خان أسعد باشا

يقع الخان في مدينة دمشق القديمة، جنوب شرق الجامع الأموي، وسط سوق البزورية التجاري، وقد بني في عهد والي دمشق العثماني أسعد باشا العظم، وقد استمر بناؤه من عام 1751م وانتهى عام 1753م، ويعد من أعظم الخانات في الشرق، وقد استملكته في بداية الثمانينات المديرية العامة للآثار والمتاحف، والتي قامت بترميمه.


الموقع الجغرافي:

يقع الخان في مدينة دمشق القديمة، جنوب شرق الجامع الأموي في وسط سوق البزورية التجاري (المختص ببيع التوابل والبزورات)، ويحتل مكانه بين المدرسة التنكزية وحمام نور الدين الشهيد حيث كان نزلاء الخان ينزلون مباشرة إلى الحمام مستخدمين ممراً مفتوحاً في الجهة الشمالية. يطل من الجهة الجنوبية على سوق الورق الضيق ويحتوي في هذه الجهة على 16 دكان، أما الجدار الشرقي فيطل على زقاق ضيق يدعى نزل معاوية.


اللمحة التاريخية:

بني خان أسعد باشا في عهد والي دمشق العثماني أسعد باشا العظم الذي حكم مابين عامي (1156-1170هـ) (1743-1757م)، والذي أراد إنشاء خان يعد من أعظم الخانات في عصره وكان له ذلك، استمر بناؤه 14 شهر بدءاً من عام (1166هـ/1751م) وانتهاءً بعام (1167هـ/1753م).

وقع زلزال دمشق الشهير بتاريخ (1173هـ/1759م) أي بعد ستة أعوام من بناء الخان مما أدى إلى هدم القبتين الوسطيتين الشمالية والجنوبية.


الوصف المعماري:

تقدر مساحة الخان بـ 2500 م2، وهو ذو مسقط مربع الشكل تتراوح أبعاده مابين (50×51م) ويتألف من طابقين تتوزع غرفهما حول باحة مركزية. يتم الدخول إليه من قبل بوابة ضخمة تطل على سوق البزورية، وقد صممت هذه الواجهة بعناية فائقة وجعل فيها (15 دكان) وتعتبر من أهم وأجمل وأضخم واجهات المباني الأثرية في سورية، تبلغ أبعادها (10×12م) وتحتوي على نافذتين لغرفة (الخانجي) مدير الخان. يقع المدخل وسط الواجهة وعلى جانبيه ثلاثة أعمدة صغيرة القطر (سويريات) ترتكز على قاعدة، وهي منحوتة على شكل ضفائر حلزونية ملتفة وتتنهي بتاج مزخرفة، على جانبيهما كوتان داخل كل منهما سبيل ماء وتعلوهما نافذة دائرية محاطة بزخارف رائعة الجمال، تنتهي هذه الأعمدة بثلاثة أقواس حجرية متتالية.

أما المدخل فيتألف من ردهة خارجية عرضها 6م بعنق 2م ينتهي على جانبيه بمقعدين حجريين يسميان (مسكلتين) استعملا لاستراحة العابرين أو لمساعدة الحمالين في تنزيل البضائع.

يتم الدخول إلى الخان عبر هذه البوابة الرئيسية وذلك من خلال بوابة خشبية مصفحة بالحديد تتألف من درفتين في إحداهما باب صغير يدعى باب خوخة الذي كان يستعمل ليلاً ليتيح الدخول للأشخاص ويسهل حماية المقيمين في الخان، يعلو هذه البوابة ساكف حجري، وهو عبارة عن جزء من قوس دائرية تعلوه دائرة صغيرة يقال انه توضعت فيها ياقوتة فخمة مفقودة حالياً ثمنها يكفي لإعادة بناء الخان ثانية فيما لو تهدم. فوق هذه الدائرة تلتف خطوط زخرفية منحنية لتشكل نصف دائرة كتب فيها:

لله خان الخير يقصد

بالسعد واليمن قد تشيد

وسامت النجم في سهو

فالزهر عقد له منضد

أنشأه صدر شهم كريم

خدن المعالي الوزير أسعد

تاريخه قد أتى ببيت

باللؤلؤ الرطب قد تنضد

بني خان بني بيمن

الأوحد الأسعد الممجد




سنة 1166
وعلى جانبي هذه الكتابة زخارف هندسية كتبت فيها بعض العبارات:

يا مفتح الأبواب

افتح لنا خير باب



ينتقل الداخل عبر هذه البوابة الجميلة إلى الخان بشكل مفاجئ، من زحمة وضيق وضجة السوق إلى هدوء وعظمة هذا المبنى عبر دهليز كبير (12×4م) مسقوف بعقود حجرية متقاطعة تزينها زخارف جصية، يقع على جانبيه درج يؤدي إلى الطابق العلوي. يصل هذا الدهليز إلى باحة مربعة الشكل طول ضلعها 27م يتوسطها بحرة كبيرة مضلعة الشكل تتألف من 16 ضلع في مركزها نافورة تستمد مياهها من أحد فروع نهر بردى. تغطى هذه الفسحة بثمان قباب تتوزع بشكل متناظر حول الفتحة المركزية التي بقيت دون تغطية لتؤمن التهوية والإنارة للخان. هذه القباب محمولة على أربعة أعمدة ضخمة تتوزع على أركانها أربعة أقواس ترتفع حوالي 6م، يبلغ قطر كل قبة حوالي 8م وارتفاعها 2.5 م، مكلسة من الداخل زينت أربع منها بزخارف ملونة أما القباب الأخرى فقد زينت بمنور خشبي مضلع لتأمين الإنارة، تتألف القباب من رقبة ذات 16 ضلع في كل منها نافذة خشبية معشقة من الجبس والزجاج.

تتناوب الجدران الحجرية المطلة على هذه الباحة بالألوان الأسود والأبيض التي أضفت عليها جمالاً بحيث تعتبر من أجمل الباحات في المباني الأثرية في الشرق ومن أكثرها تأثيراً بالنفس. يتفرع من الباحة خمسة ممرات ثانوية ينتهي أحدها إلى الباب الثانوي الشرقي، ويقودنا الممر الواقع في الضلع الشمالي إلى دورات المياه على الطراز العثماني وبحرة وضوء صغيرة.

يحتوي الطابق الأرضي على 40 غرفة وهي عبارة عن أجنحة ثنائية وثلاثية تطل على الباحة مباشرة ، يعتقد أن الغرف الداخلية استخدمت كمستودعات أما الخارجية فقد استخدمت كمكاتب للتجار. أما الطابق العلوي فيتألف من رواق عرضه 3م يطل عبر درابزون خشبي على الباحة المركزية وتتوزع حوله 44 غرفة ليصبح عدد الغرف في الخان 84 غرفة يتفرع من منه خمسة ممرات ثانوية يؤدي أحدها إلى غرفة كبيرة مزودة بشرفة تطل على سوق البزورية. فوق المدخل تماماً نجد غرفة مدير الخان (الخانجي) في منتصف الضلع الغربي وذلك للسيطرة على حركة الخان التجارية.

التصميم الداخلي للغرف بسيط وتتراوح أبعادها مابين 3-6 م. الأرضية مؤلفة من منسوبين مختلفين لتأمين تنظيم حركة الهواء وسقفت بعقود متصالبة أو قبوات نصف اسطوانية جدرانها حجرية سميكة خالية من التزيينات.

أما السطح فيتم الصعود إليه من خلال درج يتوضع في الجهة الغربية للطابق الأول وقد استخدم لنشر الفواكه وتجفيفها و مازالت دمشق تشتهر بهذا حتى الآن.
يعتمد التصميم المعماري في الخان على مبدأ التناظر وتناوب اللونين الأبيض والأسود في المداميك الحجرية المشكلة للجدران المطلة على الباحة المركزية ولجأ المصمم إلى التخفيف من حدة هذا التناظر إلى توزيع النوافذ بشكل عشوائي وعلى مستويين أرضي وعلوي.

اعتمدت مادة الحجر للبناء واستخدم في الغرف الحجر غير المشذب المكلس أما النوافذ والأبواب فصنعت من الخشب الرومي على طريقة الحشوات وزخرفت الأبواب في الطابق الأرضي بالخيط العربي الأرابيسك أما أبواب الطابق العلوي فقد صنعت من الخشب الذي نقشت عليه تشكيلات مختلفة ومتنوعة من الزخارف الهندسية، وصنعت النوافذ من الخشب المعشق مع الجبس والزجاج الشفاف.

استمرت وظيفة الخان كما هي حتى بداية القرن العشرين حيث انتقلت ملكيته إلى تجار المنطقة واستخدم كمستودع لبضائعهم واستمر هذا الحال حتى بداية الثمانينات حيث أخلي من شاغليه بعد استملاكه من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف التي قامت بترميمه.

وصف الخان الرحالة د.لورته في كتابه (سورية اليوم) عام 1830: " في السوق مخزن كبير يدعى خان أسعد باشا مبني بمداميك جميلة بيضاء وسوداء، القبة الواسعة المركزية التي تمثل المظهر الأكثر تجلياً محاطة بالأروقة. والباب منحوت بالمقرنصات، زين على جوانبه بكوات لطيفة وهو النموذج الأكثر جمالاً في العمارة العربية الدمشقية، هذا المبنى محاط بعدد لا يحصى من الممرات، وتقودنا الأدراج إلى المخازن، الغرف، غرف متراجعة مظلمة حيث تتكدس البضائع الثمينة، وحيث ينام المسافرون أنفسهم. نشم فيها روائح تفوق الوصف، مزيج غريب من عبير الزهور والمسك.

الباب غائر بشكل غريب، مصفح بالحديد، مغطى بمسامير من البرونز، مجهز بأقفال ضخمة وسلاسل ثقيلة، ثقبت إحدى درفتيه بفتحة ثانوية صغيرة جداً للعبور من خلالها نجبر على الانحناء حتى ننطوي تقريباً إلى قسمين".



المراجع

1. حوادث دمشق اليومية، الشيخ أحمد البديري الحلاق.

2. الروضة الغناء في دمشق الفيحاء، نعمان القساطلي.

3. الآثار الإسلامية في دمشق، كارل ولتسينجر وكارل واتسينجر، تعريب قاسم طوير.

4. مقال جرد أثري لخانان دمشق، فؤاد يحي، مجلة الحوليات الأثرية، العدد 31.

5. مقال خانات مدينة دمشق، عبد القادر الريحاوي، مجلة الحوليات الأثرية، العدد 25.

6. خان أسعد باشا، م.خزامى جبور- م. إبراهيم عميري، 1997.