فضاء وليد الآغا

تشكيل في معرض وليد الآغا
الخط العربي بأطر جديدة

فضاء وليد الآغا

الخط مرة أخرى، استخدامات حروفية جديدة في معرض جديد وتجربة جديدة، وهذا كله غيض من فيض؟!!

التوجه إلى الكتابة العربية والحرف العربي، واستلال القيم التشكيلية منه، واستخدامها في خلق تكوينات جديدة معاصرة، أصبح اتجاهاً عريضاً في حركتنا الفنية التشكيلية السورية المعاصرة، اتجاهاً يعمل فيه الآن عدد غير قليل من فنانينا التشكيليين، وكما يتراءى لي، فالأيام القادمة لابد أن تحمل لنا المزيد من هؤلاء المغامرين الباحثين عن موطئ قدم لهم في هذه الرحاب السهلة ـ الممتنعة في وقت واحد!!

وهذا الاتجاه المتعاظم في حياتنا الفنية، وككل الاتجاهات الأخرى المعروفة، لابد أن يأوي إليه الدجالون المشعوذون الرداحون من الفنانين، وكذلك المتموّضون المزاودون وذوو الإمكانات الفنية الضعيفة، مقتنصو الفرص، وراكبو الموجات. وذلك جنباً إلى جنب مع الفنانين ذوي الإمكانات والخبرات الفنية الناهضة على وعي كامل للتجربة: مداخلها ومخارجها، والتصور الكامل لما سوف تنتهي إليه هذه التجربة.

ولأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، فإن الهش الرخيص والمزاود من هذه التجارب، سيذهب جفاء، أما ما ينفع الناس فسيبقى!!

الفنان الشاب وليد الآغا المولود في دمشق عام 1953، والمتخرج من قسم التصميم الزخرفي بكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1979، واحد من الفنانين الذين يخوضون غمار تجربة التعامل مع الخط العربي واستخداماته التشكيلية.

وهذا الفنان - كما يقدمه معرضه الجديد المقام هذه الأيام في صالة المركز الثقافي الإسباني بدمشق - يبدو مقنعاً هادئاً يمارس تجربته الفنية دون صخب أو ضجة أو «نطوطة» تراثية ثورية التزاماتية نضالية إعلامية، كما يفعل البعض ممن يخوضون هذا الغمار، ويصفق لهم، بمناسبة وغير مناسبة «مرتزقة» الكتابة الجاهزون أبداً للخدمة وفي كل الظروف!!

الفنان وليد الآغا، وعبر أعمال معرضه البالغة إحدى وعشرين محفورة منفذة بواسطة الشاشة الحريرية، يقدم تجربة جادة لتوظيف إمكانات الخط العربي التشكيلية، ومزاوجتها مع عناصر أخرى مكملة، في محاولة منه للخروج بلوحة تحمل خصائص المحفورة والملصق، وتنتسب بيسر للعصر، من جهة، ولشخصية محددة، من جهة أخرى. وهذه الشخصية الفنية، قد تكون شخصية الفنان ذات الملامح الخاصة ممزوجة بشخصية بلده وأمته.

والفنان الآغا، يزاوج بين التشكيلات الحركية الرشيقة والمختلفة في درجات إيقاعها للحرف العربي، وبين المساحات المجددة المتنوعة: مساحة وحركة ولوناً!!

بمعنى آخر: فإن الفنان يأخذ عناصر من الخط والكتابة والحروف العربية ليس لها مداليل محددة كمعنى، إنما منوط بها وظيفة أساسية تشكيلية بحتة، ثم يقوم بمزاوجة هذه العناصر الحروفية مع عناصر أخرى مجردة ومتنوعة كحضور تشكيلي في المحفورة، فهي إما مساحات طلس ثقيلة أو مساحات مهشرة ومنقطة أو خطوط ناعمة، وإما أن تأتي هذه العناصر مجتمعة فوق مساحات بيضاء - وهي في معظمها باللون الأسود - أو فوق مساحات ملونة.

كما أن هذه العناصر، لا تعيش لوحدها، بل تتداخل وتتنوع عبر إيقاعات مختلفة، تتخللها مساحات واسعة ترتاح من خلالها وتتنفس!! وقد استخدم الفنان أيضاً عناصر رقمية قديمة «أوغاريتية» طعم بها بعض الأعمال التي بدت من خلالها متميزة وجديدة.

لقد تناول الفنان الآغا في تجربته الجديدة، وبتقنية الحفر، بعض المعطيات التشكيلية للحرف العربي، ثم قام بتوظيفها كجزء من لوحة جديدة طموحة تشكل - أو يمكن أن تشكل - منطلقاً أوسع وأشمل لتجربة جديدة، فيما لو طعمت بعناصر تعبيرية أخرى، لا تقحم فيها، بل تتوالد منها وفيها.

فاللوحة المحفورة هذه، والتي تحمل خصائص الحفر والإعلان، تبدو معقولة وجديدة ومتميزة إذا ما قورنت بتجارب مماثلة تتوالد بكثرة هذه الأيام، وبشكل عجيب ومريب، في حركتنا التشكيلية السورية المعاصرة. وقد لا نكون مبالغين إذا ما قلنا، إن التوجه إلى الحرف العربي والكتابة العربية لاستخدامها في تحقيق لوحة تشكيلية جديدة، أصبحت اليوم «موضة الموض». و«الموضة» كما هو معروف، لا تستمر طويلاً، فهي موجة في بحر العصر اللاهث أبداً خلف الجديد الطريف المناسب، والموجة - إن عاجلاً أو آجلاً - لابد أن تدرك الشاطئ حيث تنهض صخور صلدة لا ترحم ولا تجامل!!


محمود شاهين