من أجمل الأمسيات الموسيقية لآلة البيانو وأمتعها 16/نيسان/2008
قدمت شادن اليافي على مسرح الدراما في دار الأسد للثقافة والفنون أمسية موسيقية أدت فيها عملاً رائعاً بإتقان وعاطفة وتجاوبٍ يدعو للإعجاب والتهنئة القلبية. عزفت شادن في البداية مؤلفين لبيتهوفن: الأول هو روندو رقم 1 عمل 51، حيث يتسم اللحن الرئيس للمقطوعة بالبساطة والعفوية ويتردد بين الألحان المتشعبة والغنية بالدراما والخيال، تلتها صوناتة رقم 23 عمل 57 (المشهورة بالصوناتة العاطفية حسبما أعطاها هذا الاسم أحد الناشرين)، حيث تشفّ هذه الصوناتة الرائعة -في حركاتها الثلاث- عن مزيج من المشاعر المتباينة والمتناقضة في آن واحد، مثل الحب والخيانة والحماسة ومرارة الإخفاق والخيبة والرغبة العارمة، بحسب الباحث كلود روستاند. في الحركة الأولى صراع داخلي وعذاب روحي، وفي الحركة الثانية لحن يعبّر عن سلام روحي عميق، ولكن لا تلبث العواطف الغاضبة أن تثور والمشاعر أن تتفجّر وتتدفق سيلاً جارفاً جامحاً من الألحان الصاخبة التي تتصاعد شاكيةً ومحمومة.
صفق الجمهور للعازفة المتفوقة. بعد استراحة قصيرة، واصلت شادن العزف الجميل فأدت «مرثاة» هذه المقطوعة المبكرة من تأليف سيرجي رخمانينوف، حيث يسود الحزن والإحساسات الشاعرية المرهفة والحنون. وكان أداء شادن لمقطوعة رخمانينوف رائعاً ومعبّراً وعاطفياً وصفق لها الجمهور بحماس وسعادة.
بعد ذلك عزفت شادن مقطوعة «تحية إلى كوبران» من تأليف موريس رافيل. أراد رافيل، وهو من أعلام المدرسة الانطباعية الفرنسية، أن يؤلف متتالية من ست رقصات فرنسية بأسلوب الباروك تحية لمؤلف الباروك الفرنسي الشهير فرنسوا كوبران (الملقب بكوبران الكبير)، لكن رافيل الذي عاش مآسي الحرب العالمية الأولى -ورأى العديد من أصدقائه يفقدون حياتهم في الحرب- آثر أن يهدي كلاً من هذه المقطوعات الست إلى واحدٍ ممن قدموا حياتهم في الدفاع عن وطنهم. فكتب هذه المقاطع بأسلوب باروكي مُضفياً عليها لغته الهارمونية من ائتلافات مستحدثة وحداثية. موسيقا رافيل رائعة وأصيلة ومعبّرة عن الحزن ولكن على نحو غير عادي. كان أداء شادن لموسيقا رافيل في غاية الإتقان والتجاوب والانفعالية.
صفق الجمهور بحماس بالغ لشادن وقُدمت لها باقات الورود وهكذا انتهت أمسية من أجمل الأمسيات الموسيقية لآلة البيانو وأمتعها. فائقُ الشكر وأطيب الأماني للموسيقية المتفوقة شادن اليافي ودار الأسد للثقافة والفنون، وكم نتمنى لو أن الدار تُكثر من أمثال هذه الأماسي الموسيقية المنفردة والرائعة، ففي ذلك تشجيع لموسيقيينا الناشئين وفي الوقت ذاته إمتاع لجمهور محبي الموسيقا الجادة الكلاسيكية. نأمل ألا يطول انتظارنا لمثل هذه الأماسي الرائعة وألا تضنّ الدار بالمتميّز من الموسيقا.
جدير بالذكر أن شادن قد تعلّمت العزف على البيانو في المعهد العالي للموسيقا بدمشق ثم تابعت دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نالت شهادة الدكتوراة في الموسيقا من جامعة بوسطن وحازت على جائزة العميد للتفوق الأكاديمي ومرتبة الشرف الموسيقي الأمريكي عام 2006. درّست شادن في المعهد العالي للموسيقا وعزفت عزفاً منفرداً مع الفرقة السيمفونية الوطنية عدة مرات كما أقامت الحفلات الإفرادية في سورية وأمريكا، كذلك عملت أستاذةً لآلة البيانو في جامعتي تافتس وبوسطن، وهي تحمل إجازة في الصيدلة من جامعة دمشق.
|