جوستن غارودي تستعرض الحياة على ضفاف الفرات في الثقافي الفرنسي

07/كانون الثاني/2010

تحت عنوان «الحياة على ضفاف الفرات الأوسط في العصور القديمة» ألقت عالمة الآثار الفرنسية جوستن غارودي محاضرة في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق، تحدثت فيها عن منطقة الحوض الأوسط لنهر الفرات التي مثلت وسطاً جذاباً للحضارة البشرية.

حددت غارودي نهر الفرات بين جبال أرمينيا والخليج العربي، وهو منحدر من الغرب إلى الشرق، أما منطقة الفرات الأوسط فهي المنطقة الممتدة بين تركيا وسورية والعراق اليوم والتي تبعد عن البحر المتوسط في منطقة جرابلس 160كم وعند منطقة الطبقة 250 كم، ويمتاز الفرات بحسب غارودي بديناميكية جريانه التي تبلغ ذروتها في الربيع كما يمتاز بتعرجاته بحسب ظهور العوائق في طريقه.

أما من الناحية التاريخية فيشكل نهر الفرات منطقة استقطاب للحضارات، وتؤكد غارودي أنه «همزة الوصل بين الشمال والجنوب والعمود الفقري للتبادلات التجارية والثقافية بين المناطق الممتدة على طول مجراه، وهو منطقة ازدهار حضاري منذ العصور القديمة، لذا استحق أن يقام مؤتمر مخصص لبدء عمليات التنقيب فيه عام 1979، نظراً للازدهار الاقتصادي والثقافي الذي تمتع به خاصة أنه كان في معظم الفترات التاريخية يخضع لسلطة سياسية واحدة».

وتؤكد غارودي أن وجود الفرات ترك أثراً في نمط المساكن وطبيعة العمران على ضفافه مع مختلف الحضارات التي تعاقبت عليه: «كان من الواجب إيجاد توازن في السكن بين الحصول على الماء والحماية من فيضان النهر، لذا نرى أن كل الحواضر المدنية على ضفاف النهر كانت تأخذ من المرتفعات مكاناً لها لتحمي نفسها من فيضانه العنيف والمدمر، حتى أن الرومان على سبيل المثال استعملوا الحجارة البازلتية للبناء في تلك المنطقة لأن حجارة الموقع الكلسية كانت مهددة بالذوبان أمام الفيضان النهري للفرات».

وشكل الفرات الأوسط نهراً صالحاً للملاحة خاصة مع تمتعه بمنسوب عالٍ للمياه حتى فترة قريبة من التاريخ، فالإنكليز والألمان في العصر الحديث فقدوا سفينة قرب مدينة البوكمال السورية كما تشير غارودي، أما قديماً فكان أسطول روماني يشق عباب الفرات على الدوام، إضافة إلى السفن التجارية الصغيرة الحجم، وكلها سفن مخصصة للملاحة النهرية كانت تنقل البضائع والحيوانات من وإلى الخليج العربي، ويتحدث المؤرخون هنا بحسب غارودي عن نوع من السفن الصغيرة الدائرية الحجم والتي تسمى الشاتوشات، وهي مصنوعة من جلد الماعز ومنفوخة استخدمها أبناء حضارات متعاقبة على الفرات.

الأرض الخصبة والمياه الوفيرة شكلت عامل جذب للسكن في حوض الفرات ما أدى إلى عدم انقطاع الحضارة فيه فسكنه السريان والأخمينيون كما اجتاحت المنطقة جيوش الإسكندر الأكبر ومن ثم الدولة السلوقية ومن بعدهم الرومان والبيزنطيون، وفصل النهر في فترات كثيرة بين الفرس والبيزنطيين فسيطرت كل من الدولتين على إحدى ضفافه حتى قدوم الفتح العربي الإسلامي بين 635 و640م.


من أجواء المحاضرة

تذكر غارودي أن أهم المناطق الحضرية المكتشفة عن الحضارات القديمة في حوض الفرات الأوسط اليوم هي ثلاثة: «أفاميا على الضفة اليسرى للفرات، ثم منطقة جبل خالد المحصنة والمرتفعة على الضفة اليمنى، إضافة إلى موقع دورا أوروبوس والتي تقع على الضفة اليمنى أيضاً وهو موقع عانى من مظاهر حتٍ كثيرة بسبب فيضانات النهر المتكررة».

كما شهدت منطقة حوض الفرات توسعات خصوصاً في الفترة الهيلنستية، وعدد المواقع المعروفة من تلك الفترة وصل إلى 66 موقعاً تتفاوت أهميتها، وفي الفترة البارثية أيضاُ يظهر من الكشوفات أن هناك 58 موقعاً منها مواقع جديدة كلياً نظراً لهجر المواقع التي أنشأتها الحضارات والدول السابقة، أما الفترة الرومانية والبيزنطية فبلغ عدد المواقع المكتشفة منها 71 موقعاً، كما أن هناك شواهد أثرية لحضارات أخرى، من آرامية وتدمرية وسريانية وكشف في المنطقة عن أقدم نص سرياني يعود تاريخه إلى 317 ق.م.

وتشير الكشوفات حسب غارودي إلى انتشار عبادة النهر وتأليهه وذلك من خلال عدة لوحات فسيفسائية يظهر فيها الإله الشاب باسمه (الفرات)، كما انتشرت في المنطقة طقوس عبادات جنائزية تعمل على تقديم القرابين والتي يرجح أنها كانت تقدم للنهر من أجل اتقاء فيضانه وغضبه الذي تعبر عنه أكثر من لوحة، فهو يعبر عن غضبه ليس فقط بالفيضان إنما أيضاً من خلال إرسال الصواعق والعواصف.

يذكر أن جوستين غارودي عالمة آثار تعمل في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى منذ أيلول 2008 وهي تواصل بحوثها في الجغرافية التاريخية في منطقة شمال سورية بعد أن درست وادي الفرات حيث شاركت في تنقيبات المواقع الهيلنستية والرومانية والبيزنطية في تل السن ودورا أوروبوس.


عمر الأسعد
اكتشف سورية