تل أسود

يقع تل أسود الأثري في حوض دمشق، إلى الشرق من قرية جديدة الخاص، وتبلغ أبعاده 274 × 250 متراً وارتفاعه أربعة أمتار ونصف، ويعود بتاريخه إلى العصر الحجري.


يستمد الموقع اسمه من لونه الأسود الرمادي، وابتدأ التنقيب فيه على يد هنري دوكونْتنْسون (H.de.Contenson) على رأس بعثة فرنسية، بين عامي 1921-1927 بأسبار استكشافية محدودة في الجهتين الشرقية والغربية من الموقع، ونتج عن ذلك تحديد طبقتين حضاريتين رئيسيتين: تألفت الطبقة الأولى الأقدم ذات البنية الغضارية من سويتين، ظهرت الأقدم منهما في قاع السبر الشرقي، وكُشفت فيها بقايا بيوت سكنية بسيطة، على شكل أكواخ دائرية متلاصقة مع بعضها البعض، ومملوءة بالتراب حتى منتصفها، وصنع اللبن الذي شكل مادة البناء من الطين أما الجدران فمن الواضح أنها كانت مصنوعة من مواد سريعة الاشتعال كالقصب وهي مادة متوفرة بكثرة في ذلك الوقت في المستنقعات القريبة، من بحيرتي العتيبة والهيجانة، وقد وفرت أسماك هاتين البحيرتين مصدراً غذائياً مهماً لسكان هذه القرية. وبقي هذا النوع من مواد البناء مستمراً طيلة مدة استيطان الموقع في السوية الثانية، والتي تعتبر سوية انتقالية. ووجدت في الطبقة الأولى أيضاً أدوات حجرية مختلفة، ولا سيما رؤوس السهام، من النوع المفرَّض، والمخارز والأزاميل والمناجل والبلطات وأحجار الجرش البازلتية والأواني الحجرية وأدوات مختلفة من حجر السبج والأدوات العظمية. وقد أثبت التحليل العلمي أن الوجود البشري في هذه الطبقة يعود إلى ما قبل العصر النيولوتي أو ما يسمى العصر الحجري الحديث الأول الذي سبق صناعة الفخار، وبالتالي قدّر تاريخها بين 7790 و 7690 ق.م.


أما الطبقة الثانية، فهي ذات بنية رملية غضارية، وجدت فيها آثار متطورة، إذ وجد فيها أنواع جديدة من رؤوس النبال ذات التحضير الخاص، والمعروفة باسم نبال "جبيل" أو "أريحا"، إضافة إلى أنواع جديدة من المناجل. كما استمر فيها وجود القطع المصنوعة من الطين المرتب في قوالب والمشوي جيداً، ووجد على شكل كرات وأقراص وأكواب ودمى حيوانية، والأهم منها الدمى الإنسانية المختلفة، والتماثيل التي تمثل نساء في وضعيات مختلفة وتجسد عقيدة "الإلهة الأم" التي سادت المجتمعات الزراعية الباكرة في الشرق القديم. وهناك أدوات للزينة وأدوات عظمية ومقابض مصقولة للأدوات والفؤوس. إضافة إلى ذلك نجد المدافن الجماعية (الجنائزية) والجماجم المدفونة بشكل منعزل. وتم تأريخ هذه الطبقة بين 6770 و 6590 سنة ق.م، أي المرحلة الثانية من العصر الحجري الحديث ما قبل الفخاري.


وقد وجدت في الموقع بقايا كثيرة لعظام حيوانات كالماعز والغزال والخنزير والأسماك والطيور؛ إضافة إلى دلائل على معرفة زراعة القمح والشعير. مما يعطي الموقع أهمية استثنائية كونه إحدى القرى الزراعية الأولى في العالم، ويمثل مرحلة انتقال المجتمعات ما قبل التاريخية من مرحلة الرعي والصيد إلى مرحلة الزراعة والاستقرار وتدجين الحيوانات. ما اصطلح الباحثون على تسميته بالثورة الزراعية. ودفع ذلك إلى إعادة التنقيب في هذا الموقع مرة أخرى بدءاً من عام 2001 بحثاً عن مكتشفات جديدة.