فضاء فاتح المدرس

فاتح المدرس

فضاء فاتح المدرس

مع نهايات هذا القرن رحل فاتح المدرس مغلقاً ملفه الكبير (كعطاء فني ووقائع حياتية) أمام القرن القادم. ليفسح لنا المجال بأن نعتبره بحق (فنان القرن العشرين عربياً) ولو توفرت له الآلية الإعلامية كما توفر لغيره من فناني العرب لاعتبر فاتح (عالمياً واحداً من كبار الفنانين في هذا العصر.

فاتح المدرس: فنان تشكيلي، قاص وكاتب، شاعر ومثقف، أستاذ في الفن وعالم جمال يمتلك فلسفته الخاصة في الفن والحياة، مراقب خارق الذكاء لما يدور حوله ولما يجري في عالمنا.

فاتح المدرس: أكاديمي رفيع المستوى متعدد الثقافات واللغات، ساحر في طرح أفكاره والتعبير عنها، تعبيري ميتافيزيقي سريالي، فوضوي ولكنه واقعي دائماً، واقعي إلى الحد الذي كون لنفسه واقعاً موضوعياً خاصاً لا يشبه فيه أحداً.

فاتح المدرس: سوري نموذجي وكوزموبوليتاني نموذجي ورافض لكل ما لا يتفق مع استنتاجاته، معترض عنيد لقوانين الطبيعة وعاشق مستسلم لمشهدية الطبيعة البكر، مفرداتها، وألوانها، والنقاء فيها بعيداً عن التلوث وخربشات المكننة والإنسان.

فاتح المدرس: الأب والطفل المحب المفتون بأمه والمتمرد الصعب، عازف البيانو وصانع سيمفونية اللون ليهديها إلى عصره الرمادي... فضح على مدى عقود الجمود الغرافيكي في صناعة اللوحة (الفن ليس رسماً) وفضح أيضاً الحكاية فيها (الفن ليس قصة) وعندما رغب في سرد الحكاية عبر عنها كتابة ولكنه ناضل باستمرار في ربط التشكيل بالموسيقى محدداً بقوة الفوارق بين الفنون الزمانية والمكانية، لذا كان موزارت الفن التشكيلي ومونيه الموسيقى.

فاتح المدرس: مسؤول رسمي حمل لقب النقيب... ومسؤول فكري حمل على كتفيه وهج الثقافة العربية المعاصرة... ومسؤول أخلاقي خلق الجوانب التنزيهية في فننا، ليقدم فناً نزيهاً، نظيفاً، أصيلاً بالمعنى الدقيق والصارم لاصطلاح الأصالة.

رحل فاتح المدرس في نهاية هذا القرن، ليكون خلاصة هذا القرن، ليس كشاهد عليه بل كمحكم على تفاصيله الدقيقة والمثيرة ليكون صوت الضمير الغائب وليتجاوز في مهمته وظيفة الفن ولعبته البصرية وهو اللاعب الساحر الذي أدهش دائماً وأضاف قيمة استثنائية إليها، تجاوز إلى عالم الهيولى الأولى قبيل التشكل الكوني والتشكل التشكيلي الذي ينتفي فيه السبب والعلة. ليصبح هو سبباً في حد ذاته، ولذا صح القول دائماً: إن هناك فاتحاً واحداً لا نظير له ولم يتمكن أحد من تقليده بالرغم من هدير بصماته الساطعة في فننا السوري والعربي، ولذا قيل: إن فاتحاً هو الطفل، الطفل العابث بالألوان بعيداً عن استجداء الرضى والاستحسان وهو الذي حصل على الرضى كل الرضى والتقدير من محبي الفن وعشاقه من فلاسفة العصر ومثقفيه الكبار من شعراء هذا الكون من رؤساء دول غريبة من الصحافة العربية التي دفعت بخبر رحليه إلى الصفحات الأولى ومن وكالات الأنباء الأجنبية التي رصدت موته باهتمام لائق وممن كتبوا عن سورية في كتب ومجلدات نسوا فيها ظواهر هامة ولم يغفلوا مرة واحدة اسم فاتح المدرس فنان سورية الخالد... فتحية إلى عطائه الفني في يوميات موته الموجع.


صلاح الدين محمد