فيلم دمشق عطية الإله: نظرة متقاطعة بين أبولودور الدمشقي وفرناندو دي أراندا

برعاية نقابة المهندسين فرع محافظة دمشق، عُرض يوم الأربعاء 24 شباط 2010، الفيلم التسجيلي «دمشق عطية الإله» في قاعة المحاضرات ببيت المهندس العربي باسل حافظ الأسد، وذلك بحضور السيد وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان آغا، والضيوف المشاركين في الفيلم، وعدد كبير من مهندسي دمشق والشخصيات الإعلامية والاجتماعية وعدد كبير من جمعية أصدقاء دمشق.

مدة الفيلم 52 دقيقة، وهو من إخراج: أحمد عرفات، مونتاج: جميل مراد، سيناريو: رنا شاهين.

بدأ الفيلم بتسليط الضوء على الأثر الذي تركه أبولودور الدمشقي في روما، والمعماري الإسباني فرناندو دي أراندا Fernando de Aranda في دمشق. فما جمع بين هذين المعماريين قصة مع العمارة خلدت اسميهما كلاً في مدينة الآخر، فمن أبولودور الدمشقي الذي خرج من دمشق متجهاً إلى روما كمعماري، يحمل معه عبق وتاريخ دمشق، فيروي عِشقَ روما النَهِم لكل ما هو جميل، ويبني لها عمود تراجان الذي أبدعه كشاهد على انتصارات الإمبراطور تراجان وغيرها من الشواهد الخالدة ومنها مجمع الإمبراطور تراجان، والجسر العملاق على نهر الدانوب (جسر ميسيه) الذي وضع تصميمه بين عامي 104-105م.

أما المعماري الاسباني فرناندو دي أراندا الذي ولد في مدريد في عام 1878 وتوفي بدمشق عام 1969 بعد أن صلى أهل دمشق على جثمانه في جامع المرابط ليدفن في المقبرة الإسلامية بباب الصغير.

فمن هو فرناندو دي أراندا الذي يحتفي فيه فيلم «دمشق عطية الإله».

إنه معماري من إسبانيا، ساهمت عبقريته في بناء الفن المعماري وتخطيط المدينة الدمشقية الحديثة في النصف الأول من القرن العشرين، صمم العديد من الأبنية المعروفة بدمشق وما زالت قائمة حتى يومنا هذا، ومن أشهرها بناء العابد في ساحة المرجة.

لقصة فرناندو دي أراندا حكاية طويلة مع دمشق، فقد جاءها من إسبانيا التي خرجت من رحم منارة العالم آنذاك الأندلس، ليتزوج من بنات دمشق، ويشهر إسلامه فيها، ليصبح اسمه محمد دي أراندا، ثم تبدأ خطواته العملية في تشييد عمارة مميزة في دمشق، فكانت محطة الحجاز ومبنى العابد، مبنى البنك المركزي، ومبنى وزارة الداخلية، ومبنى جامعة دمشق، ومبنى شركة مياه الفيجة، ومبنى وزارة السياحة. ومن أعماله أيضاً أبنية أرض الطاووسية وهي جزء من وقف جامع الطاووسية أو اليونسية، وكان طراز هذا المبنى الطابقي الذي يعلو دكاكين المكتبة العمومية حديثاً جذاباً، كما صمم منزل عطا الأيوبي وهو رائعة المساكن التي أنجزها في عام 1928 والذي يقع بجانب مقر السفارة الفرنسية بدمشق، وهو أشبه بالقصر وينتسب إلى الطراز الأوروبي، وليس بعيداً عن موقع هذا المبنى، صمم بناء جميل مردم بيك عام 1930، في جادة نوري باشا، وهو بناء طابقي حديث، كما صمم بناء لخالد العظم في ضاحية دمشق بين الربوة ودمر، ومن المباني التي استعمل فيها الإسمنت والموزاييك هو مبنى عمارة البسام قرب مجلس الشعب، ومن المباني العامة بناء مديرية الأوقاف قرب قصر العدل، وإلى جانبه بناء آخر مشغول اليوم كمقر للمصرف التجاري السوري.

ومعظم الأبنية التي صممها ما زالت قائمة حتى يومنا هذا، أما منزل حقي العظم في المهاجرين، وبيت منيف اليوسف في حي الأكراد، فقد زالا بسبب التنظيم، وثمة بيوت أخرى لم تذكر كانت من تصميم وتنفيذ دي أراندا، زال بعضها أو بقي دون الإشارة إلى مصمم عمارتها.

ومن خلال عدسة المخرج أحمد عرفات التي تجولت ما بين دمشق وتدمر وحمص وروما نسمع شهادات من الباحثين الكُثر الذين أغنوا الفيلم بمعارفهم عن هذين المعماريين ومنهم: أ.د. محمد محفل أستاذ التاريخ القديم بجامعة دمشق، والدكتور علي القيم معاون وزير الثقافة، والدكتور بول شنيارة عميد كلية الهندسة بالجامعة العربية الدولية، والدكتور بسام جاموس مدير الآثار والمتاحف، والدكتور عفيف بهنسي مدير الآثار والمتاحف السابق، وعالم الآثار الدكتور قاسم طوير، والدكتور بابلو مارتين أسويرو Martin Asuero مدير معهد ثربانتس في دمشق، وغيرهم من الباحثين.


المخرج أحمد عرفات

«اكتشف سورية» التقى مخرج الفيلم أحمد عرفات الذي تحدث قائلاً: «يتحدث هذا الفيلم عن دمشق من خلال شخصيتين معماريتين هما أبولودور الدمشقي والإسباني فرناندو دي أراندا، والتقاطع الآخر ما بين هاتين الشخصيتين هو دمشق، فأبولودور خرج من دمشق إلى روما في نهاية القرن الأول الميلادي، وأنشأ فيها أبنية خلدها التاريخ، والمعماري الأخر هو فرناندو دي أراندا الذي جاء إلى دمشق أثناء الحكم العثماني لبلاد الشام فبنى فيها أبنية معمارية متميزة، وأريد التنويه إلى أن فرناندو دي أراندا ليس بأكاديمي ولم يدرس الهندسة، ورغم ذلك ترك لنا أبنية تعد اليوم من معالم دمشق المعمارية المميزة، والمفارقة في حياة هذا المعماري أنه لم يأخذ فرصته في إسبانيا بل في دمشق».

مازن عباس

اكتشف سورية