عبد السلام العجيلي حكواتي من الفرات

قارنه جان غولميه برواد الفن الروائي الغربيين أمثال غوته وستاندال وفلوبير

17/أيار/2008


كتاب جديد ضمن سلسلة أعلام الأدب السوري التي تصدر ضمن الاحتفال الذي تحييه دمشق بصفتها عاصمة ثقافية عربية، وبعد كتابين عن نزار قباني وأدونيس، عنوانه «عبد السلام العجيلي: حكواتي من الفرات» وضَعه الروائي نبيل سليمان.

صدر الكتاب في الذكرى الثانية لرحيل العجيلي في صيغة استعادية لسيرة العجيلي، بوجهها الأكثر بروزاً واختصاراً، هو الرائد في النثر السوري، وأحد أوائل الروائيين الذين خاضوا في إشكالية العلاقة بين الغرب والشرق، وأفرد لها مساحة مهمة في نتاجه.

يبدأ سليمان كتابه بمقدمة تتضافر فيها سيرته الشخصية مع سيرة العجيلي انطلاقاً من المصادفة التي جمعتهما، عندما كان مدرّساً في مدينة الرقة التي ولد فيها العجيلي وارتبط بها حتى رحيله، وكان المدرّس الشاب قد استأجر بيتاً في جوار بيت العجيلي، وذلك ما فتح أفقاً للعلاقة الشخصية والمعرفة الوثيقة. ينقسم الكتاب إلى أربعة فصول: الأول يحكي عن حياة العجيلي الذي ولد عام 1918 لملاّك ووجيه ينتمي إلى أسرة البوبدران العراقية في بادية الموصل، وتعود في أصولها كما يروي مشايخ البوبدران في الموصل بحسب شجرة النسب العائلية إلى الأسياد، وكانت عائلة العجيلي مثقفة، وأعمامه من شعراء البدو، وتربى على يد جده تربية «إسبارطية» جادة وقياسية، وفي 1937 حصل على المرتبة الأولى في البكالوريا على مستوى سورية، ودرس الطب في الجامعة السورية ليعود إلى الرقة، ويبقي باب عيادته مشرعاً للناس حتى قارب الثمانين. وفي هذه الأثناء كان يسافر كثيراً، وانتخب نائباً في البرلمان، ووزيراً، وتزوج متأخراً 1958.

يَذكر نبيل سليمان أن العجيلي كان متحفظاً فيما يخص حياته الشخصية، والمعروف منها قليل جداً وقد ذكره في كتابه «أشياء شخصية» 1968 وفيه يتحدث عن الجو الديني الصارم الذي نشأ فيه.

بدأ العجيلي الكتابة بتوقيع مستعار، ونشرت قصته الأولى في 1936 بعنوان «نومان» في مجلة «الرسالة» المصرية، وظل يكتب باسم مستعار في بعض المجلات اللبنانية (المكشوف) والدمشقية حتى فُضح أمره، وفي 1943 فازت قصته «حفنة من دماء» بجائزة مسابقة مجلة «الصباح»، الحديث عن فلسطينية العجيلي التي أراد سليمان إظهارها، جاء متسقاً مع حركة التحرر التي رافقت فترة الأربعينات والخمسينات، والتي كان عديد الأدباء والمثقفين العرب جزءاً منها، وتبلورت في نصوصهم ومواقفهم، العجيلي كان واحداً من الذين تطوعوا في جيش الإنقاذ بعد عام 1948 مع أكرم الحوراني وغالب العياش أصدقائه في البرلمان السوري.

كتب الكثير عن تجربته تلك، لكن أهم ما كتبه كان «فلسطينيات عبد السلام العجيلي» التي أصدرتها مديرية الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية، وتلاها كتاب «جيش الإنقاذ»، وفي قصصه لم يفارق العجيلي الهم الفلسطيني، وبدا ذلك واضحاً في مجموعته القصصية «فارس مدينة القنيطرة».

القسم الثالث من الكتاب بعنوان «آثار العجيلي»، وفيه يتناوله شاعراً وحكواتياً وروائياً ومسرحياً وقاصاً، لم ينشر العجيلي سوى ديوان واحد «الليالي والنجوم» وحوى ثمانٍ وعشرين قصيدة، تمحورت حول المرأة والطبيعة، وتتعزز فيها النفحة الرومنطيقية الكلاسيكية، التي لوحت ببداية التجديد في القرن الماضي، ومع ذلك لا يمكن القول إنّ العجيلي كان شاعراً، هو نفسه لم يكن حريصاً على هذه الصفة، يقول في مقدمة ديوانه «لست أطمح في أن أكون شاعراً كبيراً، أنا واثق بأن أكثر ما تضمنته دفتا هذا الديوان أعمال جميلة لكنني مؤمن بأنها لا تكفي لأن تبني مجد شاعر حق».

أما العجيلي المسرحي فيذكر أنه ألف مسرحيات عدة بأسماء مستعارة منها مسرحية «أبو العلاء المعري» التي نشرت عام 1937 في مجلة «الحديث» الحلبية وفازت بمسابقة المجلة ذاتها ووقّعها باسم «المقنع»، لكن المسرحية انتقلت بعد ذلك إلى قصصه ورواياته لتختفي نصاً بعد مرحلة الشباب.

يشيّد العجيلي صرحاً كبيراً في عالم القصة، بدءاً من مجموعته «بنت الساحرة» وانتهاء بمجموعته «الخائن»، وجرب تقنيات مختلفة في القص، من رسائل ومذكرات وحوارات ذاتية، مقتفياً آثار السرد الكلاسيكي العربي الذي أثر فيه، ومن هنا جاء وصف القصة العجيلية بالنيوكلاسيكية، التي تجاوزتها بعد ذلك لتظهر السمة الأساسية التي وسمت قصصه، وهي البعد النفسي والدخول فيه واللعب معه، ما أعطى قصصه بعداً وعمقاً مختلفين عن السائد في زمنه.

لعل أهم ما كتبه العجيلي هي قصة «سالي» التي تحمل إحدى مجموعاته اسمها وتبدو أكثر قصصه وضوحاً عن العلاقة بين الغرب والشرق، وينتصر العجيلي فيها لفكرة أن الرجل الشرقي يتمحور اهتمامه بالمرأة الغربية حول محور واحد هو الجنس.

لا يقف العجيلي عند القصة، بل يتخطاها إلى فن المقامة الذي كان واحداً من أدواته في السخرية والرسائل التي كان يتبادلها مع أصدقائه، مثل المقامة التي رد بها على نزار قباني معرضاً بديوانه الأول «قالت لي السمراء»، ويقول «قالت لي السمراء إنك بارد، فأجبتها بل أنت فيّ أبرد، تيهي علينا بالصدود فإنني، عبد لحسنك والقناصل تشهد»، أما مقالاته التي كتبها لأعوام طويلة في مجلات وصحف سورية وعربية، فتختلط فيها الحكاية بالسيرة والمحاضرة بالخاطرة والاعتراف.

في باب الحديث عن الروائي العجيلي، يذكر سليمان أنه حتى سبعينات القرن الماضي كان للعجيلي أربع روايات تليها رواية «أرض السياد» ثم رواية «المغمورون» وأخيراً رواية «أجملهن»، ويبدو في إصراره على سرد معنيّ بوقائع الحياة، وتفاصيلها العربية، واحداً من نحّاتي تاريخ المنطقة المعاصر، الذين أجادوا تحويل النثير الفني إلى قطعة واقعية تتحدث عن هموم الإنسان العربي ببؤس واقعه، وربما لذلك كتب المستشرق الفرنسي جاك بيرك في مقدمة ترجمته لرواية «قلوب على الأسلاك» يصف البناء السردي لدى العجيلي بالكلاسيكي الضخم المحكم السيمفوني، وهو الأمر الذي شهد له بعد ذلك جان غولميه عندما قارنه برواد الفن الروائي الغربيين من أمثال غوته وستاندال وفلوبير.

يضمّن نبيل سليمان الكتاب شهادات حول العجيلي وأدبه من واسيني الأعرج وجاك بيرك ونعيم اليافي وإبراهيم الجرادي وسواهم، وحوارات أجريت معه وأبرزها حواره مع ياسين الرفاعية عام 1965 في جريدة «النهار» البيروتية، وضمّ الكتاب مختارات من أدب العجيلي «المغمورون»، وتقدم لمحة مختصرة سريعة مفيدة عن نتاجه.

أصدرت دار رياض الريس في الذكرى الثانية لرحيله كتاباً بعنوان «مقامات عبد السلام العجيلي وأشعاره»، ومن عناوينه الشعر والمقامات، والليالي والنجوم، وأهواء، وإخوانيات ضاحكة، والمقامات، وكتب في المقدمة يقول «قطعت، وأنا أكتب هذه الكلمات، من العمر خمسة وثمانين عاماً. وقارب عمري في ممارسة الأدب كتابةً سبعين عاماً، إذا اعتبرت بدء هذه الممارسة أول قصة كتبتها ونشرتها، عام 1936. هذان العمران الطويلان، في الحياة وفي العمل الأدبي، يفسران بعض التفسير وفرة النتاج الذي يحمل اسمي والذي أحاول جمعه في ما يسمى بالأعمال الكاملة. وبعض التفسير لهذه الوفرة يعود بلا ريب إلى عناصر أخرى في تكويني وفي الظروف التي أحاطت ولا تزال تحيط بي.

«من هذه العناصر فضولي ودقة ملاحظتي وذاكرة قوية قادرة على الحفظ والاختزان، ومنها سهولة التعبير لديّ والرغبة في التعبير، إلى جانب رغبة الآخرين في تعبيري وتقديرهم له وتشجيعي على الاستمرار فيه ومطالبتهم لي بهذا الاستمرار. هذا عدا عن تعدد أنماط الحياة التي عشتها والتجارب التي خضتها والأحداث التي مرت بي ومررت بها».




الحياة


مواضيع ذات صلة
- صدور كتاب توثيقي بعنوان الدكتور العجيلي واحة البادية
- ملتقى القصة العربي التاسع في الرقة
تكريم القاصة نجاح ابراهيم وتوزيع جوائز مسابقة العجيلي للقصة القصيرة

- افتتاح مهرجان عبد السلام العجيلي للإبداع في الرقة
أدب العجيلي عَلامة إبداعية من علامات الثقافة السورية المعاصرة

- رسالة ماجستير لطالبة إيرانية عن أدب عبد السلام العجيلي
من ابرز أصحاب الاتجاه الواقعي في القصة القصيرة والرواية

- احتفالية دمشق تبدأ إصدار أولى سلاسلها للإبداع

تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

ليلى:

اريد معلومات عن طفولة عبد السلام العجيلي
المغرب

ضيف اكتشف سورية
أنطون مقدسي
أنطون مقدسي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر