انطيوخس الثالثأالسلوقيون|ملوك السلوقيون

دمشق الآن 13 C


العظمى: 27 C
الدنيا: 12 C

شارك برأيك

من هو نجم سورية الأول؟
هل استطاع أحد الفنانين السوريين الوصول إلى قلب كل المشاهدين، واستطاع أن ينتزع لقب النجومية، من خلال أعماله الدرامية... أم أن النجوم في سورية متساوين، ولا يوجد عندنا الممثل النجم، أو نجم النجوم؟ ولماذا؟

اضغط هنا للمشاركة

أيهم أكثر تشويقاً بالنسبة لك؟






النتيجة



أنطيوخس الثالث





أنطيوخس الثالث

كان انطيوخس عند المناداة به ملكاً على العرش السوري سنة 223ق.م في الثامنة عشرة من عمره، ولما كان أضعف من أن يتولى كافة السلطات ويتحمل كل الأعباء، فقد بادر منذ وصوله إلى عاصمته إلى اتخاذ أحد أدهى سياسيي بلاط شقيقه ويدعى (هرمياس) وزيراً أكبر، كما عهد إلى أبن عمه (أخايوس) بإدارة أمور آسيا الصغرى والعمل على استرداد الولايات السلوقية التي اغتصبها الأمير البرجامي أتالوس، في حين كلف أحد قادته ويدعى مولون وشقيقه المدعو اسكندر بحكم مقاطعات ما وراء الدجلة وثبت القائد العجوز ابيجنس على قيادة الجيش.

ولم يكن من شأن هذا التوزيع الكبير في المسؤوليات أن يبعث على الولاء للأسرة المالكة، وبعد أن جاهر بعض ولاة المقاطعات الشرقية باستخفافهم بالسلطة الملكية قام مولون سنة 222ق.م بإعلان ثورته (وملكيته فيما بعد) بمساندة شقيقه اسكندر، في الوقت الذي أبرز الوزير هرمياس شكوكه تجاه اخايوس بعد نجاح الأخير في الحد من نفوذ أتالوس في آسيا الصغرى وتدعيم شعبية الأسرة السلوقية هناك ممثلة في شخصه وليس في شخص الملك.

وكان على انطيوخس أن يحدد أولوية لمجابهة خطري اخايوس ومولون فدعا مجلسه الحربي إلى الاجتماع لبحث مشكلة الثورة في الشرق وتحديد مدى الخطر الذي يمثله اخايوس في آسيا الصغرى واحتمال قيام تعاون بينه وبين بلاط الإسكندرية. واحتدمت خلال الاجتماع نقاشات مستفيضة حول رأي نادى به ابيجنس قائد الجيش بوجوب التحرك نحو الشرق مؤكداً أهمية ظهور الملك على رأس قواته في تلك الأقاليم، ورأي آخر نادى به الوزير هرمياس مفاده توجيه حملة لإخماد الثورة دون تعريض حياة الملك للمخاطر وانتهاز فرصة وفاة بطلميوس الثالث وانغماس خليفته بطلميوس الرابع في ملذاته وإعراضه عن شؤون الدولة لاستعادة جوف سورية من البطالمة وبذلك يفوّت على اخايوس فرصة قيام تعاون مثمر بينه وبين بلاط الإسكندرية. وبعد لأيٍ قرر المجلس إرسال حملة لإخماد الثورة في الشرق بقيادة ضابطين يدعى أحدهما (اكسنون) والآخر (تيودوتوس).

ولم يكتف هرمياس بتحقيق نصر على خصومه في مجلس انطيوخس الحربي وذلك بإرغامهم على الموافقة على خطته القائلة بعدم مشاركة الملك في قمع حركات العصاة وأن على الملك ألاّ يقاتل إلا ملوكاً. بل عمل على تضخيم خطر اخايوس في آسيا الصغرى وذلك عن طريق إبراز رسالة (ملفقة كما يعتقد الكثير من المؤرخين المعاصرين) من بلاط الإسكندرية إلى اخايوس يستحثه فيها على اغتصاب العرش. ورغبة في تمتين أواصر الصداقة مع بعض القوى المحلية في آسيا الصغرى وتحطيم شعبية اخايوس وتطويقه انتقى هرمياس لملكيه عروساً من بلاط كبادوكية (البونتية) وهي لاوديكي ابنة ميثريداتس الثاني. وبعد عقد الزواج في مدينة سلوقية على نهر الفرات (زيوجما) عاد انطيوخس إلى أنطاكية وبدأ استعداداته لاستخلاص جوف سورية من البطالمة. ويبدو أن انطيوخس المتأثر بهرمياس قد أخطأ في تقديره قوة الثائر مولون الذي مكنته سيطرته على إقليم ميديه من تجنيد قوات عسكرية ضخمة، وتأليب عدد من ولاة المقاطعات الشرقية ضد السلطة المركزية في أنطاكية، ولهذا لم يجرؤ القائدان اللذان أرسلهما انطيوخس على خوض معركة ضد مولون بل أقاما في استحكاماهما خارج إقليم بابل عندما اتجه مولون نحوهما، ولكن نجاح والي بابل الموالي لانطيوخس في مصادرة كافة القوارب النهرية العاملة هناك منعت مولون من اجتياز النهر والانقضاض على سلوقية دجلة عاصمة الإقليم. فأقام في شتاء تلك السنة 221ق.م في كتيسفون (طيفسون) المركز العسكري على الضفة المقابلة للمدينة.
ورداً على الاستغاثات التي أرسلها القائدان المتقوقعان في مراكزهما إلى أنطاكية وبعد اكتمال الاستعدادات لغزو جوف سورية (صيف سنة 221 ق.م) أرسلت أنطاكية قائداً يدعى (اكسنويتاس) على رأس قوات جديدة باتجاه الشرق، ومنحته صلاحيات دعوة جميع ولاة الشرق إلى العمل تحت قيادته. وعند مدينة سلوقية دجلة التقى اكسنويتاس بالولاة الموالين للشرعية في المقاطعات الشرقية مع قواتهم، وسار الجميع حتى ضفة النهر الغربية المقابلة لمواقع الثوار. واستمر الخصمان يرقبان بعضهما خلال النهر دون أن يجرؤ أحدهما على اجتيازه، وبعد مدة ليست بالطويلة اهتدى مولون إلى مكيدة للإيقاع بخصمه اكسنويتاس، وعندما أخلى مولون معسكره وتراجع شرقاً ظن اكسنويتاس أن مولون قنع من الغنيمة بالإياب وأغراه هذا العمل باجتياز النهر والإستيلاء على معسكر خصمه بل والاحتفال بذلك، وعندما عاد مولون ليلاَ سهل عليه تحيق نصر كامل على جيش معظمه من السكارى فرَّ معظم قادته. وبذلك أصبحت سلوقية دجلة العاصمة الشرقية للإمبراطورية مدينة مفتوحة ولقمة سائغة في أيدي الثوار.

وفي ذلك الوقت كان انطيوخس قد اجتاز الحد الفاصل بين ممتلكاته وجوف سورية والذي يقع في أول القسم القاحل من سهل البقاع بعد بحيرة قطينة (بالقرب من حمص) وبعد احتلاله بعلبك وعند طريق دمشق بيروت الحالي، وجد انطيوخس نفسه أمام خط دفاعي منظم -مؤلف من مستنقعات وادي (مارسواس) أو عميق وقب الياس الحالية وحصون (جرها) (مجدل عنجر) عند أول تلال لبنان الشرقية و(بروخي) (عين الباروكة أو الباروك)- يشرف عليه ضابطي يدعى (ثيودوتوس). ولم يكد انطيوخس يضع الخطط لاجتياز هذا الخط الدفاعي حتى وردته الأنباء عن هزيمة قواده في الشرق وسقوط سلوقية دجلة، وعندئذ أدرك انطيوخس ضرورة إيقاف الحملة ضد بطلميوس والعودة إلى أنطاكية لتدبير أمور الشرق.

وعندما عقد انطيوخس مجلسه للاجتماع أصّر هرمياس على موقفه السابق، في حين أيّد الجميع بما فيهم انطيوخس رأي القائد ابيجنس القاضي بوجوب توجه الملك شخصياً على رأس قواته لإخضاع الثائر. ويبدو أن هرمياس أدرك أخيراً أن احتمالات القضاء على مولون بجيش يقوده الملك شخصياً أصبحت أكبر، ولاحت له خيبة الأمل التي سيمنى بها فيما لو نجح الملك في ذلك، وكذلك الشعبية التي ستتكرس لصالح ابيجنس. ولذلك فقد أخذ يتحين فرصة مناسبة للإيقاع بابيجنس، وحانت فرصة هرمياس الذهبية عندما طالب جنود الحملة الشرقية المجتمعين في قاعدة أفاميا العسكرية (في سهل الغاب) باستحقاقاتهم والتي لم تستطع الخزانة الملكية الوفاء بها، وكاد أن يحصل تمرد بين الجنود لولا تدخل هرمياس الذي عرض على الملك أن يدفع استحقاقات الجنود من ماله الخاص مقابل عدم اصطحاب ابيجنس في الحملة، ولم يكن أمام انطيوخس خيار آخر فوافق على عرض هرمياس وأقال ابيجنس تمهيداً لإعدامه بعد إدانته بتهمة لفقها له هرمياس مفادها أن ابيجنس كان على صلة بالثائر مولون. وفي نهاية سنة 221ق.م بدأ الجيش السوري زحفه شرقاً وعبر الفرات إلى ميسوبوتامية. ونتيجة لاشتداد البرد اضطر الجيش إلى قضاء مدة ستة من أسابيع الشتاء القاسية في مكانه. وفي بداية ربيع سنة 220ق.م تابع الجيش تقدمه نحو الدجلة وتوقف عند مكان يدعى (ليبا) (المكان غير معروف وإن كان بعض مؤرخينا يرجحون كونه مقابل نينوى) ومن هذه النقطة كان يتفرع طريقان أحدهما يساير النهر والآخر داخلي عبر النهر، وقد تباينت الآراء داخل المجلس الحربي الملكي حول أي الطريقين يسلكه الجيش، وقد عرض هرمياس خطته القاضية بوجوب تتبع الطريق المساير للنهر ومحاولة تحقيق مفاجأة على قوات مولون من ناحية الشرق، في حين اعترض ساتراب بابل والمدعو (زيوكسيس) على خطة هرمياس، ورفضها شكلاً وموضوعاً بعد أن أبان للملك خطورتها التي تتلخص بجدب الجزء الجنوبي من منطقة ما بين النهرين بحيث يستحيل على الجيش الحصول على أية مؤونات طائجة، إضافة إلى وعورة مسالك بعض أجزائها وخطورة قنوات الري التي تحيط بمنطقة بابل في حالة سيطرة العدو على هذه القنوات. وأكد زيوكسيس على ضرورة اجتياز دجلة من أجل توفير المؤن الغذائية ومحاولة استمالة سكان مناطق شمال شرق الدجلة الذين أثبتت الأخبار الواردة تعاطفهم مع العرش السوري، وقد أكد زيوكسيس للملك -بمنطقية عسكرية معقولة- أن نجاح خطته سيؤدي بالتالي إلى قطع خطوط مواصلات الثائر مولون عن مركز ثورته في مقاطعة ميدية. ورغم معارضة هرمياس لخطة زيوكسيس إلا أن قناعة انطيوخس بصوابها وأفضليتها على خطة هرمياس لم تدع مجالاً لهرمياس للاستغراق في شرح أفضلية خطته، وسرعان ما صدرت الأوامر الملكية باجتياز النهر فأذعن هرمياس على مضض. وبعد عبور الجيش نهر الدجلة على ثلاث دفعات تقدم جنوباً إلى «بارابوتامية» وهي المنطقة التي شكلت أول مناطق امتداد ثورة مولون، وكانت بعض كتائب مولون تحاصر إحدى مدن المنطقة التي رفضت تأييد مولون في ثورته وتدعى (دورا) وقد تمكن الجيش الملكي من فك الحصار عن المدينة بسهولة وأقام فيها لمدة ثمانية أيام. وكان مولون في تلك الفترة يحاول جاهداً تركيز دفاعه ضد سحر قيادة الملك قواته شخصياً. وتروي مصادرنا القديمة أن مولون لم يكن بإمكانه الاتكال على إخلاص سكان المقاطعات التي غزاها سابقاً والتي دانت له بالطاعة مكرهة، ولا الوثوق بالإغريق الذين يشكلون معظم قواته. وعندما اتضحت أمامه خطورة اتجاه الملك لقطع خطوط مواصلاته في ميدية، أسرع باجتياز الدجلة مؤملاً إيقاف تقدم الجيش الملكي في واحد من المضائق القاحلة في منطقة قريبة متكلاً في محاولته هذه على إخلاص جنوده من مرتزقة (الأكراد) الذين كانوا يخدمون في جيشه بصفتهم رماة.

وعندما التقى الجيشان وجهاً لوجه تمكن مولون من هزيمة الجناح الأيسر للجيش الملكي الذي كان يقوده هرمياس وزيوكسيس، في حين لم يتمكن أخاه المدعو (نيولاوس) من الصمود أمام هجمة الجناح الأيمن للجيش الذي كان يقوده الملك شخصياً، وعندما أدرك مولون عقم أية محاولة للدفاع أقدم وعدد من أخلص أتباعه على ارتكاب عملية انتحار جماعية، في حين فرّ أخاه نيولاوس إلى مركز الثورة في ميدية حيث قام بالإجهاز على جميع أفراد أسرة مولون خشية وقوعه في الأسر.

وبعد قيام انطيوخس بصلب جثة مولون -حسب الطريقة الفارسية في معاقبة الثوار- أوقع عقوبات صارمة ببعض العسكر بين من أتباع مولون، وعقد مصالحة مع بقيتهم، وأوكل إلى هؤلاء قيادة قوات مولون باتجاه ميدية لإعادة تنظيم الولاية تحت إشرافه، في حين تحرك هو بقواته نحو (سلوقية دجلة). وبدأ منذ ذلك الحين يتصرف بشكل مغاير لما يرتأيه وزيره المتعنت. وفي سلوقية دجلة أصدر انطيوخس أوامر بإلغاء أحكام الإعدام بالجملة التي حكم بها وزيره على أنصار مولون، كما أنقص الغرامة التي فرضها هرمياس على المدينة نفسها من 1000 تالانت إلى مائة وخمسين، وكافأ عدداً كبيراً من أتباعه المخلصين، وقام بإعادة تنظيم المناصب الإدارية والعسكرية في ميدية وبعض الساترابيات الأخرى.

حملة الشرق الأولى


ورأى انطيوخس بعد ذلك كله ضرورة تأكيد السيطرة الملكية على الأقاليم القاصية من الإمبراطورية، وعندما أصدر أوامره بالإعداد لهذه الحملة الشرقية عبر جبال زاجروس لمهاجمة والي مقاطعة ميدية الصغرى المدعو ارتابازانس الذي لم يعلن ولاءه، عارض هرمياس كعادته هذه الفكرة متعللاً بالسبب نفسه الذي طرحه قبل بدء الحملة.

ولكن عندما وصلت أنباء من العاصمة بأن الملكة قد وضعت ذكراً تغير موقف الوزير وأسهم بجهد محمود في عملية الإعداد للحملة. ويبدو أن فكرة موت الملك في هذه الحملة قد لمعت في ذهن الوزير الداهية ودارت في خلده أحلام السيطرة على مقاليد الأمور بحكم ما سيسند إليه من مناصب بما فيها منصب الوصاية على الملك الطفل في تلك الحالة. ولكن الرياح جرت عكس ما توقعه الوزير، إذ أن حجم وماهية الحملة التي قادها انطيوخس أقنعت الوالي غير الموالي ارتابازانس بصواب فكرة إعلان ولائه للملك وقبول شروطه.

ويبدو أن النجاح والهيبة التي اكتسبها انطيوخس بعد عودته إلى سلوقية دجلة للمرة الثانية قد أيقظت في نفسه الميل إلى الوحدانية في الحكم وعدم الاعتماد على مستشارين يشكلون خطراً على سلطته، ولم يعد انطيوخس يحتمل وصاية هرمياس الوقحة. ووجدت نصائح الطبيب (ابولوفانس) طريقها إلى أذن الملك بخطر هرمياس. ولا تعرف التهمة التي وجهها انطيوخس إلى هرمياس عندما أمر بإعدامه سنة 220ق.م. ولكن من المعروف أن الجنود هللوا فرحة لمصرع هرمياس وعادوا مع مليكهم إلى عاصمته أنطاكية بعد وصول أنباء تفيد باستعداد اخايوس ابن عمه ونائبه في آسيا الصغرى للتمرد على السلطة الملكية.

اخايوس يحاول اغتصاب السلطة


ويعلل المؤرخون تحرك اخايوس (الذي استرد في حربه ضد اتالوس البرجامي معظم ما فقده العرش السوري بعد الحرب السورية الثالثة) بدسائس بلاط الاسكندرية إضافة إلى النشوة التي أحدثتها انتصارات اخايوس في نفسه، وبدلاً من أن يتابع تضييق الخناق على إمارة برجامة المعادية تخلى بدءاً من سنة 220ق.م عن وفائه لابن عمه، واستغل فرصة انشغال انطيوخس بحملته الشرقية، وخرج من سارديس (في آسيا الصغرى) على رأس جيش كبير لتحقيق أطماعه في العرش السوري، وفي طريقه باتجاه أنطاكية، وفي مدينة اللاذقية (في فروجيه) ارتدى (الدياديما) وأعلن نفسه ملكاً أمام جنوده. ويبدو أن اخايوس لم يعتبر من الأخبار التي وردت عن ثورة مولون ولم يفطن إلى أن معظم جنوده من العناصر الإغريقية المقدونية بخاصة سيمتنعون كما امتنع جنود مولون عن مجابهة الملك الشرعي انطيوخس، ولم يستطع اخايوس بعد تقدمه باتجاه طوروس أن يستعيد ثقة جنوده الذين أعلنوا سخطهم إلا عندما صرح لهم أنه في سبيله إلى إخضاع القبائل التي أعلنت خروجها عن السلطة المركزية منذ فاتحة حملته ضد اتالوس. وعندما انصرف اخايوس فعلاً إلى مجابهة القبائل في لودية أتاح المجال أمام اتالوس لاستعادة معظم ما استرده اخايوس سابقاً، ورغم استياء انطيوخس من ابن عمه إلا أنه رأى من الحكمة ألا يعترض لهذا الخصم الذي كان ملك مصر يحاول استمالته إلى جالنبه، مقدراً أن قوة اتالوس واخلاص جنود اخايوس للعرش سوف يكبحان أية محاولة للخروج على السلطة المركزية مرة ثانية.

الحرب السورية الرابعة


ويخبرنا بوليبيوس عن عزم انطيوخس بعد عودته إلى أنطاكيا على الإسراع باستخلاص جوف سورية من البطالمة مستغلاً فرصة وفاة بطلميوس الثالث وتسلم ابنه العابث بطلميوس الرابع زمام الأمور، ولذلك فقد عقد مجلساً حربياً بعد عودته المظفرة من الشرق للتشاور فيما يمكن عمله، ووافق المجلس بالإجماع على فكرة الملك وكذلك على إشارة الطبيب ابولوفانس بضرورة تحرير سلوقية (على نهر العاصي) التي كانت ترزخ تحت وطأة الحكم البطلمي منذ الحرب السورية الثانية 246-245ق.م، وصدرت الأوامر إلى قائد الأسطول السوري بمحاصرة سلوقية بحراً، وقام انطيوخس بحصارها براً في حين تابعت قوة عسكرية ثالثة تقدمها جنوباً للتمهيد لغزو جوف سورية.

ويبدو أن الظروف كانت تمهد لانطيوخس مسيرة الظافر، إذ ساعد انصراف بطلميوس الرابع العابث عن مهام الدولة، وانهماك وزيره في مؤامراته لدعم مركزه وتحطيم معارضيه على تحرير سلوقية (على نهر العاصي) بعد مقاومة طفيفة سنة 219ق.م. وكان ثيودوتوس الحاكم البطلمي لمنطقة البقاع -الذي تمكن سنة 221ق.م من صد أولى هجمات انطيوخس قبل قيامه بالتوجه شرقاً والقضاء على مولون الذي أحس بتنكر بلاط الإسكندرية له ولخدماته. وهذا ما توحي لنا به الرسالة التي أرسلها ثيودودتوس إلى انطيوخس يلتمس فيها الدخول في طاعته ويعرب له عن استعداده لتسليم البقاع. ولم يكذب انطيوخس خبراً إذ خف على رأس قواته واحتل بمساعدة ثيودوتوس معظم حصون البقاع، ولم يعبأ بامتناع بعضها بل تابع تقدمه في فلسطين بعد احتلاله صور وعكا، وكان بطلميوس قد علم بانقلاب ثيودوتوس فأصدر أمراً بعزله وتعيين القائد (نيكولاوس) بدلاً عنه بعد تجهيزه بقوات إضافية. وعندما وصل هذا القائد إلى بلدة (دورا) جنوبي الكرمل في فلسطين أدرك ضعفه واستحالة تحقيق أي نصر في معركة حاسمة ضد انطيوخس. لذلك فقد صمد في مواقعه وساهم في ترويج شائعة مفادها أن الجيش البطلمي كان متجمعاً بكامل قواته عند بلوزيون وأن بإمكان انطيوخس الحصول على جوف سورية عن طريق المفاوضات السلمية. ولما كان الشتاء قد اقترب بشكل يتعذر معه الاستمرار في العمليات الحربية، ووصول أنباء تفيد بتعاظم نشاط ابن عم الملك اخايوس في آسيا الصغرى، فقد قبل انطيوخس بهدنة الأربعة شهور التي عرضها بطلميوس وعاد إلى عاصمته ينتظر المفاوضات المزعومة.

وحقيقة الأمر أنه عندما بدأ انطيوخس زحفه لم يكن الجيش البطلمي مستعداً للقائه، واتضح أمام البلاط البطلمي مدى تصميم انطيوخس على حسم موضوع جوف سورية لصالحه رغم غموض موقف ابن عمه اخايوس في آسيا الصغرى. ولذلك لم يكن أمام بلاط الإسكندرية سوى نشر الإشاعات عن مدى استعداد الجيش البطلمي وتضخيم خطر أخايوس في الشمال والتلويح بإمكانية حسم الصراع عن طريق المفاوضات، في محاولة لكسب الوقت والإسراع في تجهيز جيش جديد يقوم على تدريبه أفضل الضباط المرتزقة من الذين تستطيع النقود ابتياع خدماتهم.

وفي شتاء سنة 219-218ق.م أمّت أنطاكيا عدد من الوفود البطلمية المفاوضة والتي كانت تبغي إطالة أمد المفاوضات ريثما يكمل الجيش البطلمي استعداداته، وفي أثناء المفاوضات تمسك انطيوخس بحق أسرته في حكم جوف سورية في حين شددت الوفود البطلمية على مفعول مرور الزمن وأن العرش البطلمي لم ينقطع عن حكم هذا الجوف منذ اثنين وثمانين سنة، وعندما تناهى إلى سمع آخر وفد مفاوض أن الجيش البطلمي أكمل استعداداته أثار مشكلة اخايوس وأن شروط الصلح يجب أن تتضمن مصلحته في آسيا الصغرى. وعندها أدرك انطيوخس هدف البطالمة الحقيقي من المفاوضات وعبث الاستمرار بها فقطعها واستدعى في ربيع سنة 218ق.م قواته لاستكمال تحرير جوف سورية بغزوها من البر والبحر.

وعندما أبحر الأسطول السوري جنوباً باتجاه الشواطئ المصرية انطلق انطيوخس بجيشه من سلوقية على نهر العاصي إلى ماراثوس = (عمريت) ومنها إلى كالاموس (القلمون) حيث أحرقها بعد امتناع حاميتها، ثم احتل بورتوس (البترون) وبيروت، وعند نهر الداموروس (الدامور) التقى انطيوخس بأسطوله في حين كان القائد البطلمي نيكولاوس يحصن قواته عند ممر (بلاتانوس) شمالي صيدا بمساعدة قوة بحرية مؤلفة من ثلاثين سفينة حربية وعدد كبير من سفن التموين. وتمكن انطيوخس بعد مناوشات سريعة من إكراه نيكولاوس وأسطوله على خوض معركة برية وبحرية أدت إلى استيلاء انطيوخس على الممر الاستراتيجي وتراجع القوات البطلمية والاحتماء داخل أسوار صيدا.

ولم يضع الملك المنتصر وقته في محاولة حصار صيدا لمناعة أسوارها، بل أمر أسطوله بالتقدم تجاه صور، ويمم وجهه باتجاه فلسطين مار بصفد، فاستولى على (فيلوتريه) على الضفة الغربية لـبحيرة طبرية ثم على سكوثوبوليس وعلى بيسان و(أتابوريون) على جبل طابور. ولم يمض وقت طويل حتى أدرك حكام طبرية وكورة عجلون وجرش وغيرهم استحالة المقاومة فأعلنوا استسلامهم. وكان لاستسلام جرش -وكانت تعتبر من أمنع الحصون البطلمية شرقي الأردن- أثر عظيم على حسم تردد سكان الصحراء من الأعراب الذين أعربوا عن تأييدهم انطيوخس فجيَّش منهم حوالي عشرة آلاف مقاتل بقيادة زبدى بعل. ولما علمت السلطات البطلمية في فيلادلفية (عمان) بخروج هذه القبائل على طاعتها أرسلت بعض الكتائب لمعاقبتها، فرد انطيوخس على هذا العمل بمهاجمة عمان نفسها وتمكن من الاستيلاء عليها بعد مقاومة يائسة. ومنها وجه انطيوخس خمسة آلاف من مشاته لتأمين خضوع السامرة في حين عاد مع معظم جيشه إلى بطلمايه (عكا) لقضاء فصل الشتاء، في الوقت الذي كان فيه تدريب القوات البطلمية قائم على قدم وساق.

ويبدو أن الأخبار من آسيا الصغرى التي أكدت لانطيوخس سيطرته على الموقف هناك، أتاحت له المجال لاستئناف القتال في ربيع سنة 217 في محاولة لإكراه بطلميوس الرابع على الاعتراف بسيادته على جوف سورية. وعندما تحرك انطيوخس من عكا كان جيشه يتألف من اثنين وستين ألفاً من المشاة وستة آلاف من الفرسان وعشرة آلاف من الأعراب، بالإضافة إلى مئة واثنين من الفيلة الهندية وهي أقوى من الفيلة الإفريقية التي كان يستخدمها البطالمة. في حين كان الجيش البطلمي يتألف من خمسين ألفاً من المشاة وخمسة آلاف فارس وثلاثة وسبعين فيلاً أفريقياً. وإذا كان الجيش السوري يمتاز بمهارته في الحروب وترفع من معنوياته الانتصارات التي حققها آنفاً، فإن الجيش البطلمي كان قد أُعد إعداداً ممتازاً بعث الثقة في نفوس قواده لدرجة أنهم لم يقنعوا كما فعل من سبقهم من فراعنة وملوك تصر بالدفاع عن خط النيل الشرقي الذي فشل أمامه كثير من الغزاة بل خاطروا بالتقدم عبر الصحراء وبإطالة خطوط تموينهم لملاقاة الجيش السوري.

وفي منتصف حزيران من السنة نفسها كان انطيوخس قد تخطى (رفح) -أكبر مدن فلسطين الجنوبية- باتجاه معسكرات الجيش البطلمي على بعد تسعة كيلو مترات جنوبي المدينة. وفي الثاني والعشرين من الشهر نفسه التقى الجيشان وكان فيلق كل منهما في القلب يحيط به من الجانبين بقية من المشاة الآخرين ويحيط الفرسان بالمشاة في الجناحين. وكان بطلميوس يقود الجناح الأيسر وقد اصطف أمامه أربعون فيلاً أفريقياً، في حين كان انطيوخس يقود الجناح الأيمن لقواته وأمامه ستون من الفيلة الآسيوية. وتذكر المصادر الأدبية القديمة أنه عندما صدرت الأوامر ببدء القتال تمكن الجناح البطلمي الأيمن من هزيمة جناح انطيوخس الأيسر، في حين لم تستطع الفيلة البطلمية الصمود أمام هجوم الفيلة السورية، فولت مدبرة وداست بتراجعها عدداً كبيراً من الجنود، فاستغل انطيوخس نجاح فيلته وأطبق بفرسانه من المرتزقة الإغريق على ما تبقى من الجناح البطلمي الأيسر وأجهزوا عليه، وكان باستطاعته تحقيق نصر حاسم فيما لو تابع تطويق قلب العدو ثم ميمنته، إلا أن حميته بعد تحطيم الجناح البطلمي المعادي الذي كان يقوده بطلميوس شخصياً دفعته إلى الابتعاد أكثر مما يجب في مطاردة الهاربين، وترك قلب جيشه وميسرته المؤلف من اللوديين والإعراب والميديين والآسيويين الآخرين دون قيادة حكيمة، وقد تمكن بطلميوس في أثناء مطاردة أنطيوخس لفرسان الأول من استخلاص نفسه من قيادة الجناح الأيسر الفار والتقدم لقيادة قلب جيشه الذي لم يكن قد اشترك بعد في منازلة قلب جيش انطيوخس. وعندما التقى قلبا الجيشين وجناحاهما مكشوفين تميز جيش بطلميوس بوجود قائده على رأسه، ولم يستطع قلب جيش انطيوخس أن يصمد أمام قلب الجيش المعادي. وعندما عاد انطيوخس من مطاردة الجناح البطلمي الأيسر لم يتمكن أكثر من لمِّ شعث جيشه والتراجع به نحو رفح بعد أن خسر عشرة آلاف من المشاة وثلاثمئة فارس وأربعة آلاف أسير. في حين خسر بطلميوس ألفا وسبعمئة من المشاة وسبعمئة من الفرسان وجميع فيلته كما يذكر ذلك المؤرخ بولوبيوس. وقد أسرع أنطيوخس بعد وصوله إلى رفح باتجاه أنطاكية خشية أن يستثمر ابن عمه اخايوس في آسيا الصغرى نتائج المعركة لصالحه. وإزاء مخاطر عداء الشمال والجنوب له اضطر انطيوخس إلى إيفاد أحد أقربائه ويدعى (انتيباتروس) لمفاوضة بطلميوس في عقد الصلح لمدة سنة واحدة، فوافق بطلميوس وأوفد وزيره سوسيبيوس إلى أنطاكية لإبرام المعاهدة التي نصت على تنازل انطيوخس عن حقوقه في سورية المجوفة واحتفاظه بسلوقية على نهر العاصي. وكان من أبرز نتائج هذه المعركة تكريس النفوذ البطلمي في فلسطين وجوف سورية، هذا التكريس الذي دفع بطليموس الرابع إلى القيام بزيارة تفقدية لمنطقة جوف سورية وزيارته بيت المقدس حيث تبرر الروايات اليهودية عداء بطليموس الرابع لليهود بطلب الملك البطلمي من اليهود السماح له بزيارة قدس أقداس الهيكل ورفض اليهود هذا الطلب.

القضاء على أخايوس


ولم يكن الفشل الذي أصاب انطيوخس في معركة رفح ليثني ملكاً مثله عن خطته الرامية إلى إعادة بناء إمبراطورية أجداده، بل دفعه بحماس أكبر وسرعة أكثر نحو هذا الهدف، ولذلك فإنه ما أن ضمَّدَ جراحه وإعادة تشكيل وتدريب قواته حتى بادر إلى تسوية علاقاته مع اتالوس ملك برجامه والعدو الطبيعي للبلاط السوري وتحييده قدر الإمكان في صراعه ضد اخايوس، الذي تعاظم خطره بشكل مريع يهدد بقاء إمبراطورية انطيوخس، ولا يعرف الكثير عن سير حوادث الحرب بين الملك وابن عمه باستثناء ما استخلصه بعض مؤرخينا من المصادر القديمة والغامضة من أن الحرب استمرت في الفترة ما بين 216-215ق.م وأن انطيوخس نجح في إكراه أخايوس على الفرار ومطاردته، وأن نجدة البلاط البطلمي المؤلفة من عدد من الجنود المرتزقة لم تفلح في رفع حصار انطيوخس عن سارديس عاصمة أخايوس التي سقطت سنة 214ق.م.

وقام أحد الضباط الذين كُلِّفوا بتدبير وسيلة لهروب أخايوس بتسليمه لانطيوخس الذي أمر أن تنفذ في ابن عمه العادة المحلية المتبعة في معاقبة الخارجين عن القانون، فقُطِّعت أطرافه ورأسه التي خيطت إلى جلد حمار ثم صلب جسده في مكان عام سنة 213ق.م. وهكذا تخلص انطيوخس من متاعب ابن عمه واسترد معظم ممتلكات أسلافه في آسيا الصغرى ومنح بعضها وبخاصة المناطق الساحلية الغربية إلى أتالوس البرجامي تنفيذاً للاتفاق الذي أجراه معه قبل القضاء على أخايوس.

حملة الشرق الثانية


ويبدو أن فشل انطيوخس السابق في رفح لم يؤد فقط إلى تعاظم خطر ظهور مثل هذه المشاعر في أقاصي الإمبراطورية الشرقية إلا أنه فضل الانتظار ريثما يدفع عن حدوده خطراً قريباً. وهذا ما يؤكده لنا اتجاه انطيوخس في العام الذي تلى القضاء على اخايوس 212ق.م باتجاه ولاياته الشرقية في أواسط آسيا عن طريق آسيا الصغرى. وكان الوضع في آسيا الصغرى يسير بمعظمه في صالح العرش السورية، فقد كان ملكا كبدوكية البونتيه وكبدوكيه الجنوبية حليفين بموجب معاهدات صداقة ومصاهرة، كما كان ملك بيثوثية ملزماً بالتقرب نحو العرش السوري بدافع خوفه من أتالوس البرجامي. بيد أن (اكسركس) ملك أرمينية كان قد امتنع منذ مدة عن دفع الجزية المفروضة مؤملاً الإفادة من النزاع القائم بين انطيوخس من جهة وبطلميوس وأتالوس من جهة أخرى، ولكن الهدنة مع بطلميوس والقضاء على أخايوس والمعاهدة مع أتالوس حطمت آمال اكسركسس لدرجة أنه ما أن سمع باتجاه انطيوخس نحوه حتى فتح أبواب عاصمته (ارساموساتا) أوكرم وفادة مليكه وسلمه كافة أموال الجزية المتأخرة والتي بلغت 300 تالانت (وزنه) وهدية مؤلفة من ألف رأس من الخيل وألف آخر من البغال، فقابله انطيوخس بأن عرض عليه يد أخته لتوطيد أواصر الصداقة والتعاون، فوافق اكسركسس وعاد انطيوخس بعد عقد القران إلى أنطاكية للاستعداد لحملة الشرق الكبرى.

وفي سنة 210 عبر انطيوخس بجيشه الفرات، وفي صيف سنة 209ق.م وصل إلى ميدية (وهي ولاية خاضعة). وفي عامتها اكياتانا ضرب نقوداً ذهبية باسمه تقدر قيمتها بأربعة آلاف تالانت من الذهب كانت آخر قسم من الكنوز الفارسية التي استولى عليها الاسكندر فيما سبق. وفيها أيضاً أعلن ابنه انطيوخس (الرابع فيما بعد) وكان لا يزال في الحادية عشرة من عمره ولياً لعهده. وفي تلك الأثناء كان (ارساكس) الثالث ملك بارثيه قد ارتقى العرش لتوه. ولم يكن يتصور أن انطيوخس سيغامر بالاتجاه نحو ولايته بعد خروجه من ميدية –بسبب بعد المسافة عنها-، وعندما تأكد من وجهة انطيوخس أخلى عاصمته (هكاتومبولوس) والتجأ إلى جبال (هوركانيه) بالقرب من الزاوية الجنوبية الشرقية لبحر قزوين. وقرر انطيوخس بعد استراحة في العاصمة البارثية المخلية اجتياز الصحراء المالحة وتعقب ارساكس رغم نصيحة عدد كبير من الوطنيين المحليين له بالعدول عن ذلك، وبعد مشاق مذهلة في اجتياز الصحراء تمكن انطيوخس من إكراه ارساكس على طلب الصلح والتعهد بتأدية الذمم المستحقة نحو الخزانة الملكية وعقد معاهدة صداقة حوالي سنة 209/208ق.م.

وفي السنة التالية تحرك انطيوخس باتجاه باكتريه، وكان ملكها (يوثوديموس) قد سمع بأخبار انتصارات الملك السوري غير أنه لم يتعظ بعقم المقاومة معتمداً على وفرة وبراعة خيالته من الباكتريين -وكانوا أفضل فرسان العصر- وعددهم يقارب العشرة آلاف. ويبدو أن انطيوخس قد أدرك قوة سلاح خصمة وتميزه، فاستخدم سلاح الليل لصالحه وقاد شخصياً عدداً من أخلص وأكفأ خيالته في هجوم مفاجئ بدد بنتيجته عدداً كبيراً من الفرسان الباكتريين وأسر بعضهم وفرّ بعضهم الآخر نحو معسكر مليكهم في (باكترا) =بلخ. ورغم أن الملك فقد بنتيجة هذا الهجوم حصانه وعدداً من أسنانه، إلا أنه تابع طريقه بسرعة وضرب حصاراً على بلخ كان شديداً لدرجة أقنعت يوثوديموس بصواب فكرة التفاهم مع انطيوخس فعرض عليه صلحاً تعهد بموجبه بإمداد انطيوخس بفيلة حربية ومؤونات طازجة والاعتراف بسيادة انطيوخس لقاء السماح له بحمل اللقب الملكي، وقد وافق انطيوخس على هذا العرض ووعد يوثوديموس بتزويج ابنه دمتريوس من إحدى بنات الملك السوري.

ومن باكتريه استأنف انطيوخس سيره المظفر جنوباً حتى حوض نهر السند، وكان (اسوكا) حفيد تشاندرا جوبتا في الهند قد توفي لتوه، ونشأت سلسلة من النزاعات الأسرية كان أقوى مرشح الخلافة فيها قائد يدعى (سوفاجاسنوس)، ولم يكن انطيوخس والحالة هذه بحاجة إلا إلى تأييد أحد المتنافسين على العرش الهندي ليظفر بولائه، وهذا ما فعله حين قام بتأييد سوفاجاسنوس وتثبيته ومنحه صلاحيات واسعة مقابل تزويد جيش انطيوخس بعدد من الفيلة ومبلغ كبير من المال والاعتراف بسيادة التاج السوري. وبعد ذلك اتجه انطيوخس غرباً نحو عاصمته الشرقية سلوقية على نهر الدجلة فوصلها سنة 205ق.م واتخذ منذ هذا التاريخ لقب الملك الأكبر أسوة بملوك الفرس القدماء وبدأت المصادر الإغريقية تدعوه «انطيوخس الأكبر» أو «انطيوخس العظيم» وأحياناً «انطيوخس نيكاتور». ومثلما فكر الاسكندر بعد إتمام غزوه للإمبراطورية الفارسية، فقد فكر انطيوخس العظيم في ضرورة ضمان ولاء القبائل التي كانت تمارس بنجاح التجارة مع الهند وبخاصة الأجزاء الجنوبية منها. وكان الطريق البري للتجارة الهندية يقع تحت سيطرة دولة عربية تقع على الساحل الغربي للخليج العربي تدعى (جرها) وهو على اسم عاصمتها، وكانت هذه الدولة صغيرة من حيث الحجم وقلة عدد السكان إلا أنها كانت منظمة بشكل جيد ولها علاقات تجارية واسعة مع البتراء عاصمة الأنباط ومكة والمدينة وكذلك اليمن وبابل وجنوب سورية، لذلك فقد عقد انطيوخس العزم على مهاجمة هذه الدولة، وأبحر من الدجلة إلى الخارج العربي، ولكنه لم يكد يصل إلى سواحل (تولوس) =البحرين، حتى وصلته رسالة من شيوخ الجرهائيين يذكرونه فيها بعلاقاتهم الطيبة مع العرش السوري في عهد سلوقس الأول وخلفائه ويعلنون ولاءهم واستعدادهم لتقديم كل ما يطلبه منهم. وأرسلوا كما تذكر المصادر وبخاصة بولوبيوس كمية من الفضة وأخرى من المنتجات الهندية من التوابل فعاد انطيوخس إلى سلوقية دجلة بعد قيامه بزيارة سريعة إلى جزر البحرين وتقديم أهلها له هدية من اللؤلؤ.

الحرب السورية الخامسة


وعندما وصل انطيوخس إلى عاصمته أنطاكية على نهر العاصي، أخذ يعد العدة ليثأر لفشله في معركة رفح واسترداد ممتلكاته في سورية وآسيا الصغرى وتراقيه، فقد أعاد بحملته الشرقية التي تستحق الإعجاب وحدة الإمبراطورية على أساس متين وأظهر قوته أمام ولاته الآسيويين وأمام العالم أجمع، واكتسب مكانة رفيعة لدرجة أصبح معها حديث الساعة في دولته وفي الخارج.

ويبدو أن الظروف الدولية كانت تمهد له لتحقيق هدفه في تحرير ممتلكات أسلافه. فقد سيطر الخمول على السياسة المصرية بعد معركة رفح، فاكتفى بطلميوس الرابع بما توصل إليه من أمجاد حربية بعد تلك المعركة وأسند إلى وزيره سوسيبيوس وأعوانه تصريف شؤون الدولة وانصرف بنفسه إلى حياة الدعة والمجون حتى مماته سنة 203ق.م. وزاد الطين بله حينما آل عرشه إلى ابنه بطلميوس الخامس وكان طفلاً في السادسة من عمره واغتصب الوصاية عليه سوسيبيوس وجماعته، فانحدروا بالمملكة إلى حالة من الضعف والمهانة لم تصل إليها من قبل. وهكذا فقد نشطت في العالم الهيلنستي ثلاث قوى هامة هي روما وسورية ومقدونية، وبدا أنه لا مفر من انهيار التوازن الدولي الذي قام في منتصف القرن الثالث. وكنتيجة حتمية لضعف مصر السياسي فقد بدأت تتقرب إلى فيليب ملك مقدونية وكذلك إلى روما الدولة الناشئة في غرب البحر المتوسط وبخاصة بعد انتصار الأخيرة على قرطاجة في معركة «زاما» سنة 202ق.م. ويبدو أن مصر كانت ترغب من تقربها أن تنتصر لها مقدونية أو روما في صراعها المتوقع ضد انطيوخس، ولكن هذا التقرب وبخاصة من روما لم يتجاوز حد العلاقات التجارية وتبادل المجاملات في الوقت الذي لم يكن فيليب المقدوني على مستوى الثقة التي أولاه إياها العرش البطلمي رغم محاولة خطبة ولي العهد البطلمي إحدى كريماته، فقد كان فيليب ملكاً طموحاً يحاول جاهداً التوسع على حساب ممتلكات جيرانه. ورغم أنه لم يكن على علاقات جيدة بأنطيوخس إلا أنه التقى معه في هدف اقتسام ممتلكات مصر الخارجية وبخاصة بعد احتدام الصراع بين وصي العرش البطلمي سوسيبيوس وبين بعض أعوانه وبروز وصي جديد يدعى (اجاثوكلس).

ولم تكن بنود الاتفاق السري الذي عقده انطيوخس مع فيليب المقدوني لاقتسام الممتلكات المصرية على ما يبدو واضحة تماماً، وبات كل من الملكين يمني النفس بفرصة مناسبة للانقضاض على غنائم شريكه، وفي حين لم يكن انطيوخس بحاجة إلى تغليف نواياه فكشف القناع عنها، تمسك فيليب بقناعه وحاول قدر الإمكان الظهور أمام العرش البطلمي بمظهر المدافع عن ممتلكات مصر الخارجية. ويبدو أن فيليب قد لعب هذا الدور المزدوج ليتفادى الاشتباك مع انطيوخس، وليتسنى له خلال الصراع المتوقع بين أنطيوخس والعرش البطلمي أن يغزو الأقاليم التي يرغب في ضمها إليه تحت ستار حمايتها من انطيوخس، وبموجب أحد بنود الاتفاق السابق الذي أطلق يد فيليب في الممتلكات المصرية في بحر ايجة قرر فيليب مهاجمة هذه الممتلكات وبدأ بمهاجمة بعض المدن الإغريقية الحرة في بحر ايجة.

وفي الوقت نفسه هب انطيوخس مستغلاً الاضطرابات والمنازعات بين أوصياء العرش البطلمي ينفذ ما اتفق عليه مع فيليب، وجرد حملة في سنة 201ق.م احتل بموجبها معظم مدن جوف سورية. وفي هذا الظرف الحرج وفد على الإسكندرية وقد روماني غايته الظاهرة إعلان انتصار روما على قرطاجة، والباطنة إظهار تأييد روما للعرش البطلمي. وأدرك أنطيوخس مغزى هذه الزيارة، فاتجه سنة 199ق.م بجيشه شطر آسيا الصغرى لمعاونة حليفه فيليب المقدوني في حربه ضد برجامه، مما أغرى (سكوباس) -الوصي الجديد على العرش البطلمي بعد جاثوكلس- بتجريد حملة تمكنت من طرد الحاميات السورية من فلسطين. وعندما سمع انطيوخس بما قام به سكوباس وقرر الرد على هذا العمل فوراً وردت إلى انطيوخس رسالة من روما تطلب إليه فيها مراعاة مصالح حليفها أتالوس البرجامي، ولما لم يكن انطيوخس يثق كثيراً بحليفه فيليب إضافة إلى رغبته في تحييد روما في حرب استرداد جوف سورية من البطالمة وأولوية هذه الحرب في مخططاته، فقد سارع سنة 198ق.م إلى عبور طوروس ومنها إلى أفاميا فبانيون -التي يعتقد أنها بانياس عند منبع نهر الأردن- حيث أَنزلَ بالجيش البطلمي هزيمة كاملة تمكن بنتيجتها من تحرير كافة جوف سورية من النفوذ البطلمي إلى غير عودة. وكان انطيوخس في مركز عسكري وسياسي يسمح له بغزو مصر نفسها لكن التطورات الدولية بين روما ومقدونية لم تمكنه من ذلك.

الصدام مع روما


وكانت روما قد اختلفت مع فيليب المقدوني حول السيطرة على بعض مناطق بلاد اليونان الشمالية الغربية، وقد أدى هذا الخلاف إلى احتلال روما بعض هذه المناطق وقيام فيليب بعقد معاهدة تحالف مع هانيبال سنة 215ق.م آملاً في أن يساعد على انتصار هانيبال ويفوز على الأقل بطرد الرومان من شبه الجزيرة اليونانية.

ويبدو أن روما قد أحست بخطر هذا التحالف فعملت على توجيه أنظار فيليب نحو الشرق وتحييده في الصراع بينها وبين قرطاجة في غربي المتوسط، ولاشك أن فيليب قد أدرك خطر الصدام مع روما وأغراه الفراغ السياسي في شرق البحر المتوسط في تلك الآونة، ولذلك فقد عقد مع روما في 205ق.م معاهدة فوينيكي التي أتاحت له قدراً معيناً من حرية العمل في الشرق تكفي لتحقيق أطماعه.

ولم تكد روما تحقق نصراً على غريمتها قرطاجة حتى تنكرت كعادتها لبنود المعاهدة التي عقدتها مع فيليب وطفقت تبحث عن سبب لإعلان الحرب عليه، واستغلت دعوة أرسلتها حليفتاها في تلك المرحلة رودوس وبرجامه لمجابهة خطر فيليب وأرسلت جيشاً وأسطولاً حققا على فيليب نصرا ًساحقاً في معركة (كونوس كيفالاي) في تساليه سنة 197ق.م ، وأرغمته على التوقيع على معاهدة حولته بنودها إلى تابع صغير لروما في بلاد اليونان.

ورأى أنطيوخس الثالث في الحرب بين فيليب وروما فرصة سانحة لاسترداد مملتكاته الوراثية في آسيا الصغرى وتراقيه، وكذلك فرصة لمساعدة فيليب وذلك عن طريق بعثرة الجهود السياسية والعسكرية الرومانية التي ستحاول الانتصار حتماً لبعض المدن المستقلة التي يزمع انطيوخس التعرض لها. وفي حين كان سفراء انطيوخس يؤكدون لروما صداقة مليكهم كان انطيوخس يجدّ خلال شتاء سنة 198/197ق.م في إعداد حملة كبيرة. وفي السنة التالية كان قد استولى على الممتلكات البطلمية في كيليكية ولوكيه وكاريه، وعندما كان يحاصر إحدى مدن مقاطعة بامفوليه (جنوب آسيا الصغرى) أدركت روما خطر هذا الزحف وخشيت من قيام انطيوخس بمدّ يد المساعدة إلى فيليب. ونظراً لصعوبة الحرب على جبهتين مقدونية وسورية، فقد أوعزت روما إلى حليفتها رودوس أن توفد وفداً يطلب إلى انطيوخس احترام حرية المدن الإغريقية واستقلالها، ولما كانت رودوس تقدر ضخامة مصالحها في إمبراطورية انطيوخس، وكان انطيوخس بالتالي لا يرغب في تفتيت قواه والاشتباك مع رودوس لعلمه اليقين بأن أساطيل روما وبرجامه ستعضدها دون شك، فقد دخل الطرفان في مفاوضات مسهبة حول أحقية انطيوخس في امتلاك هذه االمقاطعات أو عدمه. وفي أثناء المفاوضات وصلت أنباء عن هزيمة فيليب، ولم ترى رودوس عندئذ داعياً للوقوف في وجه انطيوخس، في الوقت الذي رأى فيه انطيوخس أن من الحكمة ان يستبقي صداقة هذه الجزيرة (ذات النفوذ الاقتصادي الهام في شرق البحر المتوسط)، فاتفق معها على أن يحترم حرية الممتلكات القارية لرودوس وبرجامه، مقابل أن تتعهد رودوس بدعمه سياسياً لاسترداد ممتلكاته، وقبل أن يجف مداد الاتفاق كان انطيوخس قد احتل أفسوس وحاصر أزمير ولامبساكوس اللتين استنجدتا بروما. وقبل حلول شتاء سنة 196ق.م كان في أقصى شمال الساحل الغربي لآسيا الصغرى واستولى على بعض ممتلكات حليفه فيليب، وفي صيف السنة نفسها عبر انطيوخس الهلسبونت واستولى على إقليم تراقيه بأكمله، وبذلك حقق حلمه الكبير باسترداد آخر الأجزاء المفقودة من إمبراطورية أجداده بأسرع وقت ممكن. وكانت روما بعد انتصارها على فيليب قد أعلنت حرية بلاد الإغريق أثناء الاحتفال بالألعاب (النيميه) سنة 196ق.م ، ولذلك فقد استغلت طلب النجدة الذي أرسلته لها بعض المدن الإغريقية في آسيا الصغرى ووجهت إنذاراً إلى انطيوخس طالبة إليه «التخلي عن المقاطعات التي كانت تحت سيطرة بطلميوس وفيليب والابتعاد عن المدن الإغريقية المستقلة».

وفي اللقاء الذي جرى بين وفد روما وأنطيوخس في مدينة لوسيماخيه (في براقيه على الساحل الغربي للبوسفور) لسماع رد الملك على المطالب الرومانية: أبلغ أنطيوخس رئيس الوفد (لوكيوس كورنليوس لنتولوس) أنه لا يسمح لروما بالتدخل في شؤون آسيا لأنه لم يسمح لنفسه بالتدخل في شؤون إيطاليا، وأنه إذا كانت المدن الإغريقية في آسيا تود استعادة حريتها فعليها أن تلجأ إلى سخاء وأريحية أنطيوخس وألا تعتمد على تدخل الرومان، وأن فتوحاته في أوربا ليست إلا استرداد لممتلكات أجداده، وأن خلافاته مع ملك مصر بطلميوس الخامس هي في طريق التسوية بعد عقد زواج ملك مصر على واحدة من بناته. وفي أثناء المفاوضات تناهى إلى سمع المتفاوضين نبأ كاذب فحواه أن بطلميوس قد توفى أثناء الاضطرابات التي جرت في الاسكندرية بين رجال البلاط ومؤيديهم، فقطع أنطيوخس المفاوضات وأبحر باتجاه مصر معللاً النفس بأن يعوض عن خسارته في أوربا بالممتلكات المصرية إن لم تكن مصر ذاتها، وفي الطريق علم أنطيوخس بكذب النبأ فتحول إلى سلوقية على نهر العاصي.

ولما لم يكن في نية أنطيوخس الامتثال لرغبات روما فقد قرر بعد عودته إلى أنطاكية تقوية نفسه وذلك عن طريق تمتين جبهته وكسب ود كافة جيرانه، لذلك فقد قام في شتاء 169/195ق.م بعقد زواج ابنه الأكبر انطيوخس على ابنته وهي شقيقة أنطيوخس الابن نفسه وتدعى لاوديكي ضماناً لوراثة العرش، كما زوج ابنة ثانية هي كليوباترا الأولى على بطلميوس الخامس، وابنة ثالثة إلى ملك كابا دوكيه، وعرض ابنته الرابعة على يومنس ملك برجامه الذي رفض خشية إغضاب روما، وعقد معاهدة تحالف مع القبائل الغالية في آسيا الصغرى، ولم تمض سنة 195ق.م حتى كان انطيوخس قد ضمن مودة معظم جيرانه وكرس احتلاله لمقاطعاته الأوربية.

الاتفاق مع هانيبال


وفي السنة نفسها أو التي تليها اهتز العالم (وقت ذاك) عند سماعه نبأ فرار القائد القرطاجي النابع (هانيبال) والتجائه إلى مدينته الام (صور)، وبعد أيام قليلة دعي القائد القرطاجي إلى حضور احتفال كان بلاط أنطاكية يزمع إقامته في ضاحية (دفنه)، وكان أنطيوخس الكبير وقتها في أفسوس يشرف على تنظيم أمور مقاطعاته التي حررها سابقاً في أوربا وآسيا الصغرى فنهض هانيبال إلى أفسوس، وعندما تلاقى العظيمان وضع هانيبال تحت تصرف أنطيوخس خبرته في حرب الرومان. وكان من الطبيعي أن تُصعقْ روما أكثر من غيرها عند سماعها مثل هذا النبأ -نبأ وصول هانيبال إلى بلاط أنطيوخس واتفاقهما على محاربة روما- فقد أدركت بثاقب نظرها أن حظ هانيبال في تحقيق نصر على جيوشها بإمكانات أنطيوخس الثالث أصبح أكبر بكثير، ولذلك فإنها لم تقف مكتوفة اليدين بل سارعت إلى العمل فأعادت انتخاب سكيبيو الإفريقي -قاهر هانيبال- قنصلاً للمرة الثانية كما بدأت بإخلاء المدن الإغريقية في بلاد اليونان القارية من حامياتها حتى تشعر هذه المدن بأن استقلالها أصبح حقيقة واقعة لا غبار عليها، وبذلك فوتت على أنطيوخس وهانيبال فرصة الإدعاء بأنهما يزمعان تحرير المدن الإغريقية من التسلط الروماني، كما عملت على ربط هذه المدن بها بأحلاف قوية الوشائج تهدف إلى ضمان قيام هذه المدن بصد أي هجوم أو زحف متوقع لقوات أنطيوخس.

وفي حين اعتقد انطيوخس أن انسحاب روما من المدن اليونانية يعني أن روما لن تنفذ مطالبها بالقوة، أدرك هانيبال المغزى الاستراتيجي لهذا الانسحاب وعرض تحمل عشرة آلاف مقاتل وألف من الفرسان إلى قرطاجة وتدعيم هذه القوى بأنصار هانيبال ثم الاتجاه صوب إيطاليا، في الوقت الذي يقوم فيه أنطيوخس بالزحف إلى بلاد اليونان وبذلك تعلق روما بين فكي كماشة ويسهل بالتالي فرض الشروط أو تدمير روما.

ويبدو أن أنطيوخس الذي كان قد ناهز الخمسين من العمر وأعاد لإمبراطورية أجداده أصقاعها وأمجادها ولم يكن يكره ويحقد على روما مثل حقد هانيبال عليها كان يلعب بورقة الحرب دون أن يرغب فيها. واعتقد خاطئاً بأن روما ستقدر موقفه من هانيبال وستعمل على كسب صداقته بالاعتراف له باستيلائه على ممتلكات أجداده في أوربا عن طريق المفاوضات التي أعد لها وفداً على مستوى عال. وعندما عرض الوفد السوري وجهة نظر مليكه على رئيس لجنة الشؤون الخارجية الرومانية في روما، رحب رئيس اللجنة بتأكيد الوفد على صداقة أنطيوخس لكنه لم يعترف للعرش السورية بسيطرته على أصقاع أوربية. وأرسل مجلس الشيوخ بدوره وفداً آخر لإتمام المفاوضات في الشرق، ضم بين أعضائه (سكيبيو الإفريقي)، وكانت مهمة الوفد متعددة الجوانب، فهي إلى جانب مهمتها الأصلية وهي مفاوضة أنطيوخس، كانت مكلفة بتكريس حلف برجامه مع روما إضافة إلى مهمة محاولة وضمان حياته، وزرع بذور الشك في نفس أنطيوخس من جراء اتصال أعضاء الوفد بهانيبال.

وبعد زيارة قصيرة قام بها الوفد إلى مملكة برجامه ضمن بموجبها دعم هذه المملكة قام الوفد إلى أفاميا -في آسيا الصغرى- ومنها إلى أفسوس حيث وصلها في صيف سنة 193ق.م. وبدأت المفاوضات بين الوفد الروماني والوفد السوري برئاسة (مينيون) كبير الوزراء، وفي حين تمسك السوريون بأحقية عرشهم في امتلاك تراقيه (الأوربية) ودحضوا مزاعم الرومان بكونهم حماة الحضارة الهيلنستية في آسيا حينما ذكّروا الوفد المفاوض أن المدن الإغريقية في جنوب إيطالية وصقلية ترزح تحت السيطرة الرومانية المباشرة. وقد ردّ الوفد الروماني بأن الحقو

يمكن للمشتركين إغناء هذا الموضوع
للتسجيل اضغط هنا