فضاء وليد الآغا

الفنان التشكيلي وليد الآغا
يعتمد في موضوعه على الحرف الذي يبقى حاضراً بقوة

فضاء وليد الآغا

في رحاب البحث عن الممتع، يسعى الفنان وليد الآغا المسكون دائماً بهاجس الاكتشاف - وفي كل مرة - أن يطلعنا على جديد جمالياته بكل أنواع الفنون المدهشة التي يمارسها، لتضاف إلى رصيد تجاربه الهامة المنوعة والمجتهدة، وصولاً إلى صياغات حديثة لمشهده التشكيلي الذي يحمل دائماً غرابة، رشاقة، وقوة.

يصيغ الفنان لوحته تلك معتمداً على مجموعة من العناصر ركنها الأساس «الحرف» بتحولاته العديدة من شكله البدائي كما جاء في أبجدية رأس شمرا مروراً بالأختام الأسطوانية والرقم الطينية المكتشفة والتي تعود إلى آلاف السنين، وصولاً إلى ما هو عليه الآن.

«الحرف» بشكله المسماري، ذلك العنصر «المدلل» والهام بخصوصيته الرائعة، يتكرر ويتناسخ على مساحة اللوحة «مع بعض الزخارف والرسومات القريبة بشكلها من التي اكتشفت في كهوف الإنسان الأول» ليشكل معها الخلفية التي تركن محتضنة الموضوع، ومحتفلة به بكثير من الأبهة، وغالباً ما كان يكتفي بها لتصبح هي الموضوع موزعة بنفس الأهمية على كامل المساحة، لتكامل عناصر التشكيل فيها.

إذن، ومن تلك المفردة الجميلة (الحرف)، انطلق الفنان الآغا في رحاب اللوحة التراثية المحدثة، بكل جوانبها وخصوصيتها، إن كان ذلك على صعيد التكوين الذي يضبط إيقاع المساحة ككل، أو اللون المستمد من البيئة ومؤثرات المنطقة، أو التقنية التي تؤكد على تلازم عاملي الزمان والمكان.

والفنان وليد الآغا، إضافة لتجربته الفنية والمميزة في مجال الملصق وفنون الإعلان بشكل عام، هو خطاط متمرس أيضاً، ومتمكن يتقن ماهية استخدام الحروف وإمكانية الاستفادة من رشاقة أشكال بعضها في تكوينات منسجمة تجمع ما بين اللوحة الحروفية الحديثة والتراثية القديمة التي تذخر بعناصر ومفردات تشبه في أشكالها الأدوات التي كانت مستخدمة ومتداولة في هذه المنطقة من العالم.

ففي أي لوحة من ذلك النمط أو من جديده الذي هو استمرار وتواصل لما قبله، لا بد أن تشعر معها برغبة الفنان في استنهاض الماضي من خلال قراءة تشكيلية حديثة، وبألوان دسمة ما بين المتوهج والخافت، منها ما توضعت على خلفية تشبه في خامتها الفخار أو الطين المشوي «البني المطفأ والمكحل بالسواد المرصع بالذهب»، وهذا ما جعلها تبدو قديمة تنبض بالحياة من جديد.

إن التقنية التي استخدمها الفنان في صياغة لوحاته دائماً هي على حد قوله: «مجربة، وأنه لم يكتشفها بالصدفة، بل هي التي اعتمدها الأقدمون، طرق علمية في تحضير الأصباغ والخلطات التي خلدت أعمال الفنانين الأوائل، والتي مازالت حية إلى يومنا هذا».

عجينة متماسكة يفرشها الفنان بخبرة ودراية، وبسماكات مختلفة مظهراً جمالية كل طبقة على حدة، من خلال اللون الفاتح منه أو الداكن المجاور له، معتمداً في ذلك أكثر من طريقة لمعالجة نفس اللوحة التي تبدو في أقسام منها أو في بعض أجزائها على شكل «سيراميك أو مينا» وسط خامات منوعة ومختلفة، محيطة، متآلفة ومنسجمة مع الخلفية التي اندمجت مع الموضوع وأخذت نفس الأهمية، مانحاً بذلك لجميع العناصر مزيداً من الحرية والظهور.

إن في أعمال وليد الآغا ـ المجرب دائماً، وعلى اختلاف التقنية - كثير من المميزات، جعلتها رغم تشابهها، تبدو متجددة وتحمل في مضامينها وشكلها مزيداً من التأثيرات المختلفة والمفاجئة التي تضيف دائماً للعمل مزيداً من المتعة والدهشة، والتي تترك المتلقي متشوقاً لمعرفة المزيد والجديد في تجربة هذا الفنان المنوع.

وفي جانب مواز، فقد اشتغل الفنان الآغا في موضوع طباعة وتصميم النقوش والرسومات، بنقلها إلى تلك المساحات الكبيرة بدقة وصنعة، وفنية عالية، متحولة إلى لوحات مزركشة ومحتفلة بأجمل الألوان والزخارف.

وفي هذا الجانب الاستخدامي الذي يعتمد على التصميم، يحضر اليوم لمعرضه القادم في تشرين الثاني والذي سيشغل هذا الجانب ركناً هاماً وكبيراً منه.

وقبل مغادرتنا تجربة هذا الفنان الفقيرة زمنياً والغنية إنتاجاً، والتي بدأها عام 1985 كمشارك فاعل في معارض جماعية مختلفة داخل وخارج القطر، فقد اتسمت تلك السنوات بالمغامرة والتجريب، واعتمادها على مفردات قليلة بدلالات كبيرة أساسها «الحرف» والزخرفة العربية والألوان الشرقية الأصيلة.

ورغم تنوع تلك التجربة وتنزهها عبر مزيد من الاتجاهات والاهتمامات بالأشكال الفنية، إلا أنها لم تخرج أبداً عن نمطها وأجوائها التي ميزتها بخصوصية شديدة.


غازي عانا