ثلاثة أدباء روائيين من مدينة حلب تحت مبضع الأطباء

25/تشرين الأول/2009

كيف ظهرت المرأة في الأدب العربي المعاصر، وخاصة في أدب أبناء مدينة حلب؟ وكيف صور الأدباء هذه المرأة التي تعاني من الظلم ومن سلطة الذكورة وسلطة المجتمع؟ هل كان موقف هؤلاء الأدباء واحداً أم مختلفاً تجاه المرأة؟ ماهي الضغوطات الأكثر بشاعة والأكثر تخلفاً تعاني منها المرأة؟

هذا ماحاولت نقابة أطباء مدينة حلب – اللجنة الثقافية، الحديث عنه من خلال الندوة النقدية التي أقامتها بعنوان (المرأة في الرواية العربية المعاصرة: ألوان من المعاناة) والتي شارك فيها كل من الأدباء الكتّاب محمد أبو معتوق عن روايته (ثلاث تفاحات) ونيروز مالك عن روايته (جبل السيدة) ونذير جعفر عن روايته (تحت سقف واطئ) وأدار الندوة الأستاذ محمود الوهب مدير دار نون4 للنشر والطباعة والتوزيع.

وفي البداية قام الدكتور سليم بشارة عضو اللجنة الثقافية بتقديم لمحة عن الأدباء المشاركين وعن رواياتهم الثلاثة، ثم تحدث الدكتور محسن مزيك رئيس اللجنة الثقافية عن الندوات المميزة التي قامت بها اللجنة خلال سنوات نشاطها، وعن موضوع المرأة الشائك في الرواية.

أما مدير الندوة الأستاذ الوهب فقد توقف عند كل من الروايات الثلاث، ليشير إلى معاناة المرأة التقليدية، والقهر الجنسي الذي يمارس عليها في رواية (ثلاث تفاحات) لأبي معتوق، مؤكداً أن الجنس في هذه الرواية هو مكمن وجعها الحقيقي، ولهذا ينتصر الكاتب لها، فالمرأة رغم ما تعانيه من إذلال ومهانة في نواح كثيرة من حياتها، إلا أنّها، في المواقف الحرجة، تمثل حالة من الطهر التي ربما تود لو يعمّ المجتمع الذي تراه أو يراه الكاتب سجناً كبيراً فيه من القسوة والظلم أكثر مما هو موجود داخل السجن الحقيقي. مشيراً إلى أنه على الرغم من خيط الحزن الذي يسم الرواية بميسمه إلا أنّ أنفاس أبو معتوق الساخرة لا تغادر صفحات الرواية كلّها.. فالسخرية تلطّف أجواء الرواية وتكسبها معاني جديدة، وتفتح آفاق مخيلة القارئ على آماد بعيدة، كما ترصد الرواية معاناة المرأة وخاصة الفتاة العانس لمن يعيرها بأنّ الرجال تجاهلوها فلم يطلبوها للزواج. وقد أراد أبو معتوق من خلالها تدوين ملحمة عن الظلم الذي يحيق بالمرأة والعالم ينهي العقد الأول من الألفية الثالثة ... ليؤكد أن المرأة عند أبي معتوق ليست فريسة عادات المجتمع البالية فحسب، بل هي فريسة لبعض طبائعه أو غرائزه فلا يأتيها البلاء إلا من ذوي القربى، وهو هنا كما نعلم أشد مضاضة، وأكثر مدعاة للحزن .


من أجواء الندوة
في نقابة الأطباء بحلب

أما نيروز مالك فيؤكد الوهب أن روايته (جبل السيدة) تغوص في مرحلة سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، حيث أخذت تتشكل في المدن برجوازية جديدة، عرفت بالبرجوازية الطفيلية، بسبب استئثارها بثروات هائلة ومن طرق غير مشروعة، واستغلت أوضاعاً اقتصادية واجتماعية معينة كالحاجة الماسة إلى السكن الشعبي، الأمر الذي جعل الالتفاف حول تلك البرجوازية ينشأ من أسقاط الطبقات المختلفة أو هي ذاتها من تلك الأسقاط.. فراح جميع هؤلاء بأفعالهم الدنيئة، يحدثون صدوعاً في جسد المجتمع، وجرى نوع من التسابق باتجاه بذخ غير مسبوق، رافقه انحلال غير مسبوق أيضاً، ومن ضمن ذلك الاستهلاك الشامل الذي أدخلت المرأة في إطاره.. وبدوافع الحاجة وطغيان الاستهلاك، صارت النساء تقاد ذليلات إلى أحضان هؤلاء الطفيليين..! وزينب بطلة نيروز في جبل السيدة هي واحدة من هؤلاء اللواتي دفع بهنّ الفقر إلى نوع من الانحلال، وقد رأت نموذجها الأمثل بتجار البناء الذين ركبوا الموجة مستغلين حاجة المهاجرين من الريف إلى المدينة إلى سكن يؤويهم، فمارسوا ارتكاباتهم الفاضحة، حين امتلأت جيوبهم بأموال لم يعهدوا مثلها من قبل..! مشيراً إلى أن الكاتب نيروز اعتنى كثيراً برسم شخصية زينب.. فلم يقدّم ضحيته على نحو فج، بل مهّد لسقوطها بحادثتين كان يمكن أن تمرا على نحو عادي، لكن الظروف المحيطة جعلتهما الوعاءين اللذين يقودانها إلى حيث يريد الكاتب في النهاية. فكلّ جريمة زينب أنّها ولدت في عائلة فقيرة وأنّها وقعت فريسة الجهل والفقر والرغبة التي تفجرت على نحو مفاجئ، حيث سعى أحد أسقاط تلك البرجوازية لها واستغلال لحظة ضعف قاتلة، ولّدتها، ربما، تجربة زواج فاشلة، ففعل فعلته، وغاب تاركاً الفتاة لأقدارها المظلمة.

أما رواية (تحت سقف واطئ) لنذير جعفر، فيؤكد الوهب أنها تتناول المرحلة ذاتها، ولكن من جانب آخر، ومن رؤية أخرى، فقد تعرّض لحالة صعود الطبقات الاجتماعية الفقيرة الباحثة لها عن آفاق جديدة، وللأفكار التي أتت بها تلك الطبقات، أفكار التحرر من أسر التقاليد، والسعي نحو نظام تسوده روح الديموقراطية والعدالة الاجتماعية، فأبطاله طلاب جامعة ومنهم شعراء وكتاب ومبدعون مختلفون.. أحلامهم كبيرة واسعة، وأرواحهم شفافة محلقة، لكنّ عقولهم لمّا تبلورها التجارب بعد.. ومن هنا كان صدامهم مع السلطة التي لا تؤمن بغير قانون واحد هو: من ليس معنا فهو ضدنا ومن هو ضدنا لا مكان له غير السجن. مؤكداً أن نذير جعفر الذي أتى باسم إحدى بطلات القصة (رؤى) وهو اسم ينتمي إلى الحداثة، فذلك ليعبر عن أحلام هؤلاء الشباب، أبطال روايته، ورؤاهم ورحابة أفق تطلعاتهم السياسية والوطنية والإنسانية عموماً..! ولكن رؤى التي استطاعت أن تتجاوز القضايا الصغيرة بامتلاكها إرادة التغيير السياسي الذي يمكن أن يأتي بأنواع التغييرات الأخرى، ارتطمت بسقف الديموقراطية الواطئ المحكوم بضيق الأفق، ومحدودية الرؤى والازدراء بالآخر، فالأطراف الحاكمة التي ترفض وجود الآخر بالمطلق، وتعمل على خنق الحرية السياسية تقود رؤى إلى السجن لتعاني ما تعانيه ولتقطع دراستها ولتخرج بعدئذ وقد خسرت كلّ شيء، حتى والدها الذي هو سندها الوحيد توفي ربما من الحزن والقهر وهي في السجن.

وبعد هذه الدراسة النقدية للروايات الثلاث، قدم كل كاتب من الكتاب الثلاثة ما أراد أن يقوله عن روايته، ولم يشر إليه الأستاذ الوهب، ومن ذلك طريقة كتابة كل واحد منهم روايته، والأسلوب المتبع فيها، وأسباب الغوص في مشكلات المرأة وغيرها، وكيف يرى المرأة في مجتمعها، وغير ذلك.

ثم جاوب الأدباء الثلاثة عن تساؤلات الحضور التي أغنت الندوة وأعطتها أبعاداً جمالية أخرى.


بيانكا ماضيّة - حلب
اكتشف سورية

Creative Commons License
طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك
سلوم الياس سلوم:
الآنسة بيانكا تحيَّة طيّبة وبعد.
أشكركِ لهذه الإضاءة على الروايات الثلاث, والتي من خلالها تمكنت من التَّعرُّف إلى ماقدَّمته لجتة الثقافة في نشاطها الأخير في نقابة الأطباء, حيث لم تمكن من حضورها حينها بسبب السَّفر.
أكرر شكري وامتناني.

سورية