سقراط


الفيلسوف سقراط

تعتبر شخصية سقراط من أكثر الشخصيات الفلسفية غموضاً وإثارة عبر التاريخ، ويمكن اعتباره أب الفلسفة بمعناها المعروف اليوم.

ولد سقراط في مدينة أثينا عام 470/469 ق.م، أي في نهاية الحروب الميدية بين اليونان والفرس. كانت أمه قابلة وأبوه نحاتاً. وتعددت الروايات التي تتحدث عن حياته قبل شهرته فقيل أنه عمل نحاتاً ومرابياً، وقيل أنه وقع في الأسر ردحاً من الزمن.

وقد اشتهرت في حياة سقراط زوجته اكسانثيب، والتي كانت مثالاً للزوجة المشاكسة خالقة المشاكل، وقد شكل ذلك جزءاً من سيرة سقراط الفلسفية، حيث كان هو مثالاً للزوج الصبور المسالم الذي يتحمل مشاكسات زوجته، مترفعاً عن إهانتها له، وقد نُقِلَ عنه قوله الشهير عندما سئل عن الزواج: «افعل ما شئت، ففي الحالتين ستندم». ورزق سقراط بثلاثة أولاد، يقال أنهم من أكثر من زوجة.

تلقى سقراط -على الأرجح- التربية التي كان يتلقاها جميع الشباب الأثينيين في زمانه: فتعلم الموسيقى والرياضة وقواعد اللغة، وقد عاش في قرن تألق فيه عدد من المسرحيين والسياسيين الخطباء والفلاسفة، فعاصر سوفوكليس ويوريبيدس، والزعيم السياسي بيريكليس.

لا شك أن سقراط اطلع على أعمال عدد من الفلاسفة العظماء الذين سبقوه مثل الفيلسوف السوري زينون الإيلي، والفيلسوف والمفكر الرياضي فيثاغورس، ومن المرجح أيضاً أن سقراط عرف فكر هيروقليطس. ويزعم البعض أن سقراط كان بادئ الأمر تلميذاً للسفسطائيين، وأنه هو نفسه كان سفسطائياً ومعلم بلاغة، إلا أنه من المؤكد أنه كان مناهضاً للسفسطائية عند تبلور شخصيته الفلسفية، فهو لم يتوقف عن الهزء بادعاءاتهم الخطابية في الكثير من مقولاته.

تميز سقراط بشخصيته الشجاعة والقوية، فقد كان قوي الشكيمة متين الجسد، ويشهد له بذلك الحروب الثلاثة التي خاضها مع مواطنيه الأثينيين وأبلى فيها بلاء حسناً، وأنقذَ بعض أصدقائه ورفقائه من الموت فيها. كما أنه كان متواضعاً يرفض أن يتم تكريمه بالأوسمة، شديد الالتزام بالقوانين، وقد تجلى هذا عندما كان يحصل على دور في إدارة الشؤون العسكرية والمدنية بحكم مشاركة قبيلته في مقاليد السلطة، والتي كان أحد ممثليها في كثير من الأحيان.

عندما انقلب نظام الحكم في أثينا وسيطر عليه مجموعة من الطغاة فيما يعرف بحكم «الثلاثين»، واجههم سقراط بشجاعته المعهودة، وتلقى تعليماتهم وأوامرهم بالسخرية، ورفض أن يشارك بأي عمل في ظل سلطتهم، وربما أنقذه منهم، كون بعضهم من تلاميذه، إلا أن القضاء على نظام الحكم هذا، أنقذ سقراط من نهاية سريعة ولا شك.
كان سقراط جم التواضع، يتحمل التعب ويصبر على الناس، أما الغضب والنزق والحقد فهي أمور غريبة عليه، وكان متواضع الملبس، قبيح الشكل، أصلع الرأس، أفطس الأنف، مرسل اللحية، بحيث يشبه مسخاً أسطورياً، ولكن ذلك لم يمنع الأثينيين من التمتع بجمال أخلاقه وحكمته الجمة التي جعلته من أكثر الشخصيات شعبية وحضوراً في عصره.

تعاليمه وفلسفته


لقد كانت مدرسة سقراط هي الأغورا (الساحة العامة في أثينا)، حيث كان يتجول بين الباعة وسواد الناس والأرستقراطيين، ناهلاً من الحياة اليومية ألف مشكلة ومشكلة، جاعلاً منها مواضيع للتأمل.

كان سقراط يعتقد بأنه مُكَّلَفْ بنقل الرسالة الإلهية إلى مواطنيه الأثينيين، يحضهم فيها على التفكير والتأمل في نفوسهم والعالم وتشذيب أخلاقهم، وقد تبعه قوم كثيرون، وكان له كثير من الأصدقاء والتلاميذ من مختلف الطبقات والفئات، منهم الكثير من الشخصيات المهمة والشهيرة من سياسيين ومسرحيين ونحاتين وقادة وشعراء، بالإضافة إلى جم من الفلاسفة الذين صادقوه واغتنوا من أفكاره، أشهرهم أفلاطون وإقليدس الميغاري، الرياضي الشهير، الذي ألجأ تلامذة سقراط عنده بعد موته.

لوحة تمثل سقراط محاط بتلامذته ومريديه
قبل أن يتناول الكأس المسموم


محاكمته وموته


كان لا بد لشخصية بمثل قوة وشهرة سقراط أن تجتذب ضغينة البعد، وبخاصة عدم فهم العقول المحدودة، الذين لم يكونوا يرون فيه سوى طفيلي يجيد استخدام التهكم، ويجتذب تعاطف الشبيبة، ويشكل خطراً على النظام الاجتماعي.

ففي عام 399 ق.م وجه التهمة إلى سقراط ثلاثة أشخاص، هم مليتوس، وأنيتوس، وليقون، وكان محضر الاتهام يتهم سقراط بكفره بالآلهة الأثينية وجلب آلهة غريبة إلى المدينة وإفساد عقول الشبيبة. ولم تنفع جميع محاولات الفلاسفة والمحامين في إنقاذه من الموت حيث صوت 281 صوتاً بأنه مذنب و278 بأنه غير مذنب، وتم إقرار عقوبة الموت عليه.

كرس سقراط السويعات الأخيرة من حياته في التحدث إلى أصدقائه في موضوع خلود النفس، ورفض تأخير موعد شرب كأس السم التي كانت من الشوكران، فشربها دون تردد أو تقزز، وأوصى أصدقائه ببعض من وصاياه الأخيرة، قبل أن يختلج اختلاجته الأخيرة، التي أودت بحياة واحد من أعظم الفلاسفة على مر العصور.



قسم الدراسات في «اكتشف سورية» - محمد خضور
المرجع: كتاب «سقراط أمجد الفلاسفة»، تأليف: جان بران، ترجمة: جورج أبو كسم، إصدار دار الأبجدية.

مواضيع ذات صلة: