فضاء سارة شمة

لوحات الفنانة سارة شمة في صالة بيت الفن بدمشق
سطوة المعالجة التقنية واختلاف في المواضيع

فضاء سارة شمة

الفنانة التشكيلية السورية سارة شمة في معرضها الفردي الحادي عشر، والمقام في صالة بيت الفن بدمشق ابتداءً من مساء يوم الحادي عشر من تشرين الأول 2008، يشكل رافعة شخصية مضافة إلى سجل الفنانة الشخصي، وإلى مكانتها المميزة في ميادين العرض الفنية التشكيلية المحلية التي تستقطب شرائح واسعة من جمهور الفن والإعلام وسواهم، تستكمل فيه مدارات فتنتها البصرية وتجاربها التقنية، وتكوينها الفني وقوة حضورها في ميادين الابتكار والحرفة المهنية الواضحة، كصورة من طراز مميز. لكنها في هذا المعرض تستبدل بشخوصها ورموزها ومحتوى لوحاتها الموضوعي المعتادة، شخوصاً آدمية لأطفال مستعارين من ذاكرتها البصرية الحافظة، واستحضار طفولتها المفتوحة على براءة الأطفال وعبثهم الحسي في أوصاف ومقامات شكلية، هي أقرب في تجلياتها التقنية إلى واحة الفنون البصرية الإعلانية منها للتصوير النمطي والتقليدي. وهي بذلك تسجل خروجاً فاضحاً على مقومات اللوحات التشكيلية التصويرية المعروفة، وتقتحم أسوار التجربة المتسعة على جميع ميادين الفنون الجميلة التشكيلية منها والبصرية التقنية خصوصاً.

معرضها الحالي تذكرة عبور موقفة في ميدانها التقني، متصالحة مع ذاتها الفنية وأساليبها في معالجة خطوطها وملوناتها واختيار قطع لوحاتها، مؤلفة وحدة عضوية في التأليف والتوصيف التقني، لا خروج يذكر عن طريقتها المعهودة، وسمات تعاملها مع سطوحها المتسعة والقادرة على هضم مظاهر فتنتها البصرية، تجب في معرضها الحالي جميع تجاربها السابقة، وتفتح صفحات جديدة في تناول الموضوع، والعناصر الفنية المستعارة من جعبة ذاكرة وتذكر، ومعايشة يومية لمراحل زمنية عايشتها الفنانة كطفلة مقبلة على مباهج الحياة.

عناصرها منحازة لمعابر ذاتها الشخصية ولما تبقى في ذاكرتها من طفولة ومجون مخيلة، تصوغها في حبكة تشكيلية واعية لحدود مقولتها الفنية، في واقعية تعبيرية متحركة في حيز الفكرة وقضاء التكوين، وأشبه بملصقات إعلانية لعروض سينمائية تفصح عن حقيقة مكوناتها التشكيلية، وتكرس لتطور خبراتها ومهاراتها في هضم مفاتن التكوين والمقدرة على تطويع السطوح الممتدة في لوحاتها الجدارية، إذ أمدتها ملوناتها الزيتية بأسلحة تقنية وخبرة ومقدرة تعبيرية واسعة الطيف اللوني والشكلي، وغدت بذلك تمتلك خاصية الفنانة المبتكرة والحرفية المقتدرة على رصف مفردات سردها البصري بسهولة ويسر، وجعلها تحتل موقعاً متقدماً في الحركة الفنية التشكيلية السورية المعاصرة، وتمتطي صهوة الفن التشكيلي باقتدار تقني ملحوظ، ومكانة مميزة ما بين أقرانها الذكور والإناث بآن معاً.

لوحاتها الجدارية المعروضة في جدران الصالة، توحي بخصوصية التجربة والتأليف الشكلي وكأنك في مساحة بصرية إعلانية، قوامها الطفولة في أوضاع شكلية وحركية متنوعة، البطل فيها شخصانية الفنانة الموجودة كملامح ومحيا في كثير من اللوحات، تثير في عين المتلقي وعقله الدهشة والمساءلة، لاسيما لدى العاملين في ميادين الفنون التشكيلية. وتفتح سجل النميمة والغيرة والكيدية المغرضة، تكشف حقيقة مشاعرهم وغيرتهم وعريهم الذاتي في مساحة العروض، وبوحهم الصامت والخجول حول قدرة الفنانة على الانتشار والعمل، متناسين أنها فنانة نذرت حياتها الوجودية لفنها، باعتبارها متفرغة تماماً لإنتاج لوحاتها الفنية، وأشبه بمكنة متحركة تفرخ على الدوام مفاتنها البصرية في معرض فردي هنا وجماعي هناك، ذنبها الوحيد أنها تعرف حدود موهبتها وخبرتها وقدراتها على التواصل والوجود في مساحة العروض المحلية والعربية والدولية، وهي نقطة إيجابية تضاف إلى سجلها الذاتي كفنانة وإنسانة محبة لفنها وجمهورها، وكأنثى نشطة في ميدانها.

لوحات مأخوذة من مراحل الزمن البريئة والمسكونة بعوالم الطفولة اللاهية والعابثة بتفاصيل وجودها الكوني، غير معينة بواقعية الواقع، متروكة لوصف ومضات حياتية متوالدة في حضرة التكوينات، والمتدثرة بمخيلة الفنانة الواسعة الطيف السردي، وهي أشبه بقصاصات بصرية، متوارية في شخوص متكررة وأجساد متكورة، تأخذ مكانها الطبيعي داخل أسوار حكايتها الفنية التي تبدأ بصورتها الشخصية، وتنتهي بأطفال مروا بذاكرتها وحياتها اليومية كنماذج مستعارة في لحظات التجلي، تقص حكاياتها البصرية المتناسلة من عالم الطفولة ومناهل التجريب التقني، وسرد فني متواصل على جبهة التقنية وعراك الملونات والخطوط واللمسات المتسعة والمنتشرة فوق سطوح الخامات، تستحضر دائرة الألوان الرئيسة الأساسية منها والمساعدة وما بينها من تدريجات لونية مشتقة، تضع حدوداً فاصلة ما بين العناصر الرئيسة والمتممة كخلفيات في متن اللوحات، تجتاح اللمسة الإعلانية من أوسع أبواب الصياغة الفنية، وتركض في حقول الذاكرة البصرية الحبلى بيوميات طفولة لم تغادر مخدعها التذكري. فيها استحضار لمجاز الوصف ورمزية المدلول الشكلي المتخفي في أوصاف الفنانة ذاتها كصور شخصية عاكسة لضجيج حياتها في مراحل مستعادة هنا وهناك، تأخذ حيز الفتنة الشكلية، متسللة خلسة وعلانية في أكثر من لوحة ونموذج مرسوم، وكأنها بذلك تصف مشروعية الأنا الفنية على ميدان حضورها الوجودي استكمالاً مقصوداً لدورة الحياة.


عبد الله أبو راشد