مصطفى علي يعرض عمله النحتي الضخم في باريس
الفن حاجة روحية وجمالية وهو أرقى إنتاج البشر

13/تموز/2008

بإزميل الروح استطاع مصطفى علي أن يخلق لنفسه بصمةً خاصة في مُحترف النحت السوري، عِبر مقترحٍ جديد لمنحوتاته التي اتكأت على أصوله وجذوره الفينيقية، وقدرته على خلق حوارٍ وانسجام بين مختلف الخامات والتقنيات، كما استطاع أن يتخذ خطوات ثابتة أوصل بها المنحوتة السورية إلى العالمية، بعد ما عمل جاهداً على تأسيس أول حيّ للفنانين التشكيليين في دمشق القديمة، التي جذبت الفنانين العرب والأجانب من مختلف المناطق، واليوم يُصنَّف علي على قائمة «أريبيان بيزنس» كأكثر الشخصيات المؤثرة في العالم العربي، بعد ما فاز نموذجه الفني بالمرتبة الأولى في معهد العالم العربي في باريس، ليرى عمله المسطح النافر على سطح المبنى مليون زائر سنوياً.
كيف تمت دعوتك إلى المسابقة والمشاركة فيها؟
يُعد معهد العالم العربي في باريس نافذةً للثقافة العربية في فرنسا وأوروبا، وبمناسبة مرور عشرين عاماً على تأسيسه، وجهت الدعوات إلى 37 فناناً عربياً للمشاركة، وكنت الوحيد المشارك من سورية. وبعد معاينة النماذج الأولية المُقدَّمة، اختارت لجنة المسابقة خمسة أعمالٍ فقط لمناقشتها مع أصحابها وفاز نموذجي بالجائزة، وأنجزت العمل الفني الضخم في دمشق ومن ثم تم ترحيله إلى باريس.
على ماذا انصب عملك الفني من حيث الفكرة والمادة والتقنية؟
«رسالة العطاء» لمصطفى عليفي البداية خطرت لي الفكرة عندما كنت جالساً في المقهى، فأخذت منديلاً ورقياً وطويته إلى 36 مربعاً ومن ثم نشرته على مساحة مستوية، ورسمت عليه صوراً مختلفة وبعد ذلك عالجتها على الكمبيوتر وقدمتها كنموذج، وهو مستوحى من الرموز والزخارف الإسلامية المرتكزة على تاريخنا العميق بالرمز، ومن العناصر الأساسية للوجود والحياة التي كثّفتها واختصرتها ضِمن أشكالٍ هندسية ونباتية، كالمثلث، والمربع، والدائرة الكاملة، واستيحاءات من البحر، والأرض، والسماء، وعند تنفيذ العمل المسطّح حاولت التقيّد بالشروط المعلنة، وهو أن ينسجم مع الواجهة الجنوبية للمعهد التي صممها المعماري الفرنسي «جان نوفيل»، لكن في الوقت نفسه كسرت رتم التكرار واعتمدت على عنصرٍ مستقل ضمن كل مربع، وهذا ما منحها مفهوم الحداثة أيضاً، وبعد خمسة أشهر أنجزت العمل الذي استعملت فيه الحديد «الفونت» المستعمل في الحدائق والشوارع العامة، لكونه يعيش طويلا ويقاوم عوامل المناخ في أوروبا، ووصل وزن كل مربع إلى130 كغم تقريباً، ويقارب وزن العمل كله نحو أربعة أطنانٍ، وتم إرساله إلى فرن حراري لإنجاز القوالب تحت درجة حرارةٍ عالية تصل إلى 1600 درجة مئوية، ومن ثم حُرق سطح العمل بموادٍ مؤكسدة لمنحها الألوان الدافئة من البني والبازلت، وسميناها في النهاية «رسالة العطاء».
ما شعورك لكون السيد الرئيس بشار الأسد سيشاهد المنحوتة في معهد العالم العربي أثناء زيارته لباريس؟
سعيدٌ جداً بذلك لأنني أحسست أن عملي هذا يلقى التقدير ومُرحّب به، وأعتبر هذه الجائزة نصراً لبلدنا لأننا استطعنا أن نحقق شيئاً على الصعيد العالمي، وخطوة للأمام على الصعيد الشخصي.
ولكونك من أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم العربي على قائمة أريبيان بزنس، ماذا تقول؟
كل عام تقوم الجهات المعنية بتلك القائمة بإحصائيات عن مدى تأثير بعض من الشخصيات كلٌ في مجاله، كرجال الأعمال، والفنانين، والمطربين، والإعلاميين، وحصلت على المرتبة 17 من أصل مئة شخصية مؤثرة، وأعتبره رقماً جيداً لأنني أنظر إليه على أنه رقم 1 و7، ولكل من هذين الرقمين رموزٌ ومعان رائعة تتعلق بطبيعة الحياة والأسطورة والمعجزات.
هل أثّر احتكاكك بالثقافات المختلفة وتطورها على مرجعياتك الفينيقية؟
الإنسان وليد نفسه ووليد أفكاره ولا يستطيع أن يخرج من طبيعته، ومن ثم لا أقدر أيضاً أن أتخلى عن جذوري، ونحن نعيش ضمن وسطٍ مملوء بالتطورات والتناقضات، وهذا لا بد من أن ينعكس على أعمالي الفنية، وإذا عُدّت إلى عشرين سنة مَضت فسأجد خيطاً رفيعاً يربط بين الماضي والحاضر ليجمع الشخصية الفنية، لكن هناك دوماً محوراً أساسياً تدور حوله التجربة الفنية، وهناك دائماً انتماءٌ لعائلة فنية وهذا يعود إلى الفنان نفسه ورؤيته للعالم، والبنية، والمعنى الذي يريد، إضافةً إلى أن الإنسان مُتلقٍّ جيد وقادر على أن يلتقط كل ما يخدم الفكرة الفنية.
قُلتَ في إحدى المرات إنك تأثرتَ بفن «الأتروسك» الإيطالي!
نعم... فقد نستغرب أن فن الأتروسك والفن الفينيقي يشتركان في شيءٍ محدد، فكلاهما يضع الشكل لخدمة الجوهر أي إنهم جميعاً يشتغلون على الموضوع أكثر من الشكل ومن ثم أهملوا الشكل على حساب المعنى، إضافةً إلى أن شعب الأتروسك قَدم من آسيا الصغرى ومن شمال سورية، وأشكالهم الفيزيائية كأقوام تشبه الآسيويين أكثر من الأوروبيين، ومن ثم حملوا معهم هذا الفكر وانعكس على تجربتهم في وسط إيطاليا وبمناطق مختلفة.
إلى ماذا ترجع سبب نجاح تجربتك الطويلة؟ هل هو في ارتكازك على ما قدمت الحضارات القديمة؟ أم قدرتك على خلق حوار بين الفن والطبيعة؟
لا أعتقد أن ارتكازي على جذوري هو سببٌ كافٍ للنجاح، بل اعتمادي على مدى خصوصية هذه التجربة، وقوة الإبداع فيها، وتفاعل العمل الفني مع المشاهد، وخلق حوارٍ معه، ودفعه إلى المزيد من الأسئلة، ومدى الانتشار هو الذي يضعنا على سلم النجاح.
ما السبب الذي دفعك لتحقيق هذا المشروع الضخم من تأسيس الغاليري إلى فصول تل الحجارة وأول حارة للفنانين التشكيليين؟
هي رغبتي كفنان أن أحقق العالمية، وكإنسان لا بد من أن يكون نافعاً لبلده، وعندما ساهمنا بتأسيس حي الفنانين الذي حلمنا به، تم الاعتراف به محلياً ودولياً، وهذا يُعدُّ إنجازاً على المستوى الشخصي، من حيث تقديم الفرصة والفائدة للآخرين، وللبلد وللزائرين من مختلف المناطق، فالوطن له حصةٌ مِني كما الآخر وإذا سنحت الفرصة فلماذا لا نعمل..!! وهذه قيمٌ لا بد أن نُربّي عليها الجيل الجديد، وخاصة أن في بداياتي تعذبت كثيراً لأن أصل إلى هنا، فبعد عشر سنوات من العمل الشاق استطعت أن أقيم أول معرضٍ لي بتشجيع أساتذتي، واضطررت للعمل بمترٍ مربع تحت الأرض لأخلق شيئاً من العدم، ومع مرور الوقت والعمل استطعت أن أدخل المنحوتة إلى بيوت الناس وكرّسنا شيئاً اسمه النحت. وكل هذا بنيته بنفسي، فلماذا لا أختصر على الفنانين الشباب وأقدم لهم المساعدة؟
لماذا لم تكرر تجربة ملتقى النحت؟
بعد الملتقى الأول الذي قمت بتأسيسه واجهنا ظروفاً وضغوطاً كثيرة وضعفاً في التمويل، إضافةً إلى انشغالي في تأسيس حي الفنانين وتحويل هذا الحي إلى مكان عالمي، لكن المشروع مازال قائماً في حال وجدنا التمويل المناسب.
ما التصور المسبق لعملك الفني الذي ستشارك فيه في ملتقى النحت العالمي هذا العام؟
بنيت عملي الفني على أساس علاقة الغيمة بالأرض، وكيف أجعل هذه الغيمة تُمطر خاصة أننا بلدٌ نُصلّي وندعو دعوات الاستسقاء لنزول المطر.
هل ترى أن هذه الملتقيات النحتية استطاعت أن تقدم شيئاً؟
هناك تكرارٌ وضعف في المؤسسات الرسمية التي لا تدعم المشروع النحتي في الحدائق، من أجل أن يعتاد الناس على هذا النوع من الثقافة البصرية، وهو موجودٌ لكنه قليلٌ جداً. ومؤسساتنا لا بد لها من أن تدعم تلك الملتقيات على مختلف الصُعد، فالجمال حاجةٌ روحية وهذا ما يحتاجه الناس الذين تعجبوا في الملتقيات السابقة لقدرتنا على تحويل الحجر لمنحوتة جميلة وقد سعدوا بها كثيراً، وعندما يُنتَج عملٌ فنيّ عن الفنان يُصبح له حضور ومعنى. فهل من المعقول ألا نستمع إلى الموسيقى مثلاً باعتبار أن الفن هو أرقى إنتاج البشر!! ولماذا الأوروبي يقطع المسافات ويدفع المال لمشاهدة مسرحيةٍ أو معرض، ولماذا نحن لا نزور المعارض رغم أنها بجانب بيوتنا، فمَن المتخلف نحن أم هم؟!
هل أنت مع تحويل دمشق إلى منحوتة جميلة؟
يكفي أن ننظر إلى تدمر، هذه المدينة الجميلة التي بُنيت منذ ألفي عام ونقارنها مع الغوطة المدمرة ودمشق التي اتجهت نحو الزحف العشوائي والتخريب، لذا لا بد من أن نؤكد على المشروع الفني لأنه يساعد على بناء حياةٍ سوية، من أسلوب تدريس الفن في المدارس، انتهاء بالمؤسسات الثقافية، والإعلام، والسياحة، وكذلك الإدارة المحلية التي لها علاقة بالهندسة المدنية، فلو كان لها ذوقٌ جمالي لما كنا وصلنا إلى خراب دمشق الجميلة.



الوطن

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك