الممالك الآرامية وآثارها في سورية
بعد موجات الأكاديين والعموريين والكنعانيين، وصلت موجة الآراميين من شبه الجزيرة العربية، في أواخر النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد. وكانت القبائل شبه البدوية تدعى «أحلامو» قد تحدّثت عنها نصوص مدينة ماري، في نحو القرن الثامن عشر قبل الميلاد، كما ذكرت النصوص الآشورية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد المعارك والتي خاضها الآشوريون ضد هذه الجماعات، التي عرفت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد باسم «أحلامي آراميا» وكانت أشهر تلك المعارك بين الآشوريين والآراميين، جرت في مناطق جبل البشرّي وتدمر. واستقرّ الآراميون في حوض البليخ؛ فعرفت منطقتهم باسم «آرام نهاريم» حول مدينة «حرّان» بين نهري الفرات والخابور.
لقد تأثر تاريخ المنطقة، كما تأثرت حضارات كثيرة بسقوط دولة المنطقة، كما تأثرت حضارات كثيرة بسقوط دولة الميتانيين، واكتشاف الحديد وحسن استخدامه في ميادين الصناعة والحرب، واجتياح «شعوب البحر» الساحل الشرقي للبحر المتوسط حتى حدود مصر، وتمزّق الإمبراطوريتين البيزنطية والحثية إلى دويلات وإمارات، واستقرار الفلسطينيين في بلاد كنعان، فتشكلت ممالك الآراميين في سورية، وأفادت من طرق القوافل، ونجحت في إيصال أحد قادتها «أدد ـ آفال ـ إدين» إلى عرش بابل. وظهرت ممالك الآراميين كقوة عسكرية لها أهميتها في المنطقة، وكمراكز اقتصادية وثقافية، تركت طابعها الحضاري عبر العصور. وكان أشهر هذه الممالك الآرامية:
ـ في الشمال
ـ مملكة بيت عديني: عاصمتها «تل برسيب/تل أحمر حالياً»، امتدّت شرقاً حتى نهاية البليخ.
ـ مملكة بيت بحياني: عاصمتها «غوزانا/تل حلف حالياً» قرب رأس العين على نهر الخابور.
ـ وفي شرق الخابور الأعلى، أسست القبيلة الآرامية «تيمانيا» عند رأس العين ثلاث إمارات هي:
ـ نصيبين وحوريزانا وجيدارا.
ـ وفي شرقها استقرت قبائل سوهو الآرامية في حوض الفرات من «عانة» حتى «ربيقو».
ـ وفي جهة الغرب منها، تمكن الآراميون من تأسيس:
ـ إمارة بيت أجوشي، التي كانت تضم حلب و«أرفاد/تل رفعت حالياً»، وكانت مجاورة لمملكة بيت عديني.
ـ مملكة شمأل/زنجرلي حالياً عند جبال الأمانوس.
ـ وفي وسط البلاد
ـ مملكة حماة التي عثر فيها على آثار آرامية.
ـ وفي جنوبي العاصي والليطاني:
ـ مملكة آرام صوبا في البقاع.
ـ مملكة آرام بيت رحوب، تقع جنوبي مملكة آرام صوبا، عند منعطف نهر الليطاني.
ـ مملكة أرام معكة، كانت تشمل مقاطعة «دان/تل القاضي حالياً» في الجولان.
ـ مملكة آرام دمشق: أصبحت زعيمة الممالك الآرامية منذ أسسها القائد الآرامي «رزون بن اليدع» حتى سقوطها آخر عهد آخر ملوكها «رصين» بيد تغلات فلاسر، ملك الآشوريين. وإن زعامة مملكة دمشق تفسِّر تسمية ملكها باسم «ملك آرام»، وتوضِّح أسباب اكتشاف نصب ملقارت، الذي نقشت عليه كتابة آرامية، تتضمَّن اسم ملك دمشق «بر حدد» في المنطقة الشمالية.
ـ مملكة جشور، بين نهر اليرموك ودمشق.
يُفسر تأسيس الممالك الآرامية في المناطق المختلفة من سورية، تسمية سورية قديماً في ذلك العصر باسم «بلاد آرام»، كما أن اهتمام كثير من الباحثين بدراسة الفن الآرامي، أسهم في إغناء المعلومات عن فن الآراميين في المواقع الأثرية المختلفة ونخص بالذكر منها مايلي:
ـ غوزانا/تل حلف حالياً، عند رأس العين، على نهر الخابور. أظهرت التنقيبات الأثرية في هذا الموقع حصناً كبيراً مؤلفاً من معبد وقصر.
ـ شمآل/زنجرلي حالياً: أظهر التنقيب الأثري آثاراً تعود إلى مبنى واحد.
ـ دمشق: حافظ مكان معبد «حدد الآرامي» على قداسته عبر العصور. وقد عثر في أحد أساسات المبنى على منحوتة بازلتية آرامية، تمثل كائناً له رأس إنسان يعلوه تاج، وله جسم سبع مجنح.
ـ قلعة حلب: عُثر فيها على منحوتة بازلتية، تمثل كائنين مجنحين متقابلين ومتماثلين.
ـ عين دارا: يبعد هذا الموقع الأثري عن أرفاد/تل رفعت حالياً، مسافة نحو أربعين كيلومتراً، وقد أظهرت التنقيبات فيه معبداً هاماً وتمثال أسد بازلتي.
ـ صرين: قرب عين العرب، عُثر في هذا الموقع على نصب يمثل مشهد عربة يقودها رجلان، ونصب آخر نقش عليه رمز رب القمر «سين»، الذي اشتهرت حران وغيرها بعبادته. ويتألف هذا الرمز من هلال فوق رمز الرب مردوخ، كما عثر على تمثال بازلتي ضخم، ارتفاعه 194سم وعرضه 47سم لأمير آرامي، يرتدي ثوباً طويلاً يتوسطه حزام، ويتدلى من الحزام سيف، ويحمل الأمير بيمناه عصا طويلة (الصولجان).
ـ تل النيرب: يقع جنوب شرقي حلب، ويبعد عنها 6كم، عثر فيه على نصب يمثل سادناً جالساً خلف مائدة وليمة جنائزية، يحمل بيمناه كأساً، وأمامه خادمه، وفي أعلى النصب كتابة آرامية تتضمَّن اسم «اجبار» سادن رب القمر في حران والنيرب، وأسماء أخرى لآلهة (مثل شمس ونرجال). ويعود هذا النصب إلى نحو 730ق.م، كما عُثِر على نصب آخر يمثل السادن «سن ـ زر ـ ابني»، يقف رافعاً إحدى يديه، ويحمل بالأخرى منديلاً وقد نُقشت كتابة آرامية تحت قوس هذا النصب.
وتميّزت عمارة الآراميين بواجهة قائمة فوق أعمدة، وتقع خلفها قاعة رئيسة لها شكل مستطيل. وتدل النصوص التاريخية على مدى اهتمام قدماء العموريين بفن العمارة العسكرية والدينية والمدنية، ويستنتج الباحثون تأثر الآراميين بالتراث المعماري المحلّي، وحسن إفادتهم منه واعتمادهم عليه في إقامة منشآتهم المعمارية.
وأبدع النحاتون الآراميون روائعهم النحتية، ويلاحظ أن مادة الحجر البازلتي البركاني لم تساعدهم أحياناً في إبراز التفاصيل بدقة، مما جعل بعض منحوتاتهم يسودها طابع الخشونة. ورأى بعض الباحثين في عدد من المنحوتات الآرامية تأثيراً من الفن الحثي الجديد وغيره. ومزن أشهر الروائع النحتية الآرامية هي:
ـ تماثيل وأنصاب آلهة: مثل منحوتة تمثل الرب «ملقارت»، ونقش على هذا النصب كتابة تذكارية تاريخية، تتضمن اسم «بر حدد» ملك دمشق، الذي أقام هذا النصب للرب «ملقارت» الذي استجاب لندائه.
ـ تماثيل أمراء: مثل تمثال أمير من «صرين» قرب عين العرب، تمثال أمير من «عين التل» وتمثال ملك واقف، نقشت على ثوبه كتابة آشورية مسمارية وآرامية أبجدية.
ـ تماثيل أسود: مثل تمثال أسد مكتشف في «عين دارا».
ـ كائنات خيالية: مثل منحوتة مكتشف في أحد أساسات مبنى الجامع الأموي في دمشق، تمثل كائناً له رأس إنسان يعلوه تاج، وله جسم سبع مجنّح.
ـ مواضيع من الحياة اليومية: مثل مشهد صيد، عربة يقودها رجلان.
ـ رموز: مثل رب القمر «سين». وهناك مجسّمات الألواح، التي تغطّي جدران المباني في مداخل المدن والقلاع.
ـ وتجدر الإشارة إلى القطع العاجية، التي كانت تزيّن عرش ملك دمشق «بر حدد»، وقد استولى عليها ملك الآشوريين تغلات فلاسر، الذي استطاع أن يقضي على مملكة دمشق الآرامية عام 732ق.م، ويعود منها بغنائم كان منها ما تبقى من روائع المنحوتات العاجية، التي تمثل مواضيع مختلفة مثل: وجه حسناء تجسّد الرّوح وتطلّ على عالم الأحياء، ومشهد بقرة ترضع عجلها...
وهناك الكتابة المسمارية الآشورية والكتابة الأبجدية الآرامية، المنقوشتان على ثوب تمثال ملك من حجر البازلت، اكتشف جنوب شرقي تل فخيرية جنوب رأس العين، وتتضمّنان اسم «سيكاتي» حاضرة مملكة «غوزانا».
وهناك أيضاً المعاهدة الآرامية المنقوشة كتابتها على حجر البازلت البركاني، وكانت قد اكتشفت في قناة سجين، فنقلت إلى قرية «سفيرة» قرب حلب، وهي محفوظة حالياً في المتحف الوطني بدمشق. ويعتبر نص هذه المعاهدة أقدم وثيقة تتضمن كتابة باللغة الآرامية، وتدل حروفها عل مدى تشابهها مع الحروف الفينيقية، ومدى العناية بحسن كتابتها ونقشها، وهي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وتتضمن اسم «برغايا» ملك كيتاك، و«متعال» ملك أرفاد/تل رفعت حالياً، الذي كان خصم الملك الآشوري تغلات فلاسر الثالث، الذي استطاع في نحو عام 740ق.م أن يقضي على مملكة أرفاد بعدما حاصرها أربعة أعوام. وقد جاء في نص المعاهدة عبارات تتضمن الخطر، الذي يهدّد «متعال» ومملكته فيما إذا نقض عهده. وهناك روائع الصناعات الفنية والفنون الصناعية، مثل صناعة الأواني الفخارية الجميلة المختلفة.
------------------
مواضيع ذات صلة:
عصور ما قبل التاريخ
العصر الحجري القديم
العصر الحجري الوسيط (الميزوليت)
العصر الحجري الحديث (النيوليت)
العصر الحجري النحاسي (الكالكوليت) وأطواره في سورية
العصر البرونزي
مواضيع ذات صلة: