فعاليات الأيام الثقافية الأرمينية بدمشق
احتفاءً بدمشق عاصمة الثقافة العربية

29/تشرين الثاني/2008

حَفِلت الأيام الثقافية الأرمينة التي انطلقت منذ أيام بدمشق، بالعديد من الفعاليات الثقافية والفنية، والمحاضرات، والعروض المسرحية والسينمائية، التي تُقدّم وتحكي قصة الثقافة الأرمينة عبر تاريخها الطويل، وذلك بحضور وزير الثقافة السوري الدكتور رياض نعسان آغا، الذي أكّد في حفل الافتتاح عمق العلاقات الحضارية والثقافية التي تربط سورية وأرمينيا منذ القدم، كما أشادت وزيرة الثقافة الأرمينة بعمق العلاقات الثقافية بين العرب وأرمينا، التي ظلت باقية في ذاكرة ووجدان التاريخ المشترك بين البلدين.
فعاليات الأيام الثقافية الأرمنية تضمنت برنامجاً حافلاً سيتم عرضه في عدة محافظات سورية بعد دمشق التي شهدت في الأيام الماضية أولى هذه الفعاليات، حيث أقيمت معارض تشكيلية وعَرض مسرحي ومحاضرة حول المخطوطات القديمة في أرمينيا وعروض سينمائية، كما تضمن الافتتاح حفلين فنيين تراثي وراقص لجوقة «كنار» والفرقة الأرمينية الشعبية الحكومية للرقص، وسيتم عرضها جميعاً فيحلب والقامشلي واللاذقية.
افتتح السيد وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا بحضور هاسميك بوغوسيان -وزيرة الثقافة الأرمينية- وسفير أرمينيا في سورية، افتتح المعرض التشكيلي لمجموعة فنانين من أرمينيا أتوا لكي يعرضوا لوحاتهم في المتحف الوطني بدمشق، حيث امتازت اللوحات بمحاكاة الطبيعة عبر الألوان الزاهية التي ميّزت معظم الأعمال، كما تضمن المعرض مخطوطات عربية وأرمينية تم صكها في أرمينيا خلال العهد الإسلامي الأموي، وفي هذا الإطار يقول هراتشيا تامرازيان -مدير معهد المخطوطات القديمة-: «إنّ الثقافة العربية ثقافة عالمية حافظت على الحضارة وأنقذت الكثير من الآثار النادرة وساهمت في تطور الثقافة العالمية، وإذا كانت الثقافة العالمية وحدة روحية تعيش في شرايين الدماء فإن الثقافة العربية هي الشريان الأم»، كما ذَكّر السيد هراتشيا تامرازيان بدور الثقافة العربية، ومنها الثقافة السورية التي أنقذت الشعب الأرمني في الفترات المأساوية، وقدمت له الغذاء الروحي ودفعت به نحو الرغبة بالعيش.
معرض النقود العربية حمل نماذج من عملات الفلس، والدرهم، والنصف درهم، والدينار العربية، والتي صُكّت في العهد الأموي، كما تضمن معرض المخطوطات الأيام الثقافية الأرمينة العربية والأرمينية الذي شكل الجزء الأساسي من المعرض، نماذج نادرة من متحف «الماتيناداران» في يريفان الأرمينية، الذي يعد أهم مركز في العالم لهذا النوع من المخطوطات، التي تدل على عمق العلاقات بين الثقافتين العربية والأرمينية، حيث احتوى المعرض إحدى عشرة مخطوطة أرمنية منها «الكتاب المقدس». كما توجد أكثر من مخطوطة تعود إلى أعوام مختلفة 1290، 1336، 1201، وفي القرن الثالث عشر حدود الحكمة في القرن الرابع عشر، يغيشيه من أجل فارتان وحرب الأرمن عام 451، تاريخ الأرمن «القرن الخامس الميلادي»، وأنانيا سيراكاتشي فن التعداد عام 1283، كتاب المراثي عام 1173.
أما المخطوطات العربية فقد تم عرض أربعة نماذج منها، وهي تعاليم في الدين الإسلامي عام 1180 هجري، ومعلومات طبية عام 900 هجري، وقواعد اللغة العربية عام 989، وتعاليم في الدين الإسلامي وشهادة للرسول عام 1311 هجري.
في حفل الافتتاح قدمت جوقة «كنار» ثلاث فقرات، وهي شجرة نايري الخضراء، وفانتازيا، وأرمينيا الأم، والجوقة التي تتبع لكنيسة الأرمن الكاثوليك في دمشق، كانت قد اشتهرت في المهرجانات التي تقام عادة في المدن السورية والأرمينية، وكان آخرها في حزيران الماضي، وهي تجمع الشباب هواة الغناء في نشاطاتٍ وأغانٍ وطنية وشعبية أرمينية معدة لغناء الجوقات لمؤلفين أرمن شهيرين، كما قدمت فرقة الرقص الحكومية في أرمينيا لوحات فنية راقصة مع إيقاع الموسيقى الشعبية الرائعة، والموسيقى الفولكلورية بقيادة رئيس الفرقة ايريك تشانتشريان ورئيس الفرقة الموسيقية هايك كريكوريان، وباشراف معلم الباليه أسادور كارابيديان.
تأسست فرقة الرقص الوطني في أرمينيا عام 1958 وكانت الفكرة لحماية وتغذية التراث والتقاليد العريقة للرقص الشعبي الأرمني، حيث جاءت المبادرة من بعض الملحنين للموسيقى الراقصة المصممين والفنانين، وبعد عام من تأسيس الفرقة بدأت بالانطلاقة الأولى لها إلى دول الاتحاد السوفيتي سابقاً ثم قدمت عروضاً في لبنان ومصر وسورية والعراق، وفي عام 1974 حدثت الرحلة الرئيسية في تاريخ الفرقة حيث اشتهرت في العديد من البلدان وعلى نطاق واسع فقدمت العديد من العروض الأكثر تألقاً للرقص الشعبي الأرمني في نيويورك، وفيلادلفيا، ولوس انجلوس، وألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وكندا، وسويسرا، والمكسيك وغيرهم.
وعلى الرغم من تأثر فرقة الرقص الوطني في أرمينيا بتحديات قاسية كالتي واجهتها أثناء الحصار الاقتصادي وعواقب الزلزال والحروب في بداية التسعينيات، إلا أنها استطاعت أن تتحدى كل تلك الظروف القاسية، وتثبت حضورها وتألقها واستمراريتها، فقدمت عروضاً عديدة بعد ذلك في كل من إيران، والصين، ولبنان، وفرنسا، وقبرص، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا، حيث لاقت إعجاباً كبيراً واستحساناً من قبل كل البلدان التي قامت بزيارتها.
استطاعت فرقة الرقص الحكومي أن تقدم أجمل عروض الرقص فيدار الأسد للثقافة والفنون من خلال 19 لوحة راقصة، ويمكن القول إنها كانت عبارة عن لوحات تشكيلية، وتحف فنية رائعة الجمال، شارك فيها عدد كبير من الشباب والشابات، حيث تنوعت بين الرقص الشعبي والرقص القوقازي.
الأيام الثقافية الأرمينة الرقصات التي قدمتها الفرقة مليئة بالمعاني والمشاعر المتعددة من فرح ومعاناة، ويأس وأمل، وفشل وطموح، وقد أضفت الأزياء الشعبية الملونة سحراً تناغم مع أداء الراقصين الجماعي وحركاتهم الرشيقة والخفيفة ليبدعوا أروع الرقصات مع إيقاع الفرقة الموسيقية ليقدموا لنا حفلاً أسطورياً تعجز الكلمات عن وصفه والتعبير عنه.
فرقة الرقص الحكومية الأرمينية عبرت بصدق عن فن راق يفوق كل التصور، ظهرت فيه ثقافة أرمينيا بشكل جلي وواضح، وكانت الرقصات التي قدمتها الفرقة الأكثر سطوعاً في سماء دمشق.
وفي اليوم الثاني من فعاليات الأيام الثقافية الأرمينية ألقت غايانه إليازيان رئيسة قسم إعادة الترميم في متحف «الماتيناداران» محاضرة في القاعة الدمشقية في المتحف الوطني بدمشق، تناولت أعمال ترميم المخطوطات مع تقديم نماذج حول هذا العمل، بناءً على العمل الذي يتم لديهم في أشهر متحف عالمي للمخطوطات الأرمينية القديمة، وأشارت اليازيان في بداية المحاضرة إلى أنّ «الماتيناداران» يضم أقدم وأغنى مجموعة للمخطوطات، حيث يوجد فيه أكثر من 17 ألف و500 مخطوطة قديمة، وأكثر من مائة ألف وثيقة وألفين و300 كتاب قديم، وقد تم مؤخرا تأسيس قسم إعادة ترميم المخطوطات والحصول على أحدث التجهيزات والمواد العصرية التي تمكن من المحافظة على الكنوز الثقافية وإنقاذ التراث من الزوال وحمايتها من الأضرار التي من الممكن أن تلحق بها. منوهة إلى أن قسم إعادة الترميم في «الماتيناداران» يتعاون مع أقسام مماثلة في أوروبا والولايات المتحدة بهدف الحصول على المعلومات المرتبطة بالتطورات في هذا المجال.
ثم تناولت السيدة اليازيان أهم الخطوات في أعمال المحافظة على المجموعات والكتب القديمة حيث يتم ترتيب المخطوطات والوثائق والكتب القديمة حسب درجة تضررها، وهي الأمراض الفطرية،ووجود الجراثيم، والحموضة العالية لأنواع الحبر والدهون وغيرهم، كخطوة أولى، ومن ثم يتم تنظيم الإجراءات الاحترازية للمحافظة على المخطوطات وذلك بهدف حفظ وإعادة ترميم المخطوطات الأكثر تضرراً، مثل تثبيت الأوراق المتفككة، ولصق القطع الممزقة، وتليين ورق الرق وتسويته، وتقويم أنواع الأغلفة الجلدية، والقيام بعمل البحث العلمي في مجال إيجاد سبل جديدة لتفادي زوال الورق والبحث عن وصفات تكوينات أنواع الحبر المستخدمة في مخطوطات القرون الوسطى بهدف إيجاد أعداد مواد أفضل لمكافحة الحموضة.
وكما ذكرت السيدة غايانه بأنه يتم تقديم استشارات عملية حول الأعمال الخاصة بالمحافظة، وإعادة ترميم مجموعات المكاتب والمتاحف التي لا يوجد لديها أقسام خاصة بإعادة الترميم، بالإضافة إلى إجراء دورات تدريبية للاختصاصيين من أرمينيا وخارجها، والمشاركة في المؤتمرات الدولية وتنظيمها في أرمينيا، والتعاون مع المراكز الأوروبية والأميركية بهدف تبادل الخبرات.
وخلصت السيدة اليازيان في نهاية المحاضرة إلى أنه لابد من الأخذ بعين الاعتبار ترقيم المخطوطات بعد إعادة ترميمها، في حين لا يجوز ترقيم المخطوطات التي تعاني من العث والحموضة والإهتراء، حتى لا تلحق بها الخسارة التي لا يمكن تعويضها فيما بعد.
وفي اليوم الثاني من الفعاليات الثقافية الأرمنية في دمشق تضمن عرضاً مسرحيا ًلمسرح الدمى الحكومي تحت عنوان «الديك الذي لا يقهر»، من حكايات الشاعر هوفهانيس تومانيان على خشبة مسرح المركز الثقافي الروسي بدمشق، حيث خلق المنتج يرفانت ماناريان مسرحية ممتعة ونابضة بالحياة بدمى متحركة مع إيقاع موسيقي مشوق، بحيث يجعل العرض يبدو حياً ويعطيه كيانه الدرامي، في قصة تدور أحداثها عن ديك يجد عملة ذهبية ويصيح لقد وجدت ذهباً وكل صيحة تجعل الملك مشوش وقلق، وهنا تبدأ قصة لا تصدق، والديك يذهب في رحلة إلى معدة الملك.
أما بالنسبة للعروض السينمائية المشاركة في الفعالية الأرمنية بدمشق، سيتم عرض فيلميين سينمائيين هما «سيمفونية الصمت» و«عودة الشاعر»، وقد تمّ عرض الفيلم السينمائي «سيمفونية الصمت» مساء يوم الجمعة 28 تشرين الثاني 2008 وذلك في صالة سينما الكندي بدمشق للمخرج فيكين تشالدرانيان، حيث يتناول الفيلم قصة عن رجل يدعى ميل ديفان، وهو رجل أعمال أمريكي ناجح يعاني من مرض عضال، بالإضافة لكونه سيء السمعة، استطاع أن يهرب من المصحة النفسية في أرمينيا، ثم عاد إليها ليَهب مسروقاته لزوجة صديقه الأرملة، وخطط ميل البقاء في أرمينيا لفترة قصيرة، لكن القدر أعاد به مجدداً إلى المصحة بعد شرائها بالمزاد العلني، ليجد العزاء في إدارة المصحة والعيش مع المقيمين فيها، حيث يقوم بمساعدة كل واحد منهم، ويعيش ميل أيامه الأخيرة وكأنه قديساً.
أما بالنسبة للفيلم الثاني «عودة الشاعر» للمخرج هاروتيون خاتشاطريان فسيتم عرضه يوم السبت 29 تشرين الثاني 2008 في صالة سينما الكندي بدمشق.



تشرين

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك