الكنعانيون
الكنعانيون شعوب استوطنت سواحل سورية حوالي الألف الثالث قبل الميلاد ـ وربما قبل ذلك ـ واستقرت في الشريط الساحلي والجزء الشمالي والغربي من البلاد، وأسست فيه حضارات ومدن وممالك كمملكة إبلا، ومملكة يمحاض في حلب، ومملكة أوغاريت قرب اللاذقية، وأطلق تجار اليونان على الكنعانيين من سكان الساحل في جزيرة أرواد وجبيل وصيدا وصور اسم الفينيقيين.
المصطلح «كنعان» كإسم هو مصطلح جغرافي، فإن أول ذكر له ورد في نص اكتشف في تل مرديخ ويعود تاريخه إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، ومن المحتمل أن بلاد كنعان كانت تشمل الأجزاء الجنوبية الغربية من بلاد الشام. وهذا ينطبق على ما ورد في رسائل العمارنة، حيث وصفت السواحل الجنوبية لبلاد الشام، بدءاً من النهر الكبير الجنوبي ببلاد كنعان. لم يشكل الكنعانيون دولة موحدة، بل كانت لهم بضع دول في بلاد الشام. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الوثائق المكتوبة، التي اكتشفت في أوغاريت وتل العمارنة ومملكة بابل في عصر حمورابي ومدينة ماري، قد كتبت بلغة مشابهة هي اللغة الكنعانية، وهذا ما جعل كثيراً من العلماء يعتقدون أن القبائل، التي انتشرت في بلاد الشام خلال القرنين الأخيرين من الألف الثالث قبل الميلاد وانتقلت شرقاً إلى بابل كانت كنعانية. وحسماً للخلاف وإزالة كل غموض تبنى عدد من العلماء التسمية الجديدة: الكنعانيون/العموريون.
ويستدل من تعدد الممالك أن القبائل الكنعانية/العمورية، حينما استقرت في بلاد الشام وشكلت دولاً، قد حافظت على شخصيتها القبلية، ولم تحاول الاتحاد فيما بينها، ومما يلفت النظر أن الممالك الشمالية كانت أكبر وأكثر أهمية من الممالك الجنوبية. ومن أهم عواصم الممالك الشمالية المكتشفة:
ـ كركميش.
ـ يمحاض/حلب.
ـ مركيش/ألالاخ.
ـ أرشو.
ـ خشو.
ـ إيمار.
ـ مملكة ماري.
ـ إبلا.
ـ نوخشي نعيا
ـ نونيب
ـ قَطْنة
ـ كنزا/قادش
ـ عمورو
- أوغاريت
- جبلا/بيبلوس
أما ممالك الجنوب؛ فكانت تتألف في معظمها من مدينة وأراض قليلة. وأهم هذه الممالك هي: بيروت، كوميدي، افه/دمشق، دبو، عشتاروت، عكا، مجدو، يانوعمو، بيت شان، بيلا/فحيل، يافا، عسقلان، ليكيش/بحش، ييرو سالم/القدس.
1- مملكة مركيش/الألاخ: عاصمة هذه المملكة مدينة ألالاخ/تل عطشانة، الواقع على الضفة اليمنى لنهر العاصي في سهل العمق، لقد أمدتنا هذه المدينة بوثائق هامة، تتعلق بتاريخها وبتاريخ مملكة يمحاض، التي تبعت لها ألالاخ عشرات الأعوام. ومن ملوكها المعروفين الملكان ياريم ليم وعمي تاكوم، اللذان حكما خلال القرنين الثامن والسابع عشر قبل الميلاد، ويحتمل أن يكون تدمير المدينة قد تم على يد الملك الحثي «خاتوشيلي الأول» (النصف الثاني من القرن السابع عشر). بعد ذلك فقدت ألالاخ أهميتها كعاصمة مملكة وكمدينة إلى أن عاد إليها الملك «أدريمي» حوالي عام 1500 ق.م، فأعاد إليها قوتها وشهرتها وقد خلف قصراً ومعبداً ودار محفوظات، حوت على وثائق كبيرة، تتعلق بتاريخها وبعض الدول المجاورة. وخضعت هذه الدولة للحثيين كغيرها من دول بلاد الشام، منذ عام 1350ق.م تقريباً وحتى تدميرها هي والإمبراطورية الحثية على يد شعوب البحر عام 1200ق.م على وجه التقريب.
نشأت مدينة الألاخ عند مطلع الألف الثالث قبل الميلاد وازدهرت وتوسعت في الألف الثاني، وقد أُحيطت بسور دفاعي ضخم بني باللبن، وجعلت فيه الأبواب، التي كانت أهمها البوابة الرئيسية في الجهة الشمالية الغربية من المدينة والتي شيدت على أسلوب كنعاني لا مثيل له في بلاد ما بين النهرين ومصر.
تتألف البوابة من معبر طويل، تحصره ثلاثة أزواج من العضادات تحصر بينها ثلاث حجرات عرضانية مستطيلة، ويحيط بالمعبر برجان كبيران، فيها الحجرات والمحارس متوزعة على طابقين. وفي الجهة الشمالية كان يقوم قصر ياريم ليم، وهو قصر صغير بالمقارنة مع قصر ماري المعاصر، أبعاده 15×90م، بنيت جدرانه باللبن وكسبت قواعدها من الخارج ببلاطات بازلتية، لحمايتها من عوامل الحت، وسقف القصر بالخشب، الذي أسند على أعمدة خشبية ارتكزت على قواعد حجرية. ويتوسط القصر قاعة كبيرة في وسطها موقد وهي تفصل بين الجناح الإداري في الشمال والجناح السكني في الجنوب، ويتألف الجناح الإداري من طابقين، في الأرضي منها، قاعة الاستقبال وتحيط بها ثلاث حجرات للموظفين ومرحاض، ويُصعد إلى الدور الثاني بوساطة درج داخلي في زاوية القصر الشمالية. أما جناح السكن، فكانت فيه ثلاثة طوابق، يضم الطابق الأرضي المستودعات والمطابخ والأفران والثاني والثالث حجرات للسكن والنوم وقاعات الاستقبال. ويجاور القصر من الجهة الجنوبية الغربية، المعبد، الذي كان يضم حرماً مربع الشكل يتقدمه رواق. هذا بالنسبة لفن العمارة أما بالنسبة للفنون الأخرى، فقد ازدهرت صناعة الأواني الفخارية الملونة والمزوقة، إلى جانب فن النحت، الذي بقي منه بعض التماثيل كتماثل إدريمي أو رأس الملك ياريم ليم.
2- مملكة إيمار: وهي مدينة مسكنة التي غمرتها مياه الفرات، وقد وجد فيها رُقم مسمارية تعود إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد وكانت بحكم موقعها تتمتع بأهمية تجارية؛ فكانت تتاجر مع مملكة ماري وبابل ويمحاض. وفي القرن التاسع عشر قبل الميلاد، أخضعها ملك ماري «يخدون ليم» وبعد وفاته خضعت لحلب حتى سقوطها، وقد كشفت التتبعات فيها عن وجود معبدين متجاورين بنيا وفق مخطط واحد. خصص المعبد الجنوبي لعبادة الرب بعل والشمالي لعبادة الربة عشتار.
3- مملكة ماري: انطلقت قبائل الكنعانيين/العموريين من ماري إلى بلاد بابل وسومر وآشور بعد أن تجمعت بها، قادمة من البادية الشامية، وقد اشتهر من ملوكها يخدون ليم وزمري ليم فقط، وقد اشتهر هذا الأخير بالبناء وجعل من قصر ماري الشهير، درة العمارة الكنعانية/العمورية ويضم نحو 300 غرفة وقاعة وباحة وللقصر باب واحد، يحيط به برجان ويتقدمه درج حجري، تليه مجموعة باحات صغيرة، تربط بينها ممرات متعرجة، تؤدي إلى الباحة التي تتوسط الجناح الإداري وتنفتح عليها قاعة العرش. ومن هذه الباحة يمكن الوصول إلى كافة أجنحة القصر وهي: مسكن أسرة الملك، المستودعات، أماكن الحرس، مسكن الخدم، ثم المدرسة ودار المحفوظات. إن ما يلفت النظر في هذا القصر، النقوش البديعة وحدائقه المزروعة بأشجار النخيل وقد اكتشفت في الباحة مجموعة تماثيل، أهمها تمثال إيشتوب-إيلوم، حاكم ماري.
4- مملكة إبلا: خضعت إبلا لصارغون الأكادي، عندما أسس إمبراطوريته، واستطاع فيما بعد نارام سين (2260-2223ق.م)، أن يغير خريطة بلاد الشام السياسية باحتلاله إبلا. أُحيطت مدينة إبلا بسور دفاعي، شكله شبه منحرف غير منتظم، وهو عبارة عن حاجز ترابي، شديد الانحدار نحو الخارج ومعتدل نحو الداخل، فيه عدد من الأبراج الدفاعية. ارتفاعه الحالي 20م وسماكته عند القاعدة حوالي 50م. وفي السور أربع بوابات، ومن المرجح أن البوابة الجنوبية الغربية هي الرئيسة، وقد قسمت إلى ثلاثة مقاطع وحصنت بالأبراج كبوابات المدن الكنعانية. ولقد بنيت البيوت من اللبن، ويتألف البيت من ممشى وتليه باحة داخلية مستطيلة الشكل غير مسقوفة، ثم حجرتان قبالة الممشى، وكان المعبد مقسماً إلى ثلاث فسحات: أمامية للاستقبال ووسطى، ثم الحرم أو المصلى. واحتوى القصر الملكي على مدفن، وجد فيه بعض قطع الأثاث والحلي الذهبية وصولجان رأسه من الحجر كروي الشكل، وتغطي بضعة سنتمترات من خمسه قطعة أسطوانية برونزية مصرية الصنع، مما يدل على وجود علاقات بين البلدين.
5- قطنة: هي تل المشرفة في محافظة حمص. وقد كشفت التنقيبات. التي أُجريت في الأعوام 1924-1927-1929 عن سورها الترابي وهو مربع الشكل طول ضلعه 1600م وارتفاعه 15-20م وسماكة قاعدته 42م ويحيط به خندق سحيق، وفي المدينة معبد (نين جال) ربة قطنة، بني وفق أسلوب المعابد الكنعانية. جدرانه من اللبن وسقفه من الخشب، كما ضمت المدينة القصر ويحتوي على الباحة وجناح السكن الملكي، الجناح الإداري، قاعات الاستقبال، وقد عُثِر في المعبد على تمثال صغير لأبي الهول، مهشم، مما يدل على العلاقات الجيدة بين البلدين.
6- مملكة كنزا/قادش: أو تل النبي مند على الطرف الجنوبي لبحيرة قطينة، وقد سيطرت هذه المملكة على الأراضي الممتدة من حمص شمالاً، حتى سهل القاع جنوباً، ومن البادية شرقاً حتى سهل البقيعة غرباً، ومن البادية شرقاً حتى سهل البقيعة غرباً، وقد سعى كل من المصريين والحثيين للسيطرة عليها بسبب أهمية موقعها وسيطرته على طرق المواصلات بين شمال بلاد الشام وجنوبها.
7- مملكة عمورو: وهي دولة صغيرة، سيطرت على السهول الممتدة حول نهري الكبير الجنوبي والأبرش. وعلى المنطقة الساحلية من طرطوس حتى البترون وكانت عاصمتها «سيميرا/حمورو»، من أشهر ملوكها «عبد عشيرته» مؤسس السلالة الحاكمة وعزيرو. خضعت هذه المملكة للفراعنة والحثيين إلى أن قضت عليها موجات شعوب البحر.
8- مملكة أوغاريت: منذ نهاية القرن السادس عشر، أصبحت مدينة أوغاريت المركز الحضاري الأهم في بلاد الشام وبقيت كذلك حتى تدميرها عام 1200ق.م، وقد تعاقب على حكمها تسعة ملوك كان من بينهم عم شتمر وأبرزهم نقم هدد الثاني،الذي عقد معاهدة مع الحثيين. كانت مدينة أوغاريت محصنة، تنتشر المعابد والقصور والبيوت على جوانب شوارعها المستقيمة الرئيسية والفرعية. وقد اكتُشف في المدينة القصر الملكي والمعابد، كمعبد الإله بعل ومعبد الإله دجن. هذا بالإضافة إلى مسكن كبير للكهنة وجدت فيه الرقم، التي كُتبت عليها أساطير الأدب الكنعاني وأشعاره، كما وجد أيضاً العديد من المدافن، بنيت بأسلوب واحد وهي عبارة عن حفرة تحت أرض القصر أو البيت، بنيت فيها بالحجارة، حجرة الدفن على شكل هرمي أو مخروطي. ومن أهم هذه المدافن، مدافن القصر الملكي والقصر الصغير.
مواضيع ذات صلة: