المؤتمر السادس لشبكة تعريب العلوم الصحية
العطار: الرئيس الأسد حريص على بناء نهضة ثقافية عمرانية ترتقي بالوطن وتحيله إلى دولة حديثة

0/حزيران/2008

افتتحت الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية صباح أمس في مكتبة الأسد المؤتمر السادس لشبكة تعريب العلوم الصحية الذي يقيمه المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في شرقي المتوسط بمشاركة أطباء وخبراء ومتخصصين من الأردن والإمارات العربية المتحدة وتونس واليمن والسودان والعراق والكويت ولبنان ومصر والمغرب والمملكة العربية السعودية وسورية.
وأكدت الدكتورة العطار في كلمة ألقتها في الافتتاح أن العرب ليسوا ضيوفاً على هذا الكوكب وليسوا طارئين عليه، بل هم ينتمون إليه بقدر ما ينتمي إليهم وماضيه ملك لهم وكذلك مستقبله.

وقالت الدكتورة العطار: «نحن أبناء أمة تحمل ارثها في دمها وفي ذاكرتها وفي لغتها المشحونة بهذا الموروث العظيم ولغتنا هي هويتنا، ونحن المؤتمنون عليها واللغة عندما تصبح هوية تصبح هي الحضارة والثقافة والفكر والادب بل تغدو المعطي الوجودي الأشد أهمية في حياة الأمة، ‏والحلقة المركزية التي تعكس خصائصها، وتربط بين أجيالها فهي ليست لغة فحسب وإنما هي تراث وضمير وتكوين نفسي وعقلي ووطني وانتماء إلى تاريخ وسياج دفاع عن الذات والقيم والمقدسات بروح من الشهامة والوفاء لإرث حضاري كان بعضا من رسالتنا إلى الدنيا ومن إسهامنا الخلاق في بنيان العالم».

وأضافت السيدة نائب رئيس الجمهورية أنه «إذا كانت اللغة هي الوحدة الكيانية في صميم تكوين كل أمة وهي الضمير الجماعي لها الناظم لتماسكها ولنسيج حياتها الإنسانية وجودا وتناميا ولإرادتها الكلية، فان اللغة العربية كما الثقافة العربية هي فوق ذلك الرابطة القومية الأصيلة، بل هي الوحدة والإصرة والعروة الوثقي التي صمدت واستعلت وحققت انتصارها في وجه كل المحاولات التي استهدفتها حين استهدفت تغييب الثقافة العربية بعامة واستلابها أهم مقوماتها بخاصة اللغة العربية». وأكدت «أن اللغة العربية التي تشكل أهم مكونات قوميتنا العربية ظلت الجامع والحافظ للتراث العربي ماضياً وحاضراً، واللسان الذي يوحد أبناء أمتنا جميعا ويشد بعضهم إلى بعض كالبنيان المرصوص ويضمن لهم وحدتهم الثقافية على مدار القرون ويضفر عزائمهم في طريق الكفاح وفي مواجهة الحقب المظلمة من التاريخ».

وتابعت: «لقد كانت هذه اللغة من أغنى لغات العالم باعتراف الكتاب والعلماء الذين يتخذون من اللغة وسيلتهم إلى التعبير، وكان اعترافهم هذا صادراً عن تجربة أثبتت قدرة اللغة العربية وصلاحيتها للكتابة والترجمة معاً، وقدموا بإنتاجهم الفلسفي والعلمي والأدبي شهادة دامغة لا على حيوية اللغة العربية فقط ولا على قابليتها للتطور فحسب بل على إمكاناتها الكبيرة والرائعة صرفاً ونحواً ودقة تعبير وجمال إيقاع وقابلية للنحت والاشتقاق بها. اغتنت العربية وأغنت في آن وكشفت عن طاقاتها الهائلة التي مكنتها من الاحتفاظ بقوتها ونضارتها واكتنازها واستعصائها على كل محاولات محوها أو طمسها أو تحديدها أو إفقارها».

وأشارت إلى أن اللغة العربية انتصرت على كل هذه المحاولات فأثرت في اللغات الأخرى التي أخذت عنها آلاف الكلمات في كل أرجاء العالم خلال مسيرة التقدم المعرفي، بسبب ما أبدعته العربية من كلمات لكل معطيات حضارتها وهي في أوج ازدهارها وما حفلت به من كلمات كثيرة من نحتها استوعبت التطور الفكري والعلمي وعنها أخذت اللغات الأخرى مصطلحات لا تزال تحمل هويتها حتى اليوم.
بالمقابل أشارت الدكتورة العطار إلى أن اللغة العربية تفاعلت مع اللغات الأخرى واستفادت من مفرداتها بما مكنها خصوصا في أيامنا الراهنة هذه من ترجمة أحدث معطيات العلم والفلسفة والأدب بكثير من الأمانة والدقة والوضوح. وأكدت السيدة نائب رئيس الجمهورية «أن اللغة العربية تمتلك حيويتها الخاصة الدينامية لذلك رفضت التقوقع والسقوط في الجمود والانغلاق واستطاعت أن تواكب العصور كلها التي مرت عليها، وأن تكون لغة كل عصر بكل معطياته وبما في ذلك مراحل الوهن من تاريخنا لتحقق انتصارها الرائع وقدرتها الفائقة على نقل كل ألوان الحداثة وعلومها وفلسفاتها في أشكالها الأكثر ثورية ومصطلحاتها المرتبطة بجديد مفاهيمها».

ونبهت الدكتورة العطار الذين انساقوا وراء مفاهيم خاطئة قد تكون نتاج غزو فكري أجنبي مكشوف أو مقنع تحت اسم الحداثة أو العصرنة الى طرح الأمور طرحا خاطئا قد يسهل السقوط على أعتاب نمطيات تتنكر للتراث من خلال الإصغاء إلى توصيات دوائر أجنبية ومؤسسات تملي علينا ضرورة التخلي عن لغتنا في التعليم بذريعة أن لا سبيل إلى الدخول في العصر إلا باستخدام لغة الدول العظمى بل الدولة الأقوى.

وأكدت السيدة نائب رئيس الجمهورية أن ما هو مطلوب منا في وجه هذه الأطروحات أن نكون أشد وعيا وحذراً من انبتات جذورنا الحضارية الباهرة وإضاعة كنزنا الثقافي وإحداث قطيعة معرفية ايبيستمولوجية بين تراثنا وراهننا وتغريب تذوب معه الشخصية الوطنية العربية ويحكم على أوطاننا باغتراب الفئة المتعلمة فيها عن مواطنيهم وبالتعثر في الإبداع والسقوط في حال من الضياع إذا أغفلوا لغتهم وتعلموا بلغة الغير وحدها ما يمنع عليهم الاندماج الاجتماعي والسياسي والثقافي أو إمكان الإسهام في خلق نموذج عربي للتحديث الفكري والعلمي في مجتمعاتهم التي تسعى إلى تحقيق نهضتها غير المنبتة أو المنقطعة عن الجذور.

وتابعت: «إن المطلوب منا أيضاً ألا نسمح بعزل لغتنا ووضع الحواجز أمام انطلاقها أو إعطائها كفاء ما تستحق منا، تحت أي ذريعة من ذرائع تزييف الوعي تتهمها جهلاً وزوراً بالقصور وبعدم القدرة على أن تكون لغة علم أو لغة فكر، ما يعني الحكم عليها بالتوقف أو الجمود، وهي التي أبدع بها المبدعون ولا يزالون في شتى ميادين الفكر والعلم، ونقل المترجمون وينقلون إليها أبلغ النصوص العلمية والفلسفية المرتبطة بالمعارف المتطورة».‏
و حول أوراق المؤتمر ومسألة تعليم العلوم، لاسيما الطب باللغة العربية، توجهت الدكتورة العطار بالشكر للمكتب الإقليمي للصحة العالمية ومجمع اللغة العربية في سورية على إثارته هذا الموضوع الذي يستدعي الوقوف على قدرة اللغة العربية واتساعها لكل هذا الإبداع المتفجر في شتى العلوم والفنون والفلسفات الطب والفلك والجبر والرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الفقه والكلام والفلسفة والعمران. ‏
وأشارت إلى دور العرب في الحضارة الإنسانية والتنوير عندما كانت أوروبا غارقة في الظلام باعتراف كبار كتاب وفلاسفة القارة الأوروبية، الذين اقروا بأن أوروبا مدينة للعرب في الطب والكيمياء والفلسفة، وكانت كتب الطب العربية تدرس في جامعاتهم منذ عام 1340.

وأكدت السيدة نائب رئيس الجمهورية «أن الدور الذي لعبه العرب في الحضارة‏ الإنسانية ينفي المزاعم التي تتحدث عن قصور اللغة العربية وعدم قدرتها على مجاراة مبتكرات العصر في الطب والعلوم وأحدث معطيات الفكر المعاصر وما أبدعته الدراسات الفلسفية والإنسانية». وأشارت إلى «أن أصحاب هذه المزاعم يريدون أن يسترهنوا تاريخنا وثقافتنا وحضارتنا ولغتنا، كي تتم القطيعة بين ماضينا وحاضرنا ونستسلم لغزو يسمونه تحديثاً، ويأتي على اسم اكتساب علوم العصر ومعارفه من خلال افتراء مبرمج واعتداء مدروس على ديننا وعقائدنا وحضارتنا ولغتنا وكل ما يرتبط بوجودنا عبر التاريخ».

وتحدثت الدكتورة العطار عن الحركات النهضوية في الوطن العربي فقالت: «إن هذه الحركات أرادت ومنذ البداية أن تضع الأمور في مواقعها التي يمليها المنطق والتاريخ وحقائق الأمور ومستلزمات الدفاع عن الوجود، وتمت عملية الإيقاظ وبناء الوعي على أيدي مناضلين أشداء من اجل استعادة اللغة العربية بهائها وطاقاتها التي أماتتها مراحل الانحطاط، فنهضت هذه اللغة على ترابنا بكامل عنفوانها ورحابة فضاءاتها، وكان لإحيائها الدور الكبير في بناء الشخصية المبدعة المرتبطة بالمعارف المتطورة وفي استعادة الذاكرة القومية ومسايرة متطلبات مجتمع المعرفة».
و أشارت إلى أن حركة الترجمة حققت نجاحاً كبيراً وإلى الدور المهم لمجامع اللغة وقالت: «لم تكن لغتنا العربية قاصرة عن الوفاء بمستلزمات هذه الترجمة، ولمعت أسماء كالشهب في فترة قصيرة في ميادين الترجمة والتدريس الجامعي ونقل معطيات التكنولوجيا التي أعطاها مجتمعنا العربي أهمية خاصة. وإننا في سورية أخذنا على عاتقنا أن نترجم كتبها وأهم المراجع الطبية كي يتم التدريس في كليات العلوم وكلية الطب وكافة الفروع العلمية الخالصة بالعربية، وكانت التجربة مثمرة حققت أهدافها بجهود نخب من علماء سورية أسهموا منذ البداية في عملية الترجمة وانتقاء المصطلح وإعداد المعاجم».‏
وأكدت أن تجربة سورية بالتعاون مع مجامع اللغة في عدد من البلدان العربية وبعض مراكز التعريب كانت متميزة ومشجعة، وأن أبناءنا الذين درسوا الطب في سورية بالعربية حققوا الكثير من النجاح في مراحل الاختصاص، ولاسيما أن الدراسة بالعربية لم تكن تعني أبدا إهمال تعلم اللغات الأجنبية، إذ لا تناقض إطلاقاً بين إتقان اللغة الأم وإتقان اللغات الأخرى.
وتابعت الدكتورة العطار: «لقد رفضنا اختيار النهج الخاطئ وأردنا أن نعيش العصر حداثة وتحديثاً وفي العمق وليس على سطوح لغة لا ننتمي إليها وليست جزءاً من تكويننا النفسي والأخلاقي». وأشارت إلى أنه «في مرحلة المد العربي التي تميزت برفض الاستلاب حين كانت أمتنا أشد صلابة وأشد مناعة وأكثر ثقة بالمستقبل وبالحق الذي تدافع عنه، تنامت حركة التعريب العربي وتوجهت بلدان عربية حرمها الاستعمار من تعلم لغتها إلى إعادة الاعتبار إليها، محاولة استخدامها في التعليم بكل مراحله وفي بناء مجتمعها المعاصر ضمن ثوابتها ومفاهيمها ولغتها التي بها يتم التكامل ويكمن التقدم».

ولفتت السيدة نائب رئيس الجمهورية الى أن مؤتمرات وزراء الثقافة العرب شددت على تعميم استعمال العربية لغة للتعليم في جميع مراحله وأنواعه، وعلى أن تكون اللغة العربية الفصيحة هي أداة الإنتاج العربي لما لها من أهمية في وحدة الثقافة العربية وفي التقريب بين البلاد العربية، فكراً واتحاداً ومن قدرات على استيعاب كل وجوه الحياة ومظاهر الكون».

و قالت الدكتورة العطار منبهة: «إن المسافات بين الأهل للأسف تتباعد، والمراوغات الدولية تتمادى، والأرض تُنهب، وحقوق الشعوب كلمات لا تحمل دلالاتها، وحرياتها مغيبة، والإحساس الفوقي في غلوائه، والأمة العربية تحتاج إلى الحفاظ على مصداقية توجهها والى تعزيز الإيمان بلغتها، التي صار القابض عليها كالقابض على الجمر وعلى اسم العلم ترتكب بحقها خطايا لا حد لها». ودعت إلى العمل معا وبذل كل جهد ممكن على متابعة النهج الصحيح والاستفادة من تجربة سورية الطويلة المتقدمة في مجال تعريب العلوم الصحية.‏
ونوهت الدكتورة العطار بالدعم الذي تلقاه اللغة العربية من السيد الرئيس بشار الأسد، الحريص على بناء نهضة ثقافية عمرانية ترتقي بالوطن وتحيله إلى دولة حديثة، والذي تجلى في قرار مؤتمر قمة دمشق الذي يخص اللغة العربية وقرارات أخرى، كان في طليعتها المشروع القومي لتمكين اللغة والاهتمام بتجديد مجمع اللغة العربية وبرفع التغريب عن مدننا، التي أراد لها أن تكون قلاع صمود وموئل فكر ونبت وعي أصيل بدور الثقافة في تقدم الأمم ودور اللغة في تحصين الوعي.



و تمنت الدكتورة العطار للمؤتمر النجاح والقدرة على الإسهام في الانتصار للعربية وفي استرداد دورها التعليمي، لتظل في ثوابت الأمة مشعلا في قبس الفكر العظيم.
يناقش المؤتمر على مدى ثلاثة أيام في مقر مجمع اللغة العربية مواضيع تتعلق بمتطلبات التعليم باللغة العربية، من تعريب الطب ومتطلبات تدريس العلوم الصحية باللغة العربية والكتاب الطبي الجامعي، إضافة الى علم المصطلحات والمعاجم الطبية والترجمة وإعداد المدرسين وتأهيلهم للتخاطب باللغة العربية.



تشرين

طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك