الفرقة السيمفونية الوطنية في قصر الأمويين للمؤتمرات
معزوفات لبروكوفييف ورافيل ودفورجاك

11/كانون الأول/2008

أحيت الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو الفرنسي-الأوكراني الأصل غريغوري بنتيليتشوك، أحيت حفلاً موسيقياً مساء الأربعاء الواقع في 3 كانون الأول 2008، وذلك في قصر الأمويين للمؤتمرات.
الحفل الذي حضره قرابة ألف شخص تضمّن برنامجاً منوّعاً، عُزفت فيه مقطوعات من عصور مختلفة جاءت في قسمين، القسم الأول تضمّن السيمفوني الأولى لبروكوفييف وعمل للباليه اسمه «أمي الإوزة» لموريس رافيل، أما القسم الثاني فقد تضمن السيمفوني التاسع لدفورجاك.
كتب المؤلف الروسي سيرغي بروكوفييف (1891 - 1953) أعمالاً كثيرة للأوركسترا، منها سبع سيمفونيّات وخمس كونشرتات للبيانو، تأتي سيمفونيّته الأولى «سلم صول مينور» مصنّف رقم 25 ضمن أشهر أعماله، ولقد سمّيت بـ «الكلاسيكية» لأنّه حاول فيها مُحاكاة أسلوب المؤلف النمساوي جوزيف هايدن (1732 - 1809).
لقد كتب بروكوفييف بهذا الشأن «أعتقد أنّه لو عاش هايدن بيننا، لاحتفظ بالأسلوب الذي ألّف به أعماله، ولِقبل ببعض أسس الفنّ الجديد». لذا جاءت السيمفوني في قالب كلاسيكي بحت وبأربع حركات صغيرة، بحيث لا يتجاوز طولها من بدايتها لنهايتها ثلاث عشرة دقيقة، وهي بذلك تُعدّ أصغر من سيمفونيات موزارت وهايدن نفسه، ولكن ما يميزها هو تلك الغزارة اللحنية والروح الحداثية التي تُغلف الإيقاع والهارموني في جميع أرجاء السيمفوني.
هذه الروح الحداثية لم تكنْ بعيدةً عن العمل التالي من البرنامج «Ma Mer La’Oye أمّي الإوزة» لموريس رافيل (1875 - 1937)، المؤلف الفرنسي الذي سعى مع ديبوسي باعتبارهما قطبي الانطباعية إلى تخليص الموسيقى وتحريرها من مخلّفات الرومنتيكيّة ورواسبها، وذلك عبر تحويلها إلى مشاعر مغالى في رقّتها ونعومتها، ومن أجل الوصول إلى ألوانٍ مفعمة بالشفافيّة والعذوبة، ويأتي عمل رافيل «أمّي الأوزّة» ليُجسّد هذه الأفكار، حيث ألّفه خصيصاً للأطفال ولآلتي بيانو عام 1908، ثمّ وزّعه للأوركسترا عام 1911 ليكون عملاً للباليه، وليحتوي على خمس حركات كانت عناوينها على الشكل التالي:
بافان الجميلة النائمة
عقلة الأصبع
إمبراطورية المعابد البوذيّة
حوارات الجميلة والوحش
الحديقة السحرّة
شكّلت جميع هذه الحركات رحلةً خاصةً إلى عالم الخيال، عالم من التأثيرات المرئيّة الساحرة تنقلك إليه موسيقى حالمة موظَّفة أوركسترالياً بإتقان وبراعة، لقد تأثر الجمهور بالألوان الأوركسترالية البهيجة والغير مألوفة، وهو ما برع فيه رافيل دائماً، وهو المعروف بجرعاته الجمالية الخاصّة الغير معهودة والغير مطروقة من قبل. وهنا لا بد من الإشارة للدور المتميز التي قامت بهما االسلستا والهارب والتي عزفت عليهما رهف شيخاني، والإشادة كذلك بالعزف الجميل لعازفة الكلارينيت ماري قمر.
بعد استراحة قصيرة تابعت الأوركسترا العزف بقيادة بنتيليتشوك ولتقدّم مقطوعة الحفل الختاميّة السيمفوني رقم 9، سلم مي مينور مصنّف 95 للمؤلف التشيكيّ أنطونين دفورجاك، المعروفة باسم «من العالم الجديد»، الاسم الذي أطلقه دفورجاك متأثراً بالفترة التي قضاها في الولايات المتحدة الأمريكيّة عامي 1893 – 1894.
تُعتبر هذه السيمفوني آخر سيمفونيات دفورجاك وأشهرها، بل إنها تُعدّ إحدى أكثر الأعمال تقديماً على مسارح العالم، وهي موضوعة بقالب كلاسيكي من أربع حركات:
بطيئة - حيويّة جدّاً
بطيئة
سكيرزو - حيوية
سريعة
عاش دفورجاك بين عامي 1841 – 1904، وهو بذلك يكون منتمياً إلى فئة المؤلفين من أمثال برامز وتشايكوفسكي الذين كتبوا بقوالب كلاسيكية لكن بروح لا تخلو من الرومنتيكيّة، وتميّزت أعماله بالعاطفة العميقة، والشعور بالطبيعة، والإحساس الدفين بالإيقاعات، والألحان الشعبية التشيكية، حيث شكّلت الرقصات الشعبية والأغاني الفلكلورية لبلاده النواة والمضمون الموسيقي لأعماله.
لقد وضع هذا المؤلف في كلّ أرجاء سيمفونيته التاسعة خلاصة رحلته الأميركية، حيث نسمع الألحان الأفرو-زنجيّة جنباً إلى جنب مع ألحان سكّان البلد الأصليين من الهنود الحمر، وليكون بحق أوّل مؤلف عبّر بأمانة عن هذا الموزاييك الفريد.
إنّ قُدرة دفورجاك في توظيف الألحان الشعبية الأمريكية لا تقلّ عنها براعةًَ صنعته في التوزيع الأوركسترالي، هذه الصنعة وإن بدت متأثرة أحياناً بأستاذه برامز، إلا أنّها لا تخلو من الأصالة، وتكفي هنا الحركة الثانية من السيمفوني للدلالةً على ذلك، حيث ترتقي آلة «الكور أنغليه» لتعزف لحناً هو من أجمل عيون الأدب السيمفوني وأروع ما كتب لهذه الآلة، ولابدّ من الإشارة هنا إلى عازف «الكور أنغليه» أسامة سلطان الذي أبدع في عزف هذا اللحن، ولم يكن وحده فقط من أبدع بل إنّ جميع أعضاء الأوركسترا يستحقّون الثناء والتقدير على المجهود الذي قدّم واستحق تصفيق الجمهور الحار.
يُذكر أنّه قد تمّ التعاون في هذا الحفل مع موسيقيين من خارج الفرقة وهم قائد الأوكسترا الفرنسيّ غريغوري بنتيليتشوك، وعازف الباسون الإيطاليّ ماركو دوناتيللي، وعازف الأوبوا الفرنسيّ جيريمي ساسانو والذي كان لنا حديث معه عبّر فيه عن سعادته بالقدوم إلى سورية، كونها الزيارة الأولى له والمرّة الأولى التي يقوم فيها بالعزف مع أوركسترا عربية، كما أبدى ساسانو إعجابه بدمشق وسُكّانها وبمستوى الأوركسترا عموماً، وتمنّى لها الأفضل.
«اكتشف سورية» كان له وقفة مع المايسترو الشاب ميساك باغبودريان القائد الأساسي للفرقة السيمفونية الوطنية السوريّة، الذي أشار بدوره إلى البرنامج الصعب الذي قدّمته الأوركسترا، وصعوبة تقديم أعمال ضخمة لدفورجاك، وبروكوفييف، ورافيل في برنامج واحد، وأبدى استمتاعه الشديد بالأداء الجميل للأوركسترا، الذي كان لصالة قصر الأمويين للمؤتمرات دور في ذلك بسبب الجماليات الخاصّة التي يتمتع بها الصوت الصادر عنها.


مالك كورية
اكتشف سورية

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك
محب الموسيقا:

اولا .. نشكر الموقع الجميل الذي أتاح لنا الفرصة للتعرف بشكل حقيقي على بلدنا الجميل هذا ... وعلى فعالياته الثقافية المختلفة باسلوب موضوعي .. وبما انني من متابعي الموسيقا فلقد سعدت بما نشر وما ينشر في هذا الصدد وأود التعقيب على المقال الاخير بقلم مالك كورية .. فلم أتوقع ان يكون المقال بهذه الكثافة من المعلومات المفيدة والتي جعلتني لا اندم لعدم مشاهدتي الحفل , حيث احسست وكانني هناك بين الجمهور .. فتحية لهذه الاوركسترا التي تقدم المزيد والافضل والاصعب وتحية للمحرر مالك كورية وفقكم الله

سوريا