روح المبادرة الخلاقة في مشهد الرقة الثقافي

أُسس الملتقى على نشاطات مهمة نظرياً وعملياً

19/أيار/2008


إن ما بادرت إليه مديرية الثقافة في الرقة من إقامة الملتقى الدولي الأول للفن التشكيلي مهم وكبير جداً لسببين: الأول يتصل بالمضمون حيث عبر فنانون عرب وأجانب عن رؤيتهم لسورية وكيف هي في عيونهم، يعبرون باللوحة وقد وَفرت لهم مديرية الثقافة المكان (معسكر طلائع البعث بالرقة) والأدوات والزمان حيث لديهم متسع من الوقت امتد ما بين الحادي عشر والسابع عشر من أيار، وفي جو يسمح للفنان بالتعبير عن رؤيته ومشاعره ومواقفه، والسبب الآخر يتصل بالشكل ونعني به هذه التظاهرة الثقافية وتنظيمها في مدينة الرقة.‏

يُفسح المجال في هذا الملتقى أمام الفن ليعيد تشكيل الأشياء ويجعل الحياة جديرة بأن تعاش وهو الحال الموضوعي لثقافتنا البصرية فكيف إذا انعقد على ضفاف الفرات. وإذا كانت هذه السنة قد شهدت جفافاً في موسم الأمطار فإن يد الإنسان وفنه قد يعوضان الفرات هذا الشحوب.‏

ربما تضيف هذه المشاركة العربية والدولية في الملتقى أشياء تبعث على الاطمئنان لما تعبر عنه من تقدير لسورية مهد الحضارات وللفن كوسيلة تعارف غير قابلة للانكسار. من ألمانيا جاء الدكتور أرنست هيسه لدعم اللوحة الأكبر ومن سويسرا جاء الدكتور برونو مولر ولديه أكثر من مشروع لوحة سيعمل على إكمالها في ورشة الملتقى.‏

كذلك شارك الدكتور أمادنو ألوس من إسبانيا، ومن تركيا حضر الدكتور سردار شاهين والدكتور أوزاد قرقوش، وعن هذه المشاركات والملتقى قال الفنان جورج ميرو أحد الفنانين السوريين الكثر المشاركين في الملتقى «إنها نقلة نوعية في حياة الفن التشكيلي شكلاً ومضموناً إذ شهد معسكر طلائع البعث بالرقة هذا الحشد من الضيوف الأجانب والعرب ومن التشكيليين السوريين الذين قدِموا من المحافظات لتسجيل انطباعاتهم عن الوطن، عن سورية، عن المحبة، عن الحضارة، وتعبيراً حقيقياً عن احترام ومحبة الفنان لبلد حضاري مثل سورية. مبادرة مديرية ثقافة الرقة ومديرها حمود الموسى عمل جاد خلاق نرجو أن يتكرر ليشكل احتفالية سنوية للتشكيليين العرب والأجانب على أرض سورية الحبيبة».‏

لم يقتصر الملتقى على النشاط الرئيس: الرسم في الهواء الطلق، إنما أُسس الملتقى على نشاطات مهمة نظرياً وعملياً بعدما لاقى افتتاح معرضين تصويري وفني نجاحاً وإقبالاً كبيرين، فقد كان معرض الفنان جورج شمعون علامة بارزة لفتت الانتباه إليه وكان ما سمعته من آراء حول المعرض يحرضني على التقاط روحانية المعرض قبل خطوطه الإيمائية وهذا التأطير للأبعاد ضمن تأثيرات مكانية تتصل بالنقوش العربية وصِلتها بالأيقونة بما يؤسس لسورية هذه الأيقونة التي عمد الياس زيات في معارضه على إظهارها.

كان معرض التصوير الضوئي كذلك، وإن اختلفت الآراء وتنوعت في مستوى المشاركة ولكن الأهم في هذا المعرض سعة المشاركة العربية إلى جانب فناني سورية في هذا التصوير الراقي والمتقدم على أن يكون نقلاً للواقع كما هو.‏

كانت الموسيقا إلى جانب ذلك حاضرة في حفل فني متميز بأداء أطفال فرقة الكمان مع وجود ملاحظة أو تساؤل: هل يحتمل الطفل تأملات الكمان وترددات شدوه في هذا العمر مع كل المحبة والتقدير للجهود المبذولة؟‏

نظرياً كانت البحوث والدراسات المهمة حاضرة في الملتقى لعرب وأجانب وفي عناوين تتصل بالإبداع الفني والبصري، في مقدمة الأبحاث النظرية كانت محاضرة الدكتور عمر عبد العزيز من اليمن: «تحولات النص البصري المرئي واللامرئي في الفنون البصرية» حيث حرص على جمال الشكل، على الاعتلاء بمكانة الأدوات التعبيرية والتوكيد على أن الفنون البصرية والفنون عامة تصدر أساساً عن قيم الشكل وبالمقابل لم يعمل على جمال الشكل عن المضمون بوصفه سياقاً جبرياً لتوالي معادلتي الشكل والمضمون إلى درجة أنه يمكن القول إن الثنائيات الخاصة بالشكل والمضمون الجميل والقبيح المرئي واللامرئي ثنائيات تحاول بسط الحقيقة الفنية وترسيم النظر إليها ولكنها ليست بديلاً عن الحقيقة الفنية الواحدة القائلة بتعدد الرؤية تجاه العمل الواحد وتعدد العناصر الفاعلة في أساس العمل الواحد وذلك يعني أن الفنون البصرية تمر عبر عدسة العين المتواشجة مع الخيال والإدراك والمتداعية مع المعاني والتبصيرات والقابلة للتعامل مع أدوات الرسم المعروفة بالإضافة إلى مجمل الأدوات المعاصرة التي تخرج من تضاعيف البرامج السحرية للكمبيوتر.‏

ثانياً جاءت المدرسة الكلاسيكية بفنونها الرائعة وانزاحت بالتصوير الديني المسيحي الأول إلى مستويات جديدة حيث بدأ رفائيل ومايكل أنجلو وليوناردو دافنشي تقديم معادلات بصرية من نوع مغاير تماماً وحيث تبلورت عناصر اللوحة من علاقات بين الضوء والشكل.‏

إذا كان الوهم أو اللامرئي ترادفاً في البعد الثالث في الفنون البصرية الأوروبية الأكاديمية فإن اللامرئي كان وما زال أصلاً أصيلاً في الفنون الإسلامية المنطلقة من استهجان التشبيه والأخذ بالتنزيه، وقد أخذ الدكتور عبد العزيز المصطلحين من علوم الكلام عند المسلمين.‏

يرى أن اللامرئي في الفن الإسلامي يستمد روحيته من نظرية المعرفة عند المسلمين التي أصّلها علماء الأمة وخاصة الإمام محمد بن محمد حامد الغزالي، تلك النظرية التي ترى في المعلوم جزءاً بسيطاً من الغيب، فما تعرفه في علمٍ ليس إلا أقل القليل وما لا تعرفه أصل أو جوهر كلي.‏

إن هذا اليقين الذي يصل العلم بالغيب قام بتفكيكه المفهومي بعضُ علماء الإسلام ولا سيما الشيخ محيي الدين بن عربي الذي اعتبر أن البرزخ هو المعادل السحري الذي يصل الثنائيات: المرئي - اللامرئي، المعلوم - المجهول، الظاهر - الباطن، الخفاء - التجلي، ويفصل بينها.‏

ينتقل بعد هذا المحور إلى موسيقا الوجود، ذلك النبع الشامل للمعادل البصري المتوازن ويرى أهمية الفراغ بوصفه معادلاً للامرئي في الفنون البصرية، فعند الصوفية وكوكبة من فرق الكلام الإسلامية لا يمكن لتلميذ أن يتعلم إلا إذا ترك فجوات زمنية وتخلى عن مفهوم العلم الناجز السريع، فالتعليم الديني التقليدي في ديار الإسلام لم يختصر في دراسة القرآن الكريم والأحاديث النبوية وإنما المتون النحوية والمنطق والتاريخ والتراجم وغيرها.‏

ليس الفراغ عند التساوي العيني إلا المدخل للامتلاء، فالفراغ في الطبيعة يعني وجود الماء والهواء تلك العناصر الأثيرية النبيلة التي يحرص التصوير العيني على إعطائها هامشاً واسعاً في اللوحة، وعند البوذيين التأمل المجرد ليس ضرباً من الكسل الفلسفي فقط، وإنما نوع من الاستمتاع بالطبيعة وتجلياتها اللونية والصوتية.‏

ثم يقدم عرضاً للنصوص البصرية ورأي الخليل بن أحمد الفراهيدي ورولان بارت مع هوامش أخرى. يبقى من الضروري التذكير بأن ثقافة الرقة بجهود مديرها الأستاذ حمود الموسى عملت وتعمل على تحقيق إنجازات ثقافية مهمة تستحق التقدير والاحترام.




تشرين


مواضيع ذات صلة
- الملتقى الدولي الأول للفن التشكيلي بالرقة

تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

ضيف اكتشف سورية
أنطون مقدسي
أنطون مقدسي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر