نحن وهم : عندما تحاول العدسة توثيق تفاصيل الصراع

16/كانون الثاني/2010

ملعب أبو ديس وملعب البيرة، هذه بالتأكيد ليست أسماء ملاعب دولية، بل ملاعب كرة قدم لأطفالٍ فلسطينيين لا زالت إسرائيل تحتل أرضهم وتضيق عليهم فسحة الأمل واللعب والحياة، وربما في هذه اللحظة (التي تقرؤون فيها هذا النص) تزيل جرافة إسرائيلية الملاعب المذكورة لتقتلع مستقبل لاعبيها.

شجر الزيتون وحواجز التفتيش ومقام النبي موسى ومار سابا وجدار الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل على أرض فلسطين المحتلة، كلها تفاصيل حاضرة في معرض التصوير المقام في معهد غوته - المركز الثقافي الألماني بدمشق للمصور بيتر رايد لينغر تحت عنوان «نحن وهم».

في «نحن وهم» تجهد عدسة رايد لينغر في التقاط تفاصيل المأساة الفلسطينية التي تضاعفها إسرائيل يوماً بعد يوم.

فنياً يتقن رايد لينغر التقاط الموضوع وزاوية الرؤية، فاختياراته للكادر كانت موفقة حيث استطاع إبراز أدق التفاصيل الإنسانية في صور حملت عناوين مثل: «قمامة ونفايات، عربة مشتريات، ملعب أبوديس...»، هذه الأعمال يبدو فيها جزء من مأساة شعب محروم من أبسط حقوقه في العيش الكريم على أرضه، حيث تنتشر القمامة بين المنازل التي تتعمد إسرائيل إهمالها، وأحياء تتقصد عدم تنميتها على أمل أن يهجرها قاطنوها.


من أجواء المعرض

في الطرف المقابل يصور رايد لينغر الإنماء في المستعمرات الإسرائيلية، والعمران الزاحف باتجاه القرى والمدن وتفاصيل الحياة الفلسطينية، والكتل لإسمنتية في مستوطنات أبوغنيم ومعاليه أدوميم وكيدار وغيرها، كلها تظهر في ما يقدمه الفنان الألماني بطريقة تشير إلى حجم الهمجية والعنصرية التي تتمتع بها إسرائيل، فمقابل صور الرفاه العمراني، تعيش المخيمات الفلسطينية، القرى، والمدن دون أدنى حد من الخدمات الاجتماعية والإنسانية.

جدار الفصل العنصري الذي تبنيه إسرائيل لم تتركه عدسة رايد لينغر، وصورته في أكثر من قرية ومدينة فلسطينية مثل القدس الشرقية وقلنديا وبلعين، وإلى جانب هذه الصور يظهر حجم الدمار الذي ألحقه الجدار بالأراضي الزراعية الفلسطينية التي يقام على حسابها، وربما في النفوس.

في تقديمه للمعرض يقول بيتر رايد لينغر: «سيرينا الزمن الحاضر والمستقبل القريب حقيقة الفصل العنصري الذي تقوم به الجهات الإسرائيلية بالإضافة إلى الضغط الإسرائيلي على الطرف الفلسطيني، ويصبح هذا الأمر واضحاً تماماً عندما نلقي نظرة على مستعمرات المستوطنين الإسرائيليين وعلى الحائط الذي يحيط بالمدينة من جهة وعلى الطرف العربي الذي يتعمد الحفاظ عليه في الحالة الأدنى من التطور».

من أجواء المعرض

يصور رايد لينغر زحف المستعمرات الإسرائيلية باتجاه القدس ومحاولات تغيير معالم المدينة وتفاصيل حياتها العربية، وإحاطتها بالمستعمرات الإسمنتية والحواجز العسكرية التي تقطع أشلاء ما تبقى من وطنٍ للفلسطينيين وهنا يشير في كلامه: «إن تميز القدس كنقطة تلاقٍ للقيم الروحية هو اليوم في خطر، فالتخطيط المعماري والرغبة المجنونة في الاستيلاء على أكبر حجم ممكن من الأراضي والثروات الطبيعية التي تتمتع بها فلسطين، كل هذا الجنون يؤدي إلى أذية نفسية ومادية كبيرة إلى درجة أنه لم يترك مجالاً ولا حتى لبصيص من الأمل بمستقبل مضيء للأراضي المقدسة».

هكذا في «نحن وهم» هذه الثنائية التي تحكم عقلية التعصب الإسرائيلي، تقدم عدسة رايد لينغر جزءاً من المأساة اليومية التي يعيشها شعب فلسطين منذ أكثر من ستين سنة، في ظل احتلال جاوز في عنصريته كل حد.

للتذكير، ربما تكون الجرافة الإسرائيلية الآن انتهت من إزالة ملاعب الأطفال بينما أنهيتم قراءة هذه السطور.

يذكر أن المعرض يضم حوالي ثلاثين عملاً وهو مستمر في صالة معهد غوته- المركز الثقافي الألماني بدمشق.


عمر الأسعد
اكتشف سورية

طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك