نصير شمّه: يتحدث مثلما يعزف
مؤتمر صحفي يشع بالثقافة ويرتقي بالشعور

27/نيسان/2009

لم يدر بخلدي وأنا أستعد لحضور هذا المؤتمر الصحفي أن تنتابني كل هذه الأحاسيس المتنوعة من الغبطة إلى الأمل وأنا أستمع إلى الحديث الراقي المتدفق بمشاعره وأفكاره للفنان العراقي الموسيقي وعازف العود المبدع نصير شمه.

نصير شمه في سطور:
ولد الفنان العراقي نصير شمه في مدينة الكوت عام 1963، وأكمل دراسته الجامعية في معهد الدراسات الموسيقية في بغداد عام 1987، ثم تخصص في آلة العود، وقدم روائعه الموسيقية في هذه الآلة التي تعد بحق رمزاً للموسيقى الشرقية الأصيلة، وذاع صيته في العالم العربي وفي العالم بفنه الجميل وإبداعه في العزف والتأليف.

حصل الفنان نصير شمه على العديد من الجوائز التقديرية والتكريمية منها: جائزة أفضل لحن عاطفي في العراق (1986)، وجائزة أفضل موسيقي عربي في مهرجان جرش بالأردن (1988) حيث لقب بزرياب الصغير، وجائزة المعهد العالي للموسيقى في الدورة الخامسة لأيام قرطاج المسرحية لأفضل عمل موسيقي مسرحي (1990)، ووسام مدينة أغادير المغربية (1992)، ودرع رمز النضال الفلسطيني (1992)، وجائزة أفضل فنان في العراق (1994)، بالإضافة إلى ميدالية الجامعات البرتغالية (1996).

أما عن إصداراته فهي: عود من بغداد (فرنسا-1994)، إشراق (إيطاليا-1996)، رحيل القمر (فرنسا-1999)، مقامات زرياب (إسبانيا-2003)، أحلام عتيقة (الجزائر-2004). كما أصدر أربعة أشرطة كاسيت هي: صامتاً أعلن حبي (بغداد-1988)، من أجل أطفال العراق (تونس-1994)، من القلب (الأردن-1991)، وليل بغداد (تونس-2000).

وقدم العديد من العروض الموسيقية في مختلف دول العالم، في البلدان العربية وأوروبا وأمريكا، بالإضافة إلى عدة عروض موسيقية في القاهرة.

مؤتمر صحفي فوق العادة:
في مؤتمره الصحفي الذي استضافته نقابة الفنانين في مقرها بدمشق، قدم نصير شمه نفسه ليس كعازف مبدع وموسيقي مؤلف وحسب، بل كفنان أصيل يبحث عن الارتقاء بنفسه وبجمهوره إلى مستوى تذوق الجمال والتشبع به، بحيث يصبح هذا الجمال ممارسة يومية وسلوكاً مستداماً.

«عندما أعزف في سورية أكون في أحسن حالاتي»:
شخصية آسرة، ببساطتها، بلطفها، بتواضعها الجم الأصيل وغير المصطنع، بثقافتها العميقة ولغتها الصافية الفصيحة، بدأ الفنان حديثه معرباً عن سعادته بالتواجد في سورية: «بعيداً عن المجاملات، أنا سعيد»، هكذا قدم الفنان نصير شمه لحديثه مع من تواجد من الصحفيين وممثلي وسائل الإعلام. ثم استطرد في مقدمته موضحاً طبيعة هذه الجولة وهدفها والجهات المنظمة لها.

يقول الفنان شمه: «كل زياراتي إلى سورية كانت ناجحة ومحمولة على الأكف، لكن هذه الجولة لها طعم خاص، إذ ترعاها نقابة الفنانين وريعها يعود لصندوق تقاعد النقابة من ناحية، ومن ناحية أخرى كونها تخرج بنا من العاصمة لنذهب إلى حمص وحلب والحسكة ونلتقي بالناس من كل مكان، لدينا الآن فرصة لنكفر عن هذا التقصير ونذهب للناس في محافظاتهم، لقد استعديت لهذه الجولة، وعندما أعزف في سورية أكون في أحسن حالاتي، لما ألقاه من الجسور الروحية المفتوحة مع الجمهور».

وعن ما سيقدمه في هذه الجولة يقول الفنان شمه: «سأقدم برنامجاً جديداً أستضيف فيه الفنان اللبناني الكبير فلمون وهبي –موسيقياً طبعاً- وبعض ما غنته السيدة فيروز من ألحانه، كما أقدم بعض التيمات السورية القديمة من التراث الفني الأصيل. بالإضافة للعرض الرئيسي طبعاً.

لقد أردت من هذه الجولة أن تكون ذات خدمة للفنان السوري، وأن أعبر من خلالها عن تقديري لهذا البلد الذي احتضن العراقيين، حيث برهنت سورية أن ما كانت تقوله طوال 30 سنة خلت، لم تكن مجرد شعارات إعلامية، بل برهنت حقيقة إيمانها بهذه الشعارات من خلال احتضانها للفلسطينيين والعراقيين وتعاطفها مع كل إنسان تعرض للظلم والحيف، فأنا سعيد بوجودي في سورية وأريد أن أعيد شيئاً من هذا الإحساس بالتقدير».

«هناك تلقي استثنائي في دمشق»:
ولم يلبث هذا اللقاء إلى أن تحول إلى حوار فكري وثقافي بين الفنان وجمهور الحضور من ممثلي وسائل الإعلام تحدث فيه الفنان نصير شمه عن قضايا الموسيقى العربية وإشكالاتها، من حيث قدرتها على تشكيل حالة سماعية ترتقي بذوق المتلقي العربي وتصيغ ثقافته الموسيقية، حيث يعتبر الفنان نصير شمه «أن الجمهور العربي جمهور بكر، وتقاليدنا السمعية غنائية بمجملها (موشحات- قدود- أدوار)، أما التقاليد الموسيقية الحقيقية فقد انقطعت منذ غزو هولاكو لبغداد»، ويؤكد الفنان شمه أنه «لما كانت الدولة العباسية حاضنة للثقافة العربية، كان للموسيقى مكانة كبيرة»، ومن ذلك مدى اهتمام الخليفة هارون الرشيد بالموسيقيين وامتلاء قصره بهم. ولقد أشار الفنان شمه إلى دوره ودور الموسيقيين العرب في إعادة الموسيقى العربية إلى مكانتها الفعلية لدى الجمهور العربي، وفي خلق قاعدة جماهيرية عريضة لهذا الفن الرفيع. ورأى الفنان شمه أن هذه الجهود قد بدأت تؤتي ثمارها، وأنها أصبحت ذات جدوى، فالجمهور العربي بدأ يتلمس معالم الموسيقى التي يقدمها الفنان شمه وأقرانه من الموسيقيين، وأخذت هكذا أمسيات وحفلات موسيقية تستقطب جمهوراً يتسع باطراد.

ولفت الفنان شمه النظر إلى الجمهور الدمشقي، وأبدى إعجابه بتذوق الشعب السوري للموسيقى التي يقدمها، والجمهور الواسع الذي يحرص على حضور حفلاته (والذي بلغ 5000 شخص في بعض الحفلات)، معلقاً: «أفضل جمهور وأفضل حفلة، هناك تلقي استثنائي في دمشق».

برنامج دائم في سورية:
وتحدث الأستاذ نصير شمه عن برنامج حفلاته في سورية، متحدثاً عن حفلاته الأربع التي سيقيمها في كل من دمشق وحمص وحلب والحسكة كبداية لنشاط مستمر في سورية، ورداً على طلب الحاضرين في أن يكثر من زياراته وعروضه في سورية قال: «أنا بالعادة أزور بلداً بعينه مرة واحدة في السنة، وسورية زرتها ثلاث مرات خلال عام واحد»، وأشار إلى عودته في الشهر الثامن من العام الجاري لحضور فعاليات «ملتقى العود» الذي يديره الفنان حسين سبسبي.

«أنا ضد الاحتلال»:
وفي جوابه على سؤال صحفي عراقي حول قيامه بإحياء حفلات في العراق، أكد الفنان شمه أنه على استعداد للذهاب فوراً إلى العراق، حالما ينتهي كابوس الاحتلال، وأكد الفنان شمه أنه كان ضد الممارسات الدكتاتورية، ولكنه كان أيضاً «ضد الاحتلال منذ يومه الأول»، وأنه ضد الاحتلال أينما كان وكيفما كان.

«ينقصنا الحلم»:
وفي جوابه عن سؤال «اكتشف سورية» حول إمكانية إنتاج موسيقى عربية معاصرة يمكنها أن تتجاوز أسوار النخب الضيقة وتنتقل إلى رحاب الجماهيرية، وعما يمكن فعله إزاء ذلك، أجاب الفنان شمه بتوسع عن هذا السؤال، فيما يمكن إيجازه بالتالي:

لو ألقينا نظرة على الموسيقى الأوروبية لوجدنا أنها تطورت في ظل أنظمة مستقرة سياسياً وكانت في مرحلة نمو وازدهار، وهكذا احتوت القصور الإمبراطورية في أوروبا كبار المؤلفين الموسيقيين الذين أصبحوا بمثابة أيقونات حضارية في بلدانهم، أما بلادنا العربية فقد شهدت انقطاعاً في تطورها الموسيقي، بدءاً من انهيار الدولة العربية، وتتالي الغزوات والحروب، وصولاً إلى العصر الاستعماري الحديث. كل ذلك أعاق تطور الموسيقى العربية، ولكن ذلك لا يعني أننا لا نمتلك مخزوناً حضارياً رائعاً من الموسيقى والفن، إن الموسيقى العربية حاضرة وبقوة، «لكن ما ينقص الفنانين العرب هو الحلم».

إن الموسيقى العربية هي الصوت الجميل الجديد في العالم الآن، فقد مل الناس في مختلف الأماكن من أنواع الموسيقى السائدة، سواء منها الكلاسيكية أو الجديدة كالبوب والروك والراب والموسيقى الإلكترونية ..الخ، وهم يبحثون الآن عن أنماط جديدة من الموسيقى التي تؤمن لهم ذلك الغذاء الروحي المطلوب بشدة في عالم اليوم، ولذلك هم يبحثون عن هذه الموسيقى في بقاع أخرى من العالم مثل الشرق الأوسط والشرق الأقصى كالهند مثلاً، وموسيقانا العربية على رأس القائمة.

وركز الفنان شمه على فكرة شديدة الأهمية، وهي أنه ليس المطلوب من الموسيقيين العرب أن يعيدوا إنتاج الموسيقى الكلاسيكية مثلاً، فهم لن يجيدوا ذلك مثل الأوروبيين، بل عليهم أن يقولوا ها نحن ذا وهذه هي ثقافتنا، وأن يعملوا على تقديم هذا المنتوج الفني بشكل لائق وجميل، فالعالم بحاجة إلى الإضافة التي يقدمها الفنان العربي إلى الفن والثقافة العالميين، وليس إلى تكرار ما قدمه الآخرون.

«فالموسيقي العربي محتاج إلى أن يشعر بفنه، وأن يكون لديه الثقة بنفسه وفيما يقدمه»، وبذلك سوف يغني نفسه ويغني العالم.

«لدينا أطفال موهوبون ولكن»:
وتحدث الفنان شمه عن الأطفال االعرب، وعن المشكلات التي تواجه تأمين التربية الفنية الصحيحة لهؤلاء الأطفال، وعن عدم وجود آليات لاكتشاف الموهوبين منهم ووضعهم على الطريق الصحيح، وأشار إلى تبنيه شخصياً لأحد هؤلاء الأطفال، وعن توقعاته بأن يحقق هذا الطفل إنجازات مهمة في عالم الموسيقى.

ورداً على سؤال حول وجود خطة لتأسيس بيت للعود في سورية، على غرار بيت العود الذي يديره في القاهرة؟ أكد الفنان شمه على إصراره على أن يكون مقر بيت العود في سورية، «بيتاً دمشقياً قديماً»، يعكس عبق التراث والأصالة الشاميين، كما يعكس بيت العود (في القاهرة)، طراز العصر الفاطمي، وشدد الفنان شمه على اهتمامه وحماسه لهذا الموضوع حال تأمين المقر المناسب، قائلاً: «بعد إيجاد البيت بأسبوع، نبدأ».

القدس على البال:
ورداً على سؤال حول ماذا سيقدم نصير شمه للقدس (عاصمة الثقافة العربية لهذا العام)؟ والقابعة في وضع صعب تحت الاحتلال الصهيوني؟ أجاب الأستاذ شمه: «مبدئياً هناك عمل كبير مع الشاعر الفلسطيني رامي اليوسف، عمل يختزن صوفية عالية تجاه القدس، أطمح فيه إلى أن أحبب الجيل الجديد بعاصمة فلسطين والعرب جميعاً، العمل –كما هو مخطط له- سيتم تنفيذه في الأجزاء التاريخية القديمة من عدة عواصم عربية، كي تمثل أزقة القدس العتيقة، يعني إذا صورنا في تونس فسنصور في مدينة تونس القديمة، إذا صورنا في دمشق، ففي باب توما مثلاً، أو في دمشق القديمة. وهذا العمل سيشترك في غنائه أربعة مطربين كبار، حصلت على موافقة اثنين منهم، هما ميادة الحناوي، وصباح فخري، أما الآخران فأفصح عنهما بعد موافقتهما على المشاركة في العمل».

«دورة الصوفية دورة الحب»:
وفي الختام شرح الفنان نصير شمه موقفه من الحالة الصوفية، وذلك في معرض الرد على السؤال: متى يصل نصير شمه إلى الصوفانية؟ فأكد أن الصوفية هي حالة روحية وليست مظاهر محددة وعلامات بارزة، قائلاً: «لا يوجد صوفي على وجه الأرض يقول أنا صوفي». إن الصوفية هي نظرة ذات جانب عميق للحياة والوجود وإلى ما قدمه الخالق للإنسان كي ينظر فيه من مختلف مظاهر الوجود، إنها النظرة التي تدفع الإنسان إلى الاندماج في ذلك الحب العميق لكل موجودات الخالق وإحساسه بالانتماء لها فـ «دورة الصوفية هي دورة الحب».

وأشار الفنان شمه إلى أن كلمة موهوب تأتي أصلاً من الهبة التي وهبها الله تعالى للإنسان، وبالتالي فالموهوب – في رأيه – مكلف من الخالق في استغلال موهبته في خير المجتمع والإنسانية، لا في تسخيرها لصالح مصالحة الشخصية أو المادية. ومن ذلك فقد حرم على عوده وعلى أي من تلاميذه الذين يوافقونه على رأيه دخول الملاهي الليلية والعمل بها، بل ضرورة وضع هذا الفن في خدمة تجميل المجتمع ونشر ثقافة الجمال والإبداع فيه.

وفي الختام، لا يمكن للمرء إلا أن يشكر الفنان الكبير المبدع نصير شمه، على عمله الجميل، وفكره الأجمل، الذي ينضح برائحة الألق المعطر، لفكر صافٍ عميق، يدفع المستمع إلى التفكير جدياً بما يعرفه ويسمعه، في بحث دائم عن الأضواء المنيرة والأصوات المنعشة لأعماق الروح.

كما لا بد من توجيه الشكر إلى نقابة الفنانين في سورية وإدارتها، وخاصة الأستاذ عثمان عثمان، وعملها الكبير اللافت في تقديم كبار الفنانين والمبدعين للجمهور السوري، ضمن خطة عمل نرجو لها الاستمرار والنجاح الدائم، كي تلعب دورها المرجو منها في نشر الثقافة الراقية والفن الرفيع.

من الجدير بالذكر أن حفلات الفنان نصير شمه ستقام في تمام الساعة الثامنة مساء، وذلك على الشكل التالي:

- دمشق، دار الأسد للثقافة والفنون، الاثنين 27-4-2009.

- حمص، سينما الكندي، الثلاثاء 28-4-2009.

- حلب، مسرح نقابة الفنانين، الخميس 30-4-2009.

- الحسكة، دار الثقافة، السبت 2-5-2009.

وأخيراً، آن للكلام أن يتوقف، فقد آذن عود نصير شمه على البدء..


إعداد: محمد رفيق خضور
تصوير: عبد الله رضا
اكتشف سورية

Creative Commons License
طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك