حفل منح الوسام للدكتور سلطان محيسن

تكريم لرجل خدم العلم بكل صدق

تقديراً لجهوده وإسهاماته في تعزيز التبادل الأكاديمي بين سورية واليابان، وفي الإنجازات العلمية التي شارك فيها مع الأكاديميين اليابانيين، منح الإمبراطورُ الياباني أكي هيتو عالمَ الآثار السوري الأستاذ الدكتور سلطان محيسن وسامَ «الشمس المشرقة "الأشعة الذهبية"» في 29 نيسان 2009

وهذا المساء، يوم الأربعاء 29 تموز، أقامت السفارة اليابانية بدمشق، وبدعوة من السفير الياباني السيد ماساكي كونيئيدا، حفلَ منح الوسام للدكتور محيسن.

حضر الحفل السيدة الدكتورة نجاح العطار -نائب السيد رئيس الجمهورية-، والسيد الدكتور علي القيم -معاون وزير الثقافة-، والأستاذ الدكتور وائل معلا -رئيس جامعة دمشق-، والدكتور تاكيرو أكازاوا -ممثلاً عن الباحثين اليابانيين-.


السفير الياباني يلقي كلمته

في البداية عُزف النشيدان الوطنيان الياباني والسوري. ثم ألقى السيد ماساكي كونيئيدا –سفير اليابان في سورية- كلمة تهنئة، عبر فيها عن الخصال التي يتميز بها الدكتور محيسن والتي دفعت امبراطور اليابان لمنحه الوسام، حيث قال مخاطباً صاحب الوسام: «إنكم بلا شك من ألمع وأنجح علماء الآثار. كما أنكم بالنسبة إلى جميع علماء الآثار اليابانيين الذي عملوا والذين ما زالوا يعملون في سورية الأستاذ الذي يكنون له عظيم الاحترام والمحبة». ويتابع سعادة السفير «أود أن ألقي الضوء على البحث المتعلق بإنسان النياندرتال الذي توصلتم فيه أنتم والأستاذ الدكتور أكازاوا إلى اكتشاف بارز وعلى قدر كبير من الأهمية بالنسبة لدراسات ما قبل التاريخ. إن هذا الاكتشاف في كهف الديدرية شمال حلب قد أماط اللثام عن الكيفية التي عاشت فيها عائلة إنسان النياندرتال».

وعن مساهمته في دعم الباحثين اليابانيين، يقول أيضاً: «لقد كنتم عوناً للباحثين الشباب من بلدي اليابان انطلاقاً مما تكنونه من حب لليابان. لقد استحدثتم مركز اللغة العربية في جامعة دمشق للطلبة اليابانيين الذي كانت لديهم الرغبة في دراسة اللغة العربية. كما استحدثتم مركز اللغة اليابانية في جامعة دمشق للطلبة الذين كانوا يودون دراسة اللغة اليابانية. أنا متأكد من أن هؤلاء الطلبة قد أصبحوا الآن جسراً بين البلدين».


وسام الشمس المشرقة: الأشعة الذهبية
على صدر الدكتور سلطان محيسن

ثم تمت قراءة براءة تسليم الوسام من قبل سعادة السفير، باللغتين اليابانية والانكليزية والتي يؤكد فيها إمبراطور اليابان أن الدكتور سلطان محيسن، هو حامل وسام «الشمس المشرقة، الأشعة الذهبية»، وممهورة بالختم الرسمي الياباني وموقعة من رئيس الحكومة اليابانية.

ثم ألقى السيد الدكتور علي القيم كلمة، كممثل لأصدقاء وزملاء الدكتور محيسن، معبراً في البداية عن تميز اليابان حضارياً واجتماعياً، حيث قال: «عندي حنين قوي في ثنايا ذاكرتي لليابان، فقد زرت معالمها وتعرفت على حضارتها العريقة وتجولت في مدنها المتخمة بالأصالة والتطور والحداثة. لقد لمستُ في هذه البلاد الرائعة سحرَ الشرق الذي لا يضاهى، وتعرفت على الإنسان المجبول بحب الأرض وتراث الأجداد وعنفوان الشمس الضاربة فيها».

وقال الدكتور القيم: «إنهم في اليابان يحرصون على تكريم أباطرتهم وكل من قام بأعمال عظيمة وخارقة لعبت دوراً في توطيد العلاقات بين الشعوب والأمم، والأستاذ الدكتور سلطان محيسن أحد هؤلاء المحظوظين الذين نالوا باستحقاق وجدارة هذا الوسام، الذي نعتبره وساماً لكل مثقف وأديب ومؤرخ وعالم في سورية. لقد اجتهد الدكتور محيسن وعمل وبحث ونقب وكافح فكان له ما أراد من علم ومعرفة وسمعة طيبة أكسبته حب جميع من عمل معهم لأنه مثال الإنسان المخلص لعمله، المحب لأصدقائه، الباحث عن حضارة الإنسان في سورية الحضارة والفكر والفن والعلم والإبداع».


الدكتور علي القيم يلقى كلمته

وبيَّن القيم أن محيسن كان أول من عملوا ونقبوا ونشروا عما صنعه الإنسان في سورية في عصور ما قبل التاريخ في عدة مواقع سورية هامة، منها:ست مرخو، الديدرية، الكوم، ومواقع أخرى في البادية والجزيرة السوريتين. ويتابع بقوله: «لقد قادت طبيعة هذا الإنسان المتواضع المكافح العلمي النبيل إلى المحافل الدولية، فكان خير سفير لسورية في الجامعات وفي المخابر وفي المعارض التي أقامتها سورية وخلال إدارته للمديرية العامة للآثار والمتاحف. مبروك لأخي الدكتور سلطان، والشكر الجزيل لكل ما ساهم في إعداد هذا الوسام، والشكر الخاص للسيدة الدكتورة نجاح العطار التي كانت دائماً واعية لرسالة الإنسان ولعظمة العطاء».

في كلمته التي ألقاها، بدأ الأستاذ الدكتور سلطان محيسن بالتأكيد على أن الآثار ليست مجرد كنوزاً ولا ركاماً، بل هي بحث علمي دقيق في تاريخ البشرية وحضارتها، وفي هذا يقول: «الآثار دليل أصالة وانتماء وهوية وطنية وثقافية وثروة علمية وتربوية ورأسمال اقتصادي عظيم.


الدكتور سلطان محيسن
يلقي كلمته

مكانة سورية في الآثار لا تضاهى كونها المهد الأول والأقدم لاكتشافات كبرى حققها الإنسان في مجالات العمارة والزراعة والكتابة والفنون والمعتقدات والقوانين والمؤسسات وما إلى ذلك من الإبداعات التي توالت على مدار السنين». وبين أن اليابان قد دخلت إلى البحث الآثاري في سورية من الباب الصحيح: «لقد سجل الباحثون اليابانيون دخولاً علمياً إلى ساحة البحث الأثري، متحررة من أية مواقف مسبقة أو مطامع من أي نوع كان، مشكلة أنموذجاً ساطعاً للتعاون الدولي الآثاري السليم، في الكشف والتنقيب، والدراسة والتفسير، والصيانة والترميم، والتوثيق والتأهيل».

ويصف الدكتور محيسن اكتشاف بعثة التنقيب في كهف الديدرية من جامعتي دمشق وطوكيو لإنسان النياندرتال المؤرخ لأكثر من ستين ألف سنة خلت بأنه أحد أكبر انجازات علم الآثار في هذا العصر. ويتابع: «كانت لي وللدكتور أكازاوا فرصة تأسيس وإطلاق تلك البعثة والتي لا تزال مستمرة واعدة بالمزيد من الإضاءات».

وحول مساهمات بقية البعثات اليابانية والمشتركة السورية-اليابانية، بيَّن محيسن «كما قامت بعثات أخرى باكتشافات من مختلف الأنواع والعصور، ومن مواقع امتدت من الساحل وحوض العاصي، مروراً بالبادية وتدمر، وحتى الجزيرة والفرات. وهكذا تكاملت جهود البعثات الأثرية اليابانية مع افتتاح قسم اللغة اليابانية في جامعة دمشق، ومع انجازات كبيرة للبعثات السورية والأجنبية، من فرنسية وألمانية وايطالية، وسويسرية وبريطانية، واسبانية وبولونية، وأمريكية وغيرها من البعثات التي قدمت كل حسب اختصاصها».

وفي معرض حديثه عن ما تحقق في مجال إدارة التراث، يقول محيسن: «اعتبرتُ طيلة حياتي المهنية أن حماية الآثار السورية وحسن التعامل معها على كل صعيد واجباً وطنياً وعلمياً يتجاوز أية ميزة أو منفعة شخصية مهما كانت. لقد تحقق ذلك، سيما أثناء إدارتي السابقة للآثار السورية، تصويبات وإنجازات جوهرية متنوعة، داخلية وخارجية. يعود الفضل فيها لكثيرين من العاملين في مديرية الآثار، لكنها إنجازات ما كانت لتحصل لولا الرؤية التراثية الوطنية والإنسانية الشاملة للقائد الراحل حافظ الأسد، ولا من دون الحس الوطني العميق والدعم اللامحدود للسيدة الدكتورة نجاح العطار».

وحول الوضع الحالي لإدارة الآثار، فإن الدكتور محيسن يرى أن آثارنا هي رصيد أجيالنا التي يجب أن نحيطها برعاية شعبية ورسمية تحصنها، ويقول: «أود أن أسجل الدعم والرعاية غير المسبوقين التي يحيط بهما السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة عقيلته أسماء الأسد الآثار، فلنترجم نحن الآثاريون هذا الدعم لواقع يلبي طموح رئيسنا ويليق بسورية وبآثارها».


الأستاذ الدكتور تاكيرو أكازاوا
يلقي كلمته

في النهاية، قدم الدكتور محيسن الشكر لإمبراطور اليابان ولشعب وحكومة اليابان، ولزملائه وأصدقائه اليابانيين، وللسفير الياباني؛ مؤكداً اعتزازه بالوسام وبالعلاقات التي جمعته وطلابه مع نظرائهم من اليابانين. كما شكر من هيئوا له ظروف العمل والإنجاز، من أفراد عائلته، وشارك الحضور بخبر سار عن ابنه الأصغر نارام: «الذي نقل فرحتنا إلى فرحتين، حيث نجح في شهادة التعليم الأساسي وحصل على 300 من أصل 310 درجة». كما شكر طلابه وأصدقاءه وآخرين.

بعد ذلك وبالنيابة عن الزملاء والأصدقاء اليابانيين للدكتور محيسن، ألقى الأستاذ الدكتور تاكيرو أكازاوا كلمة قال فيها: «إنه لشرف أن أعبر عن احترامي الصادق للدكتور سلطان محيسن، الذي عمل على تطوير التبادل الأكاديمي والثقافي بين بلدينا، وهذا ما ساهم في استحقاقكم للوسام».

بعد ذلك، تلقى الدكتور محيسن التهاني من الحضور من الضيوف الرسميين والزملاء والأصدقاء. ثم أقام سعادة السفير الياباني مأدبة عشاء على شرف صاحب الوسام.

لقد تميز الدكتور محيسن بربط سعة معرفته وخبرته بالآثار السورية مع وضوح الرؤية الأكاديمية والإدارية، وقد أتى هذا الوسام ليتوج هذه المرحلة من حياته العملية. كلنا ثقة أن شخصية علمية وأكاديمية بحثية وموضوعية كالدكتور سلطان قادرة على العطاء أكثر.

طوني جرّوج
ت: عبدالله رضا

اكتشف سورية