نصوحي السلاحي



ملخص بحث الدكتور محمد فاتح زغل – الإمارات

في مؤتمر العرب والأتراك.. مسيرة تاريخ وحضارة


رحلة مطراقي زادة لنصوح أفندي السلاحي الشهير بمطراقي زادة الذي توفي بعد 958هـ

دراسة اثنوغرافية وما قاله حول بغداد وحلب


هذه الرحلة قام بها الأديب المؤرخ نصوحي السلاحي الشهير بمطراقي زادة بصحبة الحملة الكبرى التي قادها السلطان سليمان القانوني سنة 941هـ لم 1534م لفتح العراق بدءاً من نقطة انطلاق الحملة في القسطنطينية مروراً بكوتاهية فقونية في الأراضي العثمانية ثم تبريز فهمذان فقصر شيرين فبغداد وصولاً إلى الحلة فالنجف فكربلاء ثم العودة إلى القسطنطينية مروراً بحلب.

صاحب الرحلة:
هو نصوح أفندي السلاحي، ابن عبد الله قرة كوز الشهير بمطراقي زادة مؤرخ ورحالة ورياضي تقدم في الوظائف العسكرية ومهر في الفنون الفروسية وفي ألعاب الأسلحة الشائعة في ذلك العصر حتى اكتسب لقبه المُرطاقي بضم الميم وهو الدرع المغلف بالجلد الذي كان يستخدمه الفرسان في قتلهم وفي ألعاب الميدان أيضاً ولمهارته في فنون الكتاب والحساب وثقافته التاريخية والجغرافية الواسعة فقد ضُم إلى الخدمة في قلم الديوان الكبير كاتباً وصاحب السلطان سليم الأول في حملته العسكرية على دولة المماليك في مصر والشام سنة 926-926هـ كما صاحب السلطان سليمان القانوني في حملته العسكرية على الدولة الصفوية سنة 943هـ وحملته على البغدان (رومانيا) وحملته التي انتهت بفتوح (شقلوش واسترغون وأرستوف وبلغراد) وغيرها.

تنوعت مواهب نصوح تنوعاً مدهشاً فهو مؤرخ متقن وفارس ماهر وجغرافي واسع المعرفة وشاعر بليغ ومترجم ضليع ومهندس عسكري بارع ورياضي مصنف وله في معظم هذه الجوانب مؤلفات قيمة تكشف عن إحاطته بتلك المعارف والفنون إليه على ما انتهت في عصره.

أهمية رحلة المطراقي:
ـ وصف بتدقيق مدهش منازل أو مراحل الطريق الذي سلكته الحملة بدءاً من مغادرتها (اسكدار) من القسطنطينية وحتى وصولها تبريز عاصمة الصفويين ومنها إلى بغداد فحلب ثم ديار بكر وصولاً إلى (اسكدار) ثانية فقدم المشرق الإسلامي إبان ذلك العصر وعين أسماء عشرات القصبات والقرى والقلاع والجسور والأنهار والجبال والتلال والصحارى الواقعة على تلك الطرق وحدد مواقعها بدقة ووصف طبيعتها التضاريسية والمناخية وأثبت المسافات بينها بالفرسخ وهو وحدة الطول المستعملة في قياس المسافات الطويلة عصر ذاك.

ـ يعد الكتاب وثيقة نادرة ومهمة توثق وجود كثير من المواقع وتعين أسماءها القديمة وتعرف الباحث على ملامحها كما بدت للمارين بها في النصف الأول من القرن العاشر للهجرة السادس عشر الميلادي وهي حقبة تعز فيها المصادر العربية التي تبحث في مثل هذه الشؤون ويبلغ عدد هذه المواقع نحو تسعمائة تنتشر على أراضي الأناضول وإيران والعراق وسورية.

ـ سجل شهادة نادرة لوقائع الحرب العثمانية الصفوية كما رآها بنفسه فهو شاهد عيان صحب الجيش واقترب بحكم همته من السلطان صانع القرار ولذا فليس غريباً أن يأتي وصفه للمعارك التي دارت بين السلطان العثماني والشاه الإيراني مفعماً بالحيوية معبراً عن روح الأحداث الدائرة بدقة ملحوظة؛ على أن المطراقي لم يكن مؤرخاً محايداً وليس من المعقول أن نتوقع منه ذلك فهو يلتزم وجهة النظر العثمانية بشكل مطلق ومع ذلك فإننا وجدناه يذكر الكثير من الحقائق كما تتطابق مع المصادر الأخرى أو يدعنا نتصور الوقائع كما جرت فعلاً بفضل ما يسوقه من معلومات تفصيلية ومنها تسجيل تواريخ وقوعها بدقة ووصف طبيعة الأراضي التي جرت فيها.. لأنه كان فناناً تشكيلياً فقد حفل حديثه عن ساحات القتال والطرق التي كانت تسلكها الجيوش المتحاربة بأوصاف خلابة عن أصوات المحاربين وجلبة نقل المعدات ولمعان السيوف والأسنة وامتقاع الوجوه وتضمخ الدروع بالدماء القانية وما إلى ذلك من أوصاف يكاد بها القارئ يرى المعارك تستعيد صورها أمام ناظريه.

ـ ومما يزيد من أهمية الرحلة إلى حد كبير لا يدانيها فيه أية رحلة أخرى ضمها عدداً كبيراً من الصور الملونة التي أبدعتها ريشة المطراقي وفرشاته وألوانه الخلابة رسم فيها المدن والقصبات والحصون والخرائب الأثرية والممرات الجبلية والخانات والأضرحة والمباني المختلفة والقرى والمضايق والمياه والعوارض الطبيعية والحيوان على نحو بالغ الإتقان حتى يمكن القول إن هذه الصور تمثل وثائق عالية القيمة لا غنى عنها في دراسة تخطيط المدن الإسلامية والأبنية الرئيسة إبان القرن العاشر للهجرة (السادس عشر الميلادي) وهي الحقبة التي تمثل مرحلة انتقال حقيقية من العصور الإسلامية الوسطى إلى العصور الحديثة.

ـ إن الرسومات التي عملها مطراقي زادة جاءت متشابهة إلى حد كبير مع الواقع باستثناء ما تمليه البيئة الجغرافية والمناخية نفسها في مدن الأناضول وإيران والعراق وحلب مما دل على وحدة العمارة الإسلامية أو تشابه خصائصها حتى ذلك العصر.

ـ إن المطراقي أوضح الكثير من التفاصيل الخاصة بهذه المواضع من خلال صوره في الوقت الذي سكت عن وصفها في رحلته وقد ثبت أنه كان يستند في رسم هذه الصور على المشاهدة المباشرة وبخاصة رسمه لمدينتي بغداد والحلة.

ـ لم يرسم المطراقي بشراً في رحلته عملاً بالتقليد الإسلامي المعروف بهذا الشأن وبذا فقد ضاعت فرصة التعرف على أنواع الأزياء التي كانت تلبسها شعوب المنطقة آنذاك.

ـ اهتم المطراقي بمراقد الأولياء والصالحين ومقاماتهم الكائنة في طريق الحملة تبركاً بأصحابها فقد سجل أسماء تلك المراقد والمقامات بعناية شديدة وتقديراً منه للأهمية الخاصة التي كانت تحتلها بغداد بوصفها تضم العدد الغفير من الأولياء والصالحين، ولهذا فالرحلة قدمت للقراء والباحثين معلومات ثمينة عن خطط المدينة وشواخصها الماثلة في ذلك العهد وبخاصة في الحلة وكربلاء والنجف.

ـ ومما يزيد هذه الرحلة أهمية أنها تضمنت نصوصاً كاملة لعدد من الرسائل المتبادلة بين السلطان سليمان القانوني والشاه (طهماسب) الصفوي وفيها من ألفاظ الترغيب والترهيب والتلميحات السياسية والتلويح بالأعمال العسكرية ما يكشف عن جوانب مهمة من الصراع العثماني الصفوي عهد ذاك كما من شأنه أن يوضح لغة الخطاب السياسي والدبلوماسي التي كانت تستخدم بين قادة الدول الإسلامية في المنطقة.

ـ الرحلة مخطوطة نفيسة وأصل المخطوطة محفوظ في مكتبة قصر يلدز باستانبول تحت الرقم 35 وعدد أوراقها 109 أوراق وجميع صفحاتها مجدول بماء الذهب وفي كل صفحة منها 17 سطراً وهي بخط نسخ جيد مشكول كتبت بمداد أسود عدا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأشعار والحكم المأثورة فإنها كتبت بمداد أحمر.

ـ للمخطوطة أهمية من النواحي التاريخية والبلدانية والفنية مما يجعل منها مصدراً لا يستغني عنه باحث في تاريخ الشعوب الإسلامية الحديث وإدراكها لقيمتها العلمية في دراسة أحوال العراق خاصة ومعالمه المختلفة في حقبة تاريخية عزت فيها المصادر.


==
المصدر نشرة مؤتمر العرب والأتراك.. مسيرة تاريخ وحضارة 2010.

مواضيع ذات صلة: