على مدى ثلاثة أيام وبتاريخ 21- 22- 23 نيسان 2014، عجت بعض الأماكن الأثرية بدمشق القديمة بنشاطات ثقافية وموسيقية واجتماعية وذلك ضمن فعالية سميت «أيام التراث السوري» أقامتها وزارة الثقافة بمناسبة يوم التراث العالمي الذي يصادف يوم 18 نيسان من كل عام.
عروض وعروض
بدأت الفعالية يوم الاثنين 21 نيسان من قصر العظم الأثري وتضمنت عزف موسيقي على الآلات الشرقية، المقهى الشعبي مع الحكواتي، صندوق الفرجة، عروض ميلوية، فضلاً عن عرض للأزياء من التراث السوري وهذه النشاطات كانت بالتعاون مع الرواق العرفي، وانتهت اليوم الأول في قصر العظم بأمسية لفرقة الدراويش الشامية بقيادة الموسيقي صلاح القباني، كما شهد قصر العظم في اليوم التالي حفلة أحيتها فرقة أمية للفنون الشعبية.
ومنزل مردم بيك كان له نصيب من هذه الفعالية خلال معرض للفنان الكبير نزير البارودي المهتم بالتراث الشامي، ومعرض للكتب تراثية نظمته الهيئة العامة للكتاب، إضافة إلى ندوة تحدث فيها كل من الأساتذة محمود مفلح بكر، محمد فياض، محمد خالد رمضان، أحلام الترك عن التراث السوري بشكل عام. أيضاً كان للأطفال مكان من خلال خوض مغامرة استكشاف حملت اسم «بلدي تراثي» في مشروع وردة مسار، كما أقيمت فعاليات من هذا النوع في المدرسة الجقمقية والحدث الأبرز في هذه الفعالية هو معرض في قلعة دمشق لصور من آثار سورية التي تعرضت للنهب والتخريب، إضافة إلى ورشة عمل ومعرضاً للخط العربي.
تكريم من اهتم بالتراث
وجاء ختام الفعالية في دار الأسد للثقافة والفنون – أوبرا دمشق حيث كرمت وزارة الثقافة عدد من رجالات ممن لهم بصمة في التراث السوري وهم:
لويس صراف: مبتكر تنزيل المينا على الخشب والنحاس، حيث برع في حرفة تنزيل المينا على النحاس ويعد مدرسة في ابتكار هذا الفن حيث كان من الأوائل في تعلم مهنة تقوم على الهندسة والتعشيق والتآخي والتفرد.
رسلان القزاز: مبتكر حرفة نفخ الزجاج والزجاج الفينيقي يعد من عباقرة القرن الماضي في صناعة الزجاج الفينيقي القديم وكان مدرسة في فنون الحرفة وله وحده يعود الفضل في ترسيخ هذه المهنة اليدوية الفريدة حاول تأسيس مدرسة لتعليم هذه المهنة للراغبين وكان يمتلك مهارة فائقة في ابتكار منتجات حرفية مميزة حيث غدت منتجاته تتصدر المعارض المحلية والدولية.
محمد ياسين بن محمد ناعمة: المحترف في تطعيم الصدف. برع في حرفة الصدف بمفرداتها المتعددة وأتقن هذه الحرفة وأصبح مدرسة بمفرداتها وكان له الفضل في المشاركة بترميم بعض المساجد والقصور منها جامع بني أمية الكبير ومحرابه والمدرسة الجقمقية التي تعرف اليوم بمتحف الخط العربي وقصر العظم وعدد كبير من المتاحف والبيوت الدمشقية نال العديد من الجوائز في تظاهرات محلية ودولية.
الدكتور محمد رضوان الداية: الذي عرف بتأليفه لكتب التراث من مثل «معجم الكتابات العامية الشامية، التقاليد الشامية في الديار الأندلسية و المعجم العامي الفصيح من كلام أهل الشام».
محمد خالد رمضان: أديب معروف ومن مؤلفاته «التراث الشعبي الفلسطيني و الهوية , حكايات شعبية شامية و المقياس في التراث الشامي».
وكان حفل ختام قد تضمن أيضاً أمسية غنائية لأساتذة معهد صلحي الوادي بقيادة عدنان فتح الله، قدموا من خلالها أغاني وموشحات لموسيقيين أسهموا في أغناء التراث العربي كابي خليل القباني وعمر البطش وسيد درويش ورفيق شكري وسامي الشوا.
الحفاظ على الهوية :
كعادته حضر اكتشف سورية أغلب هذه الفعاليات والتقى بعض المعنيين والمشاركين، وكانت البداية مع الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية لرئاسة الجمهورية السورية حيث قالت: «هذا العمل الذي تقوم به وزارة الثقافة مهم جداً وأهم من السياسة لأن المستهدف اليوم هو الهوية الوطنية والقومية، وما نراه اليوم أمامنا هو رسالة للحفاظ على الهوية وتوعية الناس على أهمية هذه الهوية».
وأضافت: «المعرض بكل تفاصيله يبرهن على أن الهوية الوطنية عصية على الطمس والتغيير، حين نرى الآباء وهم يعلمون أبناءهم أسرار المهن والحرف لإحياء تراث شعبي عمره آلاف السنين، نعرف أن الشعب السوري العظيم لن يقبل أبداً إلا أن يكون سورياً متمسكاً بجذوره وبتاريخه وهويته ليصنع مستقبلاً يحسده العالم أجمع عليه».
وأنهت شعبان حديثها قائلة: «أن ما تقوم به الجمعيات المشاركة برعاية وتشجيع من وزارة الثقافة هام جداً، وتفاصيل هذا المعرض تثلج الصدر وأن سورية بخير وستبقى أن شاء الله».
وبدورها قالت الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة: «نحتفل اليوم بأيام التراث السوري التي تجسد الوحدة الوطنية والانتماء لوطن حضاري عريق في تاريخه وكبير في صموده، وارتأت وزارة الثقافة أن تختتم هذه الاحتفالية بتكريم جملة من الباحثين في شؤون التراث وخاصة في بعض الصناعات التراثية التي كادت تنقرض».
وأنهت وزيرة الثقافة حديثها قائلة: «أن التكريم جاء لتأكيد أن هذا الوطن حريص على الحرفيين المبدعين وعلى مهاراتهم وإبداعهم، وتحاول وزارة الثقافة دعمهم بشتى الوسائل حتى ينقلوا مهاراتهم إلى الشباب المهتمين، وذلك بالترويج لمنتجاتهم وتوثيق التراث المادي واللامادي الذي نعتبره قيمه عظيمة حضارية وإنسانية».
إحياء التراث الشعبي
الأستاذ نزيه الخوري مستشار وزيرة الثقافة قال: «الهدف من إقامة هذه الفعالية هو إحياء التراث الشعبي ودور الوزارة اليوم تقديم المساعدات التي تحافظ وتطور الصناعات التقليدية التي هناك الكثير منها مهدد بالزوال».
الأستاذ بسام ديوب مدير المراكز الثقافية قال: «قدمنا اليوم في دار مردم بيك بالإضافة إلى المعرض الفني للفنان نزير بارودي معروضات لهيئة الكتاب تجسد معالم غنية في التراث السوري، ولا سيما بوجود عناوين كبيرة غطت كافة المحافظات السورية والتراث السوري عموماً».
حمود الموسى مدير التراث في وزارة الثقافة قال : «التراث هويتنا الوطنية وتاريخنا وحضارتنا وإنسانيتنا الممتدة عبر آلاف السنين ومن هنا يأتي أهمية عمل وزارة الثقافة على توثيق التراث وحفظه حرصاً على عدم انقراض المقتنيات التراثية».
دعم الجمعيات الخيرية
الأستاذ فادي فرح المدير التنفيذي في الأمانة السورية للتنمية قال: «إن مشاركتنا في الفعالية يهدف لتسليط الضوء على مجموعة من المنتجات التراثية، ودعم مجموعة من الجمعيات الخيرية الشريكة، ولاسيما برنامج سورية للحرف في الأمانة السورية يتضمن تسويق المنتجات اليدوية والحرفية، وكل منتجاتنا اليوم تراثية ومنها ذات قيمة هامة كالزجاج والنول، ومنها داعمة لتوسيع المعرفة بالتراث السوري».
الأستاذ أحمد راتب الضعدي عضو مجلس إدارة في الجمعية الحرفية للمنتجات اليدوية قال: «مشاركتنا بالدرجة الأولى هي مشاركة وطنية لإثبات أن الحرفي السوري ما زال موجود ورفض جميع العروض للهجرة وفضل البقاء في البلد، لأننا نعتز بهذه الصناعات ونحن الأوائل فيها على مستوى العالم».
التراث التشكيلي والموسيقي
الفنان نزير بارودي قال: «قدمت في هذا المعرض عدد من الأعمال الفنية تعبر عن نوافذ من مدينة دمشق القديمة، وتجسد الأوابد القديمة وفعاليات الأفراح التي كانت تقام والحكواتي ومجموعة الحرف القديمة اليدوية وغيرها من التراث الشامي».
وأخيراً قال الموسيقي صلاح القباني قائد ومؤسس فرقة الدراويش الشامية المشاركة في الفعالية: «قدمنا في أمسيتنا هذا وصلات من مختلف المقامات الموسيقية العربية الأصيلة، عرضت من خلالها باقة من الضروب والأوزان الموسيقية الثقيلة، نادراً ما نسمعها في بلادنا العربية مثل المربع، المدور، النواخت، الخوشرنك، والهدف من هذا البرنامج هو الحفاظ على هذا التراث الغني من موسيقانا وهو ما يربو إليه القائمون على هذه الفعالية، وأدهشني نسبة الحضور حيث امتلأ به الساحة الكبيرة في "قصر العظم" بينهم العديد من المنشدين والمغنيين ممن يهتمون بهذا الشكل الإنشادي والغنائي، وهذا دليل آخر بأن شعبنا السوري العظيم متابع لتراثه بل وجاهز كي يحافظ عليه مهما مرت بنا الصعاب».
إدريس مراد
اكتشف سورية