والزمان ونماذج من العمل ونشاطات مكانية وزمانية ما هي إلا الشكل الخارجي للمسيرة الجوهر هو نمو التحكيم الفعلي وتوفر المناخ (مكان زمان).

مفهوم الحداثة والأصالة من وجهة نظرك، الأصالة والمعاصرة في الفن هل هو صراع في المضمون «الموضوع»أم الأدوات وطرق الرسم.. مارأيك؟

الحداثة والأصالة موجودة في صلب تكوين الفنان شاء أم أبى، كل عمل تجاوز الثانية السابقة هو حديث. والأصالة هي الصدق الشامل في الشكل النابع من الذات. أي ليس «مستعاراً» من الآخرين.. ومن هنا تأتي صعوبة إنجاز عمل فني حديث وأصيل.. أحياناً العملية تبدو مستحيلة لدى أكثر الفنانين الصناع.

عندما تقف أمام لوحاتك بعد تقادم زمن هل تستحضر لحظة ولادتها أم تنظر إليها بلحظة رؤيتها؟

نحن ننظر إلى ما سبق هذه اللحظة من أزمان ونحن نقف على سلم لولبي مفرغ بحيث إذا ارتفعت على أية درجة من السلم ترى كل الأدراج الدنيا وإذا رفعت بصرك إلى أعلى نجد جميع النقاط المستقبلية. وهذه الأخيرة هي الهم الحقيقي.

أحياناً يتسنى لي أن أمعن النظر في لوحة رسمتها من الستينات أو السبعينات وغيرها، تلك التي أخذت مكانها من أسفل السلم اللولبي الشفاف تقبل نحو خاطري أفواج الرؤى التي ابتعدت وظننتها غابت في متاهات الماضي الضبابية، بعض هذه الرؤى تعود فأبتسم وينتابني نوع من الحزن وشكل من أشكال الحب الذي يشعر به الأب، وهو يلمح ابنه يمر من أمامه، دون أن ينظر أحدهما إلى الآخر، إني من هذا الموقف الغريب، أصبح أنا الرجل الآخر.. الغريب الذي وقف لبرهة أمام ملعب طفولة ولم يعد يعرف معالمه الغائمة. أتساءل هل الماضي هو الوجه اللطيف للموت؟

هل هناك وجوه تحرضك على رسمها، بمعنى البورتريه هل هناك وجه تعابيره تختصر مفاهيم إنسانية بيئية يجبر على رسمه؟

وجه الإنسان أي إنسان عاقلاً أم مجنوناً سعيداً أم تعيساً كتاب من آلاف الصحاف، تحلل سلوكه بدقة متناهية لا تجدها في وجه أي حيوان، العضلات التي تصور الحزن والسعادة الغضب، الموت الجنون، جنون العظمة، جنون التسلط، جنون القتل، جنون الظلم، وجوه المظلومين، وجوه المصلين ووجوه تجار البيوت، وجوه العاهرات، ووجوه المظلومين، ووجوه العاهرين، وجوه... وجوه لا نهاية لهذه الوجوه تنحدر من كل عصر، ترسم نفسها على جدران الأحداث تظهر وتغيب لتعود فتظهر من جديد هامسة صارخة، وجوه قتلة الحيوان، وجوه آكلة اللحم الحيواني، آكلة اللحم البشري، قتلة شعوب بأكملها، شعب يلقي مواد كيماوية على شعب آخر فتتساقط أوراق الغابة ويظهر بين الأشجار وجه الأميركي البشع في فيتنام، وجنوب لبنان وفلسطين، والخليج وفي ليبيا والسودان وسورية. وجوه.. وجوه للقتلة والسفلة بأنياب وقرون تنفث وتغيب عن أنظارنا وجوه الصالحين والصالحات العشاق والمحبين وشعراء الجمال. ووجوه كانت من حجر الصوان تطلق النار على وجوه رائعة مصنوعة من الطين الذي صنع منه الفنان الأول إله إنسانه التعيس!..

الفكرة تولد معنوياً أم مادياً؟ بمعنى هل الفكرة تخلق من خلفية أيديولوجية أم من خلال موقف أو شكل طبيعي؟

تولد من كل العوامل التي ذكرتها، ومن عوامل أخرى تنبع من ينبوع عميق مجهول المسار، تلملم الطاقة التحكيمية عناصر الرؤيا، ثم تبدأ المرحلة الأولى الهامة، وهي تكنيس غبار المعرفة السابقة ليسلط ضوء خفيف يلقي على الشكل خلال الدقائق الأولى لميلاد الشكل الجديد، وغالباً ما يلح على أن أبدأ من الصفر وقد كتبت عن هذه الحالة..

أيها الصفر الرائع متى ستسمح لي العبور إلى الواحد..

وما أصعب أن تبدأ من الصفر وخلفك بيادر المعرفة السابقة تعصف بها رياح الخريف.
إن انتماء الإنسان إلى المهنة التي يختارها هو سر نجاحه ـ هل يمكن اعتبار الفن مهنة؟..

ممكن، وإن كنت أشعر بيقين أن معالجة الأعمال الإبداعية ليست مهنة، إنها أكثر قليلاً من هذا، لأنها لا تخضع لشروط مهنة ما، لأن المطلوب من الفنان نفسه أن يتجاوز في كل عمل جديد نفسه، أو لنقل بتواضع أكثر أن يبعد هذا الجدار أو ذاك الذي حدد الموضوع، ليس الأمر في صعوبة البحث عن ضائع بل التعرض لعملية احتراق حقيقية، وكلنا يدرك معنى «أن تحترق كل يوم قليلاً».

انعكاس التطور الفكري واستقلاله المادي ومدى تطور مفهوم الديمقراطية السياسية والاقتصادية لكل عصر عبر مراحل تطور البشرية.. إشرح هذه الرؤية من خلال موقفكم الخاص من فلسفات علم الجمال ومن مؤسسيها.

الأعمال الفنية تشبه كثيراً إفراز النبات لعطر خاص به، وكذلك المجتمع يفرز الفنانين كما يفرز القتلة. والحديث عن الديمقراطية وشروط نموها في مجتمع ما، وبالتالي عطاء الديمقراطية جمالاً للشعب المؤمن بالعدالة الاجتماعية كدين مقدس، هذه الشروط الأخلاقية هي أصلح أرض لنبات فني، إن فلاسفة علم الجمال هم أنبياء البشرية، ويبدو لي أن العصور التي مرت بها البشرية حتى هذه الساعة، لم تكن كافية لأن تترعرع في ضمير الإنسان المعاصر. مع كل الأسى والأسف، لم تؤمن البشرية بعد أن الإبداع الجمالي هو الخلاص.

فلسفة الجمال عند المفكرين العرب وما أثرهم على الفلسفة الجمالية الأوروبية!!
تأثر الفلاسفة العرب بالنظريات الجمالية التي جاء بها فلاسفة اليونان في القرن السادس قبل الميلاد وفيما بعد حتى القرن الخامس بعد الميلاد. أمثال: هوميروس، هيودوس، هوراس، تاسي، اسخيلوس، سوفوكليس، اربيدوس، ارستفاني، هيراقليط، ديموقريط، فيثاغورث، سقراط 740-399ق.م، ابيقور، فيلوديم القرن الأول قبل الميلاد، لوكريشيوش مؤلفاته من طبيعة الأشياء 372-287ق.م، وغيرهم، الرواقيون، الأبيقوريون 341-271ق.م.
لقد تعمدت تعداد أسماء هؤلاء العظماء الذين أسسوا لعلم الجمال وكيف أن العرب أهملوا أكثرها. لأن الفلاسفة العرب اهتموا أكثر بالجوانب الاجتماعية وتنظيمها والدخول من علم المنطق والمدينة الفاضلة.

وقد أحزنني هذا التجاهل، ولا أقول هذا الإهمال، ولكني عثرت على بعض الصفحات القلائل لدى أبي حيان التوحيدي، وشذرات رائعة عند الحلاج وابن رشد وابن سينا، ومحي الدين بن عربي، وابن خلدون، ولكن كل هؤلاء أدخلوا مفاهيم جمالية تتعلق بالإنسان ومصالحه الدينية وخضوعه للنظم التي تفرضها الدولة.

لعل أروع من عالج علم الجمال وفلسفتها هو أفلاطون، علماً أنه فرض نظماً في غاية القسوة على الفنانين، وقد طرد أكثرهم من مدينته الفاضلة، لعله أحسن فعلاً!!

وإن المرحلة التالية الهامة التي عالج فيها نظرياته الجمالية هم فلاسفة عصر التنوير، انكلترا، فرنسا، ألمانيا، وقد جاء غوته وسطر أهم النظريات في الفن التشكيلي التي يعمل على ضوئها حتى أكثر الفنانين التشكيليين.

وهذه المرحلة الهامة القرن 17 لم يهتم بها الدارسون العرب، وأهملت حتى مطلع القرن العشرين حيث ترجمت آراؤهم وقد جاء كل هذا متأخراً.. مع الأسف على الزمن الضائع.

الصيغة الفنية وارتباطها بالمفهوم الطبقي؟

هذا محور الفلسفة الجمالية في عصر التنوير لدى الفلاسفة الإنكليز ـ كذلك الفرنسيين، والألمان، وقدموا دراسات معمقة، وهذه المنطلقات في التربية الفنية، والدعوة لدعم النظم التربوية الجمالية، جاءت لخلق توازن في البنية الصناعية، الثورة الصناعية في القرن 17 في أوروبا.

هنري هيوم 1696-1782 ربط هذا الفيلسوف الانكيرزي المفاهيم الجمالية بالمفاهيم الأخلاقية، ويرى أن هناك نوعين من الرائع:
الرائع في ذاته ويدرك عن طريق المشاعر.
الرائع في علاقاته ويدرك عن طريق العقل.
وأهم هؤلاء المنوري الانكليز:
الكسندر بوب 1688-1741 وكان ينوس بآرائه بين الكلاسيكية والتجديد، ولذا شحنت آراؤه بمفاهيم غير متجانسة مع رغبته في تهذيب «الأنواع السفلى»، فالكتاب الجدد في رأيه قد يفوقون الأقدمين. ثم يقول بأن عالمنا هو أفضل العوالم وإن أي اختلاف أو تناقص فيه يحل داخل الهارمونية العامة. ومن زملائه شيفستبرى 1676-1713 الذي أكد على الحس الأخلاقي للتميز بين الخير والشر، والجمال والقبح، ونرى تأثير الأفلاطونية واضحاً من طرح توجيهاتها الفنية على أساس أخلاقي محض. ومنهم فرانسيس هاتشيسون 1694-1717 ومؤلفه الرئيسي جاء حول منشأ أفكارنا عن الجمال والفضيلة وتنظيمها.

مفاهيم: الرمز ـ الرائع ـ الذوق الرفيع.

تعريف «الرائع» ويقصد الفلاسفة الإغريق العمل الفني، يتطلب دراسة مستفيضة لآراء ما قبل الميلاد، ولكن من الطريف أن أذكر رأي أفلاطون عن الرائع: إن نتاج الصانع للرائع مهما كان رائعاً لا يمكنه أن يبلغ تصور الآلهة عن الرائع، إن فكر الإنسان لا يمكن بشكل من الأشكال أن يرقى إلى قدرة الآلهة، الإنسان مقلد لأعمال الرائع الإلهي، إنه عبد ينفذ ما يؤمر به ورائعه أقل مرتبة.. إلخ.. ولم تتم دراسة حول هذا الموضوع، دراسة مقنعة لماذا هذا التأكيد من فكر جبار كأفلاطون، إن تحامله على الإنسان الفنان جاء مهيناً لمفهوم الإبداع، ولم يستغرب النقاد أن يصدر حكم كهذا من فيلسوف كأفلاطون طرد الفنان من جنة مدينته الفاضلة، وبوجه خاص الفنانين اللاأخلاقيين.

مفهوم كبار الفنانين.. مفهوم كلمة «كبار».

في أواخر هذا العصر لم يعد لمفهوم كبار الفنانين أو صغارهم من قيمة تشكيلية.. لأن الفن التشكيلي بكل بساطة أمسى مرتبطاً بذات الفنان، وإنتاجه انعكاس أمين لذاته. وحصانة الفنان الوحيدة هي عدم استعارة مادته الفنية من الآخرين. وهذا الشرط الهام في رأيي منح الفنان حصانة اجتماعية.

المحطات الهامة في حياتك الفنية، من التي تركت تأثيراتها العميقة على أساليبك الفنية التشكيلية؟
أذكر من هذه «المحطات» ريف حلب بترابه الأحمر وجباله الزرقاء أيام المراهقة، ثم المرحلة السريالية 1950.

مرحلة روما 1957-1961 كانت مرحلة هامة أردت فيها التمسك بأحاسيسها الشرقية مستبعداً المؤثرات الأوروبية قدر الامكان على أساس هذه الأعمال الأكاديمية منحت جائزة أكاديمية روما 1960ومثلت سورية أيام الوحدة مع مصر في بيانال البندقية 1960 ثم مرحلة بيروت عندما عدت من روما 1957-1962 ثم مرحلة فرنسا بوزار باريس.

حيث أكدت على نفس الابتعاد عن المؤثرات الأوروبية 1972-1967 قدر المستطاع وتكوين رؤيا خاصة بي لها ملامح الشرق بل ملامح سورية رؤى ذاتية عن الأرض والإنسان.. الإنسان الذي استبعدته الدولة عن عطفها.. ورحت أبحث عن أدق الانفجارات السيكولوجية بين علاقة الخطوط بالألوان.

العلاقة النفسية بين الفنان والألوان، مدى تأثير البيئة والطبيعة في تشكيل ألوانك.

بلى هناك علاقات ذات منطلق واحد هو ميكانيكية متفاعلة متجددة، شديدة الترابط بين شتى الألوان ومنشئها المكاني والزماني وبين تجاور الألوان في سيكولوجية عميقة الجذور في ذات الفنان التشكيلي. بكل تبسيط هي أبجدية للغة ذاتية، خاص بصانع العمل. العناصر الغرافيكية في أعمالي هي التي تحدد التكوينات اللونية على أساس تجريد العمل التشكيلي من موضوعه المباشر، إنساناً، نباتاً، أو اكتشاف علاقات جديدة من تجاور الألوان لإثارة أحاسيس جديدة أن أمكن ذلك، ولكن السؤال الذي يطرحه بعض من يهتم بأعمالي هو:

طالما بناء اللوحة تجريدياً كأساس لماذا تصر على وجود الموضوع. علماً أني لاأبحث عن موضوع تفصيلي هو من مهام الأدب، لكن لاأستغني عن الجمالية البريئة في أقل ما يمكن التفصيلات لفتح حوار أكثره تشكيلي مع المتلقي، لأني أعتقد أن الطهارة التجريدية أعني التجريد المحض بخيل في كشف جمالياته.

إن التجريد العفوي الذي يملأ الكون متوفر لجميع العيون والعقول، أما البحث عن تكوينات تشكيلية جديدة تماماً ـ وهذا غاية لكل من يعمل في هذا المجال. هنا يتم بعث مفاهيم جديدة لبناء عالم متجدد.

وإن العبث الذي نشاهده اليوم في دور العرض في أوروبا وأميركا إنما هو توق تجريبي لرفض الماضي تماماً، ثم إفساح المجال للجديد مهما كان قبيحاً. بكلمة موجزة لقد بدأ الفن التشكيلي يخلق ثوبه الإنساني ليرتدي ثوب الإنسان الآلي. وإنها حالة تستحق التأمل بشيء من الدهشة والأسف.
مفهوم المنظور والبعد الثالث في الفن الحديث.

مفهوم المنظور الهندسي في الفن التشكيلي هو من تعاليم عصر النهضرة في إيطاليا وما جاورخها، إن أشهر فناني العرب الواسطي لم يهتم بالمنظور ولكن هذا العنصر لم يقلل من أهمية هذا الفنان، وفي العصر الحديث فقد المنظور قيمته البصرية.. فاللوحة أساساً ذات بعدين لا أكثر، أما البعث الثالث فهو وهم بصري لأن ترابط العمل الفنيفي بعدي اللوحة يبدو أشد منه في أعمال البعد الثالث «النمظور».

ما هو تأثير المفاهيم المادية على المفاهيم الفلسفية وانعكاساتهما على المفاهيم الفنية (يعني هنا الفن التشكيلي)..

في البدء لم أستوعب السؤال جيداً لأني أعتقد أن العلاقة بين المادة والفلسفة علاقة متينة فالفلسفة لاتستطيع تجاوز المادة كمادة لأحكامها وهي في تطور دائم.

أما تأثير هذا التفاعل على المنطلقات التشكيلية وفلسفتها ليس واضحاً، فالشكل هو رؤية شكل العالم القادم أن مادة بنائه عقلياً فهو علم رياضي محض يتحاشاه هذا الطائر المجنون الذي لايتقن لغة العالم الذي يطير فوقه متجاوزاً إياه نحو أرض ظن جديدة.

ماهي معايير ديمومة اللوحة أو التماثل أو العمارة؟

في الفن التشكيلي منطلقات تبدو ثابتة واعتمادها لإطلاق حكم أنها شيء من الرائع الذي نادى به الفنان والفيلسوف اليوناني، ثم جاء عصر النهضة وأكد على ذلك العصور الحديثة بدءاً من أواسط القرن التاسع عشر بدأ الإنسان المتجدد يطالب بتجديد العالم أيضاً ورفض القيم المستهلكة أو ما يتصوره مستهلكاً!!

فكومة الزبالة تحتوي تكوينات تشكيلية أكثر من كومة من الماس إلى آخر ما هنالك من تواتر الرفض لأجل الرفض بغية إفساح مجال لما يجب أن يتولد في المستقبل من التمتع بأقصى ما يمكن من الحرية في التصور والعمل.. ولكن واحزناه يبدو الأمر عكس ذلك أني أرى الحضاراتتتهاوى وعلى هذه الأرض سينبت فن من ندعائمه الأولىاصطياد الإنسان وقتله أينما وجد. أما جوابي على تساؤلك عن العمر الزمني للعمل الفني: إن الفنان وحده يحدد العمر اللازم لعمله ويتراوح من ثانية إلى قرون.
أبرز أعمالك الفنية التشكيلية.

ليس لدي عمل رسمته أفضل من عمل آخر، لأن الثاني يتمم الأول وهكذا.. فرؤى الإنسانية تشكل وحدة مكتكاملة مادتها الحادث النفسي الذاتي.

ماذا تعني بمقولة «الإنسان أجمل من العقل»؟

إن العقل في حدوده المعتمة وفي أقصى طاقاتهالمشرقة يخضع في أكثر حالاته لمفهوم الطاقة التحكيمية التي يتوهم أنها منطقية وعادلة ولا مثيل لها، ولكن سرعان مايتبين أنه يعاني البؤس من نجراء هذه التراكمات المعرفية التي بنى عليها أحكامه،فالإبداع شيء تجاوز العقل بقليل وهو الحدس. إن الحدس لغز فكري لم يدرس بعد جيداً في الأكاديميات ولم يخضع حتى يومنا هذا للتحليل الفيزيولوجي أو السيكولوجي. ربما كانت هناك دراسات فلسفية عن الحدوس ولكن ليست بالشكل الذي يمارسه بيتهوفن أو غريك أو فنان تشكيلي يستطيع تجاوز التصورات اللوفية المسبقة الصنع. المعركة ه: هل حضارتنا عبارة عن تراكمات مسبقة الصنع أم هي إشراقات حيقيقية؟ إن كانت نادرة ليترك جواب هذا السؤال للقارئ.

ما حجم الغضب بداخلك؟

الغضب أصبح مفهوماً وحالة سيكولوجية قديمة، هنالك اليوم انفعالات تتجاوز «ما هو الغضب» إننانعاني من فيروس الغضب الجماعي، الصامت الذي لا يسمح بتحريك عضلة واحدة من هذا الوجه الذي بحجم التابوت الإنساني الضخم.


سمر حمارنة