ثنائي صوت الشرق في دار الأوبرا السورية
ألحان بطعمها القديم

31/تشرين الأول/2009

الأيام التي عطلت فيها دار الأسد للثقافة والفنون لأجل صيانة عامة للدار بدت كاستراحة محارب، حيث اكتظت مسارحها بعد ذلك بعروض مختلفة (مسرح، سينما، موسيقى، بأنواعها) ووصلت إلى أكثر من عرض في اليوم الواحد، وليس هذا إلا دليلاً على أن إدارة الدار تقوم بمهامها على أكمل وجه.

وضمن هذه النشاطات كانت الأمسية الغنائية الراقية لثنائي صوت الشرق المؤلف من سمر بلبل (غناء) وعصام شريفي (عود)، بالاشتراك مع عازف الإيقاع القدير إيميل عبود، وذلك مساء الأربعاء 28 تشرين الأول على مسرح الدراما.

الثنائي في فرنسا:
قبل سنوات كان للثنائي سمر بلبل والدكتور عصام شريفي نشاطات غنائية مميزة محلياً وخاصة ضمن مهرجان الأغنية السورية، وعند سفرهما إلى فرنسا شكلا دويتو بعنوان «ثنائي صوت الشرق»، حيث تابع سمر وعصام في فرنسا وفي بعض الدول الأوربية نشاطهما، وقاما بالكثير من الأمسيات التي لاقت نجاحاً متميزاً، وتوجت هذه الحفلات باختيارهما من قبل المخرج السينمائي الفرنسي توني جاتليف في استعراضه الموسيقي الغنائي «فيرتيج»، والذي مزج الموسيقى العربية مع الغناء ورقص الفلامينكو الإسبانيين، وقد تم تقديم هذا العمل على مدى ثلاثة أشهر في جولة بفرنسا وعدة دول أوربية أخرى، وكان قد تم إنتاجه من قبل تلفزيون «آرتي» في أوروبا وعرض على شاشته عدة مرات، بالإضافة إلى تسويقه على أقراص مضغوطة وحقق وما يزال يحقق نجاحاً هاماً.

حفلة دار الأوبرا:
قدم ثنائي صوت الشرق بعود شريفي وألحانه وصوت سمر في حفلة دار الأسد للثقافة والفنون مجموعة أغانٍ خاصة بهم، فاستمع الحضور في البداية إلى أغنيتين («يا شام»، «أتحبني») من كلمات شاعر دمشق نزار قباني، وأغنيتين أخريتين هما («تجنب ثورتي»، «إني لأشعر بالهوى») وأغنية أخرى بعنوان «كيف أصحوا» من كلمات الشاعر هنري بيطار، حيث جاءت ألحان شريفي في هذه الأغاني بتقنية موسيقية عالية اقتربت من المزج بين القديم والجديد، وهناك من شبه ذلك بما تقدمه المغنية ماجدة الرومي.

كما قدمت في هذه الحفلة أغنية لسيدة الغناء أم كلثوم بعنوان «كل الأحبة اثنين» وهي أغنية فريدة لم يسمعها الجمهور السوري سابقاً لأن أم كلثوم لم تسجلها، بل أدتها في بعض الحفلات وغناها فيما بعد مغنٍ هاوٍ وهي من ألحان الشيخ زكريا أحمد، حصل عليها الدكتور شريفي من مكتبة والده الموسيقية الفنية.

وأيضاً غنت سمر بلبل في هذه السهرة مقاطع أخرى من كلثوميات سنباطية («هجرتك»، «لسه فاكر»).

وقد أعاد صوت سمر في هذه الأمسية ذكرى الاستمتاع بالغناء على طريقته الصحيحة، وأدت ألحان صعبة سواء في الكلثوميات أو من ألحان زوجها شريفي، يصعب على الكثير أداؤها اليوم بسبب وعورة مسالكها الموسيقية والغنائية. إذ تمتلك هذه الفنانة السورية طاقات صوتية هائلة خاصة في الطبقات التعبيرية العليا، وتغني بأريحية تامة بدون أن تضغط على الحبال الصوتية، حيث غنت ما يقارب الساعة والنصف دون أن نلاحظ أي تعب أو جهد في صوتها رغم أنها بدأت بلحن يحتاج إلى تعرجات ومداخل وعرة تقوم بها الحنجرة، وانتهت بالكلثوميات وكلنا يعلم ماذا تعني أم كلثوم، فكانت الدقيقة الأولى كما الأخيرة.

أما الحضور فكان مثل حضور أيام زمان كما نراه في التلفزيون بحفلات أم كلثوم، جمهور جالس يستمع بسلطنة ويطلق الآهات بين مقطع وآخر ويصفق بحرارة بين فينة وأخرى.

المغنية سمر بلبل:
نشأت في بيت فني هو منزل المسرحي فرحان بلبل وبدأت مبكرة في أداء الغناء العربي الكلاسيكي متمثلاً بالمدرسة الكلثومية، بعد أن اكتشف والدها إمكانياتها الصوتية من خلال غنائها معه في أعماله المسرحية للأطفال. بدأت دراسة الغناء الغربي الكلاسيكي في المعهد العالي للموسيقى في دمشق حتى مغادرتها إلى فرنسا حيث تابعت دراستها على مرحلتين في مدينتي باريس وستراسبورغ وأنهت في الأخيرة دراستها العليا في هذا المجال، التقت الدكتور عصام شريفي عام 1989 حيث عمل على تطوير أدائها في مجال الغناء العربي الكلاسيكي، وشاركت في مهرجانات الأغنية السورية الأربعة الأولى وحصلت على جائزة الأورنينا لأفضل أداء لقصيدة في الثالث منها، كما سجلت العديد من اللقاءات وبعض المشاركات الفنية للتلفزيون العربي السوري وتلفزيونات عربية أخرى قبل مغادرة الوطن إلى فرنسا.

عازف العود والملحن عصام شريفي:
طبيب جراح في إحدى مشافي مدينة ستراسبورغ في فرنسا. نشأ في بيت موسيقي هو منزل والده أحمد شريفي الذي يملك مكتبة موسيقية تعد من أهم المكتبات الموسيقية في الوطن العربي، بدأ دراسة آلة الكمان حسب الأصول الغربية في التاسعة من عمره، وتحول إلى آلة العود في عمر السادسة عشرة متمسكاً بمبادئ وأصول الموسيقى العربية الكلاسيكية، بعد لقائه بسمر بلبل شكلا معاً فرقة موسيقى الشرق في حمص، والتي اعتمدت أمسياتها في سورية على تقديم نوعين: الأول هو الموسيقى والغناء العربي الكلاسيكي، والثاني هو الأعمال الغنائية الجديدة التي لحنها د.شريفي لتؤديها سمر مع الفرقة.

الفنان إيميل عبود:
عازف إيقاع محترف من حمص، رافق معظم الفرق الموسيقية على مدى مشواره الفني، كما رافق عدداً من المطربين الكبار في سورية وعلى رأسهم الأستاذ صباح فخري. عمل مع الدكتور عصام شريفي في فرقة موسيقى الشرق عدة سنوات قبل مغادرة الأخير إلى فرنسا.


الفنانة سمر بلبل في دردشة مع «اكتشف سورية، وإلى جانبها الدكتور عصام شريفي»

ودردشة مع «اكتشف سورية»:
وفي نهاية الحفل التقى «اكتشف سورية» بالمغنية سمر بلبل، والتي قالت عن حفلتها في دار الأسد للثقافة والفنون: «قدمت خلال هذه السنوات حفلات كثيرة في أنحاء أوروبا، وتفاعل معي الجمهور كثيراً، ولكن اليوم وأنا أغني في وطني، شعرت كأني أغني لأول مرة، فقد اقتحمني شعور لا أستطيع وصفه».

وعن دراستها في فرنسا تابعت بالقول: «للمعهد العالي للموسيقى بدمشق فضل علي بتنمية صوتي، ولا أنكر بأنني استفدت من تجربة الدراسة في باريس واستراسبورغ، والتي أضافت لي الكثير، وآمن بصوتي الشرقي أولاً والغربي ثانياً كل من سمعني هناك وهم من جعلني أقف بكل ثقة أمامكم اليوم، أتمنى أن أكون قد استطعت إيصال ما أردته إلى الحضور اليوم».

وحول غنائها بمرافقة العود فقط قالت: «التجربة التي شاهدتموها اليوم هي من خصوصية تجربتي التي قدمتها بأوروبا، إننا نشكل أوركسترا كاملة بصوتي وعزف زوجي عصام»، وتابعت ضاحكة: «صدقني يكفي».

وعن المشاريع القادمة أجابت: «سنعود لفرنسا بعد الانتهاء من زيارة سورية، فلدي هناك عدة ارتباطات منها الغناء مع فريق إسباني سأقدم فيه الشرقي والإسباني، وبصراحة مشاريعنا حالياً كلها في أوروبا وما أتمناه أن يفتح الوطن لي يديه لأعود وأغني هنا مجدداً».


إدريس مراد
اكتشف سورية

طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك