يبرود
تقع يبرود في جيب خصب وسط مسطح صخري على السفوح الشرقية لجبال لبنان، وكانت مدينة يبرود نفسها من المدن المهمة في العصرين الروماني والبيزنطي، وعرفت بالاسم يبرودا (Iabruda). وقد أظهرت الملاجئ الصخرية والمغاور في منطقة يبرود أدلة على استيطان يعود إلى عشرات الآلاف من السنين. تقع يبرود في جيب خصب وسط مسطح صخري على السفوح الشرقية لجبال لبنان، على بعد 8كم جنوب ـ غربي النبك و60كم شمال ـ شرقي دمشق. وكانت مدينة يبرود نفسها من المدن المهمة في العصر الروماني، وتعرف بالاسم يبرودا (Iabruda)، وفي العصر البيزنطي أيضاً. وقد أظهرت الملاجئ الصخرية والمغاور في منطقة يبرود أدلة على استيطان يعود إلى ما قبل عشرات الآلاف من السنين، وخاصة في فليتا واسكفتا، عند الطرف الجنوبي لمدينة يبرود الحالية، وذلك على ارتفاع يصل إلى 1420م فوق مستوى سطح البحر. ويمر بيبرود وادٍ يشق مجراة في الصخور.
ابتدأت أعمال التنقيب في مغاور يبرود خلال الأعوام 1930ـ1933م على يد ألفريد روست (Alfred Rust)، الذي لم يكن آثارياً أصلاً وإنما كهربائياً هاوياً للآثار، وكانت مهاراته الآثارية حصيلة للتعليم الذاتي الذي رتبه لنفسه. وقد نجح في التحديد الدقيق للطبقات الأثرية، وجاءت منشوراته عن تلك التنقيبات مزودة بتفاصيل كثيرة. وبعد مرور ستين عاماً تواصلت التنقيبات الآثارية بإدارة رالف سوليكي (R.S.Solecki) الذي واصل استكشاف تلك المغاور خلال الأعوام 1963ـ1966م.
شملت تنقيبات ألفريد روست ثلاثة ملاجئ صخرية أعطيت الأرقام المتسلسلة 1، 2 و3. وأجري التنقيب في الملجأ الأول بأربعة قطاعات لسعة مساحته. أما في الملجأين 2 و3، وكلاهما أقل مساحة من الملجأ رقم 1، فقد شملت التنقيبات الأرضيات بأكملها. وقد بلغ مجموع الطبقات في الملجأ رقم 1 خمساً وعشرين وعشر طبقات في الملجأ رقم2.
أثبتت تحريات رالف سوليكي أن طول الملجأ رقم 1 يصل إلى 35م، ويقدر ارتفاعه الإجمالي بحوالي 20م. وملأ الركام 11.25 متراً من هذا الارتفاع. ويدل التراكم الحضاري في الطبقات الخمس والعشرين على أن الجزء الشمالي من الملجأ، الذي يتخذ شكلاً شبيهاً بالمغارة، تم السكن فيه منذ البدايات الأولى. وبعد أن ضاق الموضع بقاطنيه لاح هناك تفضيل للإقامة في الجزء الجنوبي، إذ بدأ ظهور الأدوات الحجرية بالازدياد فيه مقابل تناقصها في القسم الأمامي. وتمثل الأدوات الحجرية المكتشفة في طبقات هذا الملجأ ثقافات العصر الحجري القديم.
لقد سُكن الملجأ رقم 1 في العصر الجليدي الفاصل الأخير، وفي النصف الأول من العصر الجليدي الأخير من قبل جماعة بشرية استعملت أدوات حجرية مختلفة. إن بداية استيطان هذا الملجأ تدل على مجموعات أطلق عليها ألفريد روست اسم اليبرودية أو الآشولية ـ اليبرودية، ما بين انتهاء العصر الحجري القديم الأدنى والعصر الحجري القديم الأوسط (200.000ـ35.000 سنة قبل الآن). وقد وصلت بين الصناعات اليبرودية صناعات أخرى مختلفة تماماً فيها نصال وأدوات من نمط العصر الحجري القديم الأعلى (35000ـ10000ق.م) مثل الأزاميل والمقاشط التي ظهرت في طبقتين من طبقات الملجأ رقم 1، وأطلق عليها ألفريد روست اسم ما قبل الأورينياسية (Pré-Aurignacien). وأخيراً وجدت في عدة طبقات صناعات من نوع الآشولي الأعلى الكلاسيكي، وفيها طرق تصنيع لفلوازية. وهذا ما يدل على تشابك عدة صناعات تجعل من نهاية العصر الحجري القديم الأدنى في المنطقة أمراً أكثر تعقيداً مما هو عليه في أفريقيا وأوروبا.
يأخذ الملجأ رقم 2 شكلاً دائرياً تقريباً بعرض حوالي 20م وبعمق يصل إلى 8م. وقد أدى استعمال الحيز الرئيسي في الملجأ لحفر بعض القبور اللاحقة إلى إزالة محتويات طبقات عصور ما قبل التاريخ. ومن المحتمل أن هذه الطبقات كانت تعود إلى بداية ما بعد العصر الحجري القديم (Epipalaeolithic). ويأتي الموضع الذي اكتشفت فيه الطبقات الأثرية في الملجأ إلى الغرب من الحيز الرئيسي ويتصل به. لقد وجدت أدوات موستيرية قليلة في هذا الملجأ مما يدل على أنها كانت مقترنة باقامة مؤقتة، في حين أن طبقات السكنى الرئيسة تكون ذات صناعة أورينياسية، وقد عثر فيها على آثار سبعة مواقد.
تظهر الطبقتان التاسعة والعاشرة في الملجأ رقم 3 ارتباطاً مع البنية الطبقية في الملجأ رقم 2. وقد ساعدت طبقات ما بعد العصر الحجري القديم في الملجأ رقم 3 على بناء فهم أكثر شمولاً للمرحلة السابقة للعصر الحجري الحديث في المنطقة. وتقترن هذه الطبقات بالثقافة الأورينياسية ونهايتها لتشمل لقى تمتد الى ثقافات مثل الكبارية والنطوفية. فضلاً على الملاجئ الصخرية في اسكفتا، قام رالف سوليكي بالتحري في بئر أستير، وهي بئر جافة حالياً عند الطرف الجنوبي على طريق يبرود ـ فليتا، في موضع التقاء وادي اسكفتا بالسهل. وقد عثر في الطبقة العليا من هذه البئر، وسمكها 2.5م، على ست أدوات صوانية صغيرة.
تم استكشاف ثلاثة مآوي صخرية وكهف في فليتا. المأوى الأول يبعد مسافة 60م تقريباً عن الطريق ويعلو فوقه بثلاثة أمتار. يبلغ عرض هذا المأوى عند الواجهة 60م وعمقه 6م وارتفاعه نحو 15م. تم التقاط مجموعة من الأدوات الحجرية الصوانية تشمل نصلاً ومقشطين ومثقباً وأدوات عديدة أخرى. ويمكن إرجاع هذه الصناعة الحجرية من حيث خصائصها إلى ما بعد العصر الحجري القديم وربما إلى العصر الحجري القديم الأعلى. المأوى الثاني يبعد مسافة 25م إلى الغرب من الأول، ويبلغ عرضه عند الواجهة 40م وارتفاعه 12م. معظم أرضية المأوى صخرية باستثناء بقعة ترابية اكتشفت فيها 12 قطعة صوانية، اثنتان منها مصنوعتان من لب الحجر وعشر سمجة الصنع. المأوى الثالث يقع إلى الغرب من المأويين الأول والثاني، ويبلغ عرضه عند الواجهة 24م وعمقه 6م، أما ارتفاعه فيصل إلى حوالي 8م. وتدل المواد الحجرية المكتشفة في هذا المأوى على فترات متعددة من الاستيطان تمتد من العصر الحجري القديم الأوسط والأعلى حتى أواخر العصر الحجري الحديث. الكهف الوحيد الذي شملته التحريات الآثارية يقع على مسافة قريبة إلى الغرب من المأوى الصخري الثالث. يبلغ ارتفاع فتحة الكهف 4م، وعرضه في الداخل 6م وعمقه 7م، وهناك جدار حجري قليل الارتفاع أمام الكهف. تعود المواد الحجرية التي جمعت من هذا الكهف إلى العصر الحجري القديم الأوسط والأعلى، أو بداية العصر الحجري الحديث.
وليبرود أهمية خاصة منذ العصر الروماني وكانت تضم حينذاك معبداً لجوبيتر الذي عرف بلقبه المحلي "جوبيتر يبرود". وقد أعيد استعمال مواد بنائية من هذا المعبد في تشييد كاتدرائية قسطنطين وهيلانه. ويبدو أن عبادة جوبيتر في يبرود نالت شهرة واسعة في ذلك العصر، إذ استخرج مذبح في روما عرف إنه يعود إلى "ملكيبرود" (Malekiabrudis). وهناك عدة أضرحة رومانية على بعد 3كم إلى الغرب من المدينة محفورة بالحجر، وأحدها يعود إلى القرن الثالث وتظهر عند مدخله معالم نحت بارز يمثل أسدين مع أحد عشر مشهداً بالنحت البارز. وتوجد أيضاً أضرحة أخرى على يسار الطريق المؤدية إلى معلولا.
وعلى طريق يبرود ـ فليتا، المتجه إلى الجنوب ـ الغربي، توجد آثار معبد بيزنطي محفور في الصخر على مقربة من بئر أستير. ولهذا المعبد أساس صخري مربع الشكل تقريباً وأبعاده 8×8م.وقد اكتشف بداخله مصرف للمياه نحت في الصخر. وتحتوي الكنيسة في يبرود نفسها على مجموعة جيدة من الأيقونات وقواعد لثلاثة أعمدة رومانية. وكانت المدينة تضم، إلى جانب الكاتدرائية، ست كنائس أكبرها كنيسة القديس نيقولا، وكانت منذ منتصف القرن الخامس الميلادي مقراً لأسقفية.
مراجع للاستزادة:
ـ فرنسيس أور، حضارات العصر الحجري القديم، (دمشق، 1995)، ترجمة د. سلطان محيسن.
- Réné Dussaud, Topographie historique de la Syrie antique et Mediévale, (Paris, 1927), pp. 284.
- M. Korfmann, "Jabrūd", RIA V, pp. 230-2.
- A. Rust, "Beitrag zur Kenntnis der Abwicklung der vorgesch. Kulturperioden in Syrien", Prähistorische Zeitschrift 24 (1933), pp. 205-18.
- R.S.Solecki/ R.L. Solecki, "New data from Yabrud, Syria. Preliminary regort of the Columbia University Archaeological Investigations, in AAS (yr.) 16 (1966, Nr.2), pp. 121-54.