كزدورة بين المرجة والسنجقدار.. من لا يعرف جذور تاريخه لا تاريخ له

.

عرفت المنطقة الممتدة من مدخل سوق الحميدية وإلى جسر الزرابلية فمدخل ساحة المرجة.. باسم السنجقدار، وتعود هذه التسمية إلى جذور ترتبط بالعهد الذي كانت فيه مدينة دمشق منطلق ركب الحج الشامي إلى الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

وقد أرادوا بالصنجق «العلم»، والمقصود به علم النبي «ص»، وكان يسمى: «العقاب»، وكان يحفظ في دمشق، ذلك أنه انتقل إلى الأمويين ثم إلى العباسيين ومن بعد إلى الفاطميين بالقاهرة، وأعيد إلى دمشق زمن السلطان سليم الأول بعد القضاء على دولة المماليك بالقاهرة.

ونقل إلى استانبول بفعل الصدر الأعظم سنان باشا، ووضع عليه حماية في غرفة خاصة من الباب العالي.. ومن ثم أصبح الاحتفال بدمشق بالصنجق العثماني عوضاً عن صنجق النبي (ص) ويكون في هذا الاحتفال في اليوم الرابع من شهر شوال من كل عام، فيخرجونه «الصنجق» من القلعة على جمل خاص مزدان بهذه المناسبة، ويمسك بهذا الجمل أيضاً موظف خاص بلباس (هندام) خاص، وكانت الجماهير تحيط بهذا الجمل اعتقاداً منهم أن لمس ذلك الجمل يجلب الخير والبركة، فيسير في مقدمة الموكب الموسيقا والمؤذنون وعموم صناجق الآليات العسكرية بدمشق، ويكون خروجهم بعد صلاة عصر اليوم الرابع من شوال من باب القلعة الغربي المعروف باسم باب البوابيجية في سوق السروجية قبل أن ينتقل سوق السروجية إلى موقعه الحالي ويكون مرورهم بمصاحبة محمل الحج من الدرويشية فالسفانية ثم إلى شارع البدوي الواصل بين السفانية وحي الشاغور، ثم إلى باب كيسان وإلى باب شرقي، ومن بعد إلى مقام الشيخ أرسلان الدمشقي، فعلى برج الروس والسادات والعمارة والأبارين مروراً بالسروجية، فإلى أسفل حدرة جوزة الحدباء بالقرب من جامع يلبغا فإلى السرايا، حيث يكون والي دمشق أو من في حكمه بالاستقبال.

وتكون المواقع التي يمر فيها الصنجق في هذه الدورة مزدحمة، غاصة بالأهلين وبخاصة من قدم منهم من الأنحاء السورية احتفالاً بهذه المناسبة وبالطبع فإن أشغال مدينة دمشق تتعطل جميعها عدا باعة المأكولات.

وإذا تساءل أحدنا عن سبب تسمية صنجق دار، فيمكن القول إن ذلك يعود إلى الدار التي كانت تحفظ بها عوائد موكب الحج الشامي إلى حين انطلاق ركب الحج الشامي إلى الديار المقدسة المعروف باسم (الكلار).

كما أطلق عليها «المرجة» اسم عين القصارين، لوجود أرض خضراء معشوشبة على أطرافها، وهذه الأرض محفوفة بأشجار الحور والصفصاف وكان القصارون الذين يمتهنون حرفة إكساب القماش بياضاً ناصعاً، كان هؤلاء يأتون بالقماش فينشرونه على العشب، ويرشونه بالماء مراراً بوساطة عصا طويلة تنتهي بعبوة يغرف بها من ماء النهر ويرش ذلك القماش الممدود على العشب، حتى يقصر ويصبح ناصع البياض.

وعين القصارين هذه «المرجة» هي متنزه لطيف، ماؤه عذب ويقصده زمن الصيف الكثير من أهالي دمشق للنزهة، وكان منهم من يُحضر معه طعامه فيتناوله على العشب، أو في ظلّ شجرة وارفة الظلال.

وقد شيّدت حول ساحة المرجة في العهد العثماني مجموعة من الأبنية المتأثرة بفنون العمارة واتجاهاتها الإقليمية والمناخية فكانت مزيجاً من الطراز الأوروبي المتأثر بالفن المعماري اليوناني والعثماني، ومن ذلك السرايا والعدلية والبريد وبناية العابد فضلاً عن ذلك بناء البلدية الذي شيد أيام الوالي العثماني حسين ناظم باشا سنة 1900 م، وقد هُدم في أواخر العقد الخامس من القرن العشرين، وشيدت مكانه بناية الشربتلي القائمة، وقد جرت في بناء البلدية هذا مراسم إعلان استقلال سورية، وتنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سورية يوم الاثنين الثامن من شهر أيار سنة 1920 وعرف هذا اليوم بعيد الاستقلال وغطيت الساحة في عهد الوالي العثماني محمد راشد باشا سنة 1866 م واستكملت تغطيتها في مطلع القرن السادس من القرن العشرين.

وكانت في ربيع كل سنة تتعرض لفيضان نهر بردى في ما يعرف بالزودة، فتتحول ساحة المرجة إلى ما يشبه البحيرة التي يتعذر خوضها، وقد يمتد أثر هذه الزودة من منطقة طلعة التجهيز (ثانوية جودت الهاشمي) والتكية السليمانية وجسر الحرية غرباً إلى سوق التبن وسوق العتيق شرقاً، ولا تزال الأرصفة الواقية لهذه الزودة باقية إلى يومنا هذا عند مخرج المرجة إلى سوق التبن، وتكون وسائل الاتصال عبر هذه الزودة على الأكتاف إذا لم يتيسر الانتقال بالحناطير أما النصب التذكاري الذي يتوسط ساحة المرجة، فهو لذكرى بدء الاتصالات البرقية بين مدينة دمشق والمدينة المنورة، وقد أقيم سنة 1907 أيام السلطان عبد الحميد الثاني حينما كان حسين ناظم باشا والياً على دمشق.

والنصب المذكور من البرونز، وهو من تصميم وتنفيذ فنان إيطالي، وفي أعلى هذا النصب أنموذج لجامع يلدز باستانبول، وقد أقيم له يوم تدشينه حفل كبير حضره حسين ناظم باشا ورجالات الدولة وحشد كبير من العلماء والمسؤولين.

ومن جهة أخرى فقد ظلت المرجة مركزاً لمدينة دمشق، ومركزاً لكثير من فعاليات دمشق الإدارية، فضلاً عن سبل تزجية الوقت المقامة حولها، كصالات السينما والمقاهي والمسارح والملاهي.

ولما ظهر دور الترام «الترامواي» في المواصلات بمدينة دمشق أنشئت حول النصب التذكاري حديقة وأصبحت الساحة مركزاً لانطلاق عربات الترام إلى أحياء المهاجرين والشيخ محيي الدين والميدان والقصاع فضلاً عن خط الترام الذي كان يوم دمشق بدوما وكان الواحد من أبناء جيلنا إذا كان له أن يركب الترامواي ولم يكن قد قطع تذكرة بأجرة الركوب.. يُحاول التملص من الجابي حتى إذا استطاع أن يشد الحبل الذي يسمح لسنكة الترام استمداد الكهرباء (القوة المحركة للترام) فيتوقف الترام ويستطيع ذلك الراكب الإفلات من الجابي (الكمساري)..

منير كيال

الوطن السورية