من سورية

محطة بغداد

سيمفونية القدس تصدح في دمشق
الفرقة السيمفونية الوطنية السورية تعزف لفلسطين وآلامها في دار الأوبرا بدمشق

24/تشرين الأول/2009

ليست المرة الأولى التي تحيي فيها الفرقة السيمفونية الوطنية السورية حفلة مخصصة للموسيقى الوطنية، حيث سبق أن قدمت ضمن فعاليات دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 أمسية عزفت فيها مجموعة من الأغاني والأناشيد الوطنية بتوزيع موسيقي جديد، وغنى معها الكورال السوري الكبير التابع للمعهد العالي للموسيقى بدمشق بدمشق، و أيضاً عزفت مع الفنان الكبير مارسيل خليفة ملحمته «أحمد العربي» وذهب ريع تلك الحفلة لأطفال غزة.

وضمن هذا السياق قدمت الفرقة مساء الأربعاء 21 تشرين الأول 2009 حفلة يحتوي برنامجها على مقطوعات موسيقية لمؤلفين فلسطينيين بعنوان «سيمفونية القدس» والتي ستكون موضوع حديثنا.

برهنت الفرقة في حفلاتٍ كهذه بأنها لا تقدم الموسيقى الكلاسيكية فحسب، بل تعزف وتغني في المناسبات والأحداث الوطنية أيضاً لتكمل رسالتها، من حيث كونها واجهة حضارية لسورية. ولا يخفى على أحد المكانة الكبيرة التي وصلت إليها الفرقة السيمفونية الوطنية، ليس فقط محلياً، إذ صفق لها الجمهور وكتبت عنها الأقلام، وأشاد بها كبار الموسيقيين العالميين في أي مكان وضعت رحالها فيه.

وبهذا خسر كل من راهن على اندثار الفرقة السيمفونية الوطنية بعد مرض الراحل صلحي الوادي، حيث تابعت مسيرتها بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان الذي درس قيادة الأوركسترا لمدة خمس سنوات في إيطاليا، وها هو الآن ومنذ ما يقارب السبع سنوات يقود الفرقة من نجاحٍ إلى آخر.

في حفلة «سيمفونية القدس» التي أقامتها الفرقة السيمفونية الوطنية مساء الأربعاء الماضي على مسرح الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق، اختارت الفرقة ثلاثة أعمال لمؤلفين من فلسطين، وذلك احتفاءً بالقدس عاصمة الثقافة العربية 2009، العمل الأول جاء عنوانه على عنوان الحفلة المعلن (سيمفونية القدس) للمؤلف يوسف خاشو. وتمت إعادة التدوين الموسيقي لهذا العمل من قبل الأستاذ هيثم سكرية، واندرج مشروع إعادة التدوين هذا ضمن مشاريع وزارة الثقافة الأردنية في احتفالها بإعلان القدس عاصمة للثقافة العربية 2009، وها هي الفرقة السيمفونية السورية تعزفها قبل كل الفرق.

جاء العمل خليطاً كلاسيكياً مطعماً بنفحات شرقية بحتة، واندرج فيه بين حينٍ وآخر بعض الأناشيد الوطنية، كالنشيد الوطني السوري (حماة الديار) و (ريدها) بالإضافة إلى أغنية الميلاد (ليلة عيد) ووصل إلى التكبير (الأذان) بالتزامن مع صوت أجراس الكنيسة.

يجسد هذا العمل عروبة القدس والتآخي الديني المتواجد فيها، والمؤلف الموسيقي يوسف خاشو من مواليد القدس عام 1927. درس في مدرسة تيراسنتا في القدس وتتلمذ على يد الموسيقار الكبير أوغسطين لاما، وأول أداءٍ له أمام الجمهور كان وهو في سن السابعة، حين تطوع ليعزف الأرغن مكان أستاذه لاما حين اضطر هذا للغياب في إحدى الاحتفاليات الرسمية في كنيسة القيامة.


