افتتاح مؤتمر وزراء الثقافة العرب في دمشق
العطار: الثقافة ركن البناء الحضاري وأساس تماسك الأمة

16/تشرين الثاني/2008

برعاية السيد الرئيس بشار الأسد افتتحت الدكتورة نجاح العطار -نائب رئيس الجمهورية- في دمشق صباح اليوم أعمال مؤتمر وزراء الثقافة العرب في دورته السادسة عشرة بمشاركة الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي، والأمين العام للجامعة العربية، والمدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
وألقت الدكتورة العطار كلمة راعي الاحتفال قالت فيها: «بكثير من المحبة أرحب بكم في عاصمة الثقافة لهذا العام وفي الأرض التي تقاسمناها انتماء ونتقاسمها اليوم أملاً ووعداً وثقة باصرة الأخوة وروابط التاريخ وعلاقات المصير».
وأضافت «بكثير من الاعتزاز أنوب عن السيد رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد الذي حمل مشعل الثقافة فكراً، وتنويراً، وإبداعاً، بيد ومشعل النضال إقداماً من أجل تحرير الأرض واستعادة الحقوق وتطوير الحياة، واستنهاض مشاريع التنمية والتحديث بيد وتقدم المسيرة يرود لها الدرب، وفي القلب حماسة ومحبة وإيمان بالأمة العربية من محيطها إلى الخليج بالمستقبل المنور بالمعرفة، وبمعطيات التاريخ إرث حضارة هزت الدنيا أمداً وبالراهن تطلعاً واعياً إلى إشراقة فجر جديد، وبالمقبل وعداً مسوراً بالتوحد وبانضفار العزيمة وانتصار الحقيقة واستعادة مجد الأيام التي تسنمنا فيها ذروة التاريخ».
وتابعت الدكتورة العطار «يا زملاء درب للثقافة قطعناه معاً، كتفاً بكتف، في عمل مشترك، تلاقينا على أهدافه، ورسمنا معالمه، ليكون السبيل إلى تحقيق تقدم يضع أجيالنا في قلب العصر، ويمدها بالنسغ المحيي دون أن تضيع الهوية الجامعة، واللغة الموحدة، والثقافة المتجذرة والثوابت المرتكزة على وعي لحقائق الوجود وإيمان بطاقات الأمة وإمكاناتها وبتلك الآصرة التي يستحيل أن تنفصم بيننا لأنها جزء من تكويننا وعامل حاسم لا تقضي عليه رعود الأيام وصروفها وغزو من هنا وعدوان من هناك ومعارك لا يمكن في النهاية أن تحسم إلا لصالحنا أمةً عربية واحدة بثقافتها وتكوينها ولغتها وهويتها وكل عوامل تقدمها».
وقالت السيدة نائب رئيس الجمهورية: «كلكم أهل مكة وأهل مكة أدرى بشعابها، ولن أحمل التمر إلى هجر وما أحب أن أقول معاداً ولكنها بعض المعالم على طريق رحب نرنو إليه بالعيون التي لا تريد أن تغفو عن حقائق هي السبيل إلى استشراف المستقبل الأبهى لأمة هي الأعرق في الحضارات والأنبل في التعاطي مع القيم وفي الإيمان الكبير بإنسانية الإنسان، وبكل ما تتطلبه هذه الإنسانية من سيرورة متقدمة تفجر منابع العطاء والإبداع والتغيير والارتقاء بحثاً متواصلاً عن فجر منور في حياة كوننا هذا الذي لم يستحل إلى قرية صغيرة إلا بالمعنى الرمزي المؤاتي لدول الهيمنة التي تحاول أن تخضع الشعوب الأضعف قوة والأقل شأناً وأن تمسك بها وبمصائرها في راحة اليد».
واستعرضت الدكتورة العطار الطريق الطويلة التي قطعتها خطة الثقافة بدءاً بالمؤتمر الثقافي العربي الأول الذي عقد في عمان عام 1976، الذي شكل حدثاً فريداً في تاريخ الوطن العربي، حيث اجتمع لأول مرة في تاريخ هذا الوطن وزراء الثقافة العرب في مؤتمر ضم أبرز العاملين في الحقل الثقافي وفي محاولة لتحديد هوية الثقافة العربية وتوضيح مفاهيمها وتعيين الأهداف التي عليها أن تعمل لتحقيقها حتى تسهم هذه الثقافة في العملية المعرفية التي تنشر الوعي وتصوغ الوجدان والإنسان وتسهم في الارتقاء بالعلوم والفنون وتقف ضد العنصرية البغيضة التي تتبرأ حضارتنا منها في كل تاريخها.
وقالت الدكتورة العطار: «إنّ المهمة الأساس لذلك المؤتمر كانت بحث السياسة الثقافية العربية وآفاق التعاون الثقافي العربي البيني والتعاون الثقافي العربي في المجال الدولي، مما يعطي أهمية خاصة لهذا المؤتمر الأول لأن دراسة الأوضاع الثقافية في الأقطار العربية باتجاه توحيدها وتنسيقها يعنيان أن يدرس المؤتمر مجمل النشاط الثقافي العربي فكراً وتطبيقاً، لوضع الثقافة العربية سياسة وهدفاً في خدمة أهداف أمتنا العربية وقضيتها المصيرية، التحرير واستعادة الحقوق وتحقيق الوحدة العربية وتكوين الإنسان الجديد والمجتمع الجديد لبناء المستقبل الذي يسوده السلام العادل، ويتحقق فيه الازدهار الاقتصادي والثقافي والاجتماعي على السواء».
وتابعت العطار «أنّ السؤال المطروح على المؤتمر في قضية الثقافة العربية هو التالي، ماذا نصنع لبناء ثقافة عربية أصيلة ومتميزة قومية وإنسانية تكون على مستوى العصر تثري الحضارة، وتسهم في إغناء المعرفة مع الحفاظ على الأصالة والإفادة من خيرة ما في التراث وخيرة ما في النتاج الثقافي الراهن، وصولاً إلى كل ثقافي عربي موحد ناتج من هذا اللقاء بين إرث الماضي ومعطيات الحاضر، وكان الجواب على هذا السؤال يعني ضرورة تجديد الثقافة العربية وتطويرها ولا نقول إحياءها، لأن ثقافتنا كانت حية دائماً وأثبتت جدارتها بالحياة على مدى التاريخ وتجديد الثقافة وتطويرها فيما يفهم من هاتين الكلمتين هو رفدها بالدم الجديد والنهوض بها على أساس المقاييس الحضارية الحديثة وجعلها تأخذ نصيبها من العلم والتكنولوجيا وتتفاعل معهما، حتى تستطيع النماء وإثبات الوجود ودخول العصر من الباب الواسع».
ورأت الدكتورة العطار أنّ البداية التي تجلت في بيان عمان كانت بداية رائعة، و كان الأمل أن ينتقل العمل المشترك لوزراء الثقافة العرب من مرحلة متقدمة إلى أخرى أكثر تقدماً، في تحقيق التكامل الثقافي العربي وفي الاتجاه نحو وضع سياسة ثقافية عربية موحدة واضحة الأهداف والمعالم والوسائل.
وأشارت نائب رئيس الجمهورية إلى أنه في الدورة الخامسة لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية الذي عقد في تونس عام 1985 تحت عنوان «خطة ثقافية شاملة» كانت المفاجأة الكبرى هي هذا الإنجاز الضخم الذي حققته اللجنة المشكلة لهذا الغرض بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وكان علينا أن نعكف على دراستها ليأتي موقفنا منها رفضاً أو قبولاً أو تعديلاً مبنياً على قناعة بعمق مضامينها وسلامة محتواها وتلبيتها لما يراد منها.
وأوضحت العطار أنّ عنوان الخطة الشاملة للثقافة العربية عريض رحب المدى ضخم المحتوى لكننا نستطيع أن نقول باطمئنان إن المبادئ النظرية والأسس الموجهة للخطة الثقافية المنشودة وما فيها من تعريف وتوصيف وفلسفة وروح عربية أصيلة ومبادئ عامة دقيقة قد أرسى القواعد السليمة لها، وجعلها بياناً ثقافياً يحسن اعتماده بعد المناقشة التي ستنميه وتغذيه.
وقالت: «كان أول ما لاحظناه على الخطة الثقافية الشاملة بعد استعراض أهدافها ومبادئها هو التخطيط المدروس لها، والتحديد الواسع لأهدافها، وما تعنيه هذه الأهداف من تطوير للبنى الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، لأن الثقافة ركن البناء الحضاري وأساس تماسك الأمة، ولقد تناولت هذه الخطة قضايا كثيرة منها التنمية الثقافية وإبراز الهوية الحضارية العربية الإسلامية وتحقيق التحرر القومي الشامل بوصف الثقافة عنصر دفاع ورفض للتبعية والاستلاب والتشويه، ومنها تكوين شخصية المواطن العربي وإغناؤها، وتأكيد حق الإنسان العربي في اكتساب الثقافة وحقه في حرية التعبير عنها وهو مبدأ أساس وحق مشروع وديمقراطية نوهت بها الخطة ونصت على ضرورتها في أكثر من موقع».
وأضافت الدكتورة العطار «لقد حددت خطتنا الثقافية الشاملة بدقة ووضوح الخطوط الرئيسة الناظمة لفلسفتنا الثقافية، وهي خطوط تتماشى مع أحدث قواعد العملية الثقافية من حيث سلامتها، وتقدميتها، واستلهامها تراثنا، الباذخ عراقة وحداثتنا الصاعدة طموحاً، وقد أعطت هذه الخطة مصداقية مسلماتها وملأتنا يقيناً بأنه من حقنا أن نتطلع إلى دور ثقافي ريادي يعيد مجد الماضي ليلتئم وطموح الحاضر».
وقالت نائب رئيس الجمهورية: «أوجزت بشأن الخطة وما استوفيت، لكنني أحببت أن أعيد إلى الذاكرة لمحات مما كان ما دام الموضوع الرئيس لمؤتمركم هو نحو تحديث الخطة الشاملة للثقافة العربية، وهو أمر جدير أن يلقى من عنايتكم الكثير، وآمل أن يكون انطلاقةً تراجع ما تمّ وأن تدخلوا في الصميم الرحب لموضوعكم الرئيس، الذي بات يشكل ضرورة في ظل مستجدات كبيرة ومتغيرات لم يكن بعضها في حسباننا حتى لا يسبقنا الزمن ونفتقر إلى القواسم الهادية المشتركة التي تؤلف بيننا».
ورأت الدكتورة العطار إنّ من حق الأجيال علينا أن تتشكل فكرياً في المناخات العقلية الأشد انفتاحاً على العصر والأكثر تجاوباً مع الأصيل من التراث، وأن تكون في مجرى الحياة الثقافية السليمة التي ترى في الإنسان وتحرره وتقدمه طموحاً مستقبلياً كبيراً.
ولفتت إلى أنّ الدنيا تغيرت من حولنا وتزلزلت قواعد ومفاهيم وأسس ولم يعد الإنسان ملتصقاً بالأرض، بل صار يتحرك في الزمان النجمي، وصار علينا جميعاً أن نوسع أفقنا إلى ما بعد نقطة اللانهاية صار على الثقافة أن تلعب دورها التغييري الذي لابد من أن نعيد إليه وهجه وزخمه، وأن نعمل على خلق بيئة ثقافية مواتية لهذا التغيير على مهاد من الفكر المتقدم الذي لا يتنكر لثوابت الأمة ولا يخشى في الوقت ذاته من الفناء في الحضارات الأخرى، وهو يمد جسور التواصل معها وأن نحمل مسؤولية الإنماء الثقافي وأن نشرع الأبواب لفتوحات العلم المذهلة ساعين إلى امتلاك التقنيات التي حققتها الكشوفات العلمية الثورية في كل المجالات من المعلوماتية إلى الالكترونيات إلى اقتصادات المعرفة إلى الحواسيب، والشبكات، والأقمار الصناعية، والمحطات الفضائية، والثورات الرقمية، كي نبقى في قلب ثقافة عصرنا، نعيه ونتماشى مع ركبه.
وخاطبت نائب رئيس الجمهورية وزراء الثقافة بالقول: «بالمناسبة فإني أذكّر بمشروع معروض عليكم في جدول أعمالكم عنوانه النهوض باللغة العربية، للتوجه نحو مجتمع المعرفة وقد سبق أن أقره مؤتمر قمة دمشق، ووضعت تفاصيله لجنة خبراء شكلتها المنظمة العربية بإشراف الأمين العام للجامعة العربية وحضر اجتماعاتها الأستاذ الدكتور أمين المنظمة في دمشق، وأنا أتمنى أن يحظى باهتمامكم وأن يكون جزءاً من خطة التحديث التي تدرسون».
وأضافت «في عملية التحديث المنشودة هذه أتمنى على مؤتمركم أن يفيد من إمكانات المفكرين المثقفين في دفع هذه العملية الخطيرة إلى أمام تماماً كما كان الحال عندما رأت هذه الخطة النور ومثقفونا المفكرون هؤلاء هم ثروتنا الوطنية وهم جديرون بالرعاية والاهتمام وبأن يعطى لهم أن ينتجوا ثقافتهم بإبداعاتهم، وأن يجعلوا من إنتاجهم هذا درعاً للوطن في جو من الحرية لا تشله الرقابة الصارمة التي تغلق النوافذ أمام الفكر الأصيل ذي الرؤية القومية والبعد الإنساني والنهج التقدمي».
وقالت الدكتورة العطار: «لعلي لا أكون قد ألححت إذا تمنيت عليكم العمل بكل الطاقات على نشر ثقافتنا داخلياً، وعربياً، ودولياً، وبذل المزيد من الجهد في عملية ترجمة نتاج مبدعينا إلى اللغات الأجنبية حتى لا تبقى الترجمة وحيدة الجانب تقريباً، ونحن في وطننا العربي نملك المواهب والإمكانات، وكل ما بقي علينا أن نسهر عليها ونشجعها وننشر إنتاجها ونوفر لها وسائل ممارسة فعالياتها والإسهام في عملية تحديث الخطط الشاملة ورسم الاستراتيجيات».
وأوضحت أنّ القدس عاصمة للثقافة، نعم، ولم لا، في دمشق أو في أي مدينة عربية سواء، فالثقافة العربية ومنذ فجر النهضة تقوم بدورها النضالي ثقافة وطنية قومية إنسانية، وكفاحها هذا يجعلها ملتزمة تلقائياً بأرض الوطن بترابه ويتجلى حداء موصولاً للمناضلين الذين رووا هذه الأرض بدمهم القدس في القلب كما هي فلسطين.
وأضافت «إني لأستعيد كلمة للمغفور له الراحل الكبير حافظ الأسد في مؤتمر من مؤتمرات القمة العربية قال فيه: "إن أولى القبلتين تستصرخنا، والمسجد الأقصى يستحث إسلامنا، وأهل فلسطين ينادوننا، فهل حقاً نسمع النداء، وكيف إذن نغض الطرف عن عملية التهويد المتواصلة فيها وتحت سمعنا وبصرنا وتحت سمع العالم وبصره وحيدين يعتصمون في حي الشيخ جراح ويستمر طردهم من بيوتهم ويستمر صمتنا، وكأن أي عدوان لم يعد بإمكانه أن يهز الضمائر ولكن إلى متى السؤال مطروح علينا جميعاً"».
وتمنت نائب رئيس الجمهورية حين يتم الاحتفاء بالقدس عاصمة للثقافة، أن يتبدى ذلك كما هو مرجوّ في تاريخها، وجغرافيتها، وبطولاتها، ورجالاتها، ومعاركها الطويلة والمريرة، وراهنها الأليم وفي طرح علمي فني أدبي لكل ذلك، ولما تعنيه القدس لنا وما نريد للمستقبل أن يحمله لها ولكل ما يستطيع دفاعنا الفكري الثقافي والسياسي أن يصنعه في عالم يفتقد عدالته وإنسانيته في مجمل ما يتعلق بقضايانا منذ النصف الأول من القرن العشرين.
وقالت الدكتورة العطار: «أعود في الختام فأحييكم باسم السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية، كما أحييه باسمكم راعياً للثقافة حاضناً لها متمسكاً وبكل عنفوان التاريخ بثوابت الأمة، وأتمنى لجهودكم أن تتكلل بالنجاح وأن نخطو معاً بعملية تحديث الخطة الشاملة خطوات تليق بثقافتنا المناضلة التي صانت وحدة أمتنا وربطتنا على أرضية من التكوين المشترك والمنظومة المعرفية الواحدة وحققت التلاحم المصيري الذي يتخذ من وحدتنا الثقافية ولغتنا الرائعة مهاداً وتوكيداً».
وختمت نائب رئيس الجمهورية كلمتها بالقول: «إن الإنجاز الثقافي قمر لا يغيب، ومن حق الوطن أن نوقد فيه شعلة التوق إلى المعرفة، وأن نسعى كي يصبح هذا التوق في نبالته أمنية ارتفاع إلى أعلى فأعلى دون توقف، وتلك هي الرسالة المنوطة بوزراء الشؤون الثقافية في الوطن العربي».
موسى: معالجة الأوضاع الثقافية في العالم العربي بحاجة لإيجاد صيغة للتعاون بين مختلف المؤسسات الثقافية العربية
وألقى السيد عمرو موسى -الأمين العام لجامعة الدول العربية- كلمةً أكد فيها ضرورة المحافظة على الهوية العربية من خلال دور الثقافة وتنظيم آفاقها والاحتفاء بإبداعاتها، وقال: «إنّ معالجة الأوضاع الثقافية في العالم العربي بحاجة ماسة إلى إيجاد صيغة للتعاون بين مختلف المؤسسات الثقافية العربية لإطلاق عقال الثقافة والحرية لمثقفي الأمة ومبدعيها».
وشدد موسى على أهمية مشروع تحديث الخطة الشاملة للثقافة العربية لقيام التعاون الثقافي المتكافيء، ولإقامة الصلات الثقافية مع العالم غير العربي، داعياً في هذا السياق إلى انجاز مشروع النهوض باللغة العربية واستثمار الدور المؤثر الذي تؤديه المؤسسات الإعلامية العربية في نشر الثقافة، ولاسيما أنّ الأداة الإعلامية أصبحت من الأدوات الأساسية التي تطوعها الدول والمجتمعات لتحقيق برامجها التنموية.
وطالب الأمين العام لجامعة الدول العربية دراسة التجارب الثقافية الناجحة التي طبقها عدد من التكتلات الإقليمية الدولية، كالاتحاد الأوروبي الذي انتهج سياسة السوق الثقافية الأوروبية، الأمر الذي يدعونا إلى وضع اتفاقيات السوق الثقافية العربية المشتركة موضع التنفيذ.
وأكد ضرورة تطوير حركة الترجمة في المنطقة العربية كونها القاعدة الثقافية الأساسية في تقديم العالم العربي بصورة لائقة إلى الآخر، وضرورة النظر في وضع اتفاقية لحماية التراث الثقافي والتاريخي العربي وتفعيل هذه الاتفاقية.
ودعا موسى إلى تشجيع مؤسسات المجتمع الأهلي والقطاع الخاص، حتى يكون لها دور فاعل في تشكيل مفردات الخطة الثقافية العربية، مؤكداً ضرورة مواصلة العمل على تحديث العملية التعليمية في الوطن العربي في إطار ما تقوم به الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم من جهود، لتنفيذ خطة تطوير التعليم في الوطن العربي بالتعاون مع المؤسسات العربية المتخصصة في هذا الشأن.
وخلص الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى القول: «أنّ تعميق مفهوم التعاون الثقافي والتعليمي بيننا سوف يسهل علينا سبل التعاون في المجالات المختلفة، لنعيد لأنفسنا مكاناً لائقاً على الخريطة السياسية للعالم».
وعبَّر موسى عن تقديره لما قدمته سورية من أنشطة وفعاليات ثقافية متميزة على مدار هذا العام، الذي نصبت فيه دمشق عاصمة للثقافة العربية، وأطلقت من خلال ترؤسها للقمة العربية مبادرة مشروع النهوض باللغة العربية وإثراء تراثها نحو مجتمع المعرفة.
وأكد الدكتور المنجي بوسنينة -المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- أهمية انعقاد هذه الدورة من المؤتمر في رحاب دمشق الفيحاء وفي ضيافة سورية التي فتحت ذراعيها دوماً للمثقفين والمبدعين من كل أرجاء الوطن العربي، وكانت دون انقطاع السند والمؤازر للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ولشتى مظاهر العمل العربي المشترك انطلاقاً من نظرة قومية راسخة ومن حرص متجدد على عروبتنا العربية الوثقى.
وأوضح أنّ المؤتمر هو الأقدم في تاريخ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وغدا مؤسسة عريقة من مؤسسات العمل العربي المشترك في مجال الثقافة، مشيراً إلى أنّ الثقافة تظل خط دفاع الأمة العربية الأول في مواجهة شتى التحديات المطروحة، ولاسيما المهددة لهويتنا بفعل العولمة المتوحشة التي ضمت الثقافة إلى الاقتصاد، وكذلك بفعل الثورة المعلوماتية الكاسحة التي فرضت أنماطاً جديدة من الثقافة ومن السلوك لا يمكن لثقافتنا العربية أن تبقى في مأمن من تأثيراتها.
وقال: «من هنا بدت ضرورة التنسيق بين الدول العربية من أجل صياغة سياسات ثقافية تستجيب لمطالب المرحلة الراهنة، فكان قرار تحديث الخطة الشاملة للثقافة العربية حتى تواكب التغيرات والتحولات التي طرأت على العالم وعلى الوطن العربي منذ إقرارها عام 1985، وهذا الموضوع هو الموضوع الرئيسي للمؤتمر الحالي، لأننا أمام منعطف تاريخي خطير ولابد من تضامن وتنسيق عربيين، ولابد من استجابة جماعية في حجم التحديات التي تواجهها الأمة، وهي مسؤولية تاريخية وأخلاقية وقومية تضمن من خلالها لأمتنا حضورها الفاعل بين الأمم في خارطة الغد الإنساني».
وأوضح أنّ الموضوع الثاني الذي سيطرح في المؤتمر هو مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة الذي أقرته القمة العربية في دمشق، والذي أكد على دور اللغة العربية في الحفاظ على هويتنا العربية وتوحيد الأمة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وتحقيق التواصل والتفاعل بين أبنائها، باعتبار اللغة أساس القومية وعنوان الشخصية العربية وذاتيتها الثقافية وهي سبيل الأمة نحو التوجه إلى مجتمع المعرفة والتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، داعياً الخبراء والمختصين إلى اغتنام هذه الفرصة للخروج باللغة العربية إلى أنوار العصر وتكييفها مع مطالب التجديد والتحديث لكن دون تفريط في أصالتها، وهنأ الدكتور بوسنينة في ختام كلمته سورية والقائمين على تظاهرة دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008 على التألق المستمر الذي حققته هذه الاحتفالية.
وألقى الدكتور رياض نعسان آغا -وزير الثقافة- كلمةً أكّد فيها أنّ التمام الشمل العربي على أرض دمشق حدثٌ نعتز به، حيث تزدان دمشق وتتألق اليوم بقادة الفكر وقادة الكلمة القادرين على إحداث التغيير الجوهري في الحياة العربية.
وقال وزير الثقافة: «نحن أمة تنشد السلام، والذي يصنع المستقبل هم المفكرون، والمثقفون، والمبدعون»، مشيراً إلى فشل محاولات البعض في الغرب لصق تهمة الإرهاب بالإسلام لتصوير الإسلام على أنه عنف وإرهاب.
وأضاف الدكتور نعسان آغا «أنّ احتفالنا بالقدس عاصمة للثقافة العربية 2009 هو تأكيد على عمق حضورها في الوجدان العربي والإسلامي، كما يسعدنا أن تكون المحاور الثلاثة في هذا المؤتمر تتعلق بتحديث الثقافة»، وقال: «هناك من يريد أن يقسمنا إلى شيع، وطوائف، واثنيات، وطوائف، وأعراق، بينما نحن أمة واحدة وعلينا أن ندرك أن الاختلاف هو سنة الحياة وألا نخاف من اختلافنا في الرأي».
وأشار وزير الثقافة إلى أنّ النهوض باللغة العربية هو العنوان الأهم وهو أن نبقى عرباً لأنه لا أمة من دون لغة وأي أمة تفقد لغتها تفقد حضورها وطريقها، وتمنى وزير الثقافة للمؤتمر النجاح في أعماله والخروج بقرارات تدعم قدرات الأمة على بناء المستقبل.
حضر الافتتاح الدكتور هيثم سطايحي، والدكتور ياسر حورية، وشهناز فاكوش، أعضاء القيادة القطرية للحزب، ووزراء السياحة والتربية والمغتربين، ومحافظا دمشق وريف دمشق، ورؤساء وأعضاء الوفود المشاركة في المؤتمر، وعدد من السفراء العرب والأجانب المعتمدين في دمشق، وحشدٌ من المهتمين بالشأن الثقافي.
ويناقش المؤتمر تحديث خطة الثقافة العربية، وتمكين اللغة العربية بين أجيال الأمة ودور المثقفين في هذا المجال، والمساهمة العربية في دعم فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية 2009.



سانا

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك