من سورية

ساعة شمسية على العمود

مسرحية الأحداث الأليمة في حياة أبو حليمة من عروض أيام مقدسية

08/كانون الأول/2009

برعاية وزارة الثقافة واحتفاءً بالقدس عاصمة للثقافة العربية 2009، تقيم مديرية المسارح والموسيقى احتفالية مسرحية بعنوان «أيام مقدسية»، حيث يتابع الجمهور السوري عدداً من الأعمال المسرحية التي تحاكي همومَ وآمال القضية الفلسطينية وما تحمَّله شعب فلسطين من جروح نفسية وجسدية عبر عشرات السنين جراء احتلال إرهابي منظَّم يسعى لطمس هوية الأرض والإنسان.

من هذه الأعمال عملٌ مونودرامي باسم «الأحداث الأليمة في حياة أبو حليمة» بتوقيع المخرج جاكوب أمو، عن قصة «ما يكون» للشاعر طه محمد علي، من توليف وتمثيل إسماعيل دباغ وأصوات ريم تلحمي ورامي مسلم.

في هذا العرض، يقدِّم أبو حليمة، وهو الشخصية الرئيسية فيه، قصتَه التي تتقاطع مع آلاف قصص الفلسطينيين منذ نكبة عام 1948 وحتى هذه اللحظة. يقدِّم الفنان إسماعيل دباغ في أداء مسرحي مبهر طفولةَ أبي حليمة في أحد مخيمات اللجوء وهو يحلم بامتلاك حذاء، ويحلِّق في طفولة شفافة يعيد المشاهِد إلى طفولته، ونراه في عودته الناقصة من المنفى يبحث عن فلسطين في فلسطين ولا يجدها، مدارس ومدرسون قساة وأزقة وطرقات وأمطار وأحذية وجيوش وأحلام وهزائم وأوسمة وبائعات خضار بباب العمود، القدس ويافا وواقع محتل وشباب ضائع وحشاشون.. هؤلاء جميعهم نلتقيهم مع أبي حليمة، ذاك الطفل الكبير الذي ما زال يبحث عن حذاء طفولته ويواصل الاحتجاج على طريقته، وهو في مناكفاته وسلاطة لسانه يذكرنا بقاسم الطفل «الذي ضحك على ذقون القتلة»، وفيه أيضاً من روح حنظلة الطفل الذي يسحبنا من أيدينا إلى طريق العودة كما أوصانا الفنان الشهيد ناجي العلي.

وإن كان لأي حوار صحفي متعته، فقد كان لحوارنا مع إسماعيل دباغ القادم -الممثل الفلسطيني من شوارع القدس العتيقة وأزقة رام الله- متعته الخاصة، فهو سفير الشعب الفلسطيني والحكواتي الذي لخص معاناة شعب في ساعة.

نرحب بك أستاذ إسماعيل. إنها لمتعة خاصة ومفخرة أن نلتقي برجل قادم من فلسطين
لقد كانت واحدة من أمنياتي أن ألتقي مع إخواني العرب، فنحن طرفين لجسد واحد، لذا نحن نشترك في المشاعر والأحاسيس نفسها، حيث تتسم لقاءاتنا بالحميمة والمحبة الصادقة، فرغم الانقطاع عن العالم العربي جغرافياً -وهو شيء قديم يعود لعام 1948- وبقية التطورات والأحداث والتداعيات التي عشناها والتي كرست هذا البعد الجغرافي، فإن هناك حواجز كثيرة. لذا هذه فرصة طيبة أن ألتقي الشعب السوري، بعد لقائنا الأخير في عام 2005، حيث شاركتُ في مهرجان دمشق المسرحي بمسرحيتي «قصص تحت الاحتلال» و«جدار»، كما شاركتُ بمسرحية «الأحداث الأليمة في حياة أبو حليمة» في مهرجان الشباب المسرحي الأول في طرطوس.

تعودنا أن نرى القضية الفلسطينية من خلال السينما أو الدراما السورية، ولكن في المسرح تأخذ القضية الفلسطينية أبعاداً أخرى. برأيك هل أدوات المسرح في تناول هذه القضية الفلسطينية تختلف عن الأدوات المستخدمة في السينما أو الدراما؟
إن أصدق وأطهر مكان تناول القضية الفلسطينية كان على خشبة المسرح. ففي التجارب السينمائية، توجد شروط خاصة وقصص قد لا تُكشف للمشاهد، فأنا قد شاركت في 14 فيلماً فلسطينياً بتمويل غربي، ومعظمها كانت بأسلوب استشراقي وهو الأسلوب الطاغي على هذه الأفلام. لأكون صادقاً، فإن هنالك مخرجين فلسطينيين مستشرقين في طرحهم للقضية الفلسطينية. لقد كان لدينا -نحن الفلسطينيين- انفتاح باتجاه الغرب وكانت عروضنا تقدم هناك كمسرحيين فلسطينيين، لكن اتجاهنا ومنذ الـعام 2005 أصبح نحو الداخل العربي لنلتقيكم.

في الآونة الأخيرة، بدأنا نرى أعمالاً مسرحية وسينمائية بتوقيع مخرجين فلسطينيين قادمين من عمق الأرض الفلسطينية، مما أكد على الهوة الكبيرة في تناول هذه القضية ما بين المخرجين العرب والمخرجين الفلسطينيين.
هناك عالمان عربيان مختلفان في هذه المسألة. عند المخرجين العرب، توجد نظرة حنين وعطف لفلسطين وشعبها، وما بقي من فلسطين في الذاكرة العربية هو فلكلور فترة ما قبل الاحتلال: الزي الشعبي والأغاني الأهازيج والدبكة. لكن مأساة فلسطين كبرت وتطورت وأخذت أبعاداً عميقة، لذلك نحن نقول أن الشكل الكلاسيكي والحقيقي للشخصية الفلسطينية هو ما عليه في شخصية أبي حليمة، فهو إنسان عادي وأحلامه تتحول لكوابيس، إضافة لعودته الناقصة من المنفى. لكنه ما بعد أوسلو وتداعياتها أصبح لديه شعور بالغربة في داخل وطنه. لقد عاد أبو حليمة من منفاه ليقع فريسة الاغتراب الداخلي في وطنه، وهذه واحدة من الصعوبات التي نواجهها ونعيشها في الداخل الفلسطيني في ظل الاحتلال الذي أخذ وجوهاً جديدة أكثر شراسة وامتداداً داخل الأرض والإنسان، في احتلال للذاكرة وتحويلها لصور مشوهة في مسعىً لتكريسها ضدنا.

ولكن المواطن العربي على إطلاع تام بكل الأحداث والمآسي التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
لا أريد أن أظلم نظرة الإنسان العربي للداخل الفلسطيني، فهي نظرة عاطفية ولكنها غير ملموسة، وغالباً ما تتخللها الشعارات. إن الإنسان العربي بعيد عن الصورة الحقيقية التي نعيشها في الداخل، وهي صورة متغيرة ومتبدلة باستمرار، فالأحداث سريعة في فلسطين، ونحن نستيقظ كل يوم ونجد مستوطناتٍ جديدةً على سبيل المثال، أو على جزء جديد من جدار الفصل العنصري. هذا ما أقصده بالنظرة العاطفية غير الملموسة، حيث لا تعيشون هذه المتغيرات وتأثيرها السلبي على الشخصية الفلسطينية. من جهة أخرى، نحن بحاجة لإعادة رسم المجتمع الفلسطيني في الداخل، فقد تحولت فلسطين لمجتمعات صغيرة ومنفصلة اجتماعياً بحكم الحصار الذي يفرضه الاحتلال على المدن الفلسطينية. وكمثال على ذلك، فإن التنقل ما بين القدس ورام الله يحتاج لأربع ساعات، أو يُفرض منع على أهالي مدينة فلسطينية ما في زيارة مدينة أخرى.

وفي نهاية حوارنا، يقول الممثل إسماعيل دباغ: «في دمشق، تُقام فعاليات تمس القضية الفلسطينية بشكل مباشر وصريح كهذه الاحتفالية المسرحية "أيام مقدسية". ورغم أن الاحتفالية الرسمية للقدس عاصمة للثقافة العربية 2009 في فلسطين، فقد اكتفى القائمون على الاحتفالية هناك بحفلات لمغنيين لا أدري بأي لغة يغنون».


مازن عباس
اكتشف سورية

طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك