ما بعد السقوط: المخرج سامر برقاوي يروي أسرار هذا المسلسل

07/20/2010

المشاعر الإنسانية تنهض من تحت الركام بحثاً عن الخلاص

فوق الأرض، كارثة تطفو على السطح، ذعرٌ وقلق، وحالة قصوى من الترقب والمفاجأة. تحت الأرض، شخصيات تنتظر مصائرها المعلقة على حافة الموت. وما بينهما، إبحار موجع في الذاكرة، وحنين مستعاد لزمنٍ مضى، أو انتظار للخلاص الذي يبدو حلاً مثالياً لتجاوز عبء الفشل الحياتي، وكأن القدر يتدخل في لحظةٍ حاسمة لإنقاذ ما لا يمكن تداركه فيما لو استمرت الحياة بصيرورتها الطبيعية.

كل تلك الأحداث يرصدها مسلسل «ما بعد السقوط»، في عمل درامي سوري تسير أحداثه بموازاة الزمن الحقيقي. أربع وعشرون ساعة في ثلاثين حلقة، يجري تصويرها بإدارة المخرج سامر برقاوي، عن نصٍ للكاتب غسان زكريا، سيناريو وحوار مجموعة من الكتاب السوريين، وإنتاج شركة غلوبال غولف ميديا للإنتاج والتوزيع الفني.

وبعد أن أنهى برقاوي ثلثي تصوير المسلسل تقريباً، التقيناه في مكتبه في بدايات شهر تموز بينما كان يستعد للمرحلة المقبلة التي لا تقل صعوبةً عن سابقاتها. بدا عليه الإرهاق بشكلٍ واضح، وبما أتيح لنا من وقت في استراحةٍ بين مرحلتين، كان لموقع «اكتشف سورية» معه حديث حول أسرار هذا المسلسل.

ما الحكايات التي تختبئ خلف كل هذا الركام؟
نتناول في هذا المسلسل ولأول مرة في الدراما السورية ملف المباني الآيلة للسقوط، التي أصبحت محط جدل واسع بعد مجموعة من حوادث انهيارات المباني التي وقعت في بعض المدن السورية كدمشق وحلب، حيث بُنيت هذه المباني العشوائية على عجل بشكل مخالف لقواعد السلامة، وخارج إطار الرقابة القانونية، وقواعد أنظمة البناء المعمول بها في سورية. هذا هو الموضوع الذي يتناوله مسلسل «ما بعد السقوط» بخطه العريض، ونناقشه في إطار درامي مبني على حكايات عدد من الشخصيات التي كانت في المبنى لحظة انهياره، وبقيت على قيد الحياة لمدة 24 ساعة تحت الأنقاض، ونرصد في المسلسل عراكها للحفاظ على حياتها بانتظار مصيرها الذي تكشف عنه الحلقات الأخيرة من العمل. كما يتناول العمل خلفيات تلك الشخصيات، وكيف وصلت إلى هذا المكان، وما هي الظروف التي قادتها لمواجهة هذا المصير، وذلك بالتوازي مع جهود فرق الدفاع المدني والإسعاف والشرطة، وكيفية تعامل الجهات المختصة مع هذا النوع من الكوارث.

ما هي الآليات التي اتبعتموها في بناء هذا النص؟ لقد سمعنا عن وجود مجموعة من الكتاب قاموا بإعداد السيناريو لهذا المسلسل، عن نص للكاتب غسان زكريا وبإشرافه؟
حاولنا في هذا العمل الابتعاد عن السرد التقليدي للحكاية، خاصة أن أحداثها تدور على ثلاثة مستويات: المستوى الأول تجري أحداثه فوق الأرض، ويتناول طريقة تعامل فرق الإنقاذ والأهالي وأبناء الحي مع حادثة انهيار المبنى، والمستوى الثاني يتعلق بمصائر الشخصيات التي بقيت تحت الأنقاض تعارك الحياة، والمستوى الثالث هو ما حكايات تتعلق بماضي هذه الشخصيات قبل أن تتعرض لهذه الكارثة. فالنص ينتقل النص بين هذه المستويات الثلاث في قالبٍ حكائي عالي الحبكة، وبعيد كل البعد عن الطريقة النمطية في السرد، والتراتبية التقليدية لسير الأحداث، وبالتالي سيكون المشاهد شريكاً في مونتاج ما يلتقطه من مشاهد ليقوم بربط خيوط الحكاية، في محاولة منّا لتحفيزه، كي يكون جزءاً من الحدث الدرامي بدلاً من كونه مجرد متلقٍ.

ولكن، إلى أي حد تتقاطع هذه الحكاية مع أحداث واقعية جرت بالفعل في سورية؟
فكرة العمل أتت انطلاقاً من مجموعة أحداث واقعية تتعلق بانهيارات مبانٍ جرت مؤخراً في أكثر من منطقة بدمشق وحلب، وراح ضحيتها مجموعة من الأشخاص، وبقي العديد منهم تحت الأنقاض بانتظار مصائرهم قبل أن تصل إليهم فرق الإنقاذ، ولهذا الغرض راجعنا ملفات تلك الكوارث بالتعاون مع محافظة دمشق، والجهات التي كانت في موقع الحدث، وجزء منها كان معنا بشكلٍ فعلي أثناء التصوير، لتقريب الصورة للمشاهد كما حصلت على أرض الواقع، حرصاً على توفر شرط المصداقية في العمل، مع الاحتفاظ بالطابع الإنساني للحكاية التي لا تخلو من عنصري الجذب والتشويق بطبيعة الحال.

ليست ليست المرة الأولى التي تتناول فيها الدراما حوادث سقوط المباني، كما أنه تم التطرق مؤخراً لواقع العشوائيات المحيطة بالمدن السورية في أكثر من مسلسل. ما الجديد في هذا المسلسل؟
بالتأكيد هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التطرق لحوادث سقوط الأبنية، سينمائياً أو تلفزيونياً، كما أن قالب الفكرة ليس جديداً، كذلك الأمر بالنسبة للولوج في عالم العشوائيات، لكننا حرصنا منذ البداية في مرحلة بناء النص، ووصولاً إلى تنفيذه، على تقديم وجهة نظر جديدة في الدراما السورية بالتوازي مع تطور الدراما التلفزيونية في العالم، والبحث عن بدائل جديدة في سرد الحكايات، وتشويق المشاهد. إن هذا هو الهاجس الرئيسي لدى كل المخرجين في البحث عن حلول إخراجية مبتكرة، وتقديم شكل جديد للعمل الفني، بحكم الغزارة الكبيرة في الأعمال لكي نبقى في دائرة المنافسة.

كيف تم تصميم موقع التصوير؟ وهل ذهبت الكاميرا فعلياً إلى مكان سقوط أحد الأبنية لتحقيق مقاربة واقعية للحدث؟
كما ذكرنا سابقاً، هناك ثلاثة مستويات من العمل: فوق الأنقاض، وتحت الأنقاض، ومواقع متفرقة تستعيد فيها الشخصيات حكاياتها خلال المرحلة العصيبة التي تمر بها. فيما يتعلق بمرحلة ما فوق الأنقاض بحثنا عن أكثر الأماكن ملاءمة لبيئة الحدث، وذلك في مناطق السكن العشوائي التي تحتل مساحة كبيرة من المناطق المحيطة بدمشق، على أن يؤمن هذا المكان مناسيب مختلفة للتصوير ومن مختلف الجهات، في ظل وجود كثافة عالية من البناء والسكان، وغزارة في الحركة. أعتقد أننا وُفقنا في ذلك، إلى جانب التعاون الكبير الذي وجدناه من أهالي المنطقة، والجهات المعنية المختصة بالإنقاذ والدفاع المدني التي أرادت أن تكون جزءاً من هذا العمل، لترشدنا حول الطريقة التي تعكس ذهنية هذه الجهات في التعاطي مع هذا النوع من الكوارث، ونترك للمشاهد أن يكتشف بنفسه فيما إذا كان البناء المهدم مكاناً واقعياً بالفعل، أم أننا تدخلنا في تصميمه، لأن هذا الأمر هو أحد التحديات الأساسية التي يرتكز عليها نجاحنا في هذا العمل. كما تم تصميم استوديو خاص لمرحلة ما تحت الأنقاض، ومنه الجزء الأسفل من البناء، الذي يحتضن الشخصيات التي بقيت على قيد الحياة، ومنهم من يحاول أن يبتكر حلوله للخلاص من هذه الكارثة، ويمثل هذا المكان المجتمع الصغير الذي تكون بحكم الحادثة، وما نشأ فيه من علاقات وجدانية بين الشخصيات التي تمر بهذه المحنة.

هل واجهتم صعوبات في انتقاء الممثلين باعتبار أنكم بدأتم تصوير العمل في مرحلة كان فيها كل الفنانين مرتبطين بأعمال أخرى؟
أعتقد أننا وُفقنا في انتقاء الممثلين، ونجحنا في استقطاب كل من فكرنا فيهم أثناء كتابة العمل، حيث أبدى الكل حماسة كبيرة للمشاركة في هذا العمل، مما كان مصدر اطمئنان بالنسبة لنا. من جهتنا، حاولنا تأمين كافة الظروف ليتمكن الممثلون من أداء أدوارهم بأفضل الشروط، خاصة أن عملاً من هذا النوع فيه تحديات كبيرة على مستوى الأداء، وبالمقابل هناك إصرار كبير من جانب الجهة المنتجة غلوبال غولف ميديا، وصاحبها هاشم رزاق الموسوي لتقديم العمل بأكمل وجه.

ما الجديد في هذا العمل على صعيد التقنيات، والإخراج، وحركة الكاميرا؟
حرصنا على وجود تمايز ما بين الزمن الفعلي الذي تجري فيه الأحداث، والزمن الذي يمثل استعادة الشخصيات لماضيها بطريقة «الفلاشباك». فقد تم تحقيق هذا التمايز على مستوى اللون، والصورة، وحركة الكاميرا. فبالنسبة للمستوى العلوي حاولت الاستفادة من المدرسة الإخراجية التي توازي بين الزمن الفعلي للأحداث بالزمن السينمائي، وذلك بالاعتماد على الكاميرا المحمولة التي تمثل فعلياً وجهة نظر المشاهد، أما اللون والإضاءة فتكاد تكون غير محسوسة، وتعتمد على المصادر الطبيعية للإضاءة في المكان، ليلاً أو نهاراً. لقد حاولنا أن نستفيد من كل تلك العناصر الفنية لتحقيق شيء أشبه بالوثيقة في تقديم هذه الكارثة، وأقرب ما يكون بصرياً للشيء الإخباري عن الحدث، والذي يمكن أن يراه المشاهد في أي تغطية إخبارية لهذا النوع من الكوارث.

ما هو حجم التجريب في هذا العمل على صعيد الرؤية الإخراجية؟ وهل تخشى من ردة فعل المشاهد عليه؟
إذا كان التميز هو أحد العناصر التي تدخل في نسيج العمل الفني، فإنه لا يأتي إلا من المبادرة، والمبادرة تأتي من التجريب الذي يحتمل النجاح أو الفشل. بالنسبة لي كمخرج، فإني أسعى دائماً أن أضع نفسي مكان المتلقي، وما يمكن أن يشعر به حيال العمل الذي أقدمه، وبناء على هذه الحالة من الجدل الذاتي أستطيع أن أضع توقعات تتعلق بالمستوى الذي يمكن أن أصل إليه. وأعتقد أن أعمالي السابقة نجحت في الاستئثار باهتمام المشاهد، وهذا ما أعوّل عليه في هذا المسلسل.

وفي كلمة أخيرة، قال برقاوي: «ما يميز هذا المسلسل أنه يتشابه إلى حد كبير مع اسمه، ففي اللحظة التي يودع فيها المشاهد العمل، يصله إحساس مفاده بأن كل القصص يجب أن تبدأ من جديد».

الجدير ذكره أن المسلسل من تأليف غسان زكريا بفكرة وإخراج من سامر برقاوي. أما البطولة فهي لكل من: أمل عرفة، عبد المنعم عمايري، أندريه سكاف، صفاء سلطان، وائل شرف، جهاد سعد، باسم ياخور، ميسون أسعد، قاسم ملحو، علي كريم، مظهر الحكيم، عبد الحكيم قطيفان، رنا شميس، شادي مقرش، ومازن عباس. أما السيناريو والحوار فهما لمجموعة من الكتاب: عروة المقداد، بلال شحادات، الدكتورة مي الرحبي، شادي دويعر، طلال مارديني، وعدنان الزراعي.

محمد الأزن - دمشق

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

    صور الخبر

    بقية الصور..

    اسمك

    الدولة

    التعليق