التصوير الضوئي على التخوم بين السياحي والبعد الرمزي 16/نيسان/2008
 كان التصوير ذاكرة وحسب، مجرد وثيقة وشهادة للواقع،. وقد ناضل مصورون كثر، حتى اكتسب هذا الفن وضعاً جديداً، يضعه في حقل الفنون الجميلة، مصورون أدخلوه كمفهومِ لوحة في تأكيدهم على بناء الهيكل الفني لأعمال تشكيلية كهذه.
قدم محمد ستيتة الذي يمارس التصوير منذ عدة سنوات مؤخراً معرضاً في المركز الثقافي الروسي بدمشق، مؤكداً على تميز هذا الفن عن الإنتاج المتسارع للصور الإعلامية اليومية، في مقاربته التي توصل التصوير إلى تخوم النوع الوثائقي ماراً بمعظم اتجاهات الفنون بالانطباعية، برصده لحالات الضوء من خلال مراحل النهار والفصول، والبعد الرمزي، بتعمده أخذ زوايا محددة.، لإنتاج تعبيرية ما وتقديمها تعبيرية ما.
وغالباً ما سيذهب ستيتة إلى أن يحل المكان التصويري محل المكان الواقعي في الكثير من لوحاته، التي جاب لأجلها الطبيعة في العديد من المناطق، والذي يؤكد على العلاقة بالألوان وملتقطاً كل ما له صلة بالضوء، وهيذلك يتأتى كفكرة إغواء لديه لشد المتلقي، وإذ كان ثمة اتجاه صوب اللوحة السياحية.
في لوحات الطبيعة هذه يستبعد ستيتة الإنسان جسداً، لكنه يترك ما يدل عليه من آثاره التي تركها أو أنتجها، لكنه غالباً يميل إلى الجمالي الذي شكلته الطبيعة بذاتها، تحديداً سيأخذ الفنان هنا مفردة أو عنصراً من عناصر الطبيعة يكون البطل الأساسي الذي يشتغل عليه، أو أن هذا العنصر يمده بالجمالي ليشكل منه لوحته، وهو هنا الماء الذي جعل منه كل شيء حي و«انعكاسات مائية» في اللوحة كما يسمي معرضه.
هنا ستشاهد الكثير من القبض على هذه الحالات، أو الانعكاسات وسيصطاد ستيتة، لكنه لن يصطاد في الماء العكر، بل الصافي في حالاته الجمالية. ثمة طائر ربما النورس قد اقترب من الماء، أو في لحظات اقترابه من الماء وهو قاب قوسين من الانقضاض. الشمس في آخر لحظات غروبها وقد أعطت لوناً خاصاً وحميمياً لوجه الماء. شجرة عارية، تكاد تكون في لحظة معلماً يخرج من الماء كمنارة، أو غريقاً يطلب المساعدة في حالة أو لحظة أخرى، وفي حالة ثالثة هي أقرب إلى محطة للطيور التي تمر من هنا، وسط هذا الأزرق الواسع، وثمة مياه تتدفق من علٍ، مشكّلة تكوينات نادرة من البياض، أو لحظة تلاقي الموج مع صخور الشاطئ التي تارة توحي بالعناق والضم، وطوراً توحي بالكباش والتصادم أو القبض على الماء في لحظة تجمد ما، وقد تأتي بعض الأغصان كستارة لوجه الماء الذي يتشكل من خلاله حالات مائية نادرة.
هذه الحالات المائية كانت لها عدسة محمد ستيتة بالمرصاد تصطادها في لحظاتها النادرة، وتسجلها، بل تثبتها خوفاً عليها من الفقدان، لتكون طوال الوقت في هذه الحالة المشهدية الأقرب إلى المسرحية تارة بهذا الصراع الذي عمل له «ستوب كادر»، أو السينمائية أحياناً باتساع هذه المشاهد البصرية الموحية، وكأنها على وشك الانتقال إلى الحالة الأخرى، أو قاب قوسين أو أدنى من اللحظة التالية التي طال انتظارها.
يقول ستيتة «أصور الجانب الجمالي للبيئة، ربما كي يتعمم على نحو أوسع لمحاولة إصلاح ما قد خربه الإنسان فيها، وذلك بالعمل لأخذ زاوية الالتقاط التي هي جزء من العملية التصويرية، وهي مُهمة لإبراز المناطق التي أحب أن تكون واضحة قدَر الإمكان، بلمسة خصوصية، مع مراعاة إزالة العناصر التي لا تخدم الفكرة.
إذن، هنا لن يشتت ستيتة تركيزه، لِما قد يغوي من مفردات الطبيعة الأخرى عندما يتجه إلى الماء ليكون سيد لوحته، كما هو سيد البيئة، فكان للتوقيت هنا أهميته: مسار الشمس، وفصول السنة، كل لحظة هنا تعطي حالة مختلفة وأحياناً نادرة قد لا تتكرر، وهنا حيث للعدسة ثمة موقف -فهي لم تسجل أو تأخذ التفاصيل بحيادية- دائماً ثمة خلفية بصرية تعبر عن إحساس ما، أو بالجوار ما يدل على موقف ما من الحالة المائية قد يكون تحذيراً من فقدانه أو تنبيهاً لما جرى من تشويهه، أو قد يكون إعجاباً أو تشكيلاً فنياً. وفي الغالب يضفي عليها مشاعره من خلال اختيار الزمان، برصده الضوء، ثم اختيار الزاوية المناسبة ليزيد من خلال ذلك غنىً في قراءة اللوحة، وبذلك يتحول التصوير بعدسة محمد ستيتة إلى واسطة تعبيرية بحد ذاتها وتشكيل جمالي.
|