مخلص الورار في صالة الشعب: تجلي الفيض الشعوري لينهض فناً

27/تشرين الثاني/2008

لوحاته واحةٌ للديمقراطية اللونية بامتياز، يقف فيها الأسود ليجد الأبيض ناهضاً أمامه، فتبرز جمالية كليهما من خلال الآخر.
أربعون لوحة ضمَّها معرض الفنان التشكيلي والإعلامي مخلص الورار المقام في صالة الشعب، اختلطت في أعمال الورار المدارس الفنية من تجريدية، وواقعية، وتعبيرية، واستطاع بهذا أن يفتح باباً في التجريب، عبّر من خلاله عن اختزالٍ لوعي وثقافة فتية وبصرية، إضافةً إلى مستوى رهيف من الإحساس. حيث تبرز في لوحاته الخطوط القوية الواثقة القادمة من حرفية عالية في فن الحفر والطباعة، إذ يستطيع أن يترجم بها الأحاسيس لتغدو ألواناً تحدث نوعاً من الدهشة البصرية لدى الناظر إليها.
زار موقع «اكتشف سورية» المعرض، وكان لنا هذا اللقاء مع الفنان:
مخلص الورار في صالة الشعبالملفت استخدامك تقنيات الحفر والغرافيك، إلى ماذا تَردّ هذا الاستخدام؟
إن استخدام تقنيات الحفر والغرافيك ينسجم مع اختصاصي الأكاديمي، فقد درَّستُ في كلية الفنون الجميلة لمدّة 5 سنوات ، في قسم الحفر والطباعة. ومن الطبيعي أن تُسيطر هذه التقنية على أعمالي، لأني أعشق الخط وهو وسيلتي الأساسية في التعبير والتكوين الدرامي والبنائي للوحة، لذلك مثلاً طغى اللون الأسود على اللوحة أحياناً. كما استخدمت التضاد اللوني في مواضع أخرى، فوضعت الألوان أمام بعضها لإبراز جماليتها مثل «الأسود والأبيض».
ما المُراد من قوة الحضور اللوني والجرأة في اختيار الألوان الواضحة من خلال اللوحات؟
الألوان وسيلةٌ تعبيرية وتحمل وظيفة تشكيلية أيضاً. أما العجينة اللونية التي استخدمتُها فهي خليط من مادة الأكرليك الممزوجة بمشاعر وانفعالات اللحظة التي أبدأ فيها بالرسم.
يستوحي الفنانُ، وخاصة عند العمل في مجال الرسم التجريدي والتعبيري، ألوانَه من داخله، فيقوم بترجمتها ضمن توضعات لونية منسجمة أحياناً ومتضادة أحياناً أخرى، حتى يكتمل العمل الفني ويصبح جاهزاً للعرض. طبعاً لا أعني باكتمال العمل الفني هنا الدخولَ في الدقائق والتفاصيل، وإنما يكفيني أن أرى العمل قد توازن أمامي وأصبح منسجماً من حيث البناء، والتكوين، والإثارة، والدهشة، ولا تعنيني أحياناً بعض المساحات التي تبدو للوهلة الأولى غير ناجزة، بل أوظفها توظيفاً تشكيلياً يساعدني على إيجاد صيغة مرضية بالنسبة لي.
مخلص الورار في صالة الشعبفي أربع لوحات، استخدمتَ بقايا القهوة الراسبة. ما الذي استقطبك في هذه المادة كمبدع؟
يتعامل الفنان مع الأشياء المحيطة من زاوية مختلفة، وينظر إليها نظرة غير عادية. لقد تعلمنا من أساتذتنا في كلية الفنون الجميلة «أنّ لا شيء مهمل في الحياة»، لذلك كنتُ دائماً أسعى إلى الاستفادة من بقايا الأشياء مهما كانت زهيدة وبسيطة. حاولتُ في أعمالي أن أحوّل هذه المواد إلى تكوينات وأعمال فنية تحمل قيمة جمالية، فأنا أحياناً أستعمل في لوحاتي بقايا قماشية وأحياناً مُخلَّفات القمح والشعير والشاي، لأن هذه المخلفات تساعدني على إيجاد مناخ مختلف وجديد من الناحية التشكيلية والبصرية، إضافةً إلى أنّ سطح اللوحة بتأثيراته المتنوعة يساعد الفنان على إيجاد تأثيرات خاصة تساعده في ترجمة أحاسيسه من خلال لمسات الفرشاة، أو السكين، أو القهوة. وهنا استعملتُ رواسب القهوة كتجربة خاصة اكتشفتُ فيها خامة لونية لها تأثيراتها الجمالية المتعبة والممتعة، رغم صعوبتها، لأنها لا تقوى على البقاء، مع ذلك وجدتُ فيها روحاً جديدة أغرتني في التجريب.
امتزجَتْ الواقعية لديكَ بالتجريد. ما القصد الإبداعي من هذا الأسلوب؟
إن الأسلوب المُتّبع في هذا المعرض هو نتاج سنوات طويلة من الدراسة والبحث والتجريب. ولأني مختصٌ بالفن التشكيلي، فقد سمح لي ذلك بالاطلاع على المدارس الفنية في تاريخ هذا الفن عالمياً، واطلعتُ أيضاً على مختلف أعمال الفنانين باتجاهاتهم المختلفة. بعد هذا من الطبيعي أن أختزل هذه المعرفة والثقافة برؤية ذاتية تحاول الاستفادة من المخزون المتراكم لديها. إني أستفيد من هذه الاتجاهات في تكوين أعمال فنيّة تحمل خصوصيةً ما. فأعمال هذا المعرض تحوي التجريدية والتعبيرية مع لمسات واقعية. ففي بدايتي، كنتُ فناناً واقعياً محترفاً، أعشق الواقع وأتعامل معه بأمانة، وهذا ما جعلني أستخدمه ولكن بتوظيف مدروس يساعدني على التعبير وبناء اللوحة.
مخلص الوراربين العمل الإعلامي والفن التشكيلي، أين تجد ذاتكَ اليوم؟
ممارسة العمل الإعلامي والصحفي كانت محض صدفة، علماً أني من هواة هذا العمل منذ الصغر، لكنني ما تخيلتُ يوماً أني سأكون صحفياً وأمتهن هذا العمل. على ما يبدو فقد أخذني هذا النمط من العمل، وعُرِفت على أني إعلامي، ربما لاعتبار أن للإعلام بريقه، فانطوى تحته شخصُ الفنان التوّاق إلى العمل الفني الدائم، ولكن بصمت وسكوت. أنا لم أنقطع يوماً عن الفن إن كان بالتأمل أو بالتجريب.
ألا تعتقد أن شهرتك كإعلامي لم تجعل تجربتك تأخذ حقها من النقد والدراسة؟
لعب الإعلام دوراً في تغيبي عن الأوساط الثقافية، لأن معظم المهتمين بهذا المجال، غير الأصدقاء المقربين، تفاجئوا بي كفنان تشكيلي وهذا حقهم، وتفاجئوا أيضاً عندما عرضتُ أعمالي فعرفوا أني لستُ هاوياً بل فناناً محترفاً يمتلك التقنية والتكنيك، بالإضافة إلى المكنون الداخلي القائم على الدراسة والبحث. بقدر ما أسعدني هذا الانطباع فقد ولّد عندي أسفاَ عميقاً على ما مضى، مع فخري بمهنتي كإعلامي. وعلى ما يبدو فإني في هذا المعرض أعلن عن نقلةٍ نوعية في حياتي المهنية والفنية، فأنا أحاول الآن إيجاد صيغة توافقية بين المسارين، وأتمنى التوفيق في ذلك.


عمر الأسعد
اكتشف سورية

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك