فضاء ريما سلمون

ريما سلمون: العالم ليس امرأة فقط

فضاء ريما سلمون

تنفرد الفنانة ريما سلمون بأسلوب خاص في الرسم، فهي تهتم بتقنيات لوحته. أما موضوعها فتحدده أحاسيسها الغامضة! لأنها ـ وكما تقول ـ تكون في حالة غياب عندما ترسم، أي أن لا وعيها هو الذي يحدد الموضوع. وتحاول بدورها تفسيره، كما يحاول أي متلق لأعمالها.

كما تختلف ريما عن كثيرات من التشكيليات السوريات. فهي ـ وعلى عكس المألوف ـ لا تعبر عن معاناة المرأة ومشكلاته. بل تعبر عن حاجة الأخيرة للرجل وتكاملها معه. وحين دعيت للمشاركة في معرض الفنانات العربيات احتفالاً بعيد المرأة العربية في صالة السيد بدمشق قدمت لوحة رسمت المرأة فيها إلى جانب الرجل، لافتة الأنظار إلى أن المرأة ليست كل الحياة، ولا تكون إلا مع الرجل. وكأنها تعلن صراحة أن العالم ليس امرأة فقط!

المرأة والرجل
س. شاركت في معرض الفنانات العربيات الذي أقيم بمناسبة عيد المرأة، فكيف عبرت عن المرأة وحياتها؟

ج. رسمت المرأة إلى جانب الرجل، لأرمز إلى تكامل الحياة، فالمرأة لا يمكن أن تكون وحدها في العالم. فهي وجود متصل إلى جانب الرجل. وبحثي الجديد في هذه اللوحة، يتكلم عن التلاحم بين المرأة والرجل، كي ألفت الأنظار إلى أن المرأة وحدها لا تكفي، وبها لا تكتمل الحياة. بل لا بد من وجود الرجل إلى جانبها ليمنحها الطمأنينة والراحة.

س. لكن المرأة في هذه اللوحة بدت مغمضة العينين، وهي تقف إلى جانب الرجل، فهل هو تسليم بتفوق الرجال؟

ج. نعم.. لقد أشرت للمرأة بعينيها المغمضتين، وكأنها تحلم أو تهرب من الواقع، أو كأنها تستنجد بالرجل الذي بدا متيقظاً فاتحاً عينيه، حارساً لامرأته.

س. ألا تخشين من هجوم داعيات تحرير المرأة عليك، لأنك تقدمينها كضلع قاصر لا يقوى إلا بالرجل؟

ج. لا... لأني أعبر عن الحقيقة كما هي، فالإثنان مكملان لبعضهم. وإذا كان يقال وراء كل عظيم امرأة، فأنا أقول أيضاً: وراء كل عظيمة رجل. والمرأة مهما بلغت من مراتب، تظل ذلك المخلوق الحساس اللطيف الذي يحتاج إلى حماية عاطفية من الرجل.

س. وهل العينان المغمضتان هما المميز الوحيد بين الرجل والمرأة في لوحاتك؟

ج. نعم. ويمكن ملاحظة ذلك في جميع لوحات بحثي الجديد. إذ لا تظهر معالم الرجل في اللوحة دائماً، بل غالباً ما يبدو أشبه بالمرأة. لأن الأخيرة مطبوعة في ذاكرتي أكثر من الرجل ربما لأنني عشت وسط عالم من النساء: والدتي وخالتي، لا سيما أن والدي توفي في وقت مبكر من حياتي.

س. إذا كان الرجل في لوحاتك يشبه المرأة، فلماذا ميزت الأخيرة بإغماضة عينيها؟

ج. أنا لم أقصد التمييز بينهما عبر تلك الإشارة، بل لاحظت أنني أفعل ذلك، دون إرادة مني. فأنا عندما أرسم أكون في حالة (غياب)! حتى أنني أسأل نفسي عندما أنتهي من الرسم عن سبب رسمي لشكل ما، أو لحركة م. وأعتقد أن اللاشعور يلعب الدور الأكبر في ذلك.

التقنيات أولاً
س. هل يعني هذا أنك قد لا تحددين موضوع اللوحة قبل الرسم؟

ج. صحيح.. فأنا لا أحدد موضوع اللوحة أو ألوانها، وإنما أقوم في البداية بوضع التقنيات الخاصة به. وبعد ذلك يوحي لي شكلها، بمكان الأشخاص فيها، ووضعياتهم. لأنني أهتم أساساً وأولاً بتقنيات اللوحة. أما موضوعها فيتبلور من خلال مجموعة الأحاسيس في داخلي. وهي مستمدة ـ كما أعتقد ـ من المحيط الخارجي أو الداخلي النفسي. وهكذا تلاحظ أن الموضوع لدي مجموعة أحاسيس لا أرسمها بنية مسبقة، بل تفاجئني بالظهور على اللوحة، وأنا في حالة اللاشعور، دون أن أتمكن من التحكم بها، أو التنبؤ بظهورها مسبق.

س. بحسب مدارس التحليل النفسي، أنت تكتشفين مكنونات (لا شعورك) بعد رسم كل لوحة؟

ج. في الحقيقة أنا لا أزال أبحث عن سبب لأشكال وحركات معينة في لوحاتي. ولا أزال أفاجأ من الأشكال التي تظهر على اللوحة بفعل يدي. ولكني أحاول أن أرجع بعض الأسئلة إلى داخلي وذاكرتي وأيامي السابقة لأجد التفسير لما أرسم. وما زلت في حالة سؤال. فأنا أنظر إلى لوحتي كأي متلق محايد: أطرح الأسئلة، وأنتظر الإجابات. وأنا أطلب من النقاد والمتلقين مساعدتي في تفسير لوحاتي. فربما أكتشف عبر ذلك الأجوبة المناسبة.

بحوث جديدة!
س. وهل تحدثينا عن بحثك الجديد، ومدى اختلافه عن بحوثك السابقة؟

ج. في لوحاتي السابقة، رسمت المرأة وحيدة، ورمزت من خلالها إلى مواضيع عديدة. لأن وجهها كان يحمل إشارات ورموزاً كثيرة. أما الآن فإني أرسم المرأة إلى جانب الرجل دلالة على التكامل والتلاحم بينهما، وللتأكيد على حاجة المرأة لحنان الرجل.

س. لكن ألا تعتقدين أن الفنانة يجب أن تعبر عن معاناة حواء من خلال أعمالها؟

ج. أنا لا أعتقد أن لحواء هذه المعاناة الكبيرة في عصرنا الراهن. فهي الآن تسابق الرجل في كل مجال، وتتمتع بمراكز جيدة في الحياة العامة. وبعض النساء أفضل من الرجال أنفسهم. وأظن أن الرجال قد أصبحوا الآن أصحاب المعاناة. وحان الوقت، كي نتفرغ لحل مشكلاتهم، ولفت الأنظار إليه.

الحزن بالذهبي والأسود
س. هناك حزن ملحوظ في لوحاتك، لماذا؟

ج. نعم هناك حزن! لكني لا أقصد إبرازه. وإنما هو يندفع وحده، حيث أرسم المرأة حزينة دائماً، ربما كما كنت أرى والدتي وخالتي.

س. ألاحظ أنك في بحثك الجديد تعتمدين على لونين أساسيين: الأسود والذهبي. فما دلالات ذلك؟

ج. ربما هذا اللون الأسود هو الذي أعطى أعمالي شيئاً من الحزن، على الرغم من أن لوحاتي سابقاً احتوت معظم الألوان. وقد استعملت اللون الأسود وورق الذهب بشكل لا إرادي. وأنا الآن بطور دراسة تناسب هذين اللونين مع بعضهم.

س. لكن اللون الذهبي نقيض في بريقه للأسود؟

ج. استعمالي لورق الذهب أظنه كان نوعاً من اللعب بالتقنيات! لأنني أحب أن يتواجد في لوحاتي الضوء والظل، بغض النظر عن الألوان المستخدمة.

رسائل مخفية
س. كفنانة أنثى، ما الذي يميز لوحاتك عن الفنانين الرجال؟

ج. لا أحب أن يقال عن لوحاتي أنها إبداع امرأة! ولا أشعر بضرورة وضع رمز أنثوية في أي عمل لي. فاللوحة إحساس، وهذا الإحساس ليس من الضروري أن يفرق بين رجل وامرأة. وقد كنت سعيدة عندما سمعت البعض يعلق على لوحاتي بقولهم (كأنها صنع رجل!) وهذا أمر لا يزعجني أبد.

س. أحجام شخوصك في اللوحات كبيرة. هل تتعمدين ذلك، أم أنه أيضاً من (اللاشعور)؟

ج. أنا بشكل طبيعي، أحب الأحجام الكبيرة، حيث أشعر أنها واقعية أكثر.

س. وهل توجهين رسائل ما مخفية من خلال أعمالك؟

ج. هناك رسائل، لكنها موجهة، وغير مقصودة. وكل يفهمها على هواه.

س. وأين هي الطبيعة من أعمالك؟

ج. لم أرسم الطبيعة، ولم أعمل عليها، لكني أعتبر أن الإنسان هو المعبر الأول عنه. فالمرأة رمز الخصوبة، والرجل في الأساطير أبو الطبيعة. الفنان مهما ابتعد عن الطبيعة يجد رموزها في لوحاته.

س. اتجاهك في الرسم، ماذا تسمينه؟

ج. العديد من الفنانين يطلقون على لوحاتهم أسماء مختلفة، ويحبون ذلك. أما أنا فأحب من الناس أن يمنحوا لوحاتي أسماءه.


عمار أبو عابد