ميساك باغبادوريان يعزف الموسيقى العربية في الولايات المتحدة
بالتعاون مع أوركسترا الباسيفيك

28/آذار/2009

نشر موقع «أورانج كاونتي» مقالاً وافياً عن الأمسية الموسيقية التي أحياها الموسيقي السوري ميساك باغبودريان -قائد الأوركسترا الوطنية السورية- في الولايات المتحدة الأمريكية. وفيما يلي ترجمة لهذا المقال الذي ألقى الضوء لدى جمهور القراء الأمريكيين على مستوى تطور الموسيقى في سورية وعن جمال وروحية الموسيقى العربية بشكل عام:
اتسمت آخر حفلة قامت بها أوركسترا الباسيفيك السيمفونية، يوم الخميس الواقع في الثاني عشر من آذار، والتي جرت في قاعة سيغيرستروم للحفلات الموسيقية «Segerstrom Concert Hall»، بكونها تنطوي على جوانب دبلوماسية، إلى جانب كونها عملاً فنياً. حيث قام قائد الأوركسترا كارل سانت كلير بدعوة أعضاء من الأوركسترا الوطنية السورية، بما في ذلك قائدهم، بالإضافة إلى عدد من الموسيقيين السوريين المختصين بالموسيقى الشرقية، ليكونوا جزءاً من البرنامج الفني الذي أعطى عنوانه «الليالي العربية» لمحة عن مضمونه.

إن الموسيقى تقرِّب بين الشعوب، وتصلح ما خربته السياسة، لقد شكَّلت حفلة الخميس استكشافاً مفتوحاً للموسيقى العربية الفلكلورية وللآلات الموسيقية العربية المميزة، والتي تم الاستماع إليها في سياق موسيقي جميل بمصاحبة الأوركسترا السيمفونية. وقد تم الترحيب بالموسيقيين السوريين بحرارة بالغة من قبل الجمهور، حيث ظهرت عليهم علائم السرور من هذا الاستقبال الطيب وبادلوه بالمثل. وغابت الخطابات السياسية نهائياً عن هذا الحفل.
تعود العلاقة بين سانت كلير وميساك باغبودريان، إلى بضع سنوات خلت، عندما التقيا في ورشة عمل عالمية لقادة الأوركسترا في صوفيا، عاصمة بلغاريا، حيث كان سانت كلير يعمل مدرساً فيها آنذاك. ويقول سانت كلير عن ذلك: «لقد عرَّفني السيد باغبودريان على عدد من الآلات الموسيقية الشرقية المستخدمة في الموسيقى السورية، وسحرت على الفور بقدراتها الصوتية وإمكانياتها التعبيرية»، ويتابع قائلاً: «ثم بدأنا نتحدث عن الموسيقيين والآلات والبرنامج الموسيقي التي يمكن أن تتكون منها هذه الحفلة الموسيقية». وكان لسورية حضور سابق في نفس المكان منذ حوالي عشر سنوات، عندما قامت الأوركسترا الوطنية السورية بتقديم أداء حماسي في «مركز أورانج كاونتي لفنون الأداء».
لقد كان برنامج الحفلة بالترتيب التالي:
كونشرتو «الشتاء» لفيفالدي، من «الفصول الأربعة» والمؤلفة بالأصل للكمان والأوركسترا، والمقدمة بنسخة معدلة لآلة القانون والأوركسترا، حيث أن القانون هو آلة تشبه القيثارة وتوضع في حضن العازف، ولكنه لا يبدو في هذا السياق شبيهاً بآلة الماندولين (والتي كتب فيفالدي عدداً من كونشرتاته لها). وقام العازف السوري فراس شهرستان بالعزف على القانون بسرعة وروعة كي يبقى مشابهاً لعزف آلة الكمان ويجعل من تساوقهما سهلاً على المستمع. فيما قاد باغبودريان الأوركسترا بلطف ورقة، كي لا يطغى صوتها على صوت القانون، وهذا ما حدث فعلاً.

أما للمؤلف شفيع بدر الدين تم تقديم كونشرتو الناي والأوركسترا الوترية، وأظهرا معاً ميزات الناي المصنوع من القصب، والذي تعود صناعته إلى التراث العربي أو الفارسي القديم، مصحوبين بالإيقاعات الفلكلورية للأيدي والدفوف. وقد ابتدأت المقطوعة على شكل موسيقى راقصة.
ثم تقدَّم العازف مسلم رحال بلطف وبشكل تدريجي لتسلم القيادة، وقد قدَّم طائفة من الزخرفات الموسيقية الغنية والسريعة على نايه. وأظهرت فقراته الموسيقية الجميلة المنوعة، والمرتجلة في آن، المجال الواسع الذي تتميز به آله الناي، والتي تتيح للعازف أن يصدر النغمة الصافية النقية، أو الهوائية الصافرة، أو الغليظة الخشنة، والتي تختلف بالتفاتة خفيفة من رأس العازف. ثم قام العازف رحال بعد ذلك، بتقديم نماذج متعددة من آلات لناي، من الباص إلى السوبرانو، والتي صنعها بنفسه.
بعد ذلك، تم عزف مقطوعة «أوراينتو غروسو» للمؤلف زياد جبري، بآلتي الكلارينيت والتشيللو وبمرافقة الأوركسترا التي أثبتت أنها مفاجأة تلك الأمسية. ويدرس المؤلف الموسيقي السوري الشاب حالياً في معهد كراكوف للموسيقى، في بولونيا، مع بينديريسكي، وتتبع مقطوعته نهجاً معاصراً ذا لغة متعبة وتنافر حديث النمط، مع إدراج نغمات عربية الطابع.
كما قدم كل من عازفة الكمان أثيل حمدان وعازف الكلارينيت كنان العظمة عزفاً فردياًً أظهر احترافهما وخبرتهما الكبيرة على هاتين الآلتين، فيما كان سانت كلير يراقبهما بنظرة درامية.

أما مقطوعة «تانغو البزق والوتريات» بعزف على البزق لمحمد عثمان وتأليف محمد عبد الرحيم)، فقد أضفت جواً لطيفاً من البهجة على الحضور.
ثم جاءت مقطوعة الموسيقي السوري الكبير صلحي الوادي «تأمل في لحن لعبد الوهاب»، والتي قاد باغبودريان عزفها، لتشكِّل عرضاً أوركسترالياً كاملاً لأغنية شعبية، تتميز بالبهجة والخصب والرومانسية. بالطبع لم تستطع هذه المقطوعة أن تتفوق على مقطوعة ريمسكي كورساكوف «شهرزاد»، سواء بالبهجة أو الوفرة أو الرومانسية، التي قدمها سانت كلير وأوركسترا باسيفيك في الجزء الثاني من الحفلة. إذ أن مقطوعة كورساكوف تعتبر عملاً متكاملاً من حيث التأليف الأوركسترالي. ويشكل هذا العمل الذي يستمر قرابة الأربعين دقيقة أو أكثر، مؤلف من أربع حركات، مع كمية محدودة من الأنغام من النوع الذي لا ينسى، وتكرارها بشكل لا هوادة فيه، مما حفظ عمله الفني المبدع، ليتلون كجوهرة من الزجاج الملون، التي تم تقطيع وجوهها بدقة ومساواة، وتوزعت عليها الألوان البراقة.
قاد سانت كلير  أوركسترا الباسيفيك بدرايته وخبرته، منطلقاً بها في المد والجذر، منبهاً لرهافة بعض اللحظات، ومعبراً عن خشونة بعض النغمات، ومندفعاً بتهور في الخاتمة. وقد تميز عازف الكمان الأول للفرقة الموسيقية رايموند كبلر في عزفه المنفرد على الكمان، عارضاً براعته في بعض النقاط ، ومظهراً جمالية اللحن عندما يحتاج ذلك. ويمكن القول أن جميع العازفين المنفردين وخاصة على الآلات النفخية، قد أضافوا التوهج أو السكينة إلى المقطوعات الموسيقية عندما كانت تحتاج ذلك، وكان تدخلهم بالإجمال أمراً رائعاً.
لقد كانت الحفلة بشكل عام ذات أهمية خاصة، وهي تشكل خطوة صغيرة على طريق طويل.


ترجمة: محمد خضّور
اكتشف سورية

Creative Commons License
طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك