فضاء نذير نبعة

نذير نبعة، إبداع يجعل الوجوه الصامتة تتكلم

فضاء نذير نبعة

كانت مرحلة الستينات في تاريخ مصر والعالم العربي من المراحل التاريخية المهمة بما حملته من انتصارات وانكسارات، وفي ستينات مصر قلب العالم العربي، أكمل الفنان نذير نبعة دراسته الأكاديمية الفنية التي اعتمدت في مفاصلها الأساسية على تجربة أوروبا الفنية والجمالية بموضوعاتها وتقنياتها.

وهنالك أيضاً شاهد وتأثر بأعمال الفنانين المصريين بمختلف أجيالهم وتوجهاتهم، سواء منهم اللذين انتموا إلى المدرسة الأكاديمية أمثال مختار وأحمد صبري، أم اللذين حاولوا تأصيل فن مصري يأخذ موضوعاته من التاريخ القومي واستلهام القيم الجمالية الشعبية أمثال محمود سعيد ومحمد ناجي، أم اللذين استهوتهم المغامرات الفنية الوافدة من سريالية وتكعيبية أمثال، سيف وائلي ورمسيس يونان.

ولاشك أن تجربة الفنان نذير نبعة التي تقدمها لوحات هذا المعرض المميز تنتمي إلى مرحلة النصف الثاني من عقد الستينات، وقد حاول الفنان فيها أن يبحث عن جذور تاريخية فنية تربطه بأسلافه في الحقب القديمة، اللذين كانوا من أوائل فناني البشرية في حضارات ماري وإبلا وأوغاريت ورأس شمرة، وامتداداتها بعد ذلك في الإبداعات التدمرية الفنية الرائعة.

وصحيح أن العديد من وجوه وتكوينات هذه اللوحات تذكره أيضاً بتماثيل الآلهة التدمرية، ولكنها في الوقت نفسه تحمل أبعاداً إنسانية وفنية حديثة تبعدها عن مستوى المحاكاة والنقل، وترفعها إلى مستوى الاستيحاء والإبداع، والخروج بعمل خلاق يستوحي تراث الماضي الفني، ويعيش أيضاً في الحاضر متنفساً هواء إبداعه العصري وهمومه الحديثة، وتشترك هذه اللوحات في وحدة لونية واحدة تقريباً ولكن هذا لم يدفعها إلى الرتابة اللونية بل إن إبداع الفنان الأصيل تمثل في قدرته على التنويع الغزير والبديع ضمن الوحدة المتكاملة.

وهذا الإبداع هو الذي جعل الوجوه الصامتة تتكلم، وتتكلم ببلاغة عفوية رقيقة هي أشبه بغناء عذراء قروية قرب جدول ماء، وبحداء بدوي فوق جملة، في أمسيات صحراوية أزلية.

محمد المر
رئيس ندوة الثقافة والعلوم-دبي


محمد المر