الأوركسترا السيمفونية الوطنية السورية تعزف سيمفونية القدس

سافر خاشو إلى إيطاليا لاستكمال دراسة الموسيقى وعاد إلى فلسطين (الضفة الغربية) ثم الأردن وسورية، وبالأخص حلب حيث أسس أول أوركسترا هناك، وعاد إلى إيطاليا حيث واصل تأليف الموسيقى وأنتج «سيمفونية القدس» والتي عانى لأجلها الكثير من الضغوط السياسية، ومن ثم عاد إلى الأردن ليستقر هناك ويبني الحياة الموسيقية فيها، حيث أسس مع المونسينيور الراحل رؤوف النجار الأكاديمية الموسيقية، وتوفي يسوف خاشو في 8 آذار1997.

ومن ثم قدمت الفرقة عملاً بعنوان «ذكريات الماضي» للمؤلف الفلسطيني باتريك لاما، وجاء العمل هادئاً ذا رتمٍ بطيء يحمل الكثير من الفلسفة والسوريالية الموسيقية.

والمؤلف لاما من مواليد عام 1940، بدأ دراسته ُ الموسيقية على يد والده أوغسطين لاما، الذي كان مؤلفاً موسيقياً وعازف آلة الأرغن في كنيسة القيامة في القدس، وثم حصل على الشهادة العليا في تدريس البيانو من المعهد العالي للموسيقى في باريس، ودرس التأليف الموسيقي على يد هنري دوتويو، بالإَضافة إلى قيادة الأوركسترا مع بيير ديرفو. للمؤلف لاما العديد من المؤلفات الموسيقية كتبها لآلات مختلفة بالإضافة إلى أعمالٍ غنائية من كلمات الشاعر بدر شاكر السياب، والشاعر شوقي عبد الأمير والشاعر محمود درويش، من أهم أعماله «أوبرا كنعان» والتي تتضمن أشعاراً أوغاريتية مغناة باللغة العربية الفصحى، وعمله الأوركسترالي «أورسالم» المهدى إلى القدس.

واختتمت الحفلة بعمل للمؤلف سلفادور عرنيطة بعنوان «لوحات شرقية» وهي متتالية رقم 4 لأوركسترا سيمفونية بأربع حركات (صور من فلسطين، الأندلس، حنين، رقصة عرس)، وتضمن العمل بعض المعزوفات المنفردة لآلة القانون، وتراوح بين السرعة والبطء والسرعة المعتدلة.

وسلفادور عرنيطة من مواليد 1914 في القدس، تتلمذ أيضاً على يد الأسطورة أوغسطين لاما، حيث تجلت مهارته وسطعت موهبته الموسيقية، فبدأ عزف الأرغن في الكنيسة في الحادية عشرة من عمره، ومن ثم أرسل إلى الإسكندرية بمصر حيث عمل كعازف أرغن لكاتدرائية السيدة كاثرين، وقاد جوقتها عام 1931، وبعد ثلاث سنوات مُنح بعثة دراسية لدراسة الموسيقى في أكاديمية سانتا سيسيليا الشهيرة في روما، درس التأليف والأرغن مع كبار الموسيقيين وكانت تلك السنوات الثلاث هي الأهم مما تعلمه طوال حياته، ألف العديد من المقطوعات الأوركسترالية تتضمن بعضاً من الأعمال الكورالية وموسيقى الحجرة، وتنقل في عدة مدن خاصة بعد النكبة، حتى استقر في بيروت حيث كتب أعظم أعماله، وطوال سنين حتى عام 1980، عمل على زيارة الكثير من المدن، ليعزف مع كبار الموسيقيين ويقود العديد من الفرق مثل الأوركسترا السيمفونية لبرلين وأوركسترا بطرسبورغ، والأوركسترا السيمفونية لبوسطن.

هكذا، على مدار ما يقارب الساعة والنصف عزفت الفرقة السيمفونية الوطنية السورية يقيادة قائدها الأساسي المايسترو ميساك باغبودريان لفلسطين وعرّفت الجمهور السوري على مؤلفين يجهلهم العديد من العرب، وقد صفق الحضور طويلاً لأداء الفرقة وبراعة عزفها.

المايسترو ميساك باغبودريان في سيمفونية القدس

وفي نهاية الحفل كان لـ «اكتشف سورية» هذه الوقفة مع المايسترو ميساك باغبودريان:

لماذا كان برنامج الحفل مخصصاً للمؤلفين الفلسطينيين فقط؟
جاء الحفل ضمن نشاطات وزارة الثقافة احتفالاً بالقدس عاصمة الثقافة العربية 2009، وبالتالي تم اختيار أعمال مؤلفين مقدسيين (من القدس)، وخاصة «سيمفونية القدس» للمؤلف يوسف خاشو، التي تعبر عن مأساته كمؤلف ومأساة الشعب الفلسطيني أثناء نكبة 48، وأيضاً تم اختيار عمل من الجيل الأوسط وهو «ذكريات الماضي» لباتريك لاما وهذا المؤلف لديه أعمال كثيرة ومازال يقدمها حتى الآن، كما قدمنا عملاً للمؤلف سلفادور عرنيطة بعنوان «لوحات شرقية»، وهي أيضاً قريبة من أوجاع شعبنا الفلسطيني. والمميز عند هؤلاء المؤلفين بأنهم تتلمذوا على يد موسيقي فلسطيني كبير وهو أوغسطين لاما.

من المعروف بأن الفرقة السيمفونية الوطنية تقدم أعمالاً كلاسيكية، ما هو سبب تقديمها لبعض الأعمال الوطنية؟
الفرقة غير مخصصة لتقديم ما كتب في التراث الموسيقي العالمي فقط، وإنما تشارك في المناسبات القومية والوطنية بأعمالٍ مناسبة للحدث، فمثلأً وزعت الأغاني الوطنية بأسلوبٍ جديد وقدمتها في حفل عام 2008، وعندما غنى مارسيل خليفة عمله «أحمد العربي» لأول مرة على المسرح كان ذلك مع الفرقة الوطنية السيمفونية السورية. وأيضاً أعمال حفلة «سيمفونية القدس» تعزف لأول مرة بعد تدوينها من قبل الموسيقي هيثم سكرية برعاية من وزارة الثقافة الأردنية.

ما هي مشاريعكم القادمة؟
ستقيم الفرقة حفلة نوعية من حيث المكان في 26 تشرين الأول 2009 بقصر الأمير عبد القادر الجزائري بدمر وستعزف بعض الأعمال الكلاسيكية كالعادة، وقبل هذه الحفلة بيوم (أي في 26 تشرين الأول 2009) سيقود الفرقة الموسيقي الكبير نوري الرحيباني بحفلة في مسرح الدراما بدار الأسد للثقافة والفنون. بالإضافة إلى جولة المحافظات التي ستجول بها الفرقة في عدة محافظات لتعزف برنامجها «سيمفونية القدس» وذلك حسب البرنامج التالي:
الأربعاء 28/10/2009، الساعة 8:00 مساءً : حفل في سينما الكندي بحمص.
الخميس 29/10/2009، الساعة 8:00 مساءً : حفل في دار الأسد للثقافة والفنون في اللاذقية.
الجمعة 30/10/2009، الساعة 8:00 مساءً : حفلة في المركز الثقافي العربي بحلب.
السبت 31/11/2009، الساعة 8:00 مساءً : حفلة في المركز الثقافي العربي بإدلب.
الأحد 1/11/2009، الساعة 8:00 مساءً : حفلة على مدرج دار الأسد للثقافة والفنون في الرقة.
وأنتهز هذه الفرصة لأدعو جماهيرنا في المحافظات ليسمعوا ويتعرفوا على فرقتهم السيمفونية.


إدريس مراد
اكتشف سورية

Creative Commons License
طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك