من سورية

الهلال الأحمر - تبرعات لغزة

المعرض الرابع والأخير من إحياء الذاكرة التشكيلية في سورية

12/كانون الثاني/2009

برعاية احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 افتتح مساء أمس الأحد 11 كانون الثاني 2009 الجزء الرابع من ملتقى ومعرض إحياء الذاكرة التشكيلية في سورية، متضمناً أعمال ولوحات أكثر من أربعين فنانٍ سوري من الجيل الجديد، وتمَّ اختيار مصنع قديم في منطقة باب شرقي بدمشق مكاناً للافتتاح، في إشارةٍ إلى إعادة تأهيله ليصبح صالةً لعرض الأعمال الفنية ومقراً لإطلاق مشروع متحف الفن الحديث.
ويأتي هذا المعرض ختاماً لسلسلةٍ من المعارض التي نظمتها الأمانة العامة للاحتفالية منذ بداية عام 2008 وحتى اليوم، والتي حملت عنوان «إحياء الذاكرة التشكيلية السورية» متضمنةً أربع أجزاء رئيسية تناولت ملامح من مسيرة الفن التشكيلي السوري منذ النشأة الأولى حتى اليوم.
وقالت الكتورة حنان قصاب حسن -الأمين العام لاحتفالية دمشق- في تصريح لـ"اكتشف سورية": «إنَّ معارض إحياء الذاكرة التشكيلية تسمية يمكن أن نطلقها على المعارض الأولى، التي تضمنت استعراض لأعمال الرواد من جيل نهاية ستينات القرن العشرين حتى نهاية القرن نفسه، وأشارت إلى الأهمية النابعة من تنوع وسائل التعبير المتبعة في هذا المعرض الشبابي من نحتٍ، وحفرٍ، وتصوير، ورسم، وتجهيزات مشهدية، وفيديو آرت، الذي يُعطينا فكرة عن توجهات الجيل الجديد من الفنانين الشباب»، ونوهت قصاب حسن إلى القضية الهامة في الموضوع وهي تأهيل هذا المكان المهمل ليصبح صالة عرضٍ بهذا الحجم الكبير. وقالت قصاب حسن: «إنَّ سعادة الفنانين الشباب في هذا المعرض كبيرة جداً، خصوصاً مع استضافة أهمِّ المختصين المسؤولين عن تنظيم المعارض في العالم، الأمر الذي سيساعد هؤلاء الشباب في نشر صور أعمالهم، وهو ما يؤدي إلى حصولهم على فرصة مشاركتهم في الملتقيات العالمية».

وأشارت قصاب حسن إلى أنَّ مسؤولية هذا المكان موزعة حالياً بين الأمانة العامة لاحتفالية دمشق والأمانة السورية للتنمية التي ستكون مسؤولة عن إدارة مشروع متحف الفن الحديث المرتقب، كما أثنت قصاب حسن على جهود موقع «اكتشف سورية» في الكشف عن أبعاد الثقافة السورية من كلِّ جوانبها، وعبرت عن إعجابها الشديد به.
ويقول الفنان مصطفى علي في تصريحٍ لـ«اكتشف سورية»: «إنَّ أمانة دمشق لعاصمة الثقافة 2008 أحبت أن تقوم بعرض ما يسمى «الذاكرة التشكيلية»، وأن الجيل الأخير هو فعلاً هذا الجيل الذي يُبدع ويعمل الآن أمام أعيننا». وأبدى علي إعجابه بأعمال الشباب ومساعدة المكان لهم في إظهار ما لديهم، وأيد ذوبان الأعمال الفنية بالطابع المعاصر لأنَّه واجبٌ على كلِّ فنان أن يعكس تجربة عصره وما ينتجه هذا العصر من صناعة وابتكارات غير فنية تساعد الفنان على إبداعات جديدة في فنه.
البيك: لا شيء يموت في الفن.
يشارك الفنان التشكيلي عمار البيك بعملين، ويقول عن المعرض: «إنَّ هذه المعارض الشبابية تُساعد في رؤية عمر الشباب الحقيقي للحكم على أعماله الفنية بشكلٍ واضح ودقيق، خصوصاً مع هذا الخليط الواسع من الإبداعات التشكيلية من نحت ورسم وتصوير ضوئي وغيره»، ولا يتفق البيك قليلاً مع عنوان «إحياء الذاكرة» إذ يرى من وجهة نظره ألا شيء في هذا الفن يموت في الأصل حتى يصبح بحاجةٍ إلى إعادة الحياة له.
سلمان: اللوحة شاهد على العصر.
ويقول الفنان قيس سلمان: «إنَّ هذا المعرض لا يُحيي الذاكرة التشكيلية فحسب بل يقوم بصنعها للمستقبل أيضاً، لأنَّ اللحظة التي تذهب تنضم إلى الذاكرة مباشرةً»، وأشار إلى تركيز المعرض على التجارب الجدية للفنانين والعاملين على أبحاثهم المختلفة في المجالات التشكيلية، ونبه إلى محاولة الفنان الشاب طرق أبواب عديدة فيها الكثير من المعاصرة والحداثة التي تُشكل امتداداً للأجيال السابقة، وقدم الفنان سلمان في هذا المعرض لوحةً من العام 2008 تنتمي إلى التجربة التي يعمل عليها في نطاق تعبيرية الشكل الإنساني، وسؤال المعاصرة، وقيس سلمان هو من الفنانين الذين ينظرون إلى اللوحة على أنَّها شاهدٌ على العصر، ومن وجهة نظره يُمكن للفنان أن يستمد أفكاره من خلال المجتمع والواقع الذي يعيشه.
الحموي: الفن المعاصر يصهر الفنون جميعها.
ويقدم الفنان حازم الحموي عمله في إطار الفيلم التجريبي بعنوان «الغيبوبة الزرقاء»، وينطلق من فرضية ثلاث دقائق أخيرة في حياة رجلٍ دمشقي غارق في الغيبوبة مُنذ أكثر من تسع سنوات، ويشهد هذا الفيلم استدعاءً كبيراً للذاكرة والصور والأصوات وتفاصيل صور من الطفولة ، تشبه الحالة التي تُحاول فيها الأم إيقاظ طفلها في الصباح، ويقول الحموي: «إنَّ الذاكرة عشوائية تفرض نفسها على المرء، ولذلك يتجنب في فيلمه تسلسل وسرد للذكريات من الطفولة إلى الكبر».
ويشير إلى مساعدة أصدقائه في عمليات المونتاج وحجم العمل الكبير الذي تطلبه الفيلم، موضحاً أنَّ الفيلم التجريبي له نوعٌ مختلف من المتاعب التي تنبعُ من احتماليته العالية والمتعددة، ولذلك فإنَّ الهامش التجريبي يتطلب الصبر للوصول إلى هوية العمل، وعن سبب تقديمه لعملٍ فني مع قيمة مضافة مدعومة بالتكنولوجيا يرى الحموي أنَّ وجود هذا التنوع هو نقطة لصالح هذا المشروع، خصوصاً وأن فعاليات الفن المعاصر التي تقام في أوربا بدأت تصهر الفنون مع بعضها البعض، مثل الفنون التركيبية البنائية «Installation» التي يدخل معها عناصر غنية من ناحية التشكيل الشبيهة بالسينما، وحيث يتمُّ فيها أيضاً إجراء دراسة للفراغ والتكوين والإضاءة، وأحياناً الفيديو في بعض الأعمال التي تشتمل على النحت وغيره، ومن خلال هذا التنوع الذي يضمه المعرض حمل الحموي الانطباع بوجود أفقٍ أرحب وأوسع أمامنا لفهم هذا الفن المعاصر.
بكر: الفن المعاصر يتسلل إلى الشباب.
وجاءت الفنانة خديجة بكر من بلد المغترب من أجل المشاركة خصيصاً في هذا المعرض، وتقول: «إنَّ دراستها في الخارج ساعدتها على تحويل أعمالها إلى نطاق الفن المعاصر، حيث بدأت بالعمل على الفنون التركيبية «Installation» مستخدمةً الصوت والفيديو والاعتماد بشكلٍ مميز على التقنيات النسيجية»، وفي مشاركتها هذه استخدمت ثياب قديمة من أناس على هي علاقةٍ بهم من أصدقاء وأهل وغيرهم، وعند المجيء إلى سورية قامت أيضاً بجمع ثيابٍ من أصدقاءها وأهلها لتصبح كما رأت نفسها صلة الوصل بين الناس هنا والآخرين هناك، وتُشبه بكر هذه الصلة وكأنَّها إعادة للولادة ولكن مع الحفاظ على الهوية والذاكرة والتقاليد، وعبرت بكر عن سرورها من تسلل طرق الفن المعاصرة إلى أعمال الشباب على أساس أنَّها تُساعد في التعبير عن الثقافة والهوية بطريقة جديدة.

بخاري: الفن المعاصر يصل إلى كل إنسان
وترى الفنانة نسرين بخاري في هذا المعرض مبادرةً جديدة من الأمانة العامة للاحتفالية، حيثُ لم تكن الفرصة متوفرة من قبل لتقديم هذا النوع من الأعمال، وكشفت عن قيامها مع مجموعةٍ من الفنانين بتمثيل سورية أكثر من مرة في مهرجانات دولية للفيديو آرت، وتقدم في مشاركتها هذه أحد سبع عشرة مشاريعٍ منفصلة متصلة مع بعضها في آنٍ واحد، وذلك حسب اللون المستخدم في كلِّ مشروعٍ على حدة، واختارت لمشاركتها هذه عنوان «Peur-Rouge»، وهي كلماتٌ بالفرنسية ممزوجة مع بعضها يقابلها في العربية «خوف، أحمر».
وتضيف بخاري أنَّه يمكن للمشاهد أن يعيش تجربة في هذا الوسط الذي سيتعايش فيه مع رموزٍ يستشعر من خلالها الفضاء الكامن في اللون الأحمر، كما امتلأت عناصر هذا العمل الفني بالإشارات إلى المرأة سواء في الخيوط المعلقة أوالإبر وغيرها من الأدوات، حتى الكؤوس المليئة باللون الأحمر والتي اصطفت إلى جانب بعضها فهي إشارة إلى دم المرأة كمفهومٍ معاصر، وشددت على ضرورة العمل أكثر على قضية الفنِّ المعاصر لما يحتويه من توجهٍ كبير نحو الإنسان، ولأنَّه الفن الذي يصل إلى جميع الفئات العمرية حتى الأعمال التفاعلية منها التي يمكن للأطفال الاستفادة منها، وطالبت أيضاً بضرورة حصول الجميع على دعم الجهات المعنية بالحركة الفنية سواء الجهات الخاصة أو الحكومية ممثلة بوزارة الثقافة.
مشروع متحف الفن الحديث:
أطلقت الأمانة السورية للتنمية في تموز من العام 2008 مشروع متحف الفن الحديث بقصد خلق منبرٍ حيوي للفن الحديث والمعاصر في سورية، وسيتم بناء هذا المتحف على الجانب الغربي من البارك الشرقي لمدينة دمشق في منطقة العدوي على أرض مساحتها 30000 متر مربع، ليكون عنصراً أساسياً من عناصر المشروع في العاصمة السورية، وبناءً على ذلك سيكون باستطاعة هذا المتحف استقبال 1500 زائر يومياً على وجه التقريب ولا يتضمن هذا الرقم زائري البرامج الجوالة في المحافظات، والموقع الالكتروني، وبرامجه التفاعلية، وقراء المطبوعات الخاصة بالمتحف، كما سيحفز هذا المتحف المتميز ببرامجه ومعارضه المبتكرة جمهوراً واسعاً من العائلات والشباب والطلاب والأكاديميين ومحبي الفنون والسياح من جميع أنحاء العالم، على الخلق والابتكار، وسيساعد عِبر شبكته الواسعة على التعاون وتبادل الخبرات في مجال الفنون والثقافة بين الحركات الفنية في سورية والمؤسسات والملتقيات الفنية أينما وجدت في العالم.
ولأن مشروع المتحف يسعى إلى تقديم الأعمال الثقافية والفنية الراقية بمستوى عالمي للزوار، فقد تمَّ تطوير برنامجٍ رائد من المعارض والبرامج التفاعلية لسبر احتياجات المجتمع السوري واستبيان رغبة واستجابة المتاحف والمؤسسات العالمية للفنون في سورية، وستشكل نتيجة الآراء والاستبيانات قاعدةً أساسية في المضي قُدماً في تصميم بناء وبرامج المتحف الجديد،
ولما كان موضوع إقامة مسابقة محلية وعالمية لتصميم المقر الدائم للمتحف وبنائه ليصبح جاهزاً لاستقبال الجمهور يستغرق خمس سنوات فقد ارتأت إدارة المشروع إيجاد بناءٍ مؤقت يتمُّ من خلاله تقديم كافة المعارض والبرامج والنشاطات وأعمال التحضير للمتحف الجديد، وبناءً عليه فقد قامت محافظة دمشق بتأمين هذا المطلب في منطقة باب شرقي وذلك عبر تسهيل استخدام بناءٍ كان يستعمل منذ نهاية خمسينات القرن الماضي لصناعة البزات الرسمية بمساحة إجمالية تزيد على 4500 مترٍ مربع.

سيتم تسلم البناء من قبل متحف الفن الحديث بعد إعادة تأهيله الأولي في شباط 2009، بعدها سيتم تأهيل المكان وتأمين مستودعات مطابقة للشروط القياسية العالمية من حيث الإضاءة والحرارة والرطوبة لحفظ مقتنيات المتحف بالاستعانة بخبرات مؤسساتٍ عالمية، أما عن أعمال الترميم الأولي والتوثيق الرقمي والحفظ فسيتم الانتهاء منها في شباط 2010، كما سيتم تنظيم فعالياتٍ تشمل ورشات عمل ومحاضرات ومؤتمرات ونشاطات تفاعلية وبرامج إفتراضية متنوعة.


حسان هاشم
اكتشف سورية

Creative Commons License
طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك