فضاء وليد الآغا

الفنان وليد الآغا وتجربته الجديدة

فضاء وليد الآغا

تعتبر تجربة الفنان وليد الآغا (حفر- شاشة حريرية) واحدة من التجارب الهامة في استخدامها العناصر التراثية والفولكلورية (خط عربي ـ كتابة من وحي رقم إبلا ـ رموز شعبية ـ زخارف) استخداماً جمالياً وتعبيرياً متنوع القيم والأشكال والمضامين.

ويكشف معرضه الذي افتتح منذ أيام في صالة المركز الثقافي العربي عن فنان باحث بكل ما تحمله كلمة «باحث» من معنى. فهو يجرب ويبحث، وفي النتيجة يقدم تجربة جديدة مغايرة لما شهدناه من تجارب فنية عربية تعتمد على الخط العربي كأساس لبناء عمل فني حديث. ولعل دراسة جمالية للخط في أعماله الغرافيكية تقودنا إلى توزيع معالجته لهذا العنصر إلى قيمتين الأولى نتمثلها في استخدامه للخط العربي استخداماً عفوياً تماماً كما نمارس الكتابة في حياتنا اليومية، أي بعيداً عن تجويد الخط وبعيداً عن العقلانية والأطر الهندسية. إلا أن هذه العفوية تخضع عند الإنجاز إلى تنوع في البناء وفي تكوين العمل الفني، كما تقوده إلى شيء من التلقائية نراها في الخط اللين الذي ينساب بعفوية ويتجول هنا وهناك ليشكل في بعض الأعمال سمة على علاقة بالأرابيسك، حيث تكشف الحركة اللينة الرشيقة عن اللانهاية، ومثل هذه الخصائص الخطية هي نتاج فلسفة فنية جمالية عربية انفرد بها الفن في تراثنا العربي، ويمكن ربطها بعلاقة العربي بالصحراء، بالحياة من حوله، ورغم أننا نرى مثل هذه الليونة الخطية في فنون الشرق إلا أننا عبر الحركة اللامتناهية والإيقاع الموسيقي الخاص أصبحت سمة تميز الفن العربي عن الفن الشرقي عامة، وإذا كانت في كثير من الحالات تقود إلى عالم مثالي روحاني، فإنها في تجربة وليد تكشف عن رؤية شاعرية قام الفنان بترجمتها كعالم شاعري تشكلت عناصره من الخط والحركة والبناء.

أما القيمة الثانية لاستخدامه الكتابة العربية فتكمن في مجموعة من الأعمال التي خرج فيها عن عفويته ليعالج اللوحة بعقلانية محسوبة مؤكداً على القيم الهندسية من جهة وعلى تجويد الخط وإبراز مهارته كخطاط قادر على بناء تكوينات حديثة بلغة خطية محددة الجمالية، كما ابتعد في هذه المجموعة من اللوحات الغرافيكية عن التدرجات اللونية الشاعرية ليتعامل مع اللون الصامت غير المتحرك (مساحات لونية ذات قيمة واحدة)، ويبدو أن هذه الخاصية جاءت نتاج خلفية أكاديمية (الفنان خريج كلية الفنون الجميلة ـ قسم التصميم الزخرفي)، وعلى صعيد آخر نرى التنوع في الكتابة من حيث المعنى، ففي بعض الأعمال يستخدم الكتابة العربية بمعناها الأدبي مؤكداً على بعض القصائد العربية القديمة، وفي أعمال أخرى يجرد الكتابة من معناها فيعالج الحروف المتنوعة الجمالية ويبني من خلالها عمله الفني، وفي مجموعة أخرى من الأعمال يحقق حواراً ممتعاً بين العناصر الحروفية والزخرفية و«الموتيفات» الشعبية التي استمدها من التصوير الشعبي ومن الوشم. والسؤال الذي يطرح الآن هو: إلى أين وصل وليد في هذه المعالجة المتنوعة الجمالية والقيم الزخرفية والتعبيرية؟ هنا يمكن أن نتحدث عن عالمين، الأول: مثالي روحاني زخرفي ويرتبط بالذات، والثاني: مادي تعبيري حركي ويرتبط بالواقع، ترى هل وصل الفنان في بحثه التجريبي إلى المحتوى والموضوع والفكرة؟ بالتأكيد لا. فأشكاله المتنوعة تكوّن في النتيجة عالماً ينطلق من الذات ومن الواقع في آن واحد. أو لنقل محاولة جادة لتصعيد ما هو ذاتي من قيم وربط الذات بالواقع جمالياً، فالمحتوى الجمالي هو الأكثر انتشاراً في أعماله، وذلك رغم تأكيده على القيم التعبيرية في بعض الأعمال، وهكذا يكشف المعرض عن تجربة لفنان يبحث ويجرب وصولاً إلى شخصية جمالية متميزة.


خليل صفية