عرض عرائسي من إخراج سلوى الجابري 31/كانون الثاني/2009
عرض «حارس الغابة... يا صديقي» عرضٌ عرائسي للكاتب فاليري بيتروف من إخراج سلوى الجابري، التي قدمت العديد من العروض العرائسية للأطفال منذ أن كانت مديرة مسرح العرائس، يأتي هذا العرض في إطار إعادة العروض التي لاقت استحساناً من قبل الأطفال.
يتناول العرض فكرة المحبة والصداقة بين الحيوانات الموجودة في الغابة، مع احتفاظ كلِّ واحدٍ بصفته الفيزيولوجية، والتغاضي عن الأخطاء الصغيرة وسوء الفهم بينها، وتتعامل حيوانات الغابة مع بعضها كأنها عائلة واحدة وهذا عالم بعكس ما هو سائد في الغابة عادة، يشعر حارس الغابة -أداء مأمون الفرخ وأنس الحاج- أنه وحيد في الغابة يشتاق إلى الأطفال، فيبدأ بكتابة رسالة لهم ليعبر من خلالها عن إحساسه بالوحدة والغربة، إلا أن وعلاً صغيراً يقطع سلسلة أفكاره طالباً منه رواية حكاية له كونه أقرب حيوانات الغابة إلى الحارس، فيتوقف عن الكتابة، والرسالة هنا عملية تواصل غير مباشرة مع الأطفال، والطفل يستمتع بهذا المقطع الصغير من الرسالة الذي يقرؤه الحارس بصوتٍ عال كونها موجهة إليه، لكن قطاً صغيراً هرب من صاحبه شادي والتجأ إلى الغابة للعيش فيها بحجة أنَّ شادي كان يعذبها، فيستقبله الوعل بالترحاب وكذلك الثعلب والكلب ويتعاهدون على أن يصبحوا أصدقاء معاً، إلا أنهم يحتارون في إيجاد كوخ له، فيقترح الأصدقاء على حارس الغابة بأن ينام القط في كوخه، لكن الحارس يشترط عليه أن يجتاز الامتحان كي يوافق، وعندما يفشل القط في اجتياز الامتحان، يبدأ الوعل بتصحيح الموقف ويقول بأن القط لم يفهم السؤال جيداً فيضطر الحارس أن يوافق على اقتراحهم بناءً على توسلات الوعل.
من جهةٍ أخرى شادي يبحث عن قطه الضائع، ومن خلال محاورته مع أصدقاء الغابة، يتأكد أنهم يعرفون أين القط، لكنهم يرفضون أن يسلموه القط لأن شادي كان يعذبه دائماً، ويقترح حارس الغابة لعبة يمتحن بها مدى محبة شادي للقط، ومدى محبة القط لشادي أيضاً، فيجتاز شادي الامتحان مرتين رغم صعوبة الامتحان، وأخيراً يأخذه معه إلى البيت في جوٍ احتفالي بعد أن تعاهدا ألا يفترقا عن بعضهما أبداً.
فالحديث عن العرض العرائسي هو الحديث عن أفكار النص العرائسي ومضامينه الإنسانية أولاً، ومن ثم يكون الحديث عن صناعة العروس وانسيابية حركتها للتعبير عن التفاصيل الصغيرة، وفي الحالتين تكون المخرجة هي المسؤولة عنها، بينما الحديث عن محرك العرائس يتم من خلال توافق الحوار مع حركة العروس والأحاسيس الإنسانية مثل الفرح والخوف والحزن الشجاعة والتعامل مع بعضهم.
عندما يحب الطفل عروسته «لعبته» فهو يعاملها على أساس أنها صديقٌ له، وبالتالي يتقبل نصيحتها، وهنا يمكن الحديث عن ألسنة هذه الحيوانات التي تتكلم وتتصرف وتتعامل كالإنسان، لذلك فالعمل الجماعي والتعاون والروح الإنسانية هي التي تسود العمل من خلال تآلف العرائس مع الأحاسيس مثل العناق والحب والعطف والحنان، هكذا تخلت الحيوانات عن صفاتها الفيزيولوجية في سبيل الهدف الأعلى هو الصداقة، رغم مكر الثعلب، وشقاوة القط، وثرثرة الكلب، إضافةً إلى محركي العرائس المتوارين عن الأنظار، لكن هناك ممثلين على الخشبة مثل شادي رولا ذبيان وحارس الغابة والدب محمد خير أبو حسون وطلال محفوض يجسدون أدواراً ويدفعون الأحداث باتجاه الفكاهة، من خلال تعاملهم مع بعضهم ونكاتهم الخفيفة التي يحبها الأطفال، مثلاً الدب الذي يحب العسل وبمجرد أن يسمع كلمة عسل يستيقظ من النوم مباشرة.
حاولت المخرجة أن تُقدم عملاً تجتمع فيه أشكال الفرجة البصرية والمتعة الفكرية التي تكون منسجمة مع الرؤية الإخراجية من صناعة العروس والاهتمام بتفاصيل كلِّ واحدة منها لسهولة الحركة التي تتوافق مع الحوار المسجل، وقد برع الحوار في تغذية الحركة لدى محرك العروس أيهم الجيجكلي، أحمد حاج مصطفى في دور الثعلب، ونوزت خزوقة في تحريك القط، وهذا لا يعني أنَّ المحركين والآخرين لم يكونوا بمستوى جيد، بل كانوا أكفاء رغم بعض الثغرات التي ظهرت في تحريكهم ماعدا محرك الطير.
الديكور الشرطي كان يوحي بالغابة من خلال تلالٍ خضراء وأشجارٍ عالية يلعب بينها الأصدقاء وغلبة اللون الأخضر عليها، بينما الموسيقى الراقصة والأغاني المعبرة كانت جزءاً من بنية العمل المسرحي مما جذبت الأطفال إليها، وغنوا مع الممثلين وصُبغ العمل كله بطابعٍ احتفالي يتماشى مع رؤية العرض.
وقد حقق العرض التواصل ما بين الخشبة والصالة من خلال مشاركة الأطفال الضحك والتصفيق والتدخل في بعض المواقف، وخروج شادي من الصالة والتعامل مع الأطفال، ثمَّ نزول الدب إلى الصالة وهو يغني أغنيته الجميلة التي حفظها الأطفال، رغم أنَّ هناك تواصلاً أكثر أهمية بالنسبة للطفل كأن يتدخل في موقف إنقاذ إحدى الشخصيات ليزيد تشويقه ومتعته، ثمَّ التفكير بعد العرض بما جرى على الخشبة وهو تواصل إرادي وفعال رغم أن استجابة الأطفال تختلف من طفلٍ إلى آخر وفق درجة ثقافته وطبيعته وتربيته.
|