الفوضى المنتظمة ولوحة الخبر العاجل

عصام حمدي: كل ما في تاريخ الفن خارج الفن لأنه أسير الشكل

31/كانون الثاني/2009


يقاتل المساحات البيضاء بكثير من اللون الأسود، ويقاوم الفراغ بقوة ضربات الفرشاة، ليبني ما يسميه «الفوضى المنتظمة»، يستخرج من رحم الطبيعة إيحاءات عناصره ويصيغها كما يوحي له التأمل صورة الوجود، فيبني لوحته المفاجئة الصادمة تماماً كما الخبر العاجل.

الفنان التشكيلي عصام حمدي، أو كما اختار أن يوقع باسمه الجديد «نورريم» يقيم معرضه الثاني في المركز الثقافي الألماني (غوته).

«اكتشف سورية» زار المعرض وكان الحوار التالي:

في العودة إلى البدايات ومراحل تكون الوعي الأولى ،ماذا يمكنك أن تقول عن تلك المرحلة؟
أتذكر الطفولة بحنين كبير، ولادتي كانت في تل الحجر وهي قرية قريبة من مدينة الحسكة في بيت يحوي 10 أطفال غيري، أعتقد أني ما زلت أعيش متعة تلك الطفولة الحافية، كنا نعيش في بيوت من طين ونلعب ونأكل التراب أحياناً، الأفق بالنسبة لنا هو نهاية العالم، أما المنزل فرغم ازدحامه بالأطفال والدجاج والحشرات المعششة في الجدران إلا أنه كان حميمياً ومسكوناً بفوضى منظمة من تعاطي هذه العناصر مع بعضها، كانت الحضارة غائبة بشكل مطلق، وكان كل شيء يتحرك وفق دورة الحياة دون تدخل أحد في مسارها.

تصف الماضي وتذكر الطبيعة كثيراً ولوحاتك مليئة بإيحاءات منها، كيف تصف علاقتك بها؟

أعتبر نفسي جزءاً من الطبيعة، وأعشق التراب، فعندما لعبت به تشكل لدي الوعي الأول لمادة فنية غنية، حتى أن ألواني التي أرسم بها لوحاتي ليست صناعية إنما من مواد نباتية، وأنا لا أرسم بالفرشاة أو الريشة إنما بقصب الشجر وأغصانه وكذلك بيدي.

أدافع عن الطبيعة لا برسم وردة جميلة، إنما برسم شيء من القبح والخوف الذي سيحل في العالم لو استمر الإنسان بعمليات الفتك والتدمير التي يقودها ضد الطبيعة. أنا متطرف جداً في موقفي ضد هجوم الحضارة اللا إنسانية عليها، حتى أن مرسمي خارج دمشق وجدرانه الزجاجية محاط بمساحات خضراء مزروعة .

درست الحقوق ولم تمارسها وانتقلت للعمل الفني ما الذي يغريك في العمل الإبداعي؟
لم تكن رغبتي في دراسة الحقوق، إنما كنت مجبراً عليها بسبب ظروفي المادية، فأنا أعمل منذ عمر 6 سنوات، وأذكر أني كنت أنتقل بين عدد كبير من المهن، لكني كنت دائماً أحن للفن، وعندما أتيت إلى دمشق عملت أيضاً في كثير من المجالات، لكني كنت أرسم وأكتب للصحافة وأرسم الكاريكاتور. لم أتفرغ أيامها للرسم بشكل كامل لأني لم أكن متفرغاً لنفسي، لكن بقي الرسم وأدواته هاجسي، واليوم أعتقد أني أكثر تفرغاً لمشروعي.

تتحرك الفرشاة عنيفةً في لوحاتك وبكل الاتجاهات، ما الذي تريد أن تقوله في هذه اللوحات؟
أنا لا أحضّر اللوحة، أضع القماش على الأرض دون قص أو قياس، أحضر الألوان وأغلب لوحاتي أرسمها بلونين، أعشق وحدتي مع عملي وأسعى لأعيش طقسي الصوفي الخاص معه . أحرك خيطاً لا مرئياً بيني وبين العمل الفني، أرسم بضراوة مع صوت الموسيقى لأخرج كل ما بداخلي من إحساس يساعد العمل على أن يتبلور بالشكل الذي يعبر عما في داخلي وبالشكل الذي يريده العمل أيضاً.

لماذا كل هذا الطغيان الملفت للون الأسود؟
هو لون محبب وليس دليل تشاؤم كما يظن البعض، أنا أعمل على ذروة الأشياء فالأسود يقابله الأبيض، أعمل على نقطة التلاقي بين المتناقضات، هذا يحقق نشوة في العمل بعيداً عن رتابة الحياة العادية، واللون الأسود حقق لي هذا الشيء، فهو كما أراه يخلق الدهشة ويخرج عن المألوف، ومن خلاله أدق ناقوس الخطر لما يواجهنا أحياناً.

تبدو التجريدية التعبيرية واضحة في معالم العمل لديك، هل هناك سعي قصدي وراء مذهب أو مدرسة معينة؟
هذه مجموعة أحاسيس، أحياناً أرسم وأنا مغمض العينين، وعندي القدرة على الاتصال بالعمل الفني وهذا كله غير قصدي، أنا لا أستطيع أن أرى كما يرى الآخرون، 1+1=2 دائماً، إنما هناك شيء أعمق أبحث عنه، شيء ما خاص.

مثلاً، أجرد الأشخاص في لوحاتي لأنني أبحث في داخل الإنسان وأريد سؤاله: لم كل هذا الدمار؟ ولأني أعبر عن سخطي ضد كل هذا التخريب والتشويه.

أحياناً أرى أن كل ما في تاريخ الفن هو خارج الفن لأنه بقي أسير الشكل والتصوير.

أين تبحث عن محرضاتك الإبداعية للعمل؟
الموضوع إحساس، ولا أنكر جمالية القبح فهو محرض أيضاً، وعملية التأمل جداً هامة. أبحث بشكل دائم عن السر وراء أي شيء، لدي هذا الفضول في البحث والمتعة في المغامرة والاكتشاف لأي سر مكنون داخل أي شيء أراه.

نورريم، من أين أتى هذا الاسم الذي أخذت توقع فيه حالياً؟
هو مكون من اسمين نور وريم، وهما ابنتاي، في إحدى المرات أنجزت لوحة وكانتا تلعبان بالقرب منها، بعدما انتهيت غافلتاني وقامتا بالتوقيع عليها قبلي بهذا الشكل، أعجبتني الفكرة أو الصدفة فقررت أن أتبناه اسماً لتوقيع لوحاتي.

الفنان عصام حمدي في سطور:
- مواليد الحسكة عام 1964.
- درس الحقوق ولم يمارسها وهجرها إلى العمل الفني.
- هو شقيق الفنان عمر حمدي المعروف بـ«مالفا».
- كتب النقد التشكيلي ورسم الكاريكاتور في الصحافة السورية واللبنانية منذ عام 1985.
- نفذ أعمالاً جدارية في كل من دبي والكويت.
- المعرض الأول، 2008، دمشق، المركز الثقافي الأمريكي .
- المعرض الثاني، 2009، دمشق، المركز الثقافي الألماني (غوته).



عمر الأسعد


اكتشف سورية


مواضيع ذات صلة
- عصام حمدي: «غزة التي لا تنام.. ولغة الطغاة»

تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

ضيف اكتشف سورية
إلفة الإدلبي
إلفة الإدلبي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر