عصور ما قبل التاريخ
إن المعلومات الأساسية عن عصور ما قبل التاريخ هو «البقايا الأثرية» ومعطيات العلوم المساعدة الأخرى، نستنطقها لتدلّنا عل الإنسان، الذي أبدعها وكلّ ما يتعلَّق به قبل أن يتوصَّل إلى معرفة الكتابة.
لقد مرّت ملايين من الأعوام، كانت فيها الحياة معدومة على الأرض، ثم نشأت في المحيطات «الخلية الحية الأولى» تبعها ظهور النباتات البحرية، ثم الحيوانات اللافقارية البحرية، ثم النباتات والحيوانات الفقارية البرية، التي تفرّع منها «الثدييات» وأحد فروعها الرئيسات، التي انتشرت على مساحة كبيرة من العالم، ومنها ـ في الحقب الجيولوجي الثالث ـ أسلاف الإنسان، التي بدورها تطوّرت نحو الإنسان نفسه، الذي يعرف فيزيولوجياً وحضارياً بأنه «كائن ذو قامة منتصبة»، له دماغ كبير الحجم ومتطوّر، يمكنه من القيام بالعمليات الذهنية المعقدة للتكيف مع وسطه من خلال الاختراع الواعي والمقصود للأدوات والأسلحة، التي ساعدته على تأمين غذائه وأمنه، والاستمرار في البقاء وسط الظروف المختلفة.
ظهر ذلك الكائن الأول «الإنسان» منذ بداية الحقب الجيولوجي الرابع (الرباعي) في زمن يعود إلى أكثر من ثلاثة ملايين عام مضى. وكان من النوع البدائي، تلته أنواع تتدرج في تطوّرها الفيزيولوجي والحضاري، وهي بحسب القدم:
ـ الهومواركتوس (الإنسان المنتصب القامة): ظهر في حوالي مليون عام قبل الميلاد.
ـ إنسان نياندرتال: تعود أقدم هياكله إلى 100000عام قبل الميلاد.
ـ الهوموسابيانس (الإنسان العاقل): يعود إلى حوالي 3500ق.م. ويعتبر الجدّ المبكر لإنساننا الحالي.
وتميّز الحقب الجيولوجي الرابع بأحداث هامة، ففيه استقرّت الأرض على شكلها الحالي تقريباً، وثبت توزع اليابسة والمحيط. وانعكست التقلبات المناخية هنا على شكل عصور مطيرة دافئة، متتابعة، تفصلها عصور جافة وحارة، وتركت شواهدها في الناطق المختلفة. وأفضل دليل عليها في قطرنا، يأتي من وديان الأنهار الهامة وروافدها (الفرات، العاصي، نهر الكبير الشمالي)، وأودية البادية الكبرى.
وتدل الدراسات في سورية على تشكل أربعة أسرّة نهرية قديمة، عبر أربعة عصور مطيرة، فصلتها عصور جافة تشكلت فيها أيضاً أربعة شواطئ قديمة على امتداد البحر المتوسط، الذي انتقلت مياهه بين الطغيان والانحسار حسب المناخ، وبذلك يكون لدينا ثمانية عصور مطيرة وجافة، متتالية، أُعطيت تسميات محلية لتمييزها ومن ثم ربطها بما يوازيها في المنطقة والعالم، وهي بدءاً من الأقدم: المشرفة، ست مرخو، بكسا، اللطامنة، هنادي، بو جمعة، بانياس، الشير.
وفي الأسرّة النهرية والشواطئ البحرية القديمة، وجدت أدوات حجرية ومستحاثات وتشكلات جيولوجية، يعتمد عليها في دراسة عصور ما قبل التاريخ، التي تبدأ بقيام الإنسان بصنع أبسط الأسلحة والأدوات الحجرية، منذ حوالي مليون عام في وادي نهر الكبير الشمالي، وتنتهي هذه العصور بمعرفة الإنسان أول أشكال الكتابة في النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد في حوض الفرات الأوسط.
وإننا نطلق على ذلك الزمن اسم «العصر الحجري»، لأن الحجر القاسي (الصّوان خاصة) كان المادة الأساسية، التي صنع منها الإنسان أدواته، التي كانت الآثار الوحيدة، التي قاومت الفناء وبقيت الدليل المادي المباشر في العديد من المواقع، التي سكنها ذلك الإنسان، وبخاصة في المراحل الأولى من العصور الحجرية. ثم تتنوع المخلفات ـ مع مرور الزمن ـ لتشمل الأواني الحجرية والفخارية والبناء والفن والأدوات العظمية والخشبية وغيرها من الآثار.
وإن المعلومات الأولى عن عصور ما قبل التاريخ في منطقتنا كانت ثمرة جهود فردية متواضعة، تعود إلى مطلع القرن العشرين. وإن الاكتشافات الهامة لإنسان «النياندرتال» في مغائر جبال الكرمل في فلسطين في الثلاثينيات، قد جذبت الأنظار نحو سورية، فبدأت مرحلة البحث المنهجي في يبرود وتدمر. ومنذ بداية الستينيات اكتُشف أكثر من ثلاثمائة موقع لإنسان ما قبل التاريخ، أكدت أهمية أرض سورية لفهم عصور ما قبل التاريخ في المنطقة وفي العالم.
------------------
مواضيع ذات صلة:
العصر الحجري القديم
العصر الحجري الوسيط (الميزوليت)
العصر الحجري الحديث (النيوليت)
العصر الحجري النحاسي (الكالكوليت) وأطواره في سورية
العصر البرونزي