كونشرتو العود

لنوري إسكندر


يتألف هذا الكونشرتو من ثلاث حركات، وهو برأيي أول كونشرتو للعود يقوم المؤلف بالاعتناء بتقاليد التأليف فيه، فيجعل الحركة الأولى متوسطة السرعة، والثانية متهادية، والثالثة سريعة. يذكرنا مطلع الكونشرتو ببلاغته اللحنية بأسلوب "شوبرت"، السهل الممتنع، الذي جاء متناغماً في اللحن الأساسي، الذي يعود به نوري اسكندر إلى العصر الباروكي أسلوباً وطابعاً، دون افتعال وبوحي من الموسيقتين الغربية والشرقية، وبلغة موسيقية سهلة-ممتنعة وجديدة في كل شيء، بخلاف كونشرتو العود لعطية شرارة والآخر لجميل بشير، اللذين تأثرا من الموسيقى الشرقية قدراً جعل العملين خاصين بالمستمع العربي دون غيره، مما لا ينقص من قيمتهما الفنية، في حين أن تميز كونشرتو جميل بشير كامن في التقنية التي ابتدعها فيه.


بينما نجد عكس هذا الأمر عند نوري اسكندر، الذي أعطى في هذا الكونشرتو الحرية للمقام الشرقي العربي كي يخرج عن تقاليده المتبعة، سواء في سيره اللحني أو في المحط المقامي، وبذلك اكتسبت الموسيقي جديداً في انعتاق الأنغام من أسرها، وفي قبول هذا العمل حتى من المستمع الغربي الذي لم يألف هذا التزاوج في الموسيقى بين الممكن وغير الممكن في الموسيقتين، التي بناها أساساً في المقامات الشرق-عربية، على إلغاء السير التقليدي للمقام.


يمكن لأي مؤلف إذا اتبع ذاك المقام أن يغني خياله الموسيقي في ابتداع أنماط لحنية جديدة تتوالد بشكل طبيعي إذا ما لجأ، كما فعل نوري اسكندر، إلى تفكيك السير اللحني للمقام الذي نلمسه بوضوح في الحركة الأولى مستغلا العود في دور التفاعلات "Development"، دون شطط، وأيضاً في التوازن الرائع بين العود والأوركسترا. يتضح هذا الأمر بصورة أقوى في الحركة الثانية المتهادية التي تنضح بروح غنائية متيحاً لفكره الموسيقي إبداع توليفات هارمونية في غاية الدقة والجمال تتوافق وجنس (عقد) المقام الشرقي، وتنسجم مع الابتكارات اللحنية التي جاء بها ومع روح المقام بنمطه الجديد، التي قد تبدو مستهجنة لدى المستمع للوهلة الأولى ولكنه لا يلبث عندما يستعيدها حتى يرتبط معها بألفة محببة.


توحي ديناميكية لحن الحركة الثالثة الأساسي السريع والجميل بألحان "اللونغا" الاستهلالية. غير أن هذا اللحن البعيد تماماً عن "اللونغا" لا يلبث أن يتوارى لتنبثق عنه ألحانٌ أخرى أكثر إشراقاً وحيوية، ولكنها لا تعود إلى اللحن الأساسي إلا في نهاية الحركة بعد حوار شيق بين العود والأوركسترا و"الكادنزا" (Cadenza) المكتوبة بعناية فائقة.


وبصورة عامة فإن هذا الكونشرتو رفع من شأن آلة العود كآلة أصواتها ضعيفة وذات إمكانات محدودة إلى آلة ذات قدرات كبيرة أحسن نوري اسكندر استغلالها، حتى في القرارات التي توكأ عليها ليظهر جمالياتها. وقد أبدع عازف العود القدير عصام رافع في أدائه لهذا الكونشرتو. وهو في كادنزا الحركة الأولى، التي بدت تقاسيم مرتجلة، كان لامعاً في وضوح ريشته التي أخذنا بها إلى منابع البياتي في إشكاليات لحنية، موغلاً في إبداعات اللحن بأسلوب يُحسد عليه، إلى أن يلتقي مع الأوركسترا باللحن الأساسي العذب بتوازن خلاق لا يطغى فيهما الواحد على الآخر.


وضع الكونشرتو، بما له وما عليه، المؤلفين التقليديين أمام ظاهرة تفكيك المقام بأنماطه اللحنية الجديدة ليتأملوا ما صنعه نوري اسكندر، الذي أتاح لهم في هذا العمل التجريبَ بدورهم بعيداً عن التزمت أو التشبث بتقاليد سير المقام اللحني. والتجريب معاناة، وكم من الموسيقيين العظام عانوا بدأ من "باخ" الكبير وانتهاء بـ"هوينغر" إلى أن استتب لهم الأمر؛ لذا فهذا الكونشرتو دعوة للتجريب، إن صادفت قبولاً قد تأتي بثمر وفير.


تمّت كتابة كونشرتو العود لأول مرة بشكل رباعي وتري، عام 1983


تم تنقيحه وتقديمه مع أوركسترا الحجرة الخاص بالمعهد العربي للموسيقا بحلب، عام 1996


يتم تقديمه بصيغته النهائية عام 2008 على قرص مدمج CD من انتاج الأوس للنشر، بمشاركة من:


سولو العود: عصام رافع
قيادة الأوركسترا: ميساك باغبودريان
الأوركسترا: خريجي المعهد العالي للموسيقا بدمشق

مواضيع ذات صلة: