اللوحةالتشكيلية في المزاد العلني

تساؤلات حول النقلة النوعية التي تشهدها سوق الفن التشكيلي العربي

18/أيار/2008


يجد الكثير من الفنانين التشكيليين العرب أن الفن العربي وتحديداً التشكيلي اليوم هو خارج السوق العالمية للفنون فالسوق أوروبية، أميركية، يابانية، أما بقية العالم فهو خارج اللعبة، بيد أن السنوات الأخيرة شهدت بداية تغيير مرده، بحسب الملاحظين، إلى تحسن تجارة الفن والمزادات العلنية وأهمية دور العرب في هذا المجال بوصفهم مستهلكين أثرياء للفن ومنتجين له.

مثال ذلك هو المعرض الفني الذي نُظم لفنانين عرب في لندن عام 2006 وشهد نجاحاً متوسطاً، تلاه في العام ذاته مزاد عالمي عربي أقامته مؤسسة كريستيز في دبي في أيار 2006، و ضم الكثير من الهنود والباكستانيين لاعتبار تنظيم معرض خاص بالفنانين العرب وحدهم يمكن أن يكون مآله الفشل، لذلك أضافوا إليه فناً عالمياً لإنقاذ المزاد.

لقد حصل الفنانون الهنود على أعلى أرقام المبيعات، فقد باع الهندي رامشوار بروتا لوحة بمبلغ تسعمائة واثني عشر ألف دولار تلتها أسعار تفرّد بها الباكستانيون والإيرانيون ليأتي الفنانون العرب في مرحلة بعيدة عن الأسعار التي باع بها هؤلاء.

المصري أحمد مصطفى الذي باع لوحتين أولاهما بمائتين وأربعة وثمانين ألف دولار والثانية بمائتين وأربعين ألف دولار، تلاه النحات آدم حنين الذي باع منحوتة بثمانية وثلاثين ألف دولار، والمغربي فؤاد بلامين بثلاثة وثلاثين ألف دولار، والجزائري رشيد قريشي بلوحتين أولاهما بأربعة عشر ألفاً وأربعمائة دولار والثانية باثني عشر ألف دولار. نجاح المعرض الذي نظمته كريستيز شجع ثاني أكبر شركة للمزادات الفنية في العالم سوزابيز على برمجة مزاد آخر خاص بالفنانين العرب في لندن، ما يعتبر نقلة نوعية كبيرة جعلت لسوق الفن العربية موطئ قدم في السوق العالمية، ومنتجة مالياً في هذا المجال.

لن تمر هذه النقلة مرور الكرام من دون بروز العديد من التساؤلات حول كيفية تحول الفن إلى تجارة وبورصة، وكيف تم التوفيق بين الفن بصفته مجموعة من الأنشطة الإنسانية وبين المال والتجارة، ولعل ما زاد من اتساع دائرة السؤال لدى العديد من النقاد والمحلليين العرب المعارض الأخيرة التي نظمتها شركات كرستيز، وسوزابيز ذات الجنسيات المختلفة، وغموض ارتفاع سعر اللوحة التشكيلية ووجهتها والمشتري لها، والأمر الأكثر خطورة تراجع قيمة النتاج الفني العربي مقابل نتاجات فنية من بلدان أخرى، ومن جانب آخر التوقف عند دور الوسطاء والغموض الذي يكتنف تجارتهم ودورهم اليوم في اقتناء النتاج الفني العربي عامة والسوري خاصة، والأسعار الفلكية التي تُدفع للبعض من الفنانين العرب ومنهم السوريون!

تساؤلات حاولت ندوة «اللوحة والمزاد العلني» الإجابة عنها عبر الأساتذة والنقاد صلاح الدين محمد، والدكتور عز الدين شموط، وسعد القاسم في صالة السيد للفنون التشكيلية في الخامس عشر من أيار 2008.
صلاح الدين محمد في ندوة اللوحة التشكيلية والمزاد العلني
تحدث الأستاذ صلاح الدين محمد عن المهتمين بالفنون التشكيلية والبصرية والمرئية، وأحاديثهم المطروحة حالياً حول المزادات العلنية والأسعار الفلكية للوحة وما يجري الآن على الساحة العربية فيما يتعلق بذلك، فيجد أن الساحة التشكيلية العربية تعاني من مشكلات وإشكاليات، وما يجري اليوم من مستجدات في بعض الدول العربية مثل دبي فيما يتعلق بالمزاد العلني للوحة يطرح العديد من التساؤلات التي تغلفها الريبة!

يقول صلاح في ذلك «تتأتى خطورة الأمر من أن عمليات البيع سرية ولا يمكن حتى للفنان أن يعرف لمن تباع لوحته، أو بكم تباع اللوحة؟ والأمر الأكثر خطورة هنا إذا علمنا بأن صالة سوزابيز في دبي، فرعٌ من صالة سوزابيز البريطانية التي عمرها يتجاوز المائتين وخمسين عاماً ولديها تقاليد مهنية وعلاقات مجهولة لا محدودة».

أشار صلاح إلى المعرض الأخير المقام في دبي عام 2006 الذي اشتركت فيه حوالي أربعين صالة عرض من مختلف أنحاء العالم وقد تضمن تقسيماً جغرافياً خطيراً للدول المشاركة، والأسئلة التي كان من الأهمية بمكان البحث فيها: من هم الفنانون الذين اختيروا؟ وما هي مواضيعهم وقيمة أعمالهم؟ وإلى أين تذهب؟ ومن هم المشترون؟
سعد القاسم في ندوة اللوحة التشكيلية والمزاد العلني
كما نوه صلاح إلى مسألة الأسعار التي تعطى للفنانين التشكيلين ومنهم السوريون والتي تهدف إلى قتل الفنان، أما الأستاذ سعد القاسم فتحدث عن المرحلة التي وصل إليها الفن التشكيلي السوري، حتى بدأ يطرح موضوع اللوحة كسلعة تجارية بحتة، وهو موضوع بدأت ملامحه تتبلور في ثمانيات القرن الماضي مع ظهور الصالات الخاصة التي بدأ معها الحديث عن سعر اللوحة السورية وتحولها إلى سلعة تباع وتشترى، ما كاد أن يفصل في تلك المرحلة الفن عن موضوع المعرض واللوحة.

إن المشكلة، من وجهة نظر سعد، لا تكمن في قضية بيع اللوحات بل في طريقة بيعها، وإلى أين تذهب، من زاوية كونها نتاجاً ثقافياً سورياً، يقول سعد «حاولنا في نقابة الفن التشكيلي السوري أن نؤسس لاتفاق مع الفنانين التشكيلين وصالات العرض بغية تسجيل بطاقة هوية للوحة التشكيلية المباعة بما يمكننا لاحقاً من معرفة مواطن اللوحة والدفاع عنها إذا حصل وزُورت، ولكن الاتفاق لم يكن فعالاً.

«نتيجة لهذا الفشل هناك مرحلة كبيرة من تاريخ الفن التشكيلي السوري نحن عاجزون عن توثيقه لجهلنا بموطنه الحالي جراء عمليات البيع التي كانت تتم عبر الوسطاء من تجار اللوحات وهم يشكلون حالة مختلفة عن حالة صالات العرض».
عز الدين شموط في ندوة اللوحة التشكيلية والمزاد العلني
أكد سعد، في ختام حديثه، أن أرقام مبيعات البعض من الأعمال التشكيلية السورية فلكية وخيالية: النقلة التي تثير الكثير من الأسئلة! أما الكاتب والفنان السوري الدكتور عز الدين شموط المقيم في باريس فقدم عرضاً لما توصل إليه في كتابه الصادر بعنوان «قيمة العمل التشكيلي بين المال والجمال»، محاولاً تقديم بعض الإيضاحات عن آلية عمل تجار الفن والأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر اللوحة إلى رقم خيالي، إذ قال «عند بدء تجارة الفن المعاصر كانت هناك بعض المعايير المتفق عليها، كأن يكون العمل التشكيلي وحيداً ونادراً وغير قابل للتعويض.

«إن الذي يملك هذا الشيء يحاول الحفاظ عليه وحمايته، ليس فقط من تخريبه وإنما من ألا يحرم منه لصالح إنسان أو أمة أخرى. إن ارتفاع سعر العمل النادر يعود إلى اهتمامات الفرد والأمة لتبادل أشياء نادرة ذات دلائل ثقافية مع أشياء أخرى ذات قيم مادية كالأوراق المالية والذهب، لذلك على الأعمال التشكيلية أن تحمل علامات ودلائل تسهل التعرف عليها وعلى مكان صنعها وتاريخه، وذلك ليتم التعرف على طرق استعمالها وأهدافها الثقافية».

يتابع شموط: «هناك معايير أخرى تبناها في بادئ الأمر تجار الفن، مثل أن يكون العمل التشكيلي نظيفاً في حال جيدة، وأن يكون له ميزات خاصة ظاهرة وخفية، مثل مراحل تطور تقنية وأسلوب عمل الفنان، ودخول الفنان تاريخ الفن وغير ذلك، إضافة إلى عوامل أخرى تساعد على رفع سعر العمل التشكيلي مثل مشاركته في معارض متعددة محلية وعالمية، أو أن يكون مُعاراً إلى أحد المتاحف، كما ترتفع أسعار العمل التشكيلي إذا كان الفنان متوفى، لأن إنتاجه توقف وأصبحت أعماله محدودة العدد، ما يجعل العرض في السوق التجارية محدوداً، وتدخل بذلك أعمال الفنان عالم الماضي والقدم، كما يرفع من أسعار لوحاته دخول بعض أعماله إلى المتاحف المحلية والعالمية، لأن دخول بعض أعمال الفنان إلى المتاحف يعني أنه دخل مجال المعرفة الوطنية والعالمية، وأصبح جزءاً من الثقافة الرسمية، فعند شراء عمل لهذا الفنان يعني ذلك أن رفع سعر العمل أصبح مضموناً، لأن العمل التشكيلي أصبح يحمل قيماً ثقافية رمزية معترفاً بها على المستوى الاجتماعي العام، لقد كان على العمل الفني أن يكون سلعة واضحة المعالم، كي يعرف المشتري أين يضع أمواله، ولتحقيق هذه الشروط قامت بعض الشركات بإتلاف قسم من إنتاجها لتحافظ على ارتفاع أسعارها، كما قام بعض الفنانين مثل روو بحرق قسم كبير من إنتاجه الفني بناء على طلب تجار الفن».

اليوم كما يقول شموط «سعى تجار الفن المعاصر إلى إيجاد الشروط الملائمة وتحضيرها على نحو مفتعَل، كما سعَوا إلى إيجاد شروط ودوافع جديدة، لقد استطاعوا إيجاد شروط ملائمة لتنشيط الطلب على الأعمال التشكيلية، وذلك بالتأثير على مديري المتاحف ومؤرخي الفن، لأن المعارض والمتاحف وكتب التاريخ تؤثر على وعي الجمهور، وتكوين الثقافة العامة، فهم لن ينتظروا التطور الطبيعي لرفع أسعار الأعمال التشكيلية.

«كما عمدوا إلى إثارة الفضائح الفنية وبث الشائعات وأوهام حول صعود نجم هذا أو ذاك من الفنانين، وحول اكتشاف مدى أهميته وعبقريته التي كانت منسية. إن الشاري للأعمال التشكيلية لا ينظر فقط إلى السعر الحالي للعمل، بل ينظر عند الشراء إلى احتمال ارتفاع سعر هذا العمل، ومن جراء هذا التنشيط والإقبال على الأعمال يُخلق جو من المزاحمة على الشراء، وذلك نلمسه خاصة أثناء عمليات البيع بالمزاد العلني، وكذلك استعمال الدعاية للتعريف بالعمل التشكيلي وبالفنان، هذه الدعاية تَستعمل أسس الدعاية ذاتها للمواد الاستهلاكية المختلفة، ومن العوامل المنشطة أيضاً إقامة المعارض، وإصدار الإعلانات والكتب، وإقامة الندوات الثقافية، حيث الدعاية تتنوع بتنوع الجمهور الموجهة إليه. كما عمد تجار الفن إلى استعمال حجج مختلفة لإدخال الأعمال التشكيلية إلى المتاحف مثل إن أعمال هذا الفنان قد صدر عنها فضيحة كبرى، وهي تعتبر نقطة تقاطع وانفراج نحو اتجاهات حديثة، بذلك استطاع تجار الفن أن يفرضوا بضاعتهم على المتاحف المختلفة، باسم تكميل تاريخ الفن أو تعديله، وباسم البحث العلمي، كي لا يكون هناك نقص وانقطاع في سلسلة تاريخ الفن».
ندوة اللوحة التشكيلية والمزاد العلني
بناء عليه، وكما يجد الدكتور شموط في كتابه: «منذ تدخل رأس المال في قضايا الفن الفكرية والجمالية صار عرض الماضي والتاريخ يعاني من تفاسير جديدة متعددة، متضاربة في أغلب الأحيان. نعلم أن علم التاريخ علم متحرك متطور، ونعلم أن الاكتشافات الجديدة وتعديل الأخطاء هما معاً قاعدة أساسية في هذا العلم، لكن ذلك لا يبرر أبداً استخدام هذه القاعدة كمبرر للمضاربات المالية. لقد وصل تاريخ الفن إلى حالة عقيمة، فلم يعد هناك من معيار، ولا قاعدة سوى قاعدة المضاربة المالية، والمصلحة الشخصية لتاجر الفن، ومثال بسيط على ذلك، هو أن لوحة ألغريكو «الشفقة» المرسومة عام 1585 بيعت عام 1908 بثلاثة آلاف وخمسمائة فرنك فرنسي إلى أستافروس نياركوس، بينما أصبح سعرها عام 1950، تسعين مليون فرنك فرنسي، وذلك بعد أن قام مؤرخ الفن وتاجره بيرنار بيرانسون ومدير متحف برلين بود وتاجر الفن دوفين بالمساهمة في إعادة تقييم ألغريكو، وكذلك أعمال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، فباعوا هذه الأعمال إلى مشترين أمريكيين وأوروبيين، وكذلك الحال منذ عام 1922، أُعيد تقييم فن الباروك عن طريق إقامة فلورنسا وإصدار عدد من الكتب حول ذلك.

استطاع تجار الفن في مجال الفن الحديث إدخال أعمال فنية في عدة معارض إلى المتاحف المختلفة تحت شعار: أعمال تمثل بحوثاً خاصة وجديدة في بنية العمل الفني ومواده وأشكاله».



رياض أحمد


اكتشف سورية


تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

ضيف اكتشف سورية
أنطون مقدسي
أنطون مقدسي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